خلال معرض الأمن والدفاع السنوي في بغداد، الذي جرى على مدى أربعة أيام الأسبوع الماضي، لفتت الطائرة الصينية من دون طيار CH-5 الأنظار، وسط مساعي بكين استغلال القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الصادرات العسكرية لبعض دول الشرق الأوسط، لتسويق ترسانتها من أنظمة مماثلة.

وأقيم المعرض العسكري  في بغداد في الفترة من 20 إلى 23 أبريل، حسبما أفادت منصة الشؤون العسكرية "جاينز غروب" في 24 أبريل.

تحت رعاية رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة المهندس @mohamedshia، وبحضور وزير الدفاع السيد @modministeriq، ممثلا عن القائد العام للقوات المسلحة، والنائب الأول لمجلس النواب السيد @mu_almandalawii، والسكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة إلى جانب عدد من السفراء… pic.twitter.com/62OP42a0zp

— وزارة الدفاع العراقية (@modmiliq) April 20, 2024 قدرات "سي إتش-5"

تم تطوير هذه المسيّرة (Cai Hong-5 باللغة الصينية أو Rainbow-5 باللغة الإنكليزية) من قبل شركة الصين لعلوم وتكنولوجيا الفضاء المملوكة للدولة.

ويمكن لهذه المسيرة الطيران لمدة تصل إلى 60 ساعة على مدى يصل إلى 6213 ميلاً.

تعتمد "سي أتش-5" على نظام الطائرات بدون طيار متوسط الارتفاع وطويل التحمل المسمى (MALE).

يمكن لهذا النظام دمج وظائف الاستطلاع والمراقبة والاستهداف، وفق موقع "ميليتاري درونز".

ويمكن لهذه المسيرة حمل أنواع مختلفة من الحمولات في وقت واحد لإجراء عمليات الاستكشاف والمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية وتحديد المواقع المستهدفة.

علاوة على ذلك، يمكنها أيضًا حمل أنواع من الأسلحة الموجهة بدقة لتنفيذ عمليات معقدة، ودوريات منطقة حظر الطيران وغيرها من المهام العسكرية.

يمكنها ضرب الأهداف الأرضية الثابتة والمتحركة بسرعة منخفضة وبدقة. وفي الوقت نفسه، يمكن استخدامها أيضًا في الحالات المدنية، مثل اتصالات الطوارئ والتنقيب الجيوفيزيائي.

أُجريت الرحلة الأولى لطائرة CH-5 في مطار لم يُكشف عنه في مقاطعة قانسو بالصين في أغسطس 2015. واستغرقت الرحلة حوالي 20 دقيقة.

وتم عرض نموذج أولي لهذه الطائرة بدون طيار لأول مرة في نوفمبر 2016.

بعدها بنحو سنة، أعلنت شركة "CASC" الصينية أن الطائرة بدون طيار جاهزة للإنتاج.

ومثل النماذج السابقة من سلسلة Rainbow UAV، تم تصميم CH-5 للتصدير.

صادرات الصين العسكرية للدول العربية 

قال جان لوب سمعان، زميل أبحاث أول في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، لمجلة "نيوزويك" إن الصين تستجيب للاحتياجات الدفاعية لبعض دول الشرق الأوسط، في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة قيودًا على الصادرات العسكرية إلى بعض دول المنطقة. 

وأشار المتحدث إلى أن المنتجات العسكرية الصينية أصبحت أكثر تداولا لدى بعض دول الشرق الأوسط "لأنها أرخص وليس لها أية قيود"، بينما تجد نفس الدول صعوبات كبيرة في الوصول إلى أنظمة مماثلة في الولايات المتحدة، "غالبًا بسبب القيود المفروضة على الصادرات".

وأضاف أن عملية البيع الأخيرة للعراق تتّبع نمطا شائعا للبصمة المتنامية للصين في أسواق الأسلحة في الشرق الأوسط، خاصة في القدرات المتخصصة مثل الأنظمة غير المأهولة أو الصواريخ، ومع الدول التي يُنظر إليها تقليديًا على أنها شريكة مع الولايات المتحدة في نفقاتها العسكرية .

فهل يشكل ذلك تهديدا للتعاون الأميركي مع الدول العربية؟

في نظر المحلل العسكري الأميركي، مارك كيميت، فإن الصين أصبحت بالفعل منافسا للولايات المتحدة في مجال الصادرات العسكرية.

وفي اتصال مع موقع "الحرة"، أوضح كيميت أن تزايد الصفقات العسكرية بين بكين وبعض الدول العربية "لا يشير بالضرورة إلى تراجع التعاون بين تلك الدول والولايات المتحدة.

أما بخصوص تعاون بكين والعراق فقال كيميت "كل ما يمكن أن يعزز قدرة قوات الأمن العراقية هو أمر إيجابي طالما أن المعدات لا تشكل تهديدا للولايات المتحدة".

وبدأت الصادرات العسكرية الصينية إلى الشرق الأوسط في عام 1975، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2018، بلغ المبلغ الإجمالي، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI، 12.84 مليار دولار .

وتمت غالبية المبيعات – 8.8 مليار دولار – في الثمانينيات، عندما صدرت الصين كميات كبيرة من الأسلحة إلى كلا الجانبين في الحرب الإيرانية العراقية.

وخلال التسعينيات، بعد نهاية الحرب الباردة، انخفضت الصادرات إلى الشرق الأوسط إلى 1.8 مليار دولار فقط، معظمها إلى إيران.

واستمر الانخفاض في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع الصادرات بقيمة 1.4 مليار دولار، ذهبت في المقام الأول إلى إيران ومصر، وفق وثيقة أصدرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.

وخلال السنوات الأخيرة، كثفت الصين جهودها لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط.

وبين عام 2008 إلى عام 2018، باعت الصين 181 طائرة بدون طيار إلى 13 دولة، تم تصدير 22.1 في المئة منها إلى الإمارات المتحدة، و19.3 في المائة إلى السعودية، و15.5 في المائة إلى مصر وفق مجلة "نيوزويك".

الصين قوة عالمية لتصدير المعدات العسكرية؟

في أكتوبر 2017، خلال مداخلته في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه بحلول عام 2035 ستصبح الصين قوة بيع عسكرية عالمية وذلك عن طريق تنويع قدرات الجيش ولا سيما تحديث قطاع التصنيع العسكري. وقال "سنصل إلى مستوى عالمي بحلول عام 2049".

وتصادف تلك السنة الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

واعتبارًا من عام 2018، تم تصنيف الصين على أنها من بين أكبر مصدري الأسلحة في العالم، على الرغم من أنها تحتل المرتبة الخامسة بعيدا خلف الولايات المتحدة وروسيا .

وخلال الأعوام 2014-2018، حققت صادرات الأسلحة الصينية زيادة قدرها 5.2% من إجمالي صادرات الأسلحة العالمية، مما يشكل زيادة 2.7 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية.

هذه المعطيات "لا تجعل من الصين قوة عسكرية عالمية أو قوة تصدير للأنظمة والمعدات العسكرية بشكل شامل"، وفق الخبير العسكري الأميركي، ريتشارد وايتز، من معهد هدسون، ومقره واشنطن.

وايتز قال في حديث لموقع "الحرة" إن تنامي قدرات بكين للتصدير العسكري تجعل منها منافسا للولايات المتحدة في مجالات محددة فقط مثل الطائرات بدون طيار "هي ليست كذلك في مجالات أخرى"، وفق تعبيره.

وأضاف "ربما سيكمن التنافس بينها وبين واشنطن في الأسعار فقط، وليس في شيء آخر، في إشارة إلى ريادة الولايات المتحدة في تقنيات التصنيع العسكري مقارنة بالصين التي تسعى لبناء صناعة خاصة بها وتصدير أنظمتها للعالم.

وأوضح أنه لا يوجد أي خطر على التعاون العربي- الأميركي بالنظر إلى تنامي التعامل التجاري بين دول الشرق الأوسط والصين، وقال إن تلك الدول تعتمد في كثير من معداتها وترساناتها على التقنية الأميركية  "بل وحتى التدريب".

كيميت قال من جانبه إن الصين حتى وإن أصبحت منافسًا للولايات المتحدة في مجال الصادرات العسكرية، لن تكون منافسا قويا "طالما أن الولايات المتحدة تقدم معدات قتالية ذات جودة أفضل وهو ما لا تستطيع الصين القيام به، أعتقد أن الولايات المتحدة ستبقى الخيار الأول لتلك الدول. 

ويرى بأن منافسة الصين للولايات المتحدة لن تكون بتلك القوة التي يمكن أن يتصورها البعض، إذ "يمكنهم بالتأكيد التنافس في أسعار بيع الأسلحة،  وليس جودتها"، وفقه.

وأضاف "سيبيعون أسلحتهم بنصف السعر ودون مراجعات حقوق الإنسان، هذا مضمار منافستهم لواشنطن".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: ا للولایات المتحدة الصادرات العسکریة الولایات المتحدة دول الشرق الأوسط ملیار دولار المتحدة فی بدون طیار

إقرأ أيضاً:

دور الصين في الشرق الأوسط

 

أ.د. وانغ قوانغدا **

مُنذُ طرح مبادرة الحزام والطريق قبل عشر سنوات، حققت الصين والدول العربية، كشركاء طبيعيين في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، نتائج ملموسة. الآن، تم تحقيق "تغطية كاملة" لـ22 دولة عربية وجامعة الدول العربية، مما يشير إلى أن الدول العربية تعزز اتجاه "التطلع شرقاً" بشكل أكبر ولديها توقعات أكبر للصين للعب دور أكثر نشاطاً في قضية الشرق الأوسط.

وفي الواقع، إن مبادرة "الحزام والطريق" ليست مجرد مبادرة اقتصادية وتجارية، ولكنها تظهر أيضًا التزام الصين بالتعددية، والابتعاد عن تفكير اللعبة التي محصلتها صفر، وتعزيز إصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية بنشاط.

لذلك، أود أن أتحدث من المنظورات الثلاثة: التنمية والحوار والسلام.

أولاً، تصر الصين على استخدام التنمية باعتبارها المفتاح الرئيسي لحل جميع المشاكل. إن عجز السلام وعجز التنمية وعجز الأمن وعجز الحوكمة هي تحديات غير مسبوقة تواجه المجتمع البشري. ومن بينها، يعد العجز التنموي السبب الجذري الرئيسي للعديد من المشاكل العالمية. في عام 2023، شهد العالم حربين ساخنتين في وقت واحد، وقد تسببت حرب غزة في أزمات إنسانية وأخطار الانتشار شديدة، وهو ما يتعارض مع عملية التنمية البشرية. في عام 2016، عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ مقر جامعة الدول العربية، أشار إلى أن "التنمية هي السبب الجذري والحل فى آن واحد للاضطرابات في الشرق الاوسط". وفي السياق الحالي، تحمل هذه الجملة دلالات جديدة وعميقة. إن "التنمية" هي قضية مشتركة تواجهها الصين والدول العربية. إن كيفية الحفاظ على التركيز الاستراتيجي وحماية نتائج التنمية التي تم تحقيقها هي مسألة يتعين على الصين والدول العربية التفكير فيها بعقلانية. ونظراً إلى التفكير التطلعي بشأن وضع التنمية الاقتصادية العالمية واتجاه تنمية العولمة الاقتصادية، طرحت الصين البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، التي تلبّي طلبات التنمية الإقليمية وتتوافق مع اتجاه التعاون الاقتصادي الإقليمي، وقد لاقت استجابة إيجابية وحماسة من الدول العربية.

ومنذ أن قامت الصين والدول العربية ببناء "الحزام والطريق" بشكل مشترك، نفذ الجانبان أكثر من 200 مشروع تعاون، وقد استفاد من نتائج التعاون نحو ملياري شخص في كلا الجانبين، وعززت بشكل فعال تدفق البضائع والأموال والتكنولوجيا والموظفين في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، مما يسمح للجانبين باكتساب المزيد من فرص التنمية والفوائد لشعوبها. بالإضافة إلى ذلك، اقترح الرئيس شي جين بينغ أيضًا "مبادرة التنمية العالمية"، تهدف إلى إعادة التنمية إلى قلب الأجندة الدولية وبناء توافق أوسع حول التنمية. كما أشار الرئيس شي جين بينغ في كلمته أمام القمة الصينية العربية الأولى إلى أن "الصين تدعم الدول العربية في الاستكشاف المستقل لمسارات التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية، وفي الإمساك بزمام مستقبلها في أيديها بقوة"، "يتعين على الصين والدول العربية التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون المربح للجانبين، وتعزيز التضافر بين استراتيجيات التنمية لدى كل منهما، وتعزيز التعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق."

وبالإضافة إلى ذلك، تولي الصين أيضًا أهمية كبيرة لمطالب الدول العربية لتحسين قدراتها التنموية. إن مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية الذي أعمل فيه، تم إطلاقه وإنشاؤه بمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيًا، وهو ملتزم ببناء منصة للصين والدول العربية لتبادل الخبرات في مجالات الإصلاح والتنمية والحوكمة وتعزيز المعرفة الإيجابية والتبادلات الحضارية بين الجانبين.

منذ تأسيسه قبل سبع سنوات، حقق المركز نتائج مثمرة في بناء أربع منصات رئيسية: الدورة الدراسية، وإعداد الكفاءات، والدراسات والبحوث، والتواصل الإنساني والثقافي. وقد عقد المركز 20 دورة دراسية وشارك 517 مسؤولًا عربيًا من المستوى المتوسط والعالي. ومن خلال بناء منصة التبادل الصينية العربية، تم الجمع بين مزايا ومتطلبات التنمية لكلا الطرفين، وتلخيص الخبرات والأفكار، وتبادل التكنولوجيا والموارد، وبذل قصارى الجهود لإعداد الكفاءات والقوى المحلية للدول العربية، والمساعدة في الاستفادة من خصائصها وإمكانات نموها، وتحقيق التنمية المستقلة والمستدامة من مستويات متعددة.

لذلك، بالنسبة للعديد من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، تهتم الصين بفهم جذور القضايا الساخنة من خلال التنمية، والتأكيد على تعزيز انتهاج التنمية بتهيئة الظروف لحل القضايا الساخنة، وإيلاء المزيد من الاهتمام للمساعدات الاقتصادية والمشاريع التنموية، من أجل المساهمة بشكل ملموس في حل القضايا الساخنة، والتعهد بممارسة "حماية السلام العالمي، وتعزيز التنمية المشتركة من خلال التنمية الذاتية".

ثانيا، تصر الصين دائمًا على حل القضايا الساخنة عن طريق الحوار والمفاوضات السلمية، وتدعم بنشاط الشرق الأوسط في تحقيق التنمية المستقرة. أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلاً: "لا تُحل المشاكل بلغة القوة، ولا يدوم الأمن بعقلية المحصلة الصفرية. رغم أن طريق الحوار قد يكون طويلًا وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. يجب على مختلف الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي". أضاف: "إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية" هو الحجر الأساس في مشاركة الصين في شؤون الشرق الأوسط، وهو الضمان الأساسي لكسب الصين ثقة دول الشرق الأوسط، ودوام نشاط دبلوماسيتها الخارجية. ولذلك، فإن صفة الصين في المشاركة في شؤون الشرق الأوسط هي المنسق العادل، ليس القائد، تقوم بدور بنّاء وليس دور التحكم والسيطرة. لا يمكن للصين أن تكون "وسيطًا دبلوماسيًا" للغرب، كما أنها لا تقصد "تعزيز ودعم استخدام القوى الصينية" في الشرق الأوسط، تجنبًا لفقدان الدبلوماسية الصينية والشرق الأوسط لسمات العلاقات الدبلوماسية في النشاط والاستقلالية.

وفي آذار / مارس 2023، وبوساطة الصين، أجرى ممثلو السعودية وإيران حوارًا في بكين. ثم توصلت الأطراف الثلاثة، الصين والسعودية وإيران إلى اتفاق، وأصدرت بيانًا ثلاثيًا مشتركًا، أعلنت فيه أن السعودية وإيران اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية. وبعد ذلك، هب "تيار المصالحة" على الشرق الأوسط، مثل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين، والتوافق بين مصر وتركيا على تعزيز العلاقات الدبلوماسية، وما إلى ذلك. خلف "تيار المصالحة" هناك رغبة قوية لدى العديد من الأطراف في التخلص من تأثير سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لقد انخرطت الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط لسنوات عديدة ونادرًا ما تدعو إلى المفاوضات، إنها عملية روتينية تقوم بها الولايات المتحدة "التقارب مع فصيل ومحاربة فصيل آخر" من أجل مصلحتها الذاتية الجيوسياسية أو الاقتصادية.

تُعتبر مفاوضات بكين بين السعودية وإيران انتصارًا للحوار. بالنسبة للصين، فإن تعزيز المصالحة السعودية الإيرانية ليس نتيجة للاستفادة من الاتجاه العام فحسب، بل هو أيضًا عملية طبيعية. وفي مواجهة الوضع الإقليمي المعقد والمتقلب وغير المستقر في الشرق الأوسط، أصرّت الصين دائمًا على التوسط في الصراعات الإقليمية من خلال تعزيز مفاوضات السلام وتعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التنمية السلمية باعتبارها محور سياستها في الشرق الأوسط. إن مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين ومفهوم دبلوماسية الدول الكبيرة ذات الخصائص الصينية المتمثلة في "التنمية السلمية والفوز المشترك" تتزامن مع اتجاهات التنمية الناشئة في دول الشرق الأوسط، وقد حظيت باعتراف واستجابة إيجابية من دول الشرق الأوسط. كما اجتذبت القوة الشاملة السريعة النمو للصين ونفوذها الدولي العديد من دول الشرق الأوسط للسعي إلى تعميق وتعزيز التعاون مع الصين. كما أن الصين هي الدولة الكبيرة الوحيدة في العالم التي تحافظ على علاقات ودية مع جميع دول الشرق الأوسط، وقد أرسى هذا أيضًا أساسًا متينًا لمشاركة الصين في الوساطة في الصراعات في الشرق الأوسط. ولذلك، فإن المزيد من الدول تدعم الصين وتتوقع منها أن تلعب دورًا أكبر في حل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى تعزيز المصالحة بين السعودية وإيران، بناء على دعوة من الصين، قام ممثلو حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بزيارة بكين مؤخرًا لإجراء مناقشات متعمقة وصريحة للدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية. وقد حظيت هذه الخطوة بتقدير واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي الذي يعتقد أن الصين لا تنحاز إلى أي طرف في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيساعد على تعزيز المصالحة في داخل فلسطين.

ثالثًا، تصر الصين على اتخاذ إجراءات فعلية وتوفير الحكمة والحلول الصينية لحماية الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. منذ أن اقترح الرئيس شي جين بينغ مفهوم الأمن المتمثل في الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في عام 2014، واصلت الصين استخدام الإجراءات لإثبات أنها تولي أهمية كبيرة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. في عام 2018، اقترح الرئيس شي جين بينغ الحل الصيني لأمن الشرق الأوسط في حفل افتتاح الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصينى العربي. وفي عام 2019 وعام 2022، عقدت الصين منتدى أمن الشرق الأوسط لاستكشاف سبل تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط مع جميع الأطراف بشكل مشترك. وطرحت الصين مقترحات من أربع نقاط بالملف النووي الإيراني، وعملت جاهدة على تعزيز استئناف مفاوضات تنفيذ الاتفاق الشامل بالملف النووي الإيراني، وحافظت على النظام الدولي لمنع الانتشار النووي. وفي عام 2020، اقترحت الصين إنشاء منصة حوار متعدد الأطراف في الخليج لمواصلة بناء التوافق لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي. في عام 2021، زار وزير وانغ يي الشرق الأوسط ثلاث مرات، حيث زار 10 دول في الشرق الأوسط، واقترح "مبادرة ذات نقاط خمس بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط"، و"مقترحًا من أربع نقاط لحل القضية السورية" و"فكرة من ثلاث نقاط لحل الدولتين للقضية الفلسطينية"، ولعب دور بناء في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي مواجهة أمن البيانات، وهو تحدٍ مشترك لجميع البلدان، أصدرت الصين والدول العربية بشكل مشترك "مبادرة أمن البيانات العالمية"، والتي ستعالج بشكل مشترك تهديدات أمن الشبكات ومخاطر أمن البيانات، مما يشكل مثالاً للدول النامية للمشاركة في الحوكمة الرقمية العالمية.

بالإضافة إلي ذلك، فقد شاركت الصين بنشاط في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهي أكبر مساهِمة في القوات بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين وثاني أكبر مساهِمة في ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام. وحتى تشرين الأول / أكتوبر 2023، أرسلت الصين أكثر من 50 ألف جندي من قوات حفظ السلام إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة للمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وحتى عام 2024، أرسلت الصين 22 دفعة من قوات حفظ السلام إلى لبنان. منذ عام 2008، قامت البحرية الصينية بمهام حراسة في خليج عدن والمياه قبالة السواحل الصومالية، حيث تخدم أكثر من 7200 سفينة صينية وأجنبية.

يعد تفشي الإرهاب والأفكار المتطرفة، اختبارًا قاسيًا للسلام والتنمية. يحتاج القضاء على الإرهاب والقوى المتطرفة إلى بناء توافق مشترك. ليس هناك حدود للإرهاب، وليس هناك معايير مزدوجة للإرهاب. وفي ذات الوقت لا يمكن ربط الإرهاب بقومية معينة أو دين، لأن ذلك لا يصنع سوى الحواجز العرقية والدينية. لا توجد هناك سياسة واحدة تعمل بشكل تام على محاربة الإرهاب، فالقضاء على الإرهاب يحتاج إلى سياسات شاملة لتقتلعه من جذوره. وتحت إطار منتدى التعاون الصيني العربي، تم تنظيم عشر دورات من "ندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية"، حيث تدعو الصين والدول العربية إلى التكاتف في تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية وتعزيز التبادلات بين الحضارات، والدعوة إلى الحوار السلمي وتحقيق التعايش السلمي.

يصادف هذا العام الذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي. وسيعقد الدورة العاشرة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي قريبًا(أواخر مايو 2024) في الصين. ويعد هذا أول اجتماع وزاري للمنتدى بعد القمة الصينية العربية الأولى. ونتطلع إلى أن تغتنم الصين والدول العربية هذا الاجتماع كفرصة لتلخيص تجربة التعاون في العقدين الماضيين، واغتنام الفترة الذهبية للتعاون الصيني العربي في السنوات العشر المقبلة، والمساهمة في بناء مجتمع صيني عربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد بشكل أوثق، وستواصل الصين أيضًا في المساهمة بالحكمة الصينية لتحقيق السلام والاستقرار والرفاهية في الشرق الأوسط.

 

** الأمين العام لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية – شنغهاي

****************

المقال إعادة نشر للكلمة التي قدمها أ.د. وانغ قوانغدا في الندوة الدولية الافتراضية المشتركة لمركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت بالتعاون مع جريدة الرؤية في 20 مايو 2024.

مقالات مشابهة

  • قمة صينية مع الزعماء العرب.. ماذا تريد بكين؟
  • الولايات المتحدة تلوح بعقوبات على شركات صينية بحجة دعم مجمع الصناعات الدفاعية الروسي
  • أوستن: تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط يظل أولوية للإدارة الأمريكية
  • صحيفة صينية: «أبوظبي الدولي للكتاب» الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط
  • قيس سعيد يلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين
  • الجيش الأمريكي يدافع عن الاستراتيجية الأفريقية وسط الانقلابات والتحول الروسي
  • أحداث الشرق الأوسط وأوكرانيا وتايوان في صلب محادثات وزيري الدفاع الصيني والأمريكي
  • وزيرا دفاع أمريكا والصين يعقدان أول مباحثات وجها لوجه منذ 2022.. وهذا ما بحثاه
  • البيت الأبيض: مباحثات أمريكية صينية عن حرب أوكرانيا والتحديات في الشرق الأوسط
  • دور الصين في الشرق الأوسط