سأتناول هذا الموضوع الذي طالما طرقه الكثير منا وهو ما يعرف مجازا بين السودانيين بحملة كتشنر ؛ وهي في تسميتها الأدق تاريخيا وبموجب القانون الدولي وقتها : حملة الاسترداد ، وتعني إسترداد حكمدارية السودان النيلي للسيادة العثمانية من خلال الولاية المصرية.
ولا بد من خلفية تاريخية سريعة :

في 1820م 1821م دخلت السودان حملة ضم قادمة من مصر وكانت تحت حكم الوالي محمد علي باشا وكانت مصر بدورها ولاية تابعة للدولة العثمانية.

صار السودان حكمدارية تابعة لمصر وتعاقب على حكمه حتى سنة 1881م عدد كبير من الحكمداريين وتراكمت المظالم حتى قيام الثورة المهدية انطلاقا من الجزيرة ابا.

بالتزامن مع الثورة المهدية كانت حركة الضابط احمد عرابي ورفاقه ضد الخديوي محمد توفيق مطالبة باصلاحات في نظام الحكم والمزيد من المشاركة الشعبية في ادارة الحكم الا انها لم تسع لتقويض سلطة اسرة محمد علي او الخروج من شرعية التبعية للدولة العثمانية.
تدخلت بريطانيا وفرنسا بدعوى الحفاظ على سلطة الخديوي ولكن بريطانيا انفردت بالتدخل والغزو العسكري بدءا من قصف الاسكندرية انتهاءا باحتلال القاهرة وسوق عرابي ورفاقه للمنفى بعد محاكمة صورية ؛ بينما ابقت على وجود وسلطة الخديوي ظاهريا وقانونيا.
اما الدولة العثمانية الام فلم تحاول التدخل لحماية ولايتها المصرية ؛ وتم تعريف الاحتلال البريطاني لمصر باستعمار حماية وليس ضم ؛ وفي هذه الحالة تحملت الخزينة المصرية كل التكاليف بما فيها تكاليف التدخل البريطاني.

اصدر الخديوي توفيق قرارا بحل الجيش المصري وتسريح ضباطه ؛ وتم البدء في تشكيل جيش جديد بقيادة ضباط بريطانيين متعاقدين مع نظارة الحربية المصرية ؛ ومن هؤلاء كان الضابط الشاب كتشنر الذي تم توظيفه كضابط مخابرات لاجادته اللغة العربية.

في هذا الوقت 1883م كانت الثورة المهدية في السودان تحقق اكبر انتصاراتها في شيكان ضد جيش بقيادة هكس باشا الضابط البريطاني المتعاقد هو وزملائه مع نظارة الحربية المصرية وللاسف تم تشكيل ذلك الجيش من الجنود المسرحين من جيش عرابي والذين تم تسفيرهم مقيدين بالسلاسل ؛ وهو الامر الذي اعتبره بعض البريطانيين المتعاطفين مع عرابي مثل الفريد سكاونت بلنت جريمة ابادة خطط لها الخديوي محمد توفيق للانتقام من الجيش الذي ثار ضده ؛ وعقب شيكان فإن الدولة المهدية صارت امرا واقعا في السودان وليس بتحرير الخرطوم في 26 يناير 1885م.

في العام 1884م كان كتشنر نشطا في التحرك في بلدات شمال السودان ؛ حلفا ؛ دنقلا حتى كورتي وكان بتنكره واجادته للغة العربية قادرا على خداع شيوخ القبائل وايهامهم بأنه تركي لدرجة انه ذكر في احدى تقاريره انه ظل لمدة ثلاث ساعات معهم وصلى معهم كذلك .. صلاة المسلمين.

التوصيف القانوني لوضع الدولة المهدية في السودان : ظلت بموجب القوانين وخرائط الدول المعترف بها تعتبر جزءا خارجا عن سلطة الدولة المصرية ؛ ويجدر بنا أن نؤكد هنا أن الدولة المصرية نفسها كانت تعتبر دولة تابعة Vasal State للدولة العثمانية برغم وجود جيش الاحتلال البريطاني وما يتبعه من نفوذ سياسي.
صار في مصر جيشان :
الجيش المصري الجديد بقيادة الضباط البريطانيين المتعاقدين ومنهم كتشنر وكانوا زيهم الرسمي هو زي الجيش المصري بالطربوش التركي.
الجيش الثاني :جيش الاحتلال البريطاني .

اجتهدت بريطانيا في فرض حصار تجاري من جهة حلفا وحصار بحري من جهة سواكن ؛ وخلال كل سنوات حكم الخليفة عبد الله بن السيد محمد من يونيو 1885م ظلت الاستعدادات وتأهيل الجيش المصري بقيادته البريطانية لحملة الاسترداد على قدم وساق… بينما كان كتشنر قد صار سنة 1896م القائد للجيش المصري.

1896م بدأت الحملة التحرك من حلفا نحو دنقلا في المرحلة الاولى ؛ وقانونيا و ماديا توفرت لها تغطية مصرية كاملة و ارتدى كتشنر ورفاقه البريطانيين الزي العسكري المصري والطربوش ؛ وفي 2 سبتمبر 1898م كانت موقعة كرري وما تلاها من تجريد مصر من كل المكاسب السياسية المفترضة لحملة الاسترداد.

ان ما عرف في تاريخنا بحملة كتشنر هو في حقيقته من اكبر عمليات التغطية القانونية بحيث يصعب معها اية محاولة ملاحقة قانونية ؛ بل ان حملة كتشنر 1898م لا تذكر في الارشيف العسكري البريطاني في الشبكة العنكبوتية باعتبارها من معارك القوات البريطانية التاريخية ؛ ويمكنك ان تلاحظ ان كتشنر وعقب كرري تم استدعائه لقيادة القوات البريطانية في جنوب افريقيا في الحرب التي تعرف بحرب البوير ضد الهولنديين ؛ وهذه حرب تذخر اراشيفهم الاسفيرية بتفاصيلها لأنها كانت حربهم ؛ قانونيا !

ساتناول في الختام مسألة هامشية يحلو لكثير منا تكرارها كل حين ؛ وهي التركيز على مدفع المكسيم والاعتقاد بانه استخدم في كرري 1898م لأول مرة.

هذا ليس صحيحا.
استخدم المكسيم لاول مرة سنة 1887م في ما عرف بحملة انقاذ امين باشا حكمدار الدولة المصرية في حكمدارية خط الاستواء ؛ وكانت الحملة بقيادة الامريكي هنري مورتون ستانلي ؛ وبسبب مدفعين من المكسيم تبرع بهما مخترع المكسيم للحملة على سبيل التجربة ابيد الالآف من رجال القبائل في خط سير الحملة من رأس بنانا على ساحل الكونغو على المحيط الاطلسي مرورا بادغال الكونغو وصولا الى الضفة الغربية لبحيرة البرت.
تلك قصة اخرى.

#كمال_حامد ????
مكرر من 4 يونيو 2016م

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الجیش المصری

إقرأ أيضاً:

الرئيس اللبناني يتحدى حزب الله في عيد الجيش: لا سلاح خارج الدولة

أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، التزامه الصريح بسحب سلاح جميع القوى المسلحة في البلاد، بما في ذلك سلاح حزب الله، وتسليمه للجيش اللبناني، مؤكدًا أن الدولة يجب أن تكون الجهة الوحيدة التي تحتكر استخدام القوة العسكرية على كامل الأراضي اللبنانية.

جاء تصريح عون خلال كلمة ألقاها من وزارة الدفاع بمناسبة عيد الجيش اللبناني، حيث شدد على أن الدولة أمام "فرصة تاريخية" لإعادة بسط سلطتها الكاملة، داعيًا جميع القوى السياسية إلى التكاتف حول مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للمؤسسات ويعزز من وحدة القرار الأمني والعسكري في البلاد.

 وقال الرئيس: "ندفع من دون تردد إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني" .

وتتزامن تصريحات الرئيس مع مساعٍ لبنانية لإطلاق خطة سياسية – أمنية تنص على وقف فوري للهجمات الإسرائيلية في الجنوب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع التي يحتلها، مقابل التزام داخلي لنزع سلاح التنظيمات المسلحة كافة، ودمجها في مؤسسات الدولة الرسمية.


كما دعا عون المجتمع الدولي لتقديم دعم مالي مباشر للجيش بقيمة مليار دولار سنويًا على مدى عشر سنوات، لتعزيز قدراته اللوجستية والعسكرية وتثبيت الاستقرار في البلاد، وفق ما نقلته وكالة رويترز.


لكن هذا التوجه قوبل برفض قاطع من قبل حزب الله، إذ اعتبر نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، أن الحديث عن تسليم سلاح المقاومة هو "خدمة مباشرة لإسرائيل".

وقال قاسم، في تصريحات نشرتها قناة "المنار"، إن "المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن سلاحها طالما أن التهديد الإسرائيلي قائم، وإن الدعوات لنزع السلاح في هذا التوقيت تخدم أهداف العدو". وأضاف: "لن نسلّم سلاحنا في أي ظرف، ومن يطلب ذلك إنما يطالب بفتح لبنان أمام العدوان من دون رادع.

وكانت قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما القرار 1701، قد نصت سابقًا على ضرورة أن تفرض الدولة اللبنانية سلطتها الكاملة جنوب نهر الليطاني، وأن لا يكون هناك وجود مسلح خارج إطار الدولة، إلا أن التنفيذ ظلّ مرهونًا بالتوازنات الداخلية والإقليمية المعقدة.

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: ألاعيب الإخوان وإسرائيل ضد مصر تتحطم على صخرة الجيش المصري
  • الرئيس اللبناني يتحدى حزب الله في عيد الجيش: لا سلاح خارج الدولة
  • إطلاق حملة أثر الجندي لزراعة الأشجار في الأنبار تخليداً لمواقف الجيش العراقي
  • 5 آلاف طن مساعدات تدخل غزة ضمن حملة زاد العِزة برعاية الهلال الأحمر المصري
  • ملتقى التأثير المدني: متى يصدق شبه الدولة أنه يستطيع أن يكون دولة؟
  • الجيش المصري يعلن إسقاط أطنان من المساعدات جوا على قطاع غزة
  • أمريكا تغازل القاهرة بصفقة مليارية.. هل تمنع صعود التنين الصيني في الجيش المصري
  • أنقذوا الفاشر حملة في السودان لفك حصار المدينة ووقف تجويعها
  • خارجية النواب: اللقاء المصري البريطاني يرسّخ الاستقرار الإقليمي ويدفع نحو وقف إطلاق النار في غزة
  • حزب الكتائب يدعو الدولة إلى دعم الجيش