جمعتهم قضية واحدة، هي التأكيد مرة أخرى على أن "الصحافة ليست جريمة"، زملاء وأصدقاء وعائلات تجمعوا في العاصمة واشنطن الخميس، لدعم وإبقاء الأمل حيا في إطلاق سراح صحفيين معتقلين في عدد من البلدان بتهم توصف بـ"الظالمة". 

لم تعد حياة أسرة الصحفية الأميركية الروسية، آلسو كرماشيفا، كما كانت عليه من قبل. الزوج والأطفال صاروا في حالة انتظار دائمة يختلط فيها عدم اليقين بقليل من الأمل.

 

أطفال يسألون عن آبائهم

يقول بافيل بوتورين, زوج الصحفية آلسو كرماشيفا، في حديث لـ"موقع الحرة": "نحن الآن في وضع صعب للغاية، فأطفالي بدون والدتهم منذ عام تقريباً، منها أكثر من ستة أشهر وهي خلف القضبان بتهم يصعب عليّ وعلى أطفالي فهمها. بل حتى بالنسبة لمحققيها وقضاتها في قازان لأنهم لا يملكون خيارًا آخر سوى تنفيذ أوامر موسكو".

لم تعش آلسو كرماشيفا في روسيا منذ عام 1998، وسافرت إليها في رحلة كان من المفترض أن تكون قصيرة جدًا، لا تزيد عن أسبوعين في مايو 2023، لكنها مُنعت بعد ذلك من مغادرة روسيا.  

"تم القبض عليها من قبل أجهزة الأمن الروسية، قبل 15 دقيقة حرفيًا قبل أن تستقل الطائرة التي كان من المفترض أن تستقلها عائدة إلى عائلتها. ثم تم احتجازها"، يوضح الزوج.  

ومنذ أكتوبر، وهي محتجزة خلف القضبان بتهمة عدم التسجيل الذاتي بموجب قانون "العميل الأجنبي الروسي"، ثم بعد ذلك بتهمة ما تسميه روسيا "نشر معلومات كاذبة عن جيشها في أوكرانيا". 

يوضح بوتورين، في حديثه لـ"موقع الحرة"، إنه "بغض النظر عن التهم الرسمية الموجهة إليها، فإننا نعلم أنها خلف القضبان فقط بسبب عملها في مؤسسه أوروبا الحرة وبسبب جنسيتها الأميركية".  

Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.

آلسو كرماشيفا، واحدة من صحفيين أميركيين اثنين محتجزين حاليا خلف القضبان في روسيا، أحدهما إيفان غيرشكوفيتش من صحيفة وول ستريت جورنال. 

قضية صحفية "أوروبا الحرة"، حظيت باهتمام كبير من حكومة الولايات المتحدة، وفي هذا الصدد عبر زوج كرماشيفا عن تقديره عمل وزارة الخارجية. ومع ذلك، فقد دعا إلى تصنيف حالة آلسو كرماشيفا على أنها "محتجزة ظلماً".  

"نحن بحاجة إلى هذا التصنيف لكي تتمكن الولايات المتحدة من تحرير الموارد اللازمة للالتزام بتأمين إطلاق سراحها السريع والآمن في أقرب وقت ممكن"، يوضح الزوج. 

"لو كان بمقدوري التحدث إلى آلسو لأخبرتها بأننا نفتقدها كثيراً"، يقول الزوج وقد بدت عليه علامات التأثر: "في الحقيقة، هذه الكلمات لا تصف تماماً الألم اليومي الذي نعيشه أنا وبناتي. كل يوم نرى ذلك الكرسي الفارغ على مائدة العشاء. لا نسمع صوتها. نفتقدها كثيراً".

ويضيف: "أود أن أخبرها أيضا بأنني أريدها أن تعرف بأننا قمنا بحملة عالمية لإطلاق سراحها، وأننا سنراها عاجلاً أم آجلاً. ستعود إلى حضن عائلتها. وعلى عكس خاطفيها، سترفع رأسها عالياً وستكون واثقة من براءتها ومن قناعاتها". 

تتشارك كاتيريانا ييسيبيركو ، زوجة الصحفي فلاديزلاف ييسيبيركو، نفس ألم عائلة آلسو كرماشيفا. 

تحكي الزوجة بنبرة حزينة، قائلة إنه "شيء صعب بالنسبة لطفلتنا، فهي تبلغ من العمر تسع سنوات الآن وعندما تم اعتقال والدها، كانت في السادسة من عمرها"، مضيفة أنه "كان من الصعب بالنسبة لي أن أشرح لها كيف حدث ذلك وأنها الآن من دون أب".  

توضح كاتيريانا ييسيبيركو لـ"موقع الحرة"، أن هناك حمل كبير يقع على عاتقها لكي تتمكن من الاستمرار في الحياة، وكذلك لمساعدة زوجها الذي يقبع في السجن، ورعاية بنتها.  " أنا سعيدة لأن لديّ أشخاص يدعمونني ويساعدونني، بما في ذلك إذاعة أوروبا الحرة، وإذاعة ليبرتي". 

صحفي يسترجع تجربة السجن 

لا تزال تفاصيل "تجربة السجن ظلما"، عالقة في ذاكرة الصحفي الصحفي البيلاروسي، أليه هروزدزيلوفيتش، ولم ينسها بعد. 

قضى هذا الصحفي المخضرم حوالي 9 أشهر وراء القضبان بتهمة المشاركة في احتجاجات عقب إعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكا في بيلاروسيا. 

في حديث مع "موقع الحرة"، يصف الصحفي بـ"أوروبا الحرة" فترة الحبس الانفرادي بـالتجربة "الأكثر دراماتيكية في فترة السجن".  "هذا النوع من الحبس الذي يتم معاقبتك به يجعلك تحس أنك في السجن بالفعل". 

يحكي هروزدزيلوفيتش لـ"موقع الحرة"، أنه "وصل إلى هناك بصفتي صحفيا وبدأ رئيس المستعمرة العقابية بتهديدي عندما علم أنهم كانوا مستعدون لي منذ فترة طويلة وقال لي أن أذهب إلى "بلدك أميركا".. فأخبرته أنني مواطن بيلاروسي".

هروزدزيلوفيتش، الذي يبدو أن التفاصيل الدقيقة لتجربة السجن لم تغادر ذاكرته، قال إنه تم حبسه 20 يوما في الحبس الانفرادي، واصفا الظروف هناك بـ"مرعبة". 

"لا يوجد فراش، لا يوجد الكثير من الطعام، لا توجد حتى فرصة لرؤية العالم الخارجي. أنت فقط تجلس داخل صندوق حجري" 

الصحافة ليست جريمة 

يرى عدد من الصحفيين، الذين شاركوا في هذا الحدث، قبيل اليوم العالمي لحرية الصحافة أن التضامن والوقوف إلى جانب الصحفيين في هذه المحنة خطوة مهمة لرفع معنوياتهم وإيصال قضيتهم إلى العالم. 

أحد الصحفيين قال لـ"موقع الحرة"، إن الحضور والتأكيد على حرية الصحافة هو أقل شيء يمكن للصحفي أن يقوم به وهو يرى زملاء له يقبعون داخل السجون فقط لأنهم اختاروا العمل في مجال الصحافة". 

الدكتور جيفري غدمن، عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي الرئيس التنفيذي بالوكالة لـ "شبكة الشرق الأوسط للإرسال"، يقول، في حديث لـ"موقع الحرة": "كلنا مهتمون بأي شيء يحتفي بحرية الصحافة العالمية وهذا الحدث مكرس لشيء قريب وعزيز على قلوبنا وقلوبكم وقلبي. لدينا صحفيون عظماء يقومون بعمل مهم ويخاطرون ويضحون، خاصة في المناطق التي مزقتها الحروب وفي المجتمعات الاستبدادية". 

"هذا الحدث مخصص للأشخاص الذين كانوا في السجن أو الذين يقبعون في السجن ظلماً اليوم"، يرى غدمن الذي أردف قائلا إن العالم بحاجة إلى أي شيء يمكن القيام به لـ"إبقاء الأمل حياً"، وأن أي شيء يعتمد على قوة الناس الذين يهتمون بالقضية، والذين لديهم مسؤولية وفرصة للضغط والدعوة ورواية القصص. 

كل حياة مهمة

غدمن، خاطب الحكومات التي تضع الصحفيين في السجن، قائلا: "علينا أن نكرر مراراً وتكراراً أن الصحافة ليست جريمة. إنها مهنة نبيلة، وهي مثل مهنة الطبيب أو الممرض أو المعلم. هذه هي ماهية الصحفيين ومن هم وماذا يفعلون".  

"أعتقد جازمًا أن هؤلاء الأشخاص الذين يقبعون في السجن لديهم طرق أو يجدون طرقًا لسماع رسالة من يهتمون منا. حتى أنني أعتقد أن السجانين يسمعون ويعرفون".  

"السجانون يقولون في بعض الأحيان، لا أحد يهتم بك. أنت منسي. لستم مهما. في أحداث كهذه، نفعل ما بوسعنا لنقول أن كل حياة مهمة. هذه مهنة نبيلة عظيمة. نحن نقاتل من أجلهم إلى الأبد"، يختم غدمن قوله. 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: أوروبا الحرة خلف القضبان موقع الحرة فی السجن

إقرأ أيضاً:

صحافة المواطن: صالح الجعفراوي أنموذجًا

بقيت الصحافة والوسائل الإعلامية عمومًا محتكرة لعقود عديدة، مما شكّل نوعًا من تحديد نوع وإطار المعلومة التي تصل إلى الجمهور، لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد منصاتها ظهرت أنواع جديدة من الصحافة، منها ما يسمى في الدراسات الحديثة صحافة المواطن (Citizen Journalism) التي تعتمد على الفرد في نشر المعلومة، فوازنت بين الاحتكار المعلوماتي الذي كانت تمارسه المؤسسات الإعلامية وتأطيرها، وهكذا تحول كل فرد مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي إلى إعلامي محتمل قادر على صناعة الخبر بنفسه وتأطيرها.

تسمية هذا النوع من الصحافة بـ«صحافة المواطن» هو نوع من إبقاء المركزية للدولة في الوقت نفسه الذي تحرر هذه الصحافة الخبر والوصول إلى المعلومة من السيطرة المركزية للدولة، فأولا التسمية تستخدم لفظ المواطن (citizen) لوصف نوع الصحافة، واللفظ يشير إلى مسألة المواطنة في دولة ما، أي بالمفهوم العام هو فرد ينتمي إداريًّا/ سياسيًّا لدولة ما، ويقع في خانة المحكوم في مقابل الحاكم، لذلك لم تنتفِ صفة المركزية عن الدولة في التسمية، وفي هذا السياق تصف بعض الأدبيات هذا النوع على أنه «الصحافة التشاركية» و«الصحفي التشاركي» أي بمعنى المشاركة في المجال العام وعدم احتكاره للمعلومة كما تفعل المؤسسات الإعلامية سابقًا. وثانيًا، هذا النوع من الصحافة يحرر الخبر والمعلومة من السيطرة المركزية للدولة، إذ قبل ظهوره، لا يمكن الوصول إلى المعلومة الإعلامية إلا من خلال المؤسسات الإعلامية التي في الغالب إما أن تمتلكها الدولة أو تمولها لتتبنى أجندتها، لكن مع وجود هذا النوع من الصحافة أصبحت المعلومة حرة، يمكن أن تذاع بشكل حر من قبل أي فرد يمتلك هاتفًا ومسجّل في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن التضارب لا يكون في ذات المعلومة، وإنما في تأويلها، لكنها في ذاتها حرة لأنها يمكن أن تأتي من أكثر من مصدر فلا تكون حبيسة فاعل إعلامي واحد.

من النماذج المهمة التي مثلت صحافة المواطن خلال السنتين الأخيرتين أثناء الإبادة الجماعية على غزة، هو صالح الجعفراوي، الذي يعيش في غزة، إذ استطاع الجعفراوي -الذي استشهد يوم الأحد الماضي- أن ينقل، مع صحفيين آخرين، كثيرًا من الأحداث من خلال هاتفه، مما شكّل رواية بديلة غير مركزية للحقيقة، التي كانت تحتكرها وسائل الإعلام الغربية، حيث استطاعت هذه الصحافة التي مارسها الجعفراوي والآخرون في غزة، أن تصل بالحقيقة إلى الشعوب الغربية، مما دفعها أن تخرج من تضليل وسائل الإعلام الكبرى، وهو ما شكّل تحديًا حقيقيًا لوسائل الإعلام في أن تجادل أو تدافع عن السردية الصهيونية، ففي كل مرة كانت تضلل فيها الحقيقة تفقد هذه البرامج أو القنوات مصداقيتها لدى الجمهور، وبهذه الطريقة تحول صالح الجعفراوي من مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي إلى فاعل إعلامي مؤثر في الرأي العام العربي والعالمي، من خلال البساطة الإعلامية ونقل الصور والأحداث دون محاولة تأويلها أو تحليلها، فكل ما يفعله أن ينقل الحدث كما هو من عمق المأساة ذاتها، وقلب الإبادة والمجازر وليس بعيدًا عنها. حتى أصبحت حساباته الشخصية مصدرًا للأخبار في غزة وما يجري فيها.

على الرغم من التأثير البالغ للصحافة التشاركية (أو صحافة المواطن) على الجمهور المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الجعفراوي كان يواجه التحديات التي يشترك فيها مع الصحفيين التشاركيين جميعًا، لا سيما في ظل الحرب، منها التحديات الأمنية، وهي المتعلقة بأمنه الشخصي، إذ هو مضطر ـ بناء على المنهجية التي اتبعهاـ أن يكون في قلب الحدث لتصوير الأحداث التي تقع كما هي، سواء كان في أحياء تقصف، أو يحدث فيها تبادل إطلاق النار، أو المستشفيات، مما جعل أمنه الشخصي مهددًا طوال السنتين الماضيتين، الذي يشكل تأثيرًا على صحته الجسدية والنفسية كذلك، فضلا عن عدم قدرته على النزوح أو الراحة، مما جعل استشهاده نتيجة لهذا التهديد الأمني أيضا، إذ استشهد بينما كان يصور إطلاق نار، إضافة إلى أنه يواجه بعض التحديات في المشككين في صحة الأخبار، وهو ما تتبناه السردية الصهيونية التي تنفي ما يصوره صالح الجعفراوي، أو تتهمه مع الشخصيات الواردة في الصور والمقاطع التي ينشرها على أنها مجرد تمثيل، وبالتالي هناك تشكيك مستمر في مصداقية المعلومة التي ينشرها، فضلا عن الشائعات المستمرة التي تنشر عنه للتقليل من مصداقيته الإعلامية. ومن هنا يُمكن للأفراد المتلقين عمومًا أن يصلوا لحالة الموازنة بين المصداقية وعدم الإضرار بالصحفي أو إلحاق الشائعات به، من خلال المقارنة بين مصادر المعلومة الواحدة وكيف يُمكن التفريق بين المعلومة في ذاتها وبين تأويلها.

شكلت تجربة الجعفراوي في ممارسة صحافة المواطن ظاهرة تستحق الدراسة من حيث إنها نقلت الإعلام وأعادت تعريفه باعتباره واجبًا إنسانيًا وأخلاقيا وليس مجرد مهنة، إذ الصحفي المواطن لا يتلقى أي أجر مقابل نشاطه الإعلامي ـ إلا في حالة الإعلان أو تعاقده مع مؤسسة تموله ـ وإنما يقوم بالأمر من دافع أخلاقي، وبهذه الطريقة يصبح المواطن قادرًا على إنتاج الحقيقة والمشاركة في البلوغ بها لتأدية تأثيرها على العقل الجمعي والفردي.

مقالات مشابهة

  • هل تخلد جدة اسم الرابغي
  • قيادي مؤتمري في مأرب ينتقد تهميش أبناء إقليم سبأ ويدعو إلى تحرك شعبي لضمان الشراكة الوطنية
  • فلسفة السوق الحرة
  • إيران: نداء ترامب للسلام يتعارض مع تصرفات واشنطن العدوانية
  • بقال.. يدخل (الجمهورية الحرة) ويفضح أزمة النُخبة السودانية
  • قوات إسرائيلية تطلق غازًا مسيلًا للدموع على صحفيين أثناء تغطية إطلاق سراح سجناء في الضفة
  • نداء إلى وزير الأوقاف
  • صحافة المواطن: صالح الجعفراوي أنموذجًا
  • خاص.. نداء عاجل لأرنولد قبل قمّة حجز بطاقة المونديال
  • مسير راجل ووقفة مسلحة في صنعاء الجديدة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني