يُعرف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بتكتيكاته المبتكرة وعملياته المتطورة. وقد أبدى التنظيم استعداده لتكييف استراتيجياته لاستغلال نقاط الضعف في التدابير الأمنية. أحد تكتيكات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الأكثر شهرة هو استخدام العمليات الانتحارية، والتي استخدمها في هجمات مختلفة في جميع أنحاء اليمن والمملكة العربية السعودية.
وبالإضافة إلى التفجيرات الانتحارية، استخدم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أشكالاً أخرى من العنف، بما في ذلك ما يطلق عليها الهجوم الانغماسي والاغتيالات والاختطاف. كما سعت المجموعة أيضًا إلى الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، مثل الدعاية عبر الإنترنت وجهود التجنيد، لتطرف الأفراد ونشر رسالتها على مستوى العالم.
إن قدرة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على تجنيد الأفراد وتحويلهم إلى التطرف، سواء داخل شبه الجزيرة العربية أو في الخارج، تشكل مصدر قلق كبير. وقد أثبتت المجموعة قدرتها على جذب الأفراد من خلفيات متنوعة، بما في ذلك الدول الغربية. ويلعب تواجدها على الإنترنت وآلياتها الدعائية الفعالة دوراً حاسماً في عملية التجنيد هذه.
علاقة القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالمنظمات الإرهابية الأخرى
يحتفظ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بعلاقات مع منظمات إرهابية مختلفة، سواء داخل شبكة القاعدة أو خارجها. وقد تعاونت المجموعة مع حركة الشباب في الصومال، حيث قدمت التدريب والدعم. كما سعت إلى استغلال الفوضى في سوريا واليمن لتشكيل تحالفات مع الجماعات المتطرفة المحلية.
وتمتد علاقة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع المنظمات الأخرى إلى ما هو أبعد من التعاون العملياتي. إن التوافق الأيديولوجي للجماعة مع الأجندة الجهادية العالمية لتنظيم القاعدة يضمن رؤية مشتركة وأهدافا مشتركة. ويسمح هذا الارتباط الأيديولوجي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالاستفادة من الموارد والخبرة والتوجيه التي تقدمها شبكة القاعدة الأوسع.
التأثير العالمي والتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية
وعلى الرغم من صغر حجمه نسبياً مقارنة بالمنظمات الإرهابية الأخرى، إلا أنه كان له تأثير كبير على الأمن الإقليمي والعالمي. وتركيزها على استهداف المصالح الغربية، وخاصة الطيران، يشكل تهديدا مباشرا لسلامة واستقرار المجتمع الدولي.
وقد حظيت الهجمات الناجحة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مثل مذبحة شارلي إيبدو في عام 2015، باهتمام دولي وأظهرت قدرة الجماعة على تنفيذ عمليات متطورة. يمتد التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى ما هو أبعد من شبه الجزيرة العربية، حيث يسعى التنظيم إلى إلهام ودعم الهجمات في الدول الغربية.
أمير الدم: سعد بن عاطف العولقي
سعد بن عاطف العولقي، المكنى بـ"أبو الليث"، هو الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خلفا لخالد بن عمر باطرفي.
والعولقي هو يمني الجنسية، وتشير تقارير إعلامية إلى أنه أحد الذين أعادهم زعيم تنظيم القاعدة الذي قتلته أميركا عام 2011، أسامة بن لادن، من أفغانستان إلى اليمن.
وبهذا، يصبح العولقي خامس قيادي يتزعم القاعدة في اليمن، علنا، وذلك بعد عمله لسنوات كرجل ثان للتنظيم المتشدد في البلاد.
ولد سعد العولقي في بلدة "الشعبة" بوادي يشبم التابع لمديرية الصعيد في محافظة شبوة (جنوب) وينحدر من قبيلة العوالق الكبيرة وهي ذات القبيلة التي ينحدر منها الزعيم الروحي للقاعدة أنور العولقي الذي قتل بطائرة أميركية بلا طيار في عام 2011.
ولم يُعرف تاريخ ميلاده بالتحديد، لكن الخارجية الأميركية قدّرت ثلاثة تواريخ هي: 1978 و1981 و1983، مشيرة إلى أن طوله يبلغ 168 سم.
وبحسب الموقع الإلكتروني لبرنامج مكافآت من أجل العدالة، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، كان العولقي عضوا في مجلس شورى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
والعولقي على قائمة "برنامج المكافآت من أجل العدالة"، فقد عرضت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى ستة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
وتقول الخارجية الأميركية إن العولقي "دعا علنا إلى شن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها".
وتعتبر الولايات المتحدة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتّخذ من اليمن مقرا، أخطر فروع القاعدة منذ محاولته عام 2009 تفجير طائرة فوق الولايات المتحدة.
تشير مصادر إعلامية ان سعد العولقي عرف بعلاقاته القبلية الكبيرة التي توفر له حماية وحرية التنقل بين مناطق شبوة وابين وحضرموت على الرغم من مقتل العشرات من قيادات ومقاتلي تنظيم القاعدة سواء بغارات لطائرات بدون طيار او بعمليات للجيش اليمني.
كان أبرزها استهداف منزله في العام 2016 عندما شنت طائرات بدون طيار عدة غارات استهدفت منزلا كان يقيم فيه العولقي وادت الى مقتل عدد من المقاتلين بينهم اثنان من اشقاء العولقي.
إرث الانقسام:
شهد عهد زعيم تنظيم القاعدة في اليمن قاسم الريمي حالة من الانشقاقات كان أبرزها انشقاق القيادي أبو عمر النهدي على خلفية اتهام مقربين منه بالجاسوسية واعدامهم دون السماح له بالتحقيق معهم او مقابلتهم وهو ما دفعه الى انشقاقه مع عدد كبير من أنصاره ومهاجمه قاسم الريمي وخالد باطرفي الذي تم تعيينه بعد مقتل الريمي بغارة جوية أمريكية مطلع العام 2020.
حاول العولقي الدخول في عمليات وساطة لمحاولة إعادة النهدي الى التنظيم إلا انه فشل وزاد من حدة الانقسام في التنظيم.
ينشغل التنظيم حاليا بسبب الانقسامات التي تتخلله. ونتيجة لذلك قالت مصادر خاصة إنه بدأ في تعزيز الخطوط الأمامية للتنظيم وتعيين قيادات مقربة منه من أصول يمنية وقبلية في مهام قيادية تسمح لهم بالتواصل وعقد صفقات مع عدد من القبائل التي تسمح لهم بالتحرك بحرية داخل مناطقهم خصوصا بعد تدهور التنظيم الذي فقد معاقله الرئيسية في محافظات أبين وشبوة وحضرموت والمهرة وأصبحت موارده المالية محدودة، ويواجه صعوبات في التصدي لحملة القوات الجنوبية المعروفة باسم "سهم الشرق التي تشن حملات مستمرة في أبين وشبوة أدت الى دخول تلك القوات واحداً من أهم معاقل التنظيم وادي عومران بمحافظة أبين".
عُرف عن العولقي انه رجل عسكري متمرس خاض معارك كثيرة وكان له دور كبير في السيطرة على محافظة أبين ويدين بالولاء الكبير لقيادة القاعدة والتزامه بالتوجيهات خصوصا المتعلقة بتوحيد التنظيم وشن العمليات العابرة للحدود.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: الولایات المتحدة لتنظیم القاعدة
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد تفاعل الشارع الإيراني مع الضربة الإسرائيلية
طهرانـ استفاق الإيرانيون فجر اليوم الجمعة على وقع دوي انفجارات وصافرات إنذار، إثر هجوم إسرائيلي استهدف منشآت نووية وعسكرية في العاصمة طهران وعدد من المحافظات، في تصعيد مفاجئ بعد انقضاء مهلة الـ60 يوما التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي.
وعلى خلاف الهجوم السابق يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي وُصف حينها بأنه محدود، فقد خلّف الهجوم الأخير صدمة واسعة، خاصة مع انتشار صور الضربات الجوية وإعلان مقتل عدد من كبار القادة العسكريين، وهو ما أثقل كاهل الرأي العام الإيراني بمزيج من الحزن والقلق.
الحدث وصفته أوساط سياسية إيرانية بأنه "غير مسبوق" منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حينما فقدت إيران في يوم واحد قيادات عسكرية بارزة، بينهم رئيس الأركان ولي الله فلاحي، ونائب قائد الحرس الثوري يوسف كلاهدوز، ووزير الدفاع موسى نامجو، وسط ظروف كانت توصف حينها بالكارثية، إذ كانت مدينة خرمشهر تحت سيطرة الجيش العراقي.
ترامب والموعد الرمزي
من المفارقات التي تداولها رواد مواقع التواصل في إيران، تزامن الهجوم مع "اليوم 61" من تهديد ترامب باستخدام القوة العسكرية إذا لم تفضِ المفاوضات النووية إلى اتفاق. وكتب الصحفي علي تقوي على منصة "إيتا" المحلية أن توقيت الهجوم "رسالة مباشرة تفيد بأن واشنطن وتل أبيب لا تنتظران نتائج جولة المحادثات المقررة الأحد المقبل".
إعلانوفي رد فعل سريع، خرجت مظاهرات عفوية في عدة مدن كبرى، نقلها التلفزيون الرسمي الإيراني، ورفع فيها المتظاهرون شعارات "الموت لإسرائيل" و"الانتقام حتمي"، كما دعت لجان تنظيم صلاة الجمعة إلى تنظيم مسيرات مليونية للتنديد بالهجوم، بينما أطلقت حسابات رسمية ومؤيدة للحكومة وسوما (هاشتاغات) مثل "الوحدة في مواجهة العدو" و"الرد المؤلم".
في المقابل، انتشرت دعوات على المنصات الاجتماعية لعدم الانجرار وراء "الحرب النفسية" التي يروج لها من يوصفون بـ"أعداء الداخل والخارج".
ورغم محاولات الإعلام الحكومي تقديم تغطية موحدة ومطمئنة، أثار بث صور مباشرة من المواقع المستهدفة في طهران ردود فعل متباينة، إذ انتقد بعض المواطنين الإعلان السريع عن استشهاد قادة بارزين. وكتب أحدهم "لماذا نكشف عن أسماء شهدائنا بهذه السرعة؟ هذا يُسهل عمل جواسيس العدو".
آخرون استغربوا "تباهي الإعلام الرسمي بدقة العملية الإسرائيلية"، معتبرين ذلك "سلوكا غير مفهوم ويضر بالمعنويات العامة".
ورغم خطورة الهجوم، فلم تسجل أي اضطرابات في المدن الكبرى، وسارت الحياة العامة بهدوء نسبي وسط حالة من الترقب، ويقول مهدي -وهو موظف حكومي من طهران- "نحن مستعدون للدفاع عن بلدنا، لكننا نأمل ألا تنجر البلاد إلى حرب شاملة؛ الرد مطلوب، ولكن بعقلانية تحفظ الاستقرار".
أما زهراء، وهي ربة منزل خمسينية من جنوب طهران، فتقول "نثق بالحكومة، لكننا خائفون على الغد، الأسعار ترتفع والوضع المعيشي خانق، ما نحتاجه هو الأمان، قبل أي شيء آخر".
جيل الشباب
ويظهر أن الشباب الإيراني ينظر إلى الحدث من زاوية أوسع، تأخذ في الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي تمر بها البلاد، إذ تقول رها (طالبة علوم سياسية من أصفهان): "ندعم دولتنا ضد أي اعتداء، لكننا نأمل أن يكون الرد محسوبا، هذه منطقة معقدة، وكل خطأ قد يؤدي إلى عواقب طويلة الأمد".
إعلانويوافقها الرأي بهرام من مدينة مشهد، مضيفا "يجب الرد للحفاظ على الهيبة، لكن دون أن ننسى معاناة الناس اقتصاديا، المعركة ليست فقط عسكرية، بل أيضا اقتصادية وإعلامية".
وفي ظل الأوضاع الأمنية الراهنة، لا تُسمع انتقادات علنية واسعة، لكن كثيرين يعبرون عن مخاوفهم من مغبة الانزلاق إلى مواجهة قد تتجاوز حدود السياسة لتؤثر على تفاصيل الحياة اليومية.
ويقول ناشط اجتماعي -فضل عدم الكشف عن هويته- "لسنا ضد الدفاع عن وطننا، لكن نرجو أن يتم ذلك بأقل خسائر ممكنة، المواطن هو من يدفع الثمن في النهاية".
ويؤكد متحدثون محليون أن هذه الأصوات لا تعكس معارضة سياسية، بل تعبر عن رغبة عميقة في تجنيب البلاد مزيدا من الأعباء.
ويبدو أن ذاكرة الإيرانيين المثقلة بالحروب والعقوبات والحصار، باتت تنظر إلى أي تصعيد جديد بعين الحذر، خاصة أن الظروف الاقتصادية اليوم أكثر هشاشة، ويقول أحد التجار في سوق طهران: "نحن شعب صبور، ولكن الوضع لا يحتمل المزيد. نأمل أن تمر هذه الأزمة دون تصعيد كبير".
وفي ظل الخطاب الرسمي الذي يتوعد برد "حازم ومناسب"، وتعبيرات شعبية تميل إلى ضبط النفس دون التفريط في السيادة، تبدو إيران اليوم أمام مفترق حساس، فبينما يؤكد الشارع استعداده للدفاع عن بلاده، يطالب أيضا بعدم الذهاب نحو المجهول.
ويرى مراقبون أن المعادلة اليوم لا تحتمل الشعارات فقط، بل تتطلب قرارات دقيقة تراعي توازنات الداخل والخارج، وتحفظ الكرامة دون أن تفتح أبواب التصعيد على مصراعيها.