في يومها العالمي: الصحافة السودانية اشتدي زيم
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
في يومها العالمي: الصحافة السودانية اشتدي زيم
خالد فضل
ظلت الصحافة في السودان تتعرض لعوامل القهر والقمع والتجريف المستمرة، ذلك أنّ معظم وقتها قد قضته تحت أنظمة حكم عسكرية شمولية ديكتاتورية، يظل عدوها الرئيس هو حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر والضمير، وإذا فقدت الصحافة هذه القيم الرفيعة فإنها في الواقع تتحول وإن لم تشأ إلى بوق من أبواق الدعاية لهذه الأنظمة والتي بطبيعتها تبرع في شيئين اثنين أيما براعة؛ الحشد والدعاية.
وفي تجربة حكم الإسلاميين (الإنقاذ) خير دليل وبرهان على معاناة الصحافة السودانية طيلة ثلاثين سنة، إذ مورس فيها وضدها كل ما يمكن تصوره وما لا يخطر على بال البشر من صنوف القمع والقهر، فلما بلغت البلاد مرحلة الثورة الشعبية التي اندلعت في منتصف ديسمبر من العام 2018م، وتلاها سقوط النظام باتت البلاد تتهيأ لدخول حقبة الانتقال نحو الحكم المدني الديمقراطي، وبالطبع فإن الكثيرين/ات من الصحفيين/ات السودانيين/ات كانوا/ن في طليعة الركب المقاوم للنظام المباد رغم كل المتاريس التي كانت توضع أمامهم، وقد تعرض الكثير منهم (مع حفظ حق النوع) إلى الاستجوابات الأمنية المتكررة، وحذف المواد التي يعدونها، كما فرضت الرقابة القبلية والبعدية على الصحف، وصودرت النسخ عقب طباعتها، ومنعت بعض الصحف من الصدور لفترات تطول وتقصر حسب تقديرات الأجهزة الأمنية المتعددة، كما أعتقل وحوكم بالسجن بعضهم، فيما شملت آخرين عقوبات الحظر والمنع من السفر، ومنع بعضهم من الحق في الكتابة؛ وقد تعرض صاحب هذا القلم للمنع لمرات عديدة دون إبداء أي أسباب، وبذريعة (توفيق الأوضاع) قبل أن يتم منعه نهائيا رفقة الزميل فائز السليك والزميلة رشا عوض من الكتابة في صحيفة (الجريدة) ذلك عقب مصادرة صحيفة أجراس الحرية وحظرها في العام 2011م، وعندما تم تأسيس موقع صحيفة التغيير الإلكترونية تم تصنيفه مباشرة من الأجهزة الأمنية بأنه موقع سالب! هذا إضافة إلى تعرض بعض الصحفيين إلى الضرب والتهديد، ومع هذه الممارسات القمعية فقدت الصحافة حريتها، وتمددت ما تعرف بالخطوط الحمراء التي يضعها جهاز الأمن، أما في مناطق النزاعات المسلحة فقد كان المنع والتضييق أشد وطأة، ومنعت الصحافة السودانية من نقل الأخبار من مواقع الأحداث، كما منعت التقارير الإخبارية والتحقيقات الصحفية المتعلقة بتلك المناطق، وهي مساحات شاسعة تمتد من الجنوب- سابقاً- إلى جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق ودارفور، إزاء هذه الأوضاع ترنحت الصحافة في السودان، وبات الصحفيون/ات في أوضاع مهنية حرجة وأوضاع معيشية ضنكة، وفقدوا الأمان والحماية في ممارسة مهنتهم.
ومع انفجار ثورة الاتصالات، باتت الصحافة الورقية على وجه التحديد في مواجهة تحدي الاستمرارية، وصارت أوضاعها الاقتصادية تنحدر من سيئ إلى أسوأ، فتوقفت كثير من الصحف عن الصدور، وهي الحالة التي دخلت بها الصحافة السودانية مرحلة الثورة والانتقال، فانعكست الأوضاع السابقة كلها على الفترة القصيرة قبيل إنقلاب 25 أكتوبر 2021م بقيادة البرهان/ حميدتي، والذي وضع حدا بين التوق للانتقال أو الردة إلى العهد المباد، لقد رجحت كفة العودة للعهد المباد مع بروز عناصر النظام السابق في كل وظائف الدولة ومؤسساتها بما في ذلك الأجهزة الأمنية ذاتها التي تخصصت في قمع حرية الصحافة، واشتدت الوطأة على الصحافة والصحفيين، وقد اضمحل دور الصحافة الورقية بفضل سيادة الوسائط التقانية والفضائيات، وغدت مهنة الصحافة طاردة للعناصر المشتغلة فيها أو تلك التي تنوي اللحاق بها.
ثم حل كابوس حرب 15 أبريل 2023م والذي ما يزال جاثما على كل البلاد، وكانت الحرب مناسبة إعلان لوفاة الدولة السودانية في طبعتها الممتدة منذ الاستقلال، وحتما فإن سودان ما بعد الحرب إذا قدر له أن يكون فسيكون نسخة أخرى غير تلك التي استمرت لسبعة عقود، ويظل دور الصحافة والصحفيين مطلوبا دوما رغم اشتداد المحن والكروب، فهل من بصيص أمل هل، والعالم يحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي السودان تشتد زيم، ويتشرد الصحفيون بين النزوح واللجوء، بل تظهر أسماء بعضهم ضمن قوائم المطلوبين للنيابة العامة الخاضعة لسيطرة الجيش، وينعق البوم في الدور الصحفية في العاصمة.
ونحن على هذه الحال رزئنا كصحفيين بفقد ابانا الروحي وعميد الصحفيين وشيخهم استاذ محجوب محمد صالح الذي انتقل إلى جوار ربه في بالقاهرة قبل بضعة اسابيع بعيدا عن ارض الوطن ذاك الذي حمله هما مقيما منذ شبابه الباكر فادى دوره في بث الوعي والتنوير وكانت صحيفة الايام التى شارك في تأسيسها مع زميليه الراحلين محجوب عثمان وبشير محمد سعيد مدرسة منفتحة على الوطن تخرج فيها مئات الصحفيين/ات، لقد كان استاذنا محجوب واحدا من المعالم الوطنية الكبري بحكمته وتواضعه الجم ومعرفته الواسعة، ألا رحم الله معلم الاجيال واسكنه فسيح جناته والعزاء موصول لاسرته الكريمة ولكل الصحفيين بل العزاء للشعب السودانى وقد رحل احد الاهرامات الوطنية السامقة في وقت تشتد في البلاد الكرب.
الوسومأجراس الحرية الأيام الإنقاذ التغيير السودان اليوم العالمي لحرية الصحافة خالد فضل رشا عوض محجوب محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأيام الإنقاذ التغيير السودان خالد فضل رشا عوض محجوب محمد صالح الصحافة السودانیة
إقرأ أيضاً:
في وقفة انقلاب 25 مايو: رد أستاذنا عبد الخالق محجوب على أحمد سليمان المحامي في اقتراحه حول دور للقوات المسلحة في تغيير الحكم
عبد الله علي إبراهيم
"ولا سبيل لهذا الاستقرار في نظري غير حماية القوات المسلحة التي يجب الاعتراف بها كقوة مؤثرة وكعامل فعال في حياة البلاد السياسية. إن الجيش هو القوة الوحيدة التي تستطيع أن تحمي الميثاق المنشود وحكومته والتي تقدر على ردع المارقين والمغامرين على وحدته العابثين بمكاسبه". أحمد سليمان، جريدة الأيام 5 و6 و8 ديسمبر 1968
في مجالس الناس كثر الحديث عن القوات المسلحة بوصفها الأمل الوحيد للإنقاذ. والحديث بهذا الإجمال خطر ويتجاهل تجربة الشعب في بلادنا. فقد خبر السودان طيلة ست سنوات حكماً عسكرياً بعينه هو حكم كبار الجنرالات من المستوى المركزي إلى مستوى الإدارة الإقليمية. وما خرج عملهم ونشاطهم في حيز القضايا الجوهرية التي تواجه بلادنا بعد الاستقلال عن بعض الإجراءات وما استطاعوا، وما كان لهم ولا في مصلحتهم، إحداث تغيير جوهري في طريق تطور بلادنا.
وحاجة بلادنا التاريخية ليست اليوم في مستوى بعض الإجراءات مثل الضبط والربط والتنفيذ السريع. كما أنها ترفض قطعاً المسخ الذي سموه حزماً وسياسة فكان وبالاً على حركة الثورة في بلادنا: احتقر كل فكر تقدمي وأهانه، وعزل بلادنا عن كل تقدم فأصبحت مريض أفريقيا والعالم العربي بحق. وشعبنا يعرف جيداً أن طريق الرأسمالية والخضوع لمتطلبات رأس المال الأجنبي التي اصابت الحرية الوطنية في الصميم ما وجدت تمهيداً كما وجدته أيام حكم الجنرالات.
إن الحديث عن أجهزة الدولة بوصفها قوة اجتماعية منفصلة عن بقية المجتمع، ومن ثم اعتبارها شئياً مميزاً عن الفئات والطبقات التي جربت السلطة وفشلت غير سليم ومجاف للحقيقة.
الجماهير المستنيرة التي صنعت وتصنع الآن تاريخ بلادنا ما عادت تحتمل تحليل مجريات الأمور جزئياً. فهي في الحركة السياسية تتخطى سريعاً التحليل في إطار الأحزاب (هذا الحزب أفضل من ذاك إلخ). إن وعياً متزايداً بالنفاذ وراء التقسيمات الحزبية إلى الصور الطبقية الحقيقية يشرق على أقسام من جماهير الشعب السوداني بعد تجارب مريرة من الأمل والانتظار. وقف شعبنا على باب الوطني الاتحادي حتى مل الوقوف ورجع آسفاً حزيناً. وعلى أبواب حزب الشعب الديمقراطي. وبعد أكتوبر تكرر نفس المشهد إلا أن الفترة كانت قصيرة وانصرف الشعب في طريقه. وعبر التقسيمات الحزبية تظهر بوضوح التقسيمات الطبقية التي تشد الأحزاب لبعضها وتؤكد أن السقوط في الحكم وفي ميدان التنمية، عصب التقدم، ليس سقوطاً للأحزاب منفصلة عن بعضها، بل هو سقوط لنادي الرأسمالية والطائفيين وعناصر التخلف في الزراعة بشقيها.
والقوات المسلحة لا تخرج من إطار التحليل الطبقي، وتشكل في مستواها الأعلى، بالتجربة، جزءاً من النادي الذي سقط طريقه الاقتصادي وأصبح لا مفر من نظام سياسي يَعُقب القوى التي حكمتنا من قبل وتحكم اليوم فعلياً على تعدد الحكومات الحزبية والعسكرية. وفي ثورة أكتوبر، ولفترة بسيطة، امتحن أيضاً شعبنا في القيادة الفئة العليا من البرجوازية الصغيرة، وخاصة بين أوساط المثقفين، وما استطاعت هذه الفئة، رغم منجزاتها، أن تمنح شعبنا القيادة. فقد كانت أضعف من هذه المهمة التاريخية الثقيلة. فقد كان التفاف الجماهير المتقدمة حول جبهة الهئيات، قائدة الإضراب السياسي والقوة الرئيسية في إسقاط الحكم العسكري، يعبر عن رغبة شعبنا في السير وراء قيادة جديدة تستطيع أن تحل مشاكله المزمنة لفترة ما بعد الاستقلال. وما انهارت جبهة الهيئات لأنه فرض عليها صراع صناعي بين الشيوعيين والإخوان المسلمين. هذا تفسير غير مرض لتجربة شعبية ذات أبعاد واسعة ومعان عميقة.
ما كان الصراع إيديولوجيا بين طريق جديد يعلن سقوط الطريق الشائك الذي أدمى السير عليه اقدام شعبنا ويشق منفذاً جديداً للتقدم وبين الطريق القديم. وقد كان الإخوان المسلمون وما زالوا بين البرجوازية الصغيرة الممثلين لمصالح النادي القديم الساقط في امتحان القيادة. وفي اللحظات الحاسمة عجزت الفئة الاجتماعية الجديدة، التي منحها الشعب تأييدا بالغاً، عن فهم وإدراك الحقيقة الأساسية للسير بالثورة للأمام وأعنى قضية الديمقراطية. لقد رجحت تلك الفئة، إلا من قلة مارست النضال العملي بعد الاستقلال وأخرى انتقلت إلى مواقع النظرية الشاملة للتقدم الاجتماعي، رجحت الديمقراطية الليبرالية المشوهة طريقاً للسلطة في بلادنا. وكان هذا اختياراً للطريق القديم. فالديمقراطية الليبرالية المشوهة والتنمية الرأسمالية هما لب سلطة النادي القديم في بلادنا.
إذا فالسلطة الجديدة يُبحث عنها في إطار مفهوم ثوري جديد للديمقراطية يدعو كنتيجة منطقية له قوات اجتماعية جديدة لقيادة النادي. يدعو الناس الذين مصلحتهم التاريخية المطابقة لمصلحة أغلبية امتنا بالتمسك بتلك الديمقراطية (اضطراب في النص الأصل) وحل مشكلة السلطة السياسية على هذا المفهوم. ولن نمل القول بأن هذا النادي تقوم دعائمه بين الطبقات الحديثة في بلادنا من عمال ومثقفين ثوريين وجماهير كادحة في القرى والبوادي ومن رأسمالية وطنية ذات القدرة حقاً على العمل في ميدان التنمية لا تلك الطفيلية في المجتمع.
والقيادة في هذا النادي لا يمكن أن تكون مفروضة، بل هي تنبع من المهمة الجوهرية التي تتجمع حولها تلك القوى الاجتماعية، ومن حقيقة أن الطبقات الحاكمة منذ الاستقلال حتى اليوم فشلت في مواجهة (الأزمة) وحلها بطريقة سليمة. ولذا لم يعد هناك من مناص من الاعتراف بأن المهمة الجوهرية لشعبنا بعد الاستقلال، أو التي تتحكم في سير خطاه وتفسر كثيراً من المظاهر التي تثير في النفس السخط من حياتنا الاجتماعية والثقافية، هي النهضة الاقتصادية. ,إذا أصبح أمراً متفقاً عليه بأن البديل للخطة الراهنة لحل مهمة النهضة الاقتصادية، والتي فشلت على مدى ثلاثة عشر عاماً من الاستقلال، هي خطة للتنمية على غير طريق الرأسمالية، فإن قيادة العاملين فكراً وواقعاً هي النتيجة المنطقية للسنوات والأيام المظلمة التي عاشها الشعب السوداني منذ الاستقلال.
وفي نهوض السلطة الجديدة بين أوساط الشعب الواسعة، بين لهيب الامتحان القاسي الذي تفرضه الثورة المضادة بين قوى الشعب في بلادنا، وبين البحث الجاد عن أخطاء ونقائص وفضائل العمل الثوري توضع الضمانات والشروط اللازمة لقيام تجمع طبقي جديد مضمون القيادة والثبات، واضح فكرياً لا في مهمة السير بالثورة الوطنية الديمقراطية قدماً، بل واضح أيضاً في الآفاق الاجتماعية لتلك الثورة.
ما عاد ممكناً استبعاد النظرية الماركسية عندما تطرح قضية الوضوح لهذا التجمع الطبقي البديل للنادي القديم. فقد دفعت الحركات الشعبية الثمن غالياً وهي تقيم بينها وبين الماركسية حجاباً مصطنعاً وتسلك طريق التجريب باستبعاد الماركسية. عجزت أقسام كبيرة من الفئات الاجتماعية القائدة على التقدم في العالم الثالث عن أن تضع الصيغة السليمة للتحالف بين الطبقات الثورية. عجزت تلك الأقسام في تطبيق مفهوم سليم للديمقراطية الثورية التي ترفع من نشاط الجماهير الشعبية وتطلق قدراتها الخلاقة وتجعلها رقيبة بالفعل على السلطة، وتقيد في نفس الوقت النشاط المعادي للثورة. عجزت عن تبني مفهوماً ثورياً لطبيعة جهاز الدولة القديم وطبيعة الدولة ذاتها فانقلب ذلك وبالاً على حركة التقدم. وأصبحت أجهزة الدولة القديمة أداة من أدوات الثورة المضادة التي تلف بليلها الحالك كثيراً من بلدان آسيا وأفريقيا.
وكل هذه العقبات التي تفرضها فرضاً المراحل العليا من الثورة الوطنية الديمقراطية تجد إجابة واضحة في التطبيق الماركسي بين ظروف حركة التحرر الوطني العالمية. وكل فئة اجتماعية جادة في هذه الظروف لابد أن تعمل الفكر في تلك القضايا وتديم التأمل. فخطر، أي خطر، اجهاض هذه الثورة الفكرية وتحويل التغيير الثوري الذي يسير في باطن مجتمعنا إلى مجرد شكليات، وانتقال السلطة دون وجود مقومات حقيقية لكي تصبح السلطة الجديدة ملبية للمرحلة الحالية من تطور بلادنا.
وفي اعتقادي أنه لكي تصعد طبقات اجتماعية للسلطة وتستعملها في مستوى ما وصلت إليه مرحلة التطور الثوري في بلادنا فإنه لا بديل للعمل الشعبي بوصفه مركز الثقل. وتجربة العالم الثالث تؤكد أن هناك أكثر من شكل واحد لذلك الانتقال.
ibrahima@missouri.edu