الورقة الفرنسية الهادفة لـ"تهدئة جبهة جنوب لبنان" تضع "حزب الله" أمام "إختلافٍ" مع باريس، علماً أن العلاقة بين الطرفين راسخة منذ فترة رغم بعض التباينات.
يعتبرُ الحزب أنَّ المسار الحُكمي لأي طرح يؤدي إلى تهدئة الجبهة لا يمكن أن يتم فصله عما قد يشهده الحزب لاحقاً، فالأكيد أن هناك تنازلات سيتم إتخاذها، والأمرُ هذا بات الإسرائيليون يروجون له عبر تقاريرهم وإعلامهم.


السؤال الأبرز بعد التسوية هو التالي: كيف سيكون وضع الحزب عسكرياً؟ كيف سيلاقي جمهوره بالنتائج التي قد تصل إليها أي تسوية مُقبلة؟ ما هي المكاسب والخسائر؟
  على الصعيد العسكري، فإنّ الحزب بات أمام معضلة جديدة ترتبط بالمواقع الخاصة به، فالكثير منها تضرر فيما البعض الآخر تم تحديده من قبل الإسرائيليين، بينما البنية الإستخباراتية الخاصة بالإنتشار العسكري باتت تحتاج إلى إعادة نظرٍ داخلية.   مصادر معنية بالشؤون العسكرية ترى أن "كل ذلك لا يعني أن الحزب قد تراجع بشكل كامل، لكن الحرب المستمرة منذ 7 أشهر لم تكن سهلة عليه خصوصاً أنه انتقل من وضعٍ آخر يوم 7 تشرين الأول الماضي حينما شنّت حركة "حماس" هجومها ضدّ إسرائيل".   وبعد تلك المدة من المعارك، توضح المصادر أنه "لا يمكن أبداً نفي الخسائر المادية التي مُني بها الحزب خصوصاً تلك المرتبطة بالناحية العسكريّة التي يصعب حالياً تأسيس بدائل عنها".   فعلياً، فإن الحزب وإن وافق على الإنسحاب العسكري من الحدود، فستكون مواقعه التي خسرها هناك قد نُسفت من قاموسه الميدانيّ، وهذا الأمر قد يتقبله الحزب شرط ألا يقف نشاطه "غير العسكري" في المنطقة إما على صعيد مجتمعاته أو من حيث استثمار جديد لعناصره هناك. الشرط هذا قد يكونُ محورياً بالنسبة لنفوذ الحزب الذي قد لا يتراجع كما يجري تصوير الأمر، خصوصاً أن المنطقة التي قد ينسحبُ منها لن تكون تحت نفوذ دولي بل تحت نفوذ لبنانيّ عبر الجيش، بحسب ما توضح المصادر.   على الصعيد الجماهيري، فإنّ الحزب قد يصطدم بما قد يوافق عليه ضمن التسوية المطروحة، فأي موافقة على الإنسحاب قد تلاقي معارضة أو إقراراً ضمنياً بالشروط، في حين أن هذا الشرط لم يجر إسقاطه بعد رغم الترويج لذلك مؤخراً.   وإلى حين إكتمال العناصر الواضحة للتسوية التي تقودها فرنسا بالتنسيق مع أميركا، فإن الحزب سيكون أمام اختبارٍ حقيقيّ يرتبط ببيئته الشعبية والحاضنة، والسؤال الأساس هنا: كيف سيتمكن من "تسييل" موافقته على التسوية ببنود قد لا تتوافق مع توجهاته أو حتى مع مآلات بيئته الشعبية؟   المسألة جداً مفصلية، لكنّ المصادر تقرأ المسألة من خلال منحى آخر، ومفادها إن إعلان "حزب الله" إلتزامه بالقرار 1701 بتفاصيله من دون الحديث عن "بند الإنسحاب" قد يكون كفيلاً بإنقاذ الحزب جماهيرياً وسياسياً، لأن الحديث عن الأمر الأخير سيكون اعترافاً بما يريده الإسرائيليون، بينما التمسك بالقرار الدولي سيكون تلبية للمطلب اللبناني وبالشروط التي تريدها بيروت وينادي بها لبنان الرّسمي.   المكاسب والخسائر التي يُمكن تفصيلها هنا عديدة، وتقول المعلومات إن الحزب يسعى حالياً عبر الخطابات الداخلية في صفوفه لتحضير الجمهور لمرحلة مقبلة جديدة أساسها الإستقرار المرتبط بـ"خارطة إتفاقات دولية".   ولكن، أين الربح هنا؟ المصادر تقول إن أول مكسب سيناله الحزب هو أنه لن يكون الوحيد المسؤول عن ضمان الإستقرار في جنوب لبنان، فالأمر سيكون مرتبطاً بما تريده الدول المعنية بالتسوية، فيما مسألة تقوية الجيش التي ينادي بها الفرنسيون والإيطاليون والأميركيون ستساهم إلى حد كبير في التخفيف عن كاهل الحزب نوعاً ما، وأي تقصير في هذا الإطار سيكون في صالح الحزب الذي سيجد لتحركاته المستقبلية مبرراً أساسياً خصوصاً إن بادرت إسرائيل لأي عمل عسكريّ مفاجئ أو مباغت ضدّ الأراضي اللبنانية أو ضد الجيش بشكلٍ خاص.   ماذا عن الخسائر؟ هنا، يمكن تلخيص هذا الأمر من خلال القدرة على التحرك جنوباً، فالحزب سيصبح تحت الرصد أكثر، كما أن تحركاته التي كان يقيمها في الجنوب سابقاً لن تكون قائمة مستقبلياً خصوصاً عند الحدود. هذا الأمر سيكون بمثابة نقطة لصالح الإسرائيليين، لكن في المقابل فإنّ هناك مسألة لا يمكن إغفالها وهي أنّ مواقع الحزب الخلفية والأساسية ستبقى قائمة على حالها، وبالتالي فإن التدريبات ستبقى مستمرة، كما أن النفوذ العسكري سيظل ثابتاً في مناطق أساسية لا يمكن للحزب أن يتنازل عنها وسط أي تسوية، لاسيما في البقاع أو حتى في عمق الجنوب.   إنطلاقاً من كل ذلك، فإن المسألة التي سيواجهها الحزب الآن ستكون مرتبطة بالكثير من العناصر الإيجابية والسلبية بالنسبة له.. أما السؤال هنا فهو: كيف سيكون خطابه العلني لاحقاً بعد الحديث الفعلي عن أوراق التسوية الفعلية؟ هنا، يجب الإنتظار لمعرفة المسار المرتقب...
 
 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: لا یمکن

إقرأ أيضاً:

المحفظة الفارغة.. رسالة غامضة تستهدف عناصر حزب الله

أضفت بعض التفاصيل على الرسالة طابعًا شخصيًا ومستفزًا للجمهور المقرّب من حزب الله، وجعلتها تبدو كأنها موجّهة إلى الفرد مباشرة وضمن سياقه اليومي.

تفاعل روّاد مواقع التواصل في لبنان مع محتوى نشرته صفحة تزعم انتماءها لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، تضمّن فيديو دعائيًا مُنشأ بتقنيات الذكاء الاصطناعي موجَّهًا بشكل مباشر إلى عناصر حزب الله.

يبدأ الفيديو بمشهد لشابٍ ذي بشرة سمراء ولحية، يرتدي بزةً عسكرية باللون الزيتي، مع وشاح أصفر وغطاء يشبه الكوفية الفلسطينية.

وفي اللقطة التالية، ينظر الشاب إلى الكاميرا بملامح عابسة، ثم يفتح محفظته الشخصية التي تبدو خالية تمامًا من النقود، لتظهر على الشاشة عبارة باللهجة العامية تقول: "حتى مصاري ما في عندُن بعدك الك؟". ويأتي ذلك في سياق سخرية من الضائقة المالية التي يُقال إن التنظيم يواجهها في ظل التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في المنطقة.

يشارك عناصر حزب الله في مراسم تشييع رئيس أركان الحزب، هيثم طباطبائي، وذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان، الاثنين، 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2025. Hussein Malla/ AP

لمشاهدة الفيديو

يتحوّل المشهد بعدها إلى شارع في أحد الأسواق الشعبية اللبنانية، حيث يسير الشاب بين حشد من المارة الذين تظل وجوههم غير واضحة، بينما تُعرض عبارة: "حزبك عم يضعف مع الوقت، تنطرش لحتى كل إشي يتدمر". تليه لقطة مقرّبة ليد تضع خاتماً، ثم تُفتح نافذة على الشاشة مع عرض يحمل عبارة: "تعال واستغل الفرصة. هلق عنا عرض قيم الك!".

لماذا كانت الرسالة مستفزة؟

تميز المقطع باستخدام مدروس للألوان (مثل اللون الزيتي للبزة والأصفر للوشاح)، والملابس (الكوفية والخاتم)، وخلفية الشوارع الشعبية المألوفة، والإضاءة الصفراء التي تعطي شعورًا بالإعياء والضعف، وصولاً إلى السمات الجسدية للشخصية المجسدة (لحية الشاب، والبشرة السمراء والملامح العربية)، لتشكل هذه التفاصيل إيحاءً مقصوداً نحو ما يمكن تسميته "الواقعية المصطنعة".

منحت التفاصيل الرسالة طابعًا شخصياً ومستفزًا للجمهور القريب من الحزب، وجعلتها تبدو وكأنها تخاطب الفرد مباشرة في سياقه اليومي.

وقد تفاعل مع المحتوى مؤيدو حزب الله وخصومه على حدٍ سواء، داخل لبنان وخارجه. فيما تباينت ردود الأفعال بين التهديدات والغضب من جانب المؤيدين، وبين السخرية والتعليقات الساخرة على الحزب من جانب المعارضين، خاصة في ظل الضربات الأمنية الكبيرة التي تعرّض لها في أيلول (سبتمبر) الماضي، والتي كشفت عن اختراقات عميقة في بنيته الأمنية.

Related اغتيال "الشبح".. "عبد الله" والمهمة السرّية التي مهّدت طريق الموساد إلى عماد مغنيةالموساد يتّهم الحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء شبكة دولية لاستهداف مصالح يهودية وإسرائيلية"خطر على الأمن القومي".. جدل في إسرائيل بعد تعيين غوفمان على رأس الموساد محتوى الصفحة

لم يقتصر نشاط الصفحة على هذا الفيديو، فقد نشرت محتوى آخر يُظهر تل أبيب في ليلة مضيئة مع عبارة: "يا أهل البيت – منتشرف فيكن وبدنا نستقبلكوا!"، مصحوبةً بهاشتاغ #لبنان.

وقد بدا أن هذا المنشور محاولةً لتوجيه خطاب مباشر إلى الحاضنة الشعبية الرئيسية لحزب الله (الطائفة الشيعية في لبنان)، باستخدام مصطلحات وعبارات مألوفة في أدبياتها الاجتماعية.

كما نشرت الصفحة فيديو آخر يحثّ عناصر الحزب بصورة مباشرة قائلاً: "انتوا عارفين أنه في بعد حلول غير عمليات التجميل. احكوا معنا بدل ما تتخبوا وتهربوا. ما بضبط تضلوا مختفيين لآخر الحياة".

تطوّر الخطاب والنشاط

يُظهر تتبّع سجلّ منشورات الصفحة أنّ نشاطها بدأ عام 2018 عبر محتوى متفرّق باللغتين الإنكليزية والعربية، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى نشر منشورات باللغة الفارسية حتى عام 2023.

ومنذ ذلك الحين، تحوّلت الصفحة بشكل ملحوظ إلى التركيز على الخطاب باللغة العربية، مستهدفةً في البداية الجمهور اللبناني العام، ثم تضييق دائرة خطابها لتصبّ في بيئة حزب الله وأنصاره، قبل أن تصل مؤخراً إلى خطاب مباشر وموجه بالاسم إلى "عناصر" الحزب.

الضائقة الاقتصادية

على الرغم من أن النشاط الاستخباراتي الإسرائيلي في لبنان ليس جديدًا، فإنّ التدهور الاقتصادي الحاد الذي يمرّ به البلد شكّل عاملًا حاسمًا في توسيع هامش الاختراق وفتح قنوات جديدة أمام محاولات التجنيد.

وبحسب مصادر لبنانية، تنوّعت أساليب الاستهداف لتشمل عروض سفر مجانية أو منخفضة التكلفة إلى دول أوروبية، وفرص عمل مغرية مصدرها جهات غير معروفة، إضافة إلى محاولات التواصل مع أشخاص يتبنّون مواقف ناقدة لحزب الله، مستغلّين الضائقة المعيشية واليأس الذي يطغى على شريحة واسعة من اللبنانيين.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • عاجل.. مصدر في الرئاسة يكشف المهمة التي جاء من أجلها الفريق السعودي الإماراتي العسكري إلى عدن.. إخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة
  • حزب الله من رسالة البابا إلى زيارة السفارة البابوية… تأكيد كيانية لبنان
  • «حزب الأمة» يدين قصف سوق كتيلا ويدعو لحماية المدنيين
  • إسرائيل: التطورات على الحدود مع حزب الله تتجه نحو التصعيد
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • التصعيد الاسرائيلي على لبنان.. لقاء نتنياهو- ترامب المقبل سيكون حاسماً
  • قطيعة بين حزب الله وفرنسا؟
  • وضعتني في موقف صعب لا أحسد عليه.. حماتي قررت مصيري
  • المحفظة الفارغة.. رسالة غامضة تستهدف عناصر حزب الله
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى