سودانايل:
2025-12-12@20:59:03 GMT

اختراق

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

د. أحمد جمعة صديق
كتب محمد فضل علي 16 April, 2024 في (سودانايل) عن رد الفعل علي الاعتراض الذي أبدته حكومة الامر الواقع السودانية، علي مجهودات المجتمع الدولي والدوائر الاقليمية العربية والافريقية من أجل وقف الحرب السودانية، وآخر هذه المجهودات مؤتمر باريس، الذي ييدف الي انقاذ مايمكن انقاذه علي صعيد الكوارث الانسانية المترتبة علي الحرب السودانية.

أورد محمد فضل أن الرئيس الفرنسي ماكرون قال إن حكومة بلاده لم توجه الدعوة الي الحكومة السودانية لحضور مؤتمر الدول المانحة، الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس، لأنها فقدت شرعيتها بعد انقلابها علي السلطة المدنية الانتقالية في اكتوبر 2021، علي حد تعبيرة فيما تداولته العديد من الصحف ووكالات الانباء وصحيفة السوداني التي نشرت نص الخبر وتصريحات الرئيس الفرنسي في هذا الصدد .
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد اصدرت بيان عدائي حول مؤتمر باريس قالت فيه : انها تعبر عن بالغ دهشتها واستنكارها أن ينعقد هذا المؤتمر حول شأن من شؤون السودان؛ الدولة المستقلة وذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة، دون التشاور أو التنسيق مع حكومتها وبدون مشاركتها ".
ونتيجة لنجاح هذه المجهودات الضخمة التي قادتها الدبلوماسية الشعبية المدنية السودانية الهادئة بقيادة (تقدم) ورئاسة حمدوك، فقد سقط أول ضحايا سياسة وزارة الخارجية الفاشلة، وزير الخارجية علي الصادق. فكما أورد تلفزيون السودان حسب الخبر الذي ورد عن رئيس التحرير طارق الجزولي اليوم 17-4-2024 في صحيفة سودانيل الالكترونية ذائعة الصيت. فقد أفاد التلفزيون السوداني، الأربعاء، بإنهاء تكليف وزير الخارجية علي الصادق، وتكليف حسين عوض علي بمهام الوزير.
ما وراء هذا الخبر لا يحتاج الى اجتهاد لاثبات أن الدبلوماسية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية قد فشلت فشلاً ذريعاً في وضع خطوط واضحة للتعامل مع العالم فيما يفيد مصلحة الوطن اولاً، وليس مصلحة الجهات السيادية التي تأتمر بامرها وزارة الخاجية. فعندما تتقاطع مصالح (الاوليجاركية) مع المصالح العامة؛ علي العاملين في وزارة الخارجية إعمال الموازانات التي تفيد الوطن. فقد فشلت الدبلوماسية السودانية الرسمية في تسويق مشكلة السودان حتى بين الاشقاء الافارقة، فبدلاً من استثمار مجهوداتهم لخدمة مصالح السودان كانت الخارجية السودانية تؤلبهم للوقوف في عداء للسودان لارضاء الحاكمين. لقد أفلحت الخارجية في منح الوسطاء الافارقة العذر في عدم الحماس لكل قضايا السودان.
وفي مقاله الضافي في 17-4-24 في (سودانايل) تناول الاستاذ زهير عثمان حمد سيرة وزارة الخارجية السودانية باعتبارها محوراً رئيسياً في تشكيل السياسة الخارجية للبلاد. ولكنها – كما قال - واجهت تحديات جمة بسبب تأثيرات الأنظمة الشمولية ونفوذ الإسلاميين. وفي السياق السوداني، غالباً ما تُطرح تساؤلات حول مدى استقلالية الخارجية السودانية وتأثرها بالتوجهات الإيديولوجية للأنظمة المتعاقبة. ويواصل الاستاذ زهير فيقول إن الخارجية قد (تغافلت) عن الهم الوطني والمصالح العليا للسودان، متأثرة بقرارات تخدم مصالح قادة الأنظمة الشمولية. هذه الأنظمة، التي حكمت بالحديد والنار، لم تُقّدر الدور الحقيقي للدبلوماسية السودانية كأداة لخدمة السودان دبلوماسياً.
ونعود لتصريح الرئيس الفرنسي ماكرون في عدم اعترافهم بحكومة الخرطوم مما ادى لتغييبها وعدم تقديم بطاقة (العزومة) لحضور مؤتمر باريس الاخير، فهذا التصريح - في الواقع - لا يعبر عن موقف فرنسا فقط؛ بل هو رأي جميع الدول التي رعت المؤتمر، بما فيها دول الاتحاد الاوربي. وقد عبر الاستاذ صلاح الباشا في 17-4-2024 بصحيفة (سودانايل) بقوله (لقد لاحظنا كثافة الهجمة الشرسة والنقد الذي فاق حد التصور للدول والمنظمات المشاركة -27 منظمة عالمية ومجموعة دول الاتحاد الاوربي في مؤتمر باريس تجتمع لدعم الجهود ولتوفير العون اللازم للاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الحرب في السودان. فالأمر لاعلاقة له بالحكومة أو بالمعارضة.. بل هو لبذل عمل سريع وكبير لإنقاذ الشعب السوداني. ومبدئياً سيتم تخصيص 2 مليار يورو عاجلة للبدء في تجهيز المساعدات من مواد
غذائية وأدوية وخلافه. لذلك فإن الهجمة الحالية (شايتة ضفاري) ساي. مرحب بالعون الإنساني أكثر وأكثر. والجمرة بتحرق الواطيها).
وذكر الاستاذ محمد الربيع في مقال له في نفس الصحيفة، أن المؤتمر كان مطلبياً بحتاً لوضع حدٍ للكارثة الإنسانية والمخاطر الجيوسياسية التي تهدد الإنسان السوداني، وقد شارك فيه كل قطاعات الشعب السوداني وممثلين حتي لأطراف النزاع ….لقد كان في المؤتمر الدكتور عبدالله حمدوك رئيس وزراء الثورة علي رأس وفدٍ من قادة تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية "تقدّم" كما كان في المؤتمر المحامي نبيل أديب عبدالله (محامي الفريق البرهان الخاص)!! وكان في المؤتمر الأستاذ محمد ذكريا (الأمين السياسي) لحركة العدل والمساواة برئاسة دكتور جبريل "وزير مالية البرهان" وقد كان في المؤتمر الأستاذ حسين أركو مناوي (الرجل الثاني) لحركة تحرير السودان جناح مناوي، وكان في المؤتمر الدكتور التجاني السيسي والدكتور خالد التجاني وجميعهم حزب (المؤتمر الوطني) ! وقد كان في المؤتمر الأستاذ المحبوب عبدالسلام الإسلامي المعروف (المؤتمر الشعبي) وقد كان في المؤتمر الدكتور الوليد مادبو، الأكاديمي وخبير الحوكمة المستقل (شخصية وطنية) مؤثرة وآخرين يمثلون الإعلام والثوار ومنظمات المجتمع المدني الخ...
والشاهد في الأمر أن البلابسة وداعمي الحرب من جماعة بل بس وسدنة السفارة في باريس حاولوا كالعهد بهم التخريب والصبيانية (حاولوا إقتحام المؤتمر) بدون أي دعوة أو صفة فقط بنية التخريب وإثارة الفوضي وبعضهم إحتالوا علي الدخول وتم طردهم شرّ طردة. وهذا شاهد آخر على قوة الفعل الشغبي ان صلحت النيات.
ولكن في مقاله في سودانايل في 16-4 يقول الدكتور عبد الحميد أن قائمة المدعوين من منسوبي ما (يُسمى) بالمجتمع المدني مثيرة للريبة وهم في معظمهم سياسيون لم تسبق لهم خبرات عملية في ميدان العمل الإنساني لا من ناحية مهنية ولا من ناحية عملية ولا معرفية ولم تضم القائمة أسماء معروفة في محيط العمل الإنساني ممن كان يمكن أن يكون لهم اساهم حقيقي في جعل عملية التدخل الإنساني أكثر فعالية و التوصل لعملية إغاثة تنقذ أهل السودان من سرادق العذاب الذي ضربته عليهم الحرب موتاً وخوفاً ومرضاً وجوعاً وتشريداً وإملاقاً.) ومع احترامنا لوجهة النظر هذه فان القائمة ان كانت كما ذكرت بهذا الطيف فهذه محمدة بأن السودان كله قد مثل. ولكن في رأي ليس في الامر ريبة أو شك لان مخرجات اللقاء في باريس كانت على صفحات الصحف ولا تغيب عنا تصريحات السيد رئيس الوزراء نفسه بما حققوه من انجازات في هذا المؤتمرفما الذي يريب؟ والمؤتمر كما فهمنا بانه كان (مطلبياً بحتاً لوضع حدٍ للكارثة الإنسانية والمخاطر الجيوسياسية التي تهدد الإنسان السوداني)،كما ذكر الاستاذ محمد الربيع في 17-04-2024 بصحيفة (سودانايل).
نخلص من كل ذلك أن الدبلوماسية الشعبية بقيادة حمدوك قد أنجزت ما يمكن ان نسميه (إختراقاً) في أن تصل الى جمع ومخاطبة ما يزيد عن 27 دولة ومنظمة اقليمية في باريس. هذا المجهود لم يكن وليد الصدفة اذ كان وراءه مجموعة من أبنائنا وبناتنا الذين حذوقوا العمل السياسي والدبلوماسي، وأصبحوا يتكلمون بفصاحة لغة المجتمع الدولي، كنظراء وليسوا متسولين. فقد نجحت االدبلوماسية الشعبية فيما فشلت فيه وزارة الخارجية في مخاطبة العالم بقضايا السودان. وقد استمع العالم لهم رغم انشغاله بقضايا أخرى في فلسطين واوكرانيا.
وقد لخص الاستاذ زهير موقف وزارة الخارجية (بان المشهد الذي لا يريد عباقرة خارجية كرتي أن نراه على حقيقته، وهو أن المجتمع الدولي يتعامل مع القوي المدنية "تقدم" كجهة محترمة و موثوقة؛ اذ خصصوا وقتاً كافٍ لها في مؤتمر في قلب باريس العاصمة الأوربية، ذات الثقل السياسي الكبير، وسط انشغال أوربي محموم بالحرب في أوكرانيا). ويردف الاستاذ زهير بالقول بانه ( متي نجد العلاج الناجع لهؤلاء الاسلاميين الذين يسطرون علي الخارجية نقول إن غداً لقريب، اذ أن الامل معقود في شباب الثورة والقوي الحية، لإنهاء هذا الغيبوبة واستعادة وزارة الخارجية لتكون صوت السودان الخارجي الذي يمثل السودان بقيمه الراقية).
ما تم في باريس – يا سادتي - يتوافق علي تسميته في علم وفن الدبلوماسية (بالاختراق) وهو ان تصل الى مبتغاك باسلوب مبسط يحفظ حقك وكرامتك ويحقق ما تريد بقل جهد وتكاليف ممكنة. وهذا ما فعلته الدبلوماسية السودانية اذ اخترقت الدبلوماسية الشعبية المدنية الحصار الذي يفرضه عليها النظام الحاكم وحققت الوصول - رغم العوائق - الى مخاطبة العالم، بل والنجاح في الحصول على وعود بمساعدات لوجستية ومالية تعدت ال 2 مليار يورو.
هذا الانتصار رد حقيقي على بطلان المماراسات التي يمارسها النظام لاعاقة السلام في السودان، وليس آخرها القائمة المشينة التي أصدرها النائب العام التي (تجّرم) هؤلاء الدبلوماسيين السودانيين الشعبيين وتمنعهم من لعب أدوارهم الطبيعية في خدمة أوطانهم. ولقد استنكر المجتمع السوداني هذا (العبط)، ولم يقف العالم أيضاً مكتفياً بالنظر الى ذلك، فقد شجب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك،النمط المستمر للاعتقالات والاحتجاز التعسفي، فضلاً عن الترهيب والتهديدات التي يواجهها ممثلو المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون، من بين آخرين. وشدد على أنه“ لا يمكن أن يكون هناك مسار مستدام للمضي قدماً في السودان دون مشاركة منظمات المجتمع المدني".

ما نريد أن نؤكده في هذا المقال أن (تقدم وقحت) اثبتت انهما حقاً برلمانات سودانية كاملة الدسم، والمأمول أن تلعب ادواراً حاسمة على الارض، فقد بلغ السيل الذبي وضاقت الارض على السودانيين رغم براحتها ووصلت الحلقوم. لابد من استنفار كل الجهود الدولية وكل وكالات الامم المتحدة ومواثيقها لتفعيل القوانين التي تحمي الارض والعرض والروح. وفي نظري أن هذا التجمع (مفوّض) بصورة جلية من قبل السودانيين في استدعاء وعمل كافة الحيل التي تطفئ نيران هذه الحرب العبثية الى الأبد.
والأمر الآخر الذي نريد أن نؤكده بأن لا أحد بعد اليوم يملك الحق في التشكيك أو المزايدة في جدوى جهود الدبلوماسية الشعبية السودانية، بل ونضجها في خدمة قضايا الوطن. كما نؤكد أيضاً بأن حواء السودانية بخير، فهي لن تتوقف عن انجاب العلماء والأدباء والدبلوماسيين والوطنيين الحادبين على مصلحة بلادهم من كل المهن والسحن.

كسرة،،،
لم لا يباشر (حمدوك) اعماله كرئيس للوزراء فهو لا زال الرئيس الشرعي في السودان؟؟؟

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدبلوماسیة الشعبیة الخارجیة السودانیة وزارة الخارجیة المجتمع المدنی کان فی المؤتمر مؤتمر باریس فی السودان فی باریس

إقرأ أيضاً:

منظومة القمع المصري.. اختراق الحدود وملاحقة المعارضين بأي ثمن

اللجوء الذي لم يعد ملاذا

في أحد مطارات إحدى الدول، يدخل شاب مصري مقيم في دولة أوروبية منذ خمس سنوات إلى صالة الوصول، حاملا جواز سفر يحمل تأشيرة دخول؛ فجأة، تحيط به الشرطة ويُقاد إلى غرفة التحقيق، هناك يُعلم بأن اسمه على قائمة الإنتربول بناء على طلب مصري، بتهمة "الانتماء لجماعة إرهابية". في نفس اليوم، يُقتحم منزل أسرته في أحد أحياء القاهرة، ويُعتقل شقيقه بتهم ملفقة ويهدد برسائل لاعتقال أمه وأخته. هذه ليست قصة خيال، بل حالة متكررة في ملف النظام العسكري المصري الذي حوّل القمع من ممارسة محلية إلى صيد عابر للقارات.

الفصل الأول: التشريع كسيف مسلط على الرقاب البعيدة

هندسة القوانين لتصدير القمع

لم تترك السلطات العسكرية في مصر شيئا للصدفة، فمنذ تمدد المعارضة خارج الحدود وتمرد الشباب على المعارضة التقليدية، شرعت في هندسة ترسانة قانونية تسمح بملاحقة من يعتبرهم النظام "أعداء" أينما وجدوا. تم تعديل قوانين مكافحة الإرهاب والتجسس وقانون العقوبات لتوسيع نطاق الاختصاص القضائي المصري ليشمل أي فعل "يُضِر بالمصلحة العليا للدولة" حتى لو حدث خارج إقليمها، وصيغت النصوص بعبارات فضفاضة مثل "الإضرار بالاقتصاد الوطني" أو "النيل من هيبة الدولة" أو "نشر أخبار كاذبة"؛ مصطلحات قابلة للتأويل لتشمل أي انتقاد للنظام من الخارج، وما الصحفية المصرية بسمة مصطفي المقيمة في ألمانيا، أو عبد الرحمن عز المقيم في لندن، وأنس حبيب وحاتم شريف وإيناس إسماعيل وكاتب هذه السطور المقيمين في هولندا؛ عنكم ببعيد، فهي نماذج حية للقمع العابر للقارات.

القضايا الهلامية

يظهر نمط من القضايا الجماعية التي تُرفع ضد مئات الأشخاص، معظمهم يقيمون خارج مصر. تُصنع هذه القضايا في أروقة الأمن الوطني، حيث تُختلق وقائع غير موجودة إلا في مخيلة ضابط الامن الوطني، وتُجمع أسماء عشوائية، وتُقدم للمحاكم كـ"قضايا كبرى". إحدى هذه القضايا الشهيرة تضم أكثر من 300 متهما، بينهم 200 على الأقل في الخارج، متهمين جميعا بـ"الانضمام لجماعة إرهابية" و"التمويل الإرهابي" و"التخابر لصالح جهات أجنبية". القضية لا تحوي أدلة مادية، بل تعتمد على اعترافات منتزعة تحت التعذيب من معتقلين آخرين، وروابط افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي.

محاكمات الغياب كآلية إرهاب

تم إصدار أحكام غيابية بالمؤبد وحتى الإعدام على عشرات النشطاء في الخارج، في جلسات تستغرق دقائق معدودة، دون محامين للدفاع، ودون أدلة حقيقية كما ذكرها الضابط المنشق ماجد عثمان في فيديوهاته.

هذه الأحكام ليست للتنفيذ في الواقع -فمن الصعب تسلم المطلوبين من دول أوروبية- بل هي رسالة ترهيب واضحة: "نستطيع الوصول إليكم قانونيا، ونستطيع أن نعلنكم مطلوبين للعدالة".

الفصل الثاني: عُقدة العائلة.. عندما يصبح الحب سلاحا

الاعتقال الاستباقي للأقارب

طورت الأجهزة الأمنية ممارستها القمعية المنهجية والتي تعرف بـ"الاعتقال الاستباقي" أو "الاعتقال الاحتياطي" لأقارب النشطاء في الخارج. بمجرد أن يظهر اسم ناشط في برنامج تلفزيوني معارض من الخارج، أو ينظم وقفة احتجاجية أمام سفارة، تتحرك الأجهزة الأمنية لاعتقال أقاربه من الدرجة الأولى في مصر. الهدف واضح: تحويل نشاط المعارض في الخارج إلى تهديد وجودي لأسرته، وعلى سبيل المثال القضية الاخيرة برقم 1282 لعام 2024 والتي هي مثال للاعتقال الاستباقي للأقارب.

النساء دروع بشرية

لاحظ المراقبون تركيزا خاصا على اعتقال النساء من عائلات النشطاء. الأمهات تحديدا يتحولن إلى أهداف استراتيجية، فاعتقال أم ناشط في الثلاثينيات من عمره يولد ضغطا عاطفيا هائلا لا يتحمله معظم الأبناء. وفي حالات كثيرة، تُعتقل الزوجات والأخوات، ويواجهن ظروف احتجاز قاسية في سجون سيئة السمعة، أحيانا مع أطفالهن الرضع، وما أم عبد الرحمن الشويخ عنا ببعيد.

أسلوب "الرهائن"

في إحدى الحالات الموثقة، اعتقلت الأجهزة الأمنية والد ووالدة وأخوَيْن لناشط مقيم في قطر، وتركت لهم رسالة غير مباشرة: "أقنعوا ابنكم بالتوقف عن النشاط المعارض، وسنفرج عنكم". وأحيانا تكون الطلبات خيالية مثل نزول الناشط لمصر وتسليم نفسه، فتحولت الأسرة إلى رهائن سياسيين، وأصبح اتصالهم بابنهم في الخارج عبارة عن جلسات مراقبة ومحاولات للضغط عليه. العديد من النشطاء يقعون في مأزق أخلاقي لا حل له: إما التوقف عن نشاطهم السياسي الذي يؤمنون به، أو تحمل مسؤولية تعذيب واستغلال أحبائهم.

الخوف كفيروس مجتمعي

لا تستهدف هذه الممارسات النشطاء وعائلاتهم فقط، بل تخلق حالة من الرعب المجتمعي العام. صار الناس يخافون من وجود قريب في الخارج، ويتجنبون الحديث عن أبنائهم المغتربين، ويمتنعون عن مشاركة أخبارهم على وسائل التواصل خوفا من أن تجذب الانتباه الأمني، وفي أحيان كثيرة يقومون بحظرهم خوفا من الملاحقة والمراقبة. تحولت الهجرة واللجوء -التي كانت مصدر فخر لدعم الأسرة- إلى مصدر تهديد وخطر.

الفصل الثالث: الإنتربول.. القفاز القانوني للقبضة الأمنية

تحويل الشرعية الدولية إلى سلاح

تأسست المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) لمكافحة الجريمة العابرة للحدود مثل الاتجار بالمخدرات والأشخاص والجرائم المالية الكبرى، لكن النظام المصري استطاع تحويل هذه الآلية الدولية المحايدة إلى أداة للملاحقة السياسية. أصبح "الإشعار الأحمر" -الذي يفترض أنه تحذير للشرطة الدولية عن مجرم خطير هارب- مجرد وسيلة لملاحقة صحفيين وحقوقيين ومدونين والامثلة ذكرت سابقا وغيرها الكثير.

آلية الاختطاف القانوني

تتبع مصر استراتيجية خبيثة في استخدام الإنتربول: تقدم طلبات بإشعارات حمراء ضد ناشطين بناء على أحكام غيابية صادرة من محاكم استثنائية، مثل الزيارة الغريبة التي تحدث عنها أنس حبيب في أحد الفيديوهات الأخيرة.

تستغل الثغرة في نظام الإنتربول الذي لا يتحقق من شرعية القضايا الأساسية، بل يكتفي بالتحقق من اكتمال الأوراق. وهكذا يتحول ناشط سلمي إلى "مطلوب دوليا" بناء على قضية ملفقة بالكامل.

حالات مفجعة

في عام 2018، اعتقلت السلطات الإسبانية ناشطا حقوقيا مصريا لدى وصوله إلى مطار مدريد، بناء على إشعار أحمر من مصر. قضى 40 يوما في السجن قبل أن ترفض المحاكم الإسبانية طلب التسليم لعدم وجود أدلة حقيقية، لكن التجربة دمرته نفسيا وجعلته يعيش رهاب السفر والمطارات. وفي حالة أخرى، منعت سلطات مطار فرانكفورت شابة مصرية من السفر إلى بريطانيا لحضور مؤتمر أكاديمي، لأن اسمها كان على قوائم المراقبة بناء على طلب مصري. وافتح القوس ولا تغلقه مثلما حدث مع الناشط عبد الرحمن عز، والصحفي المرموق أحمد منصور الإعلامي في الجزيرة.

التكلفة الإنسانية

لا تقتصر آثار إساءة استخدام الإنتربول على الاعتقال أو منع السفر، بل تمتد إلى تدمير الحياة العملية والاجتماعية للناشطين. فوجود اسم الشخص على قوائم الإنتربول -حتى لو تم سحبه لاحقا- يترك أثرا دائما في قواعد البيانات الدولية، وقد يؤثر على فرص العمل والسفر والهجرة مدى الحياة. كما أن مجرد الخوف من الاعتقال في مطار ما يجبر الكثيرين على العزلة والاختباء، مما يحقق للنظام هدفه بإسكات الأصوات المعارضة.

الفصل الرابع: شبكات القمع الإقليمي والدولي

التحالفات الأمنية كأدوات قمع

لا تعمل السلطات المصرية بمفردها، بل هي أحيانا جزء من شبكة إقليمية للقمع العابر للحدود. فمن خلال التحالف مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة وغيرها، تتبادل الأجهزة الأمنية معلومات عن النشطاء وتتعاون في مراقبتهم وملاحقتهم. في عدة حالات، تم اعتقال نشطاء مصريين في دول خليجية بناء على طلب مصري، ثم تسليمهم بشكل غير رسمي إلى القاهرة، وما حدث مع الشاعر عبدالرحمن يوسف القرضاوي ليس عنا ببعيد.

الدبلوماسية السامة

تحولت السفارات والقنصليات المصرية في الخارج إلى مراكز للمراقبة والتجسس على الجاليات. يقوم موظفون أمنيون متنكرون بزي دبلوماسيين بجمع معلومات عن النشطاء، وحضور فعالياتهم، وتصوير المشاركين، وترهيب الطلبة المبتعثين عبر التهديد بإلغاء منحهم الدراسية أو منع عائلاتهم من السفر. وما حدث في وقفات أمام السفارات المصرية في عامي الحرب الأخيرة على غزة المطالبة بفتح المعبر خير مثال، حيث لوحقت عائلات المشاركين في حراك حصار السفارات مثل الناشطين عبد الرحمن إيهاب وعمر إيهاب، حيث تم اعتقال عمهم جراء نشاطهم في حراك السفارات.

استغلال حروب مكافحة الإرهاب

تستخدم مصر بخبث الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، للتنكيل بكل معارضة سياسية بأنها "إرهاب"، وتقدم معلومات استخباراتية مشكوكا فيها لدول غربية عن نشطاء على أنهم "إرهابيون".

بعض الدول الغربية، في سعيها للحصول على معلومات استخباراتية عن الجماعات ذات المرجعية الإسلامية، فتقبل هذه المعلومات وتتعامل مع النشطاء كتهديدات أمنية، مما يلحق بهم ضررا بالغا، وما فضيحة مراقبة المساجد في هولندا وغيرها من الدول بتحريض من الإمارات ببعيدة عنا.

عسكرة العلاقات الدولية

تحول التعاون العسكري والأمني الى المحور الأساسي للعلاقات الدولية لمصر. ففي المفاوضات مع الدول الأوروبية حول اتفاقيات تجارية أو هجرة، تقدم القاهرة التعاون الأمني كعملة مساومة: "ساعدونا في ملاحقة المطلوبين لدينا، وسنضمن لكم التعاون في قضايا الهجرة غير النظامية أو مكافحة الإرهاب". وما حدث مع أنس حبيب في بلجيكا ومن إساءة استخدام السيسي للهيئات الدبلوماسية في محاولة للتنكيل بكل صوت يعارضه من الخارج؛ خير دليل.

الفصل الخامس: آثار نفسية ومجتمعية مدمرة

جروح غير مرئية

ما يعايشه النشطاء المصريون في الخارج من ضغط نفسي هائل لا يقل عن ضغط من يسجنون في الداخل. يعاني الكثير منهم من اضطراب القلق العام، ونوبات الهلع، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة. الشعور الدائم بالتهديد، والخوف على الأهل، والإحساس بالعجز عن حماية الأحباء، كلها عوامل تدمر الصحة النفسية.

غياب الثقة

تعد هذه الممارسات تمزيق للنسيج الاجتماعي للمجتمعات المصرية في الخارج. فالخوف من أن يكون أي شخص عميلا للنظام، أو أن المعلومات قد تتسرب عبر الصداقات، يجعل النشطاء يعيشون في عزلة وشك دائم؛ تختفي الثقة بين الناس، ويصعب بناء تحالفات أو عمل جماعي إلا في أضيق الحدود.

تحول مفهوم الوطن

تعتبر علاقة الناشطين في المنفي مع الوطن علاقة معقدة جدا. فمن ناحية، حبه لمصر وشعوره بالمسؤولية تجاهها هو ما يدفعه للنشاط السياسي، ومن ناحية أخرى، فإن الدولة المصرية نفسها (أو النظام الحاكم فيها الذى هو الاحتلال العسكري) يعد مصدر تهديده الرئيسي. هذا التناقض يخلق أزمة هوية عميقة، ويجعل الحنين إلى الوطن محفوفا بالألم والخوف.

إرث للأجيال القادمة

قد ينتقل الخوف عبر الأجيال كإرث، فأبناء النشطاء في الخارج يولدون ويتربون في أجواء من السرية والخوف، يتعلمون ألا يتحدثوا عن عمل والديهم، وألا يشاركوا معلومات عن عائلاتهم، ويعيشون مع فكرة أن هناك "نظاما شريرا" في وطن والدهم يريد إيذاءهم. ويشكل هذا وعيا سياسيا مشوها ومليئا بالخوف للأجيال القادمة، بدلا من الانفتاح والتمتع بالحرية التي حرموا منها في أوطانهم الأصلية.

الفصل السادس: آليات المواجهة والمقاومة

القانون كسلاح ذو حدين

دفعت الممارسات القمعية في دولهم الأصلية إلى استخدام النشطاء لدراسة ومعرفة القانون الدولي والقوانين المحلية في دول اللجوء للدفاع عن أنفسهم. ففي عدة حالات، نجح محامون متخصصون في إلغاء إشعارات الإنتربول الحمراء عن طريق كشف تلفيق القضايا في المحاكم المحلية، كما رفع نشطاء دعاوى قضائية ضد النظام المصري في محاكم أوروبية بتهمة "المطاردة السياسية" و"انتهاك حقوق الإنسان".

توثيق منهجي

طور النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان آليات دقيقة لتوثيق كل حالة اعتقال عائلي، وكل إشعار إنتربول، وكل تلفيق قضائي. هذا التوثيق لا يستخدم فقط للدفاع القانوني، بل أيضا لكشف هذه الممارسات إعلاميا، مما يكشف الوجه الحقيقي للنظام المصري على المستوى الدولي وتكون كلفته السياسية باهظة للنظام.

شبكات التضامن

ظهرت شبكات تضامن إقليمية ودولية تدعم النشطاء المطاردين. تتكون هذه الشبكات من منظمات حقوقية، وبرلمانيين، وإعلاميين، وأكاديميين، ونشطاء من جنسيات مختلفة. تعمل على حماية الأفراد المهددين، والضغط على الحكومات لعدم التعاون مع طلبات التسليم السياسية، وتقديم الدعم النفسي والقانوني.

المقاومة الرقمية

استخدم النشطاء التكنولوجيا ليس لنشر أخبار الانتهاكات فقط، بل أيضا لبناء أنظمة حماية رقمية. فمن خلال تشفير الاتصالات، واستخدام شبكات آمنة، وإنشاء قواعد بيانات موزعة عن الانتهاكات، استطاعوا الحد من قدرة النظام على مراقبتهم وملاحقتهم رقميا.

الفصل السابع: مستقبل القمع ومستقبل الحرية

تطور أدوات القمع

مع تطور الوسائل التكنولوجية، تتطور معها أدوات القمع العابر للحدود. فباستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للنظام تتبع النشطاء عبر منصات التواصل بشكل أسهل، وباستخدام تقنيات الاختراق الإلكتروني المتطورة، يمكن اختراق هواتف النشطاء ومقاطع اتصالاتهم. كما أن أنظمة التعرف البيومتري في المطارات العالمية تجعل من الصعب على المطلوبين السفر حتى بهويات مزورة.

الصراع على السرديات

تعد المعركة الحقيقية اليوم هي معركة سرديات، فالنظام المصري يصور النشطاء على أنهم "إرهابيون" و"خونة" و"عملاء أجانب"، بينما يحاول النشطاء تقديم أنفسهم كـ"مدافعين عن حقوق الإنسان" و"مناهضين للديكتاتورية". نتيجة هذه المعركة تحدد أي السرديات ستتقبلها الحكومات والمحاكم الدولية، وبالتالي تحدد درجة الحماية التي يحصل عليها النشطاء.

حدود القمع

على الرغم من قوة آليات القمع العابر للحدود، إلا أن لها حدودا. فالكثير من الدول الديمقراطية بدأت تدرك إساءة استخدام الإنتربول وتشدد إجراءاتها، كما أن التكلفة السياسية لهذه الممارسات على صورة مصر الدولية تزداد. والأهم، أن صمود النشطاء واستمرارهم في النضال رغم كل شيء يدل على أن القمع له حدود، أما إرادة الحرية فلا حدود لها.

ختاما: كسر دائرة الخوف

إن القمع العابر للحدود ليس مجرد تكتيك أمني، بل هو فلسفة وجودية تستخدمها القوى الاستبدادية وتهدف إلى تحويل العالم كله إلى سجن كبير، حيث لا ملاذ ولا منفى ولا خلاص، إنه محاولة لنفي فكرة اللجوء السياسي ذاتها، التي كانت لقرون منارة أمل للهاربين من الظلم.

لكن في مواجهة هذه الآلة القمعية المعقدة، يظهر شيء نفيس: قدرة البشر على المقاومة. فكل ناشط يرفض الصمت رغم اعتقال عائلته، وكل محامٍ يدافع عن مطلوب إنتربول رغم الضغوط، وكل صحفي يكتب عن هذه الممارسات رغم التهديدات، هم شموع تضيء ظلام القمع العابر للحدود.

تعد هذه معركة طويلة ومعقدة، لكن التاريخ يعلمنا أن الأنظمة التي تحتاج إلى هذه الدرجة من القمع لقمع معارضيها في الخارج هي أنظمة تعاني من شرعية هشة في الداخل، وأن الخوف الذي تنشره قد يعود كالمرتد ليدمر ناشريه. فحين تصبح العائلة سلاحا، تفقد الأسرة معناها، وحين يصبح القانون أداة قمع، تفقد الدولة شرعيتها، وحين يصبح الوطن مصدر تهديد لأبنائه يفقد حقه في الولاء.

الحرية، في النهاية، فكرة لا تعرف الحدود، والنظام الذي يحاول سجنها خارج أسواره سيكتشف أنه يحاول سجن البحر في زجاجة. قد ينجح لفترة، لكن البحر سيجد دائما طريقة للانعتاق، والنشطاء المصريون في الخارج، برغم كل ما يعانوه، هم موج ذلك البحر الذي لا يقهر ولا يمكن سجنه، فهو طوفان لا يمكن إيقافه.

مقالات مشابهة

  • مسيرة لقوات الدعم السريع تستهدف حي طيبة شرقي مدينة الأبيض السودانية
  • منظومة القمع المصري.. اختراق الحدود وملاحقة المعارضين بأي ثمن
  • الفنان الشهير محمد النصري يلتحق بالقوات المسلحة السودانية
  • ما وراء الخبر يناقش أثر العقوبات الأميركية على مسار الحرب السودانية
  • الدويري: أخشى أن تنقسم الجغرافيا السودانية كما هو الحال في ليبيا
  • وزير الخارجية: نتحرك بقوة لإنهاء الحرب في السودان وحماية مستقبل الدولة
  • الأسر السودانية تواجه مأساة المفقودين شمال كردفان وسط أزمة إنسانية حادة
  • الخارجية الأمريكية: فرض عقوبات تستهدف الدعم السريع في السودان
  • تنظيم الاتصالات: رصدنا ارتفاعا ملحوظا في محاولات اختراق الهواتف
  • الخارجية الأمريكية تعلن تفرض عقوبات تستهدف الدعم السريع في السودان