هذا هو الهدف الحقيقي للعدوان الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
سواء ردّت إيران على الغارة الإسرائيلية التي استهدفتها بالمباشر أو لم تردّ، فإن ما كشفه هذا الاستهداف يؤشّر إلى أن تل أبيب تعتبر معركتها الأساسية مع طهران، وإن كانت المواجهة المباشرة تأخذ أشكالًا مختلفة في كل من قطاع غزة وجنوب لبنان، حيث يقوم كل من حركة "حماس" و"حزب الله" بالدور المرسوم لهما من قِبل القيادة الإيرانية في الحرب، التي تدور رحاها في قطاع مستنزَف بشريًا واقتصاديًا ومعيشيًا وصحيًا، وفي الجنوب الذي يعاني ويصمد ويجاهد، حيث يسقط الشهداء من مقاتلين ومدنيين بالمئات، وتدّمر المنازل وتحرق محاصيل الحقول، ويُهجّر أهله.
فالحرب التي تشنّها إسرائيل ضد قطاع غزة مستهدفة حركة "حماس"، وضد جنوب لبنان باعتباره البيئة الحاضنة بأكثريته الشيعية لـ "حزب الله"، بالتوازي مع توجيه ضربات موجعة للإيرانيين في سوريا، إنما تهدف بالدرجة الأولى إلى تقليص النفوذ الإيراني في كل من فلسطين ولبنان وسوريا عبر استهداف حلفائها، على أن تتكفل الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض الدول الغربية بتقليم أظافر الحوثيين في اليمن ومنعهم من السيطرة على الحركة الملاحية البحرية في البحر الأحمر.
وفي اعتقاد حكومة الحرب في تل أبيب أنه متى تمّت عملية تحجيم دور حركة "حماس" في فلسطين و"حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن،فإن النفوذ الإيراني في المنطقة يتقلّص تدريجيًا، ولا يعود له بالتالي التأثير المباشر على مجريات الأحداث، خصوصًا أنه كان لإيران على مدى السنوات الأربعين المنصرمة في "كل عرس قرص"، وكانت حاضرة بقوة في المشهدية الإقليمية سواء من خلال المواجهة المباشرة بين طهران وواشنطن والعالم الغربي، أو من خلال المواجهة غير المباشرة عبر حلفائها في المنطقة بعدما أصبح نفوذها يمتد من اليمن مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان وقطاع غزة. وقد أثبتت عملية "طوفان الأقصى"، وما تلاها في اليوم التالي من مساندة مباشرة قامت بها "المقاومة الإسلامية" من جنوب لبنان، مدى قدرة إيران على اقلاق راحة القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب من خلال الأسلحة المتطورة، التي استخدمت في عملية "الطوفان"، أو تلك الصواريخ المدّمرة والذكية والدقيقة، التي يستخدمها "حزب الله" في عملياته ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية المتقدمة، أو تلك الصواريخ البعيدة المدى، التي يمكن أن تطال ايلات، وهي التي تبعد عن الحدود الجنوبية مئات الكيلومترات. وما تقوم به إسرائيل حاليًا من حرب إبادة في قطاع غزة أو من خلال حرب الاستنزاف في جنوب لبنان، معتقدة أنها قادرة بذلك على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، تلتقي من حيث الأهداف مع أميركا، ولكنها تختلف معها من حيث الأسلوب، وبالأخص في ما يتعلق بالمسار التفاوضي الجاري بين واشنطن وطهران. وقد تكون تل أبيب أكثر المتضررين من الوصول إلى أي تسوية نووية، وهي مستعدّة لقلب الطاولة على رؤوس الجميع إذا شعرت بأن إيران قد تتحوّل في يوم من الأيام إلى قوة نووية.
فالتفسيرات التي تُعطى لغاية إسرائيل الحقيقية في ضربها المواقع الإيرانية في سوريا كثيرة، ولكن قد يبدو الهدف الرئيسي لكل هذه الاعتداءات، سواء في حلب أو في دمشق، هو في أن بمقدور تل أبيب على ملاحقة الأهداف الإيرانية المحدّدة من حيث ما تشكّله من تهديد مباشر لأمنها واستقرارها، وإن كانت غير راضية على ما تقوم به واشنطن من "تحت الطاولة"، خصوصًا أنه قد وصل إلى مسامع رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو بعض الهمس عن تحرّك لقنوات التواصل بين واشنطن وطهران عقب حصول العملية، خصوصًا أن إدارة بايدن كرّرت التأكيد بعدم مسؤوليتها عمّا حصل والتزامها بالتفاهمات الموجودة بينهما. ووفق الهمس الموجود فإنّ واشنطن وطهران اتفقتا على إبقاء مستوى النزاع الحاصل في المنطقة تحت سقف الحرب، أي حماوة مضبوطة كما هو حاصل في جنوب لبنان. ومن المنطقي الاعتقاد أنّ هذه التفاهمات الحاصلة تتماشى مع ترتيبات تجري حول إعادة تشكيل المنطقة.
ومن هنا أيضاً يمكن تفسير هذا الهدوء الذي تعيشه القواعد الأميركية في المنطقة منذ نحو الشهرين على رغم لهيب غزة والبحر الأحمر. وهذا ما يفسرّ أيضًا الصخب الذي ساد المهاتفة بين بايدن ونتنياهو. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: جنوب لبنان فی المنطقة قطاع غزة حزب الله تل أبیب من خلال
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الإسرائيلي يعترف بفشل سياسته في سوريا ويبدي قلقا من النفوذ التركي
رغم حالة الإحباط التي تسود الأوساط السياسية داخل الاحتلال الإسرائيلي حيال صعوبة إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية على غزة، تبرز في المقابل دعوات في تل أبيب إلى ضرورة استثمار التطورات المتسارعة على الساحة السورية لتعزيز ما تصفه بـ"المصالح المشتركة" بين الطرفين، في محاولة لإحياء قنوات التواصل مع أنقرة.
وتأتي هذه الدعوات في سياق إدراك الاحتلال الإسرائيلي لما تحمله المرحلة المقبلة من تحولات إقليمية، قد تتيح إعادة صياغة الاصطفافات السياسية في المنطقة، خاصة في ضوء ما شهدته العلاقات التركية-الإسرائيلية من توترات وتقلّبات خلال السنوات الماضية، على خلفية الموقف التركي من القضية الفلسطينية، لا سيما في غزة.
حيث أكد السفير والدبلوماسي الإسرائيلي مايكل هراري أنه "منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كثفت تركيا بشكل كبير سلوكها العدائي تجاه الدولة الإسرائيلية وانتقلت من الخطاب العدائي القاسي بشكل خاص إلى الإضرار الفعلي بالعلاقات الاقتصادية، حتى أضافت التطورات الأخيرة في سوريا تحدياً جديدا للعلاقات، حيث أدى الانهيار السريع لنظام الأسد لجلب رئيس جديد يتمتع بعلاقات وثيقة مع أنقرة، ترى فيه فرصة استراتيجية لبناء علاقة فريدة مع سوريا، خاصة في ضوء مصالحها الحيوية في الأقلية الكردية في الدول المجاورة".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أن "انهيار الأسد خلق واقعاً جديداً لإسرائيل فقد أدى ذلك لخروج إيران من سوريا، وإضعافها في المنطقة، وفي الوقت نفسه صعود زعيم يحمل أجندة جهادية، مع أنه منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، تراوح موقفه بين تناقضين: فمن جهة دعمت إسقاط الأسد، ومن جهة أخرى فضّلت "الشيطان المألوف"، واليوم فإنه مُطالب باتخاذ قرار، سواء إبقاء سوريا دولة فاشلة تفتقر لحكومة مركزية، أو إعطاء الفضل للحكومة الجديدة، رغم القلق المفهوم بشأن عقيدتها السياسية والدينية".
وأوضح أن "التطورات السورية كانت سريعة للغاية بالنسبة لإسرائيل فقد قرر اللاعبون الرئيسيون في المنطقة قبول النظام الجديد باعتباره متفوقاً على سابقه، وكانت تركيا، بطبيعة الحال، في المقدمة، وكذلك دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، كما انطلق الرئيس دونالد ترامب في قراره، وقرر رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بشكل دراماتيكي، وكل ذلك يعني أن إسرائيل يواجه مرة أخرى واقعا جديدا، وهو واقع لم يكن له أي دور في تشكيله".
وأكد أن "الدولة العبرية فشلت في فهم نافذة الفرصة التي انفتحت أمامه في الشمال، وهنا ستجد صعوبة باستعادة علاقاتها مع تركيا قبل انتهاء الحرب في غزة، وربما لا ينبغي أن يكون هذا الأمر محسوساً بقوة، لكن الساحة السورية تتطلب منهما العمل معا لإيجاد مصالح مشتركة، من حيث خلق تفاهمات لا تضر بمصالحهما، وتندمج مع ما يُنظر إليه على أنه استعداد المجتمع الدولي للنظام السوري الجديد ببناء حكومة مركزية مستقرة، وتجري بالفعل اتصالات إسرائيلية تركية، بدفع أمريكي، ووساطة أذربيجانية".
وأوضح أن "هناك حاجة إلى نهج استراتيجي حديث في إسرائيل يستند لعدّة رؤى: خروج إيران من سوريا يخدم مصلحته العليا؛ لأن تفضيل "سوريا ضعيفة ومقسمة" يتعارض مع موقف أغلبية المجتمع الدولي والإقليمي، ويتطلب التحديث، لأن سياسة استخدام القوة والنطاق العسكري الذي فرضته إسرائيل على نفسها يجب أن يتم ضبطه بشكل كبير؛ صحيح أن القلق بشأن النفوذ التركي المفرط أمر مفهوم، لكنه مبالغ فيه".
وختم بالقول إن "سوريا تحت النفوذ التركي أقل خطورة على أمن إسرائيل من سوريا تحت النفوذ الإيراني، ومن المطلوب التوصل لتفاهمات مع أنقرة بشأن الساحة السورية بما يخدمهما، ويمكن أن يكون هذا بمثابة خطوة أولى نحو استعادة العلاقات بينهما".
أما الخبير في الشؤون الاستراتيجية، يهودا بالانغا٬ فقد طالب بأن "تتبنى إسرائيل استراتيجية تحافظ على مصالحها السياسية والأمنية في المنطقة، زاعماً أن أي تحسن في العلاقات الأوروبية والأمريكية مع سوريا قد يأتي على حسابها، كما حدث في الماضي مع لاعبين آخرين في الشرق الأوسط، ولكن حتى الآن، وباستثناء دخول المنطقة العازلة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية السورية، لا يبدو أن التدخل الإسرائيلي في سوريا يسعى لتحقيق أي هدف شامل".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أنه "من المهم ممارسة الضغط الإعلامي في أوروبا والولايات المتحدة بشأن ضرورة عدم تحول سوريا إلى مركز للعمليات المعادية لإسرائيل٬ لكن هناك حاجة أكبر لصياغة استراتيجية طويلة الأمد أصبحت أكثر إلحاحاً، مما يعني أن الإسرائيليين لا زالوا يحاولون استخلاص الدروس التي دفعوا ثمنها من الدماء في الحرب العبثية الجارية في غزة، استمرارا لدروس سابقة من حروب خاضوها في سنوات ماضية، داخليا وخارجيا".
وختم بالقول أن "التجارب العديدة، وآخرها التحولات التي تشهدها سوريا أثبتت أن إسرائيل تفتقر لصياغة استراتيجية طويلة الأمد، خشية الاحتكاك اليومي مع السوريين الذي قد ينفجر في وجهه، وآخرها ما تشهده سوريا من تطورات سياسية متلاحقة، يخشى أن يكون فيها خاسرا".