انتعاش ضعيف ومتفاوت على الصعيد العالمي
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
إسوار براساد ـ كارولين سميلتنيكس -
عندما يرزح العالم تحت عبء الصراعات الجيوسياسية، وسياسات الحماية، والتضخم المستمر، فإنه يلقي بثقله على النمو الاقتصادي. ولكن في حين يُظهِر آخر تحديث لمؤشرات تتبع التعافي الاقتصادي العالمي الذي أعدته «بروكينغز وفايننشال تايمز» أن النمو العالمي استقر عند مستوى ثابت، فإن التعافي الاقتصادي في بعض البلدان يعطي بصيص أمل في احتمال حدوث انتعاش في العام المقبل.
وتختلف وتيرة النمو الاقتصادي اختلافا كبيرا بين البلدان، خاصة بين اقتصادات العالم الرئيسية. إذ في حين حافظت الولايات المتحدة والهند على أداء قوي، فإن الاقتصاد الصيني آخذ في التباطؤ. وتتجلى هذه الاختلافات أيضا داخل منطقة اليورو، حيث أصبحت ألمانيا على حافة الركود، في حين فاق الأداء الاقتصادي لإيطاليا وإسبانيا كل التوقعات.
ويكمن التباين الثاني بين النتائج الاقتصادية الفعلية والأسواق المالية، حيث تشهد أسواق الأوراق المالية انتعاشا حتى في البلدان التي تتسم بنمو ضعيف وسياسات نقدية متشددة. وفضلا على ذلك، تشهد مستويات ثقة الأسر المعيشية والشركات ارتفاعا في مختلف أنحاء العالم، مع أن هناك حالة عدم يقين متزايدة جراء التحولات الجيوسياسية والسياسات المحلية المتقلبة. وقد تكون مكاسب أسواق الأسهم وارتفاع مستويات الثقة مؤشرا على احتمال حدوث ارتفاع طفيف في النمو العالمي في عام 2024، خاصة إذا استمر التضخم في الانخفاض، مما سيمكن البنوك المركزية من خفض أسعار الفائدة. ولكن قد تتضاءل هذه النظرة المتفائلة بسبب تصاعد التوترات الجيوسياسية، والاضطرابات السياسية الداخلية في عدد من البلدان، والضغوط التضخمية المستمرة. وفضلا على ذلك، فإن اعتماد الصين وألمانيا على الطلب الخارجي بدلا من السياسات المحلية التحفيزية من شأنه أن يقوض علاقاتهما التجارية والنمو الاقتصادي العالمي.
لقد أثبت الاقتصاد الأمريكي قدرته على الصمود على نحو ملحوظ، حيث عززت سوق العمل التنافسية إلى جانب ارتفاع أسعار الأسهم ثقة الشركات والمستهلكين وحفزت الطلب المحلي. ومع أن بنك الاحتياطي الفيدرالي حافظ على أسعار الفائدة المرتفعة، فإن مكاسب الإنتاجية والهجرة مكنت الاقتصاد الأمريكي من الحفاظ على النمو دون تفاقم التضخم. ومع أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتمتع بالمرونة اللازمة لتأخير التيسير النقدي، فإن ديناميكيات التضخم لا تزال تجعل من الصعب تحديد التوقيت الأمثل لتغيير السياسات. ومن ناحية أخرى، بدأت اليابان أخيرا في تطبيع سياستها النقدية. ومع ازدهار أسواقها المالية واستعادتها للثقة، يبدو أن الوضع الراهن للبلاد يشير إلى أنها ستشهد عاما آخر من النمو المعتدل. وفي المقابل، أصبحت المملكة المتحدة على حافة ركود طويل الأمد، ولو أنه معتدل؛ ويرجع ذلك إلى التضخم المستمر، والمرونة المالية المحدودة، وعدم الاستقرار السياسي الداخلي.
وفي حين لا يزال الاقتصاد الصيني يواجه صعوبات، فقد قدمت الحكومة حوافز إضافية للاقتصاد الكلي، واتخذت تدابير لدعم أسواق العقارات والأسهم المتعثرة. ولكن فعالية هذه التدابير تتقوض بسبب غياب الإصلاحات الشاملة اللازمة لإعادة بناء ثقة القطاع الخاص. ويمكن أن تحد الصين من ضعف الطلب الأسري والضغوط الانكماشية، ومن تُعزز الثقة بين المستثمرين المحليين والدوليين، باعتمادها لحزمة سياسات أكثر فعالية، تشمل تقديم المزيد من الدعم المالي.
وتستعد الهند من جانبها لاستقبال عام آخر من النمو القوي المدعوم بانتعاش سوق الأوراق المالية، وهو ما يَدُل على تفاؤل الأسر والشركات. بيد أنه رغم تراجع مستويات التضخم والانضباط المالي للحكومة، فإن التوقعات ليست إيجابية تماما، ويتجلى ذلك في تراجع سوق الشغل والاستثمارات الأجنبية المباشرة. ومن أجل الحفاظ على زخم النمو، يتعين على صانعي السياسات في الهند تنفيذ الإصلاحات فيما يتعلق بالشؤون الإدارية والتعليم، إلى جانب الاستثمار في البنية الأساسية. وهناك بقاع أخرى مشرقة في آسيا. إذ من المتوقع أيضًا أن تشهد إندونيسيا، التي ستجني في وقت قريب عائدا ديموغرافيا بفضل سكانها الشباب، نموا سريعا في عام 2024، شأنها في ذلك شأن الهند. ومع أن الاقتصاد الروسي أظهر مرونة غير متوقعة على مدى العامين الماضيين، فلا ينبغي لنا أن نتجاهل ما تعانيه من صعوبات اقتصادية جراء العقوبات الغربية. ومع أن الزخم الذي حققته الجهود الحربية في أوكرانيا كبير، إلا أنه مؤقت وقد لا يكون مستداما أو يعزز نمو الإنتاجية. ومن المتوقع أن تنمو الأرجنتين والمكسيك بنسبة 2-3 في المائة في عام 2024، في حين من المتوقع أن ينخفض النمو في البرازيل انخفاضا طفيفا. ولكن الانقسامات السياسية في هذه البلدان قد تؤدي إلى كبح الطلب المحلي وتثبيط المستثمرين الأجانب.
ومن ناحية أخرى، كانت احتمالية خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة سببا في تخفيف بعض الضغوط المفروضة على البلدان المنخفضة الدخل التي تعاني الأمرين مع ضائقة الديون، الأمر الذي أدى إلى تحسن آفاق نموها، ولكن هذه الأخيرة لا تزال ضعيفة. ومن الأهمية بمكان أن الارتفاع الطفيف في النمو العالمي قد يخفي مشكلات كبيرة، مثل الانقسامات الجيوسياسية، والاضطرابات السياسية، والحمائية التجارية، والاضطرابات المرتبطة بالمناخ، وعدم كفاية الحماية للفئات السكانية والبلدان الضعيفة. ومن المرجح أن تلحق التأثيرات السلبية الناجمة عن النزعة القومية الاقتصادية والحمائية التجارية أكبر قدر من الضرر بالبلدان النامية الصغيرة.
ويتمثل التحدي الذي يواجه صانعي السياسات، وخاصة في الاقتصادات الكبرى، في وضع أطر سياسية تحد من عدم اليقين وتعزز ثقة الشركات والمستهلكين. ومن ناحية أخرى، يتعين على البنوك المركزية أن تواصل التركيز على استعادة استقرار الأسعار، كما يتعين على الحكومات أن تركز على السياسات المالية السليمة وإصلاحات جانب العرض.
إسوار براساد أستاذ الاقتصاد في كلية دايسون بجامعة كورنيل وهو مؤلف كتاب مستقبل المال: كيف تعمل الثورة الرقمية على تحويل العملات والتمويل؟
كارولين سميلتنيكس طالبة جامعية في الاقتصاد بجامعة كورنيل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الاقتصاد فی حین ومع أن
إقرأ أيضاً:
عاجل | صندوق النقد الدولي يتوقع استمرار نمو الاقتصاد الأردني والتضخم حتى 2026
صراحة نيوز- توقع صندوق النقد الدولي، في تقريره الصادر الثلاثاء، أن يواصل الاقتصاد الأردني تحقيق نمو مستقر خلال العامين المقبلين، مدعوماً بسياسات اقتصادية كلية وإصلاحات هيكلية تُنفذ بدعم من برامج الصندوق.
وأشار التقرير، الصادر بعنوان “التوقعات الاقتصادية العالمية/ تشرين الأول 2025”، إلى أن النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في الأردن يُتوقع أن يصل إلى 2.6% عام 2025 مقابل 2.5% في 2024، ويرتفع إلى 2.7% في 2026.
كما يتوقع الصندوق أن معدل التضخم يبلغ نحو 2.5% في 2025 مقارنة بـ 2.3% في 2024، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 2.4% في 2026.
وأوضحت البيانات أن عجز الحساب الجاري سيواصل الانخفاض تدريجياً من 5.6% من الناتج المحلي في 2024 إلى 5.2% في 2025 ثم 5.0% في 2026، بينما يُتوقع أن يتراجع العجز المالي الكلي من 2.8% في 2024 إلى 2.6% في 2025 و2.3% في 2026، فيما سينخفض الدين العام الإجمالي من 87% في 2024 إلى 84.6% في 2025 ثم 82% في 2026.
وجاءت هذه التوقعات ضمن تحليل أوسع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث من المتوقع أن يشهد اقتصادها نمواً بنسبة 3.3% في 2025 مقارنة بـ 2.1% في 2024، مدفوعاً بزيادة الإنفاق الرأسمالي في دول الخليج وتحسن النشاط الاقتصادي في الدول المستوردة للنفط مع استقرار أسعار الطاقة وتراجع التضخم.
وأكدت بعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن، في بيانها الصادر في 7 تشرين الأول 2025 بعد اختتام المراجعة الرابعة لبرنامج “تسهيل الصندوق الممدد”، واستعراض برنامج “تسهيل الصلابة والاستدامة”، أن الاقتصاد الأردني مستمر في إظهار المرونة بفضل السياسات المالية والنقدية السليمة، مع تحقيق نمو 2.7% في النصف الأول من 2025، واستقرار التضخم عند نحو 2%، وحفاظ البنك المركزي على الاستقرار النقدي وربط الدينار بالدولار الأميركي.
وأضاف البيان أن عجز الحساب الجاري من المتوقع أن يتراجع إلى نحو 5% من الناتج المحلي، مدفوعاً بارتفاع عائدات السياحة والصادرات، وأن المالية العامة تسير على المسار الصحيح بفضل تعزيز الإيرادات وتوسيع القاعدة الضريبية، مع الالتزام بخفض الدين العام تدريجياً مع حماية الإنفاق الاجتماعي والتنمية، بهدف الوصول إلى مستوى دين نحو 80% من الناتج المحلي بحلول 2028.
وأشار البيان إلى أن استكمال المراجعة الرابعة في إطار اتفاق تسهيل الصندوق الممدد سيوفر نحو 130 مليون دولار، بينما سيوفر استكمال المراجعة الأولى في إطار تسهيل الصلابة والاستدامة نحو 114 مليون دولار إضافية.
وأكد التقرير ونتائج بعثة المراجعة الرابعة استمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية للأردن، وانخفاض معدلات العجز والدين تدريجياً، واستقرار التضخم، مع قدرة الاقتصاد على التكيف مع التحديات الإقليمية والمالية العالمية.