أيديولوجية التنافس الإسرائيلى الإيراني
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
«الاستفادة من المكاسب « كان الاختيار الملائم لنتنياهو، على حد تعبير الرئيس الأمريكى جو بايدن، تمثل ذلك فى إنهاء الضربات وعدم الرد عسكريا على إيران. وبذلك يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلى بعد ذلك أن يحول انتباهه إلى المحادثات المتقطعة مع حماس لتحرير الرهائن الإسرائيليين والسعى إلى إنهاء القتال فى غزة، إن مقايضة ضبط النفس العسكرى بالدعم الدولى قد تروق لانتهازية نتنياهو.
واختارت إسرائيل عدم الرد فى وقتها، لأن الولايات المتحدة أوضحت أنها لن تساعد أو تشارك. إن التصعيد المتبادل يهدد بجعل الحرب روتينية للغاية لأنه يتعامل مع الهجمات المباشرة على أراضى الدولة بشكل عرضى، وكأداة للسياسة وليس كملاذ أخير فى مواجهة التهديدات الوجودية.
على الرغم من إرسال إيران أكثر من 300 طائرة بدون طيار وصاروخ من أراضيها، نجت إسرائيل من الهجوم القاتل دون خدش يذكر. وكان هذا إلى حد كبير بسبب صواريخ إيران المعيبة، وتحذيراتها التى أرسلتها مسبقاً إلى أمريكا قبل الهجوم، والدرع الصاروخية الإسرائيلية الفعالة، والمساعدة التى قدمها التحالف العسكرى الدولى، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والعديد من الدول العربية. وكشفت العملية عن اعتماد إسرائيل على شركاء بذل نتنياهو قصارى جهده لتجاهلهم فى الأشهر الأخيرة.
أثناء متابعتى للأحداث الأيام الماضية لفت نظرى ما نشرته وكالة فرانس برس للوحة إعلانية عملاقة فى وسط طهران تظهر الصواريخ الباليستية الإيرانية. تلك اللوحة هى أقصى ما تطلقه طهران من عنان الهجمات الانتقامية من إسرائيل، ردا على الهجوم الإسرائيلى على المبنى القنصلى الإيرانى فى سوريا فى الأول من أبريل. لذا؛ قيل إنه الرد الذى أطلقته طهران على عملية «الوعد الحقيقي». مشيرة إلى أنه أول ضربات مباشرة على الإطلاق ضد إسرائيل من الأراضى الإيرانية بعد التفجير الذى وقع فى دمشق، والذى أدى إلى مقتل ما لا يقل عن اثنين من كبار الجنرالات الإيرانيين. الحقيقة أن العملية ليست سوى مسلسل بطولى يقوم به النظام الإسلامى هناك، الذى لا يحظى بشعبية فى الداخل، خاصة أنه من الصعب الصمت على ما حدث فى دمشق.
مع العلم أن القيادة الإسرائيلية تعتقد بأن الحرب مع إيران أمر لا مفر منه؛ وسوف يكون القتال فى وقت لاحق وليس عاجلاً. ويمكن لإسرائيل أن ترد بعد ذلك مرة أخرى. ويكمن الخطر فى أن كل طرف يسيء الحكم على الآخر، وتصبح الحرب أمرًا لا مفر منه.
إن شن الحرب للحفاظ على السلام ليس استراتيجية جيدة بشكل عام. إن التنافس المميت بين إيران وإسرائيل يتمتع بميزة أيديولوجية عادة ما تحجب الحكم السليم.
لقد برز التنافس الإسرائيلى الإيرانى فى العقدين الماضيين باعتباره سمة مميزة للمشهد الإقليمى. إيران تسلّح الجماعات المسلحة التى يمكن أن تلحق الضرر بإسرائيل دون أن تتسخ أيديها. وانتقمت إسرائيل بينما أنكرت تورطها فى حملة من الاغتيالات السرية والهجمات الإلكترونية وضربات الطائرات بدون طيار. ومع ذلك، منذ الهجوم المروع الذى شنته حماس فى 7 أكتوبر على إسرائيل، انفجرت حروبها السرية والوكالة إلى العلن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الولايات المتحدة د مصطفى محمود رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الأمريكى
إقرأ أيضاً:
ما الذي حدث في إيران ؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
‼️ما الذي حدث في إيران؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
✍???? تحليل استخباراتي استراتيجي عسكري
نقيب محمد عبدالرحمن هاشم
استيقظت طهران على صدى ضربات جوية خاطفة استهدفت مواقع عسكرية وصناعية من بينها منشآت حساسة ذات طابع نووي. لم تُسمع أصوات المضادات لم تُرَ صواريخ الاعتراض ولم تخرج طائرات الدفاع الجوي. وكأنّ السماء تم اختراقها لا على مستوى الطيران بل على مستوى “الوعي العسكري نفسه”.
فما الذي جرى؟ وكيف عبر الطيران الإسرائيلي إلى قلب العمق الإيراني بهذه السهولة؟ ولماذا لم ترد الدفاعات الصاروخية الإيرانية المعروفة بقوتها وتعدّد طبقاتها؟
✴ أولًا: الحرب السيبرانية – المعركة التي لا تُرى
ما لم يُرَ على شاشات الرادار رُبما كان قد تم تعطيله قبل ساعات من الهجوم أو حتى أيام. الحرب لم تبدأ بالصواريخ بل بدأت بـ”نقرة” على لوحة مفاتيح.
الهجوم الجوي الإسرائيلي كان مسبوقًا باختراق إلكتروني واسع النطاق تم فيه تعطيل شبكة الاتصالات العسكرية وأنظمة القيادة والسيطرة بل وربما تم حقن “بيانات زائفة” داخل النظام الإيراني نفسه لتبدو الأجواء هادئة بينما كانت الطائرات الشبحية تحلّق على ارتفاع منخفض في قلب الأجواء الإيرانية.
هذه هي الحرب الهجينة بكل تجلياتها: مزيج بين اختراق سيبراني وتخدير استخباراتي وتشويش على الرادارات وتنسيق دقيق بين وحدات الحرب الإلكترونية والطيران القتالي.
✴ ثانيًا: الشبحية تضرب في صمت
المقاتلات التي استخدمتها إسرائيل وعلى رأسها F-35I “أدير”، لا تُرى بالرادارات التقليدية خصوصًا إذا كانت تلك الرادارات معطلة أو مشوشة إلكترونيًا. هذه الطائرات صمّمت لقتل العدو دون أن تُشاهَد. ومع وجود منظومات إطلاق صواريخ بعيدة المدى، لم تكن الطائرات نفسها بحاجة حتى للدخول إلى عمق الدفاعات بل نفّذت الهجوم من مدى آمن بعد أن تم تمهيد الطريق سيبرانيًا.
✴ ثالثًا: ثغرات في منظومة الدفاع الإيراني
إيران على الرغم من امتلاكها منظومات مثل S-300 و”باور 373” تعاني من خلل هيكلي في التكامل بين عناصرها. فالرادار في جهة وقاذفات الصواريخ في جهة وقيادة التحكم في جهة ثالثة. هذه ليست شبكة موحّدة بل “أدوات منفصلة”. ولذلك فعندما ضُرب مركز القيادة والسيطرة أو شُوش عليه تعطّلت كل المنظومة وكأنها لم تكن.
كما أن غياب التنسيق الفوري بين الرصد والتحليل، والقرار، والرد يجعل الاستجابة لأي تهديد في إيران بطيئة، باردة، أو حتى مشلولة بالكامل.
✴ رابعًا: التخدير الاستخباراتي
الأخطر من الضربات ذاتها هو ما سبقها من تخدير استخباراتي. فإسرائيل راقبت لسنوات زرعت عملاء شنّت هجمات سيبرانية تجريبية واختبرت الدفاعات وحرّكت أهدافًا وهمية حتى باتت تعرف متى يكون النظام في أضعف لحظاته.
في يوم الضربة ربما كانت القيادة في وضع غير جاهز مشغولة بتهديدات أخرى أو ضحية “تشتيت استراتيجي” أعدّ بعناية.
✴ خلاصة المشهد:
إيران لم تُضرب فقط بصاروخ بل ضُربت أولًا بالعتمة المعلوماتية بالعجز بعدم القدرة على الرؤية. ضُربت وهي لا تدري أنها ضُربت. وهذا هو تعريف الضربة الذكية في الحروب الحديثة.
الهجوم الإسرائيلي كان بمثابة عرض ناري لأعلى مستويات التكامل بين الاستخبارات، والسيبرانية والطيران الشبحي. أما غياب المضادات فكان علامة على فشل المنظومة لا نقصًا في المعدّات.
ففي عالم الحرب الحديثة لا يكفي أن تملك الصواريخ… إن لم تملك القدرة على رؤيتها قادمة.