كأن القرآن تتنزل آياته الآن تتكشف عنها حُجُب الغيب، كأني أرى نسخة عثمان ذي النورين تنتقل إلى غزة ليُعاد كتابتها بمداد الدم الطاهر الزكي وكأن هؤلاء يرتلونها بغير القراءات العشر قراءةً لايعرفها إلا هم ومَن كان مثلهم لها أحكام أخرى المد فيها متصل إلى السماء بغير وقف، ولا قلقلة في مواقف قُرائها بل ثبات عند كل حرف ولا لحنَ في تلاوتهم إلا لحن الشهادة تتوق لها كل نفس، تلاوة لا يفهمها مَن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين الذين يزأر في آحادهم حادي الجهاد:
دع قرآن غزة لا ترحل لبُغيته واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى
دع قوافل الأبطال يتدافعون نحو الشجرة إذ يناديهم رسول الله: من يبايعني على الموت؟ فما تخلف منهم أحد، وكأن شجرة الرضوان يتدلى منها زيتون غزة وها هي آية الرضا تنزل (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).
هؤلاء إذ سمعوا أمر الله بالنفرة (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فنفروا شباباً وشيوخاً أطفالاً ونساءًا لم يتخلف منهم أحد..
وإذ ألقيت السمع وأنا شهيد وأمعنت النظر من بعيد في (نسخة مصحف غزة) فإذا هم يكتبون على هوامشها كتابةً رائقة رواق أنهار الجنة كأنهم يجلسون على ضفافها ويقولون لأغيارهم لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ماوعدكم ربكم حقاً..واقتربتُ لأتناول نسخةً مِن مصحف غزة وأقول هاؤوم اقرأوا علانية فإذا بصوتٍ يناديني لا عليك هي نسخة ناطقةُ آياتها متحركة تسمعها وتراها رأي العين، وكأني رأيت آياتٍ فى ظُلَلٍ مِن الغَمام تنزاح عنها شيئاً فشيئاً نعم هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) وأسمع الصوت حولها يقول هل رأيتهم إلا مقبلين غير مدبرين؟ ثم أرى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ونفس الصوت تتردد أصداؤه هل رأيت منهم غير الثبات مصحوباً بذكر الله يعلو حتى يصل عنان السماء ويسألني أما رأيت هؤلاء إذ سمعوا نداء الله بالشراء (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) فباعوا بغير تردد وأعلنوا بغير تلعثم: ربح البيع ورب الكعبة.
وجاءت وفود نساء غزة تترى يبايعن رسول الله فيبايعهن ويضربن أمثلةً في التضحية والثبات ما عرف التاريخ مثلها إلا في بعض صحابيات رسوله ويُسطرن مواقف يخجل منها ويتضاءل أمامها مَن كان في قلبه مثقال ذرة مِن رجولة.
الكل علم أن الله يريد أن يميز الخبيث من الطيب فأخذوا حِذرهم من المنافقين والمعوقين والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ومن الذين في قلوبهم مرضُ ومِن المرجفين في المدينة ولم ينخدعوا بأيمانهم (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) نعم ليسوا منا بل هم أولياء لأعداء الله (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) هؤلاء الخونة إن يريدوا خيانتكم فقد خانوا الله من قبل ومازالوا وانحازوا لعدو الله وعدوكم (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة)، ومازالت الآيات تترى فهاهو قول الله تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) ثم سألت نفسي: كيف يستقبلون الموت بهذا البِشر والترحاب فجاءني الجواب سريعاً إنهم أيقنوا بقول ربهم (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُون، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وصوت آخر أكثر عذوبة يتهادى فى السماء أسمعه يرتل (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وإذ ألقيت السمع وأنا شهيد وأمعنت النظر من بعيد في (نسخة مصحف غزة) فإذا هم يكتبون على هوامشها كتابةً رائقة رواق أنهار الجنة كأنهم يجلسون على ضفافها ويقولون لأغيارهم لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ماوعدكم ربكم حقاً..
قلت هنيئاً للسابقين منهم واللاحقين بهم، وتعساً لمن عاداهم وسُحقاً لمن خذلهم..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة رأي احتلال فلسطين مقاومة غزة رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الراعي: الميرون رمز الوحدة وتجديد الإيمان بالروح القدس
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس اختتام الرياضة الروحية السنوية للمطارنة ورتبة تبريك الميرون، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة أساقفة الطائفة المارونية من لبنان وبلدان الانتشار وعدد من الكهنة.بعد تلاوة الإنجيل المقدس وإتمام رتبة تبريك الميرون، ألقى البطريرك الراعي عظة تناول فيها معاني الميرون، حيث قال: "هذا الميرون الذي نحن بصدد تبريكه، وهو مؤلف من طيوب الناردين الغالية الثمن، يعتبر علامة للروح القدس. يُوسَم به المسيحيون بعد المعمودية، فيصبحون على صورة المسيح، ويحملون اسم المسيحي. فكل الشعب المسيحي وُسم بالميرون وأصبح هيكلًا للروح القدس، وأيضًا عضوًا في الكنيسة. الميرون هو علامة الوحدة في الكنيسة، والشعب المسيحي هو شعب كهنوتي، شريك مع المسيح في الكهنوت العام. ومن هذا الشعب يُختار كهنة يُرسَمون بالميرون في أيديهم، ليُصوَّروا كهنة على صورة المسيح، حاملين سلطانًا ثلاثيًا لخدمة الكلمة في التعليم، وخدمة النعمة في التقديس. ومن بين هذا الشعب المسيحي، يختار الرب أساقفة يُمسَحون هم أيضًا بالميرون على جباههم وأيديهم ليُصوَّروا على صورة المسيح راعي الرعاة، حاملين ملء الكهنوت".
وأضاف: "لهذا السبب، وبما أن الميرون هو رمز الوحدة في الكنيسة ورمز الروح القدس الواحد، قررنا نقل حفل تبريك الميرون من يوم خميس الأسرار إلى زمن انعقاد السينودس، حيث يجتمع جميع المطارنة وبعض الكهنة. واليوم نحتفل به كعلامة لوحدة الكنيسة في الروح القدس".
وتابع: "المرأة التي كسرت قارورة طيب الناردين ترمز إلى فعل محبة وتوبة، إذ لا يتوب إلا من يحب. لقد كسرت قارورة الطيب وضحت بأغلى ما عندها، وهو دلالة على أن أمام المسيح كل شيء يصبح رخيصًا. هذه المرأة تقدم مثالاً لنا جميعًا؛ فكل واحد منا لديه قارورة طيب، وهي رمز لما يتعلق به قلبه. التوبة الحقيقية هي عندما نكسر قارورة الطيب التي تمثل ما يتعلق به قلبنا في حياتنا اليومية، كعلامة لتوبتنا. ولهذا قال الرب يسوع إن ما فعلته المرأة كان استباقًا لدفنه. يسوع ضحى بذاته من أجل البشرية جمعاء، وقليل علينا أن نضحي بشيء من أجله. لقد ضحت المرأة بأغلى ما لديها من أجل المسيح الذي ضحى بكل ذاته. ولذلك قال الرب إن ما فعلته سيُكرَز به في الإنجيل في العالم كله، وسيُذكَر كفعلٍ رمزي لكل توبة. التوبة تتطلب كسر قارورة الطيب التي تتعلق بها قلوبنا، وعندها نعيش التوبة الحقيقية".
وختم الراعي: "نحن في تبريك هذا الميرون نجدد إيماننا بالروح القدس وبوحدة الكنيسة. كما نجدد التزامنا ببناء الوحدة في الكنيسة، ونجدد توبتنا بكسر قارورة الطيب التي تتعلق بها قلوبنا". مواضيع ذات صلة شيخ العقل: شهداؤنا رمز الدفاع وندعو للحكمة والوحدة Lebanon 24 شيخ العقل: شهداؤنا رمز الدفاع وندعو للحكمة والوحدة