في يومها العالمي: الصحافة السودانية اشتدي زيم

خالد فضل

ظلت الصحافة في السودان تتعرض لعوامل القهر والقمع والتجريف المستمرة، ذلك أنّ معظم وقتها قد قضته تحت أنظمة حكم عسكرية شمولية ديكتاتورية، يظل عدوها الرئيس هو حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر والضمير، وإذا فقدت الصحافة هذه القيم الرفيعة فإنها في الواقع تتحول وإن لم تشأ إلى بوق من أبواق الدعاية لهذه الأنظمة والتي بطبيعتها تبرع في شيئين اثنين أيما براعة؛ الحشد والدعاية.

وفي تجربة حكم الإسلاميين (الإنقاذ) خير دليل وبرهان على معاناة الصحافة السودانية طيلة ثلاثين سنة، إذ مورس فيها وضدها كل ما يمكن تصوره وما لا يخطر على بال البشر من صنوف القمع والقهر، فلما بلغت البلاد مرحلة الثورة الشعبية التي اندلعت في منتصف ديسمبر من العام 2018م، وتلاها سقوط النظام باتت البلاد تتهيأ لدخول حقبة الانتقال نحو الحكم المدني الديمقراطي، وبالطبع فإن الكثيرين/ات من الصحفيين/ات السودانيين/ات كانوا/ن في طليعة الركب المقاوم للنظام المباد رغم كل المتاريس التي كانت توضع أمامهم، وقد تعرض الكثير منهم (مع حفظ حق النوع) إلى الاستجوابات الأمنية المتكررة، وحذف المواد التي يعدونها، كما فرضت الرقابة القبلية والبعدية على الصحف، وصودرت النسخ عقب طباعتها، ومنعت بعض الصحف من الصدور لفترات تطول وتقصر حسب تقديرات الأجهزة الأمنية المتعددة، كما أعتقل وحوكم بالسجن بعضهم، فيما شملت آخرين عقوبات الحظر والمنع من السفر، ومنع بعضهم من الحق في الكتابة؛ وقد تعرض صاحب هذا القلم للمنع لمرات عديدة دون إبداء أي أسباب، وبذريعة (توفيق الأوضاع) قبل أن يتم منعه نهائيا رفقة الزميل فائز السليك والزميلة رشا عوض من الكتابة في صحيفة (الجريدة) ذلك عقب مصادرة صحيفة أجراس الحرية وحظرها في العام 2011م، وعندما تم تأسيس موقع صحيفة التغيير الإلكترونية تم تصنيفه مباشرة من الأجهزة الأمنية بأنه موقع سالب! هذا إضافة إلى تعرض بعض الصحفيين إلى الضرب والتهديد، ومع هذه الممارسات القمعية فقدت الصحافة حريتها، وتمددت ما تعرف بالخطوط الحمراء التي يضعها جهاز الأمن، أما في مناطق النزاعات المسلحة فقد كان المنع والتضييق أشد وطأة، ومنعت الصحافة السودانية من نقل الأخبار من مواقع الأحداث، كما منعت التقارير الإخبارية والتحقيقات الصحفية المتعلقة بتلك المناطق، وهي مساحات شاسعة تمتد من الجنوب- سابقاً- إلى جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق ودارفور، إزاء هذه الأوضاع ترنحت الصحافة في السودان، وبات الصحفيون/ات في أوضاع مهنية حرجة وأوضاع معيشية ضنكة، وفقدوا الأمان والحماية في ممارسة مهنتهم.

ومع انفجار ثورة الاتصالات، باتت الصحافة الورقية على وجه التحديد في مواجهة تحدي الاستمرارية، وصارت أوضاعها الاقتصادية تنحدر من سيئ إلى أسوأ، فتوقفت كثير من الصحف عن الصدور، وهي الحالة التي دخلت بها الصحافة السودانية مرحلة الثورة والانتقال، فانعكست الأوضاع السابقة كلها على الفترة القصيرة قبيل إنقلاب 25 أكتوبر 2021م بقيادة البرهان/ حميدتي، والذي وضع حدا بين التوق للانتقال أو الردة إلى العهد المباد، لقد رجحت كفة العودة للعهد المباد مع بروز عناصر النظام السابق في كل وظائف الدولة ومؤسساتها بما في ذلك الأجهزة الأمنية ذاتها التي تخصصت في قمع حرية الصحافة، واشتدت الوطأة على الصحافة والصحفيين، وقد اضمحل دور الصحافة الورقية بفضل سيادة الوسائط التقانية والفضائيات، وغدت مهنة الصحافة طاردة للعناصر المشتغلة فيها أو تلك التي تنوي اللحاق بها.

ثم حل كابوس حرب 15 أبريل 2023م والذي ما يزال جاثما على كل البلاد، وكانت الحرب مناسبة إعلان لوفاة الدولة السودانية في طبعتها الممتدة منذ الاستقلال، وحتما فإن سودان ما بعد الحرب إذا قدر له أن يكون فسيكون نسخة أخرى غير تلك التي استمرت لسبعة عقود، ويظل دور الصحافة والصحفيين مطلوبا دوما رغم اشتداد المحن والكروب، فهل من بصيص أمل هل، والعالم يحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي السودان تشتد زيم، ويتشرد الصحفيون بين النزوح واللجوء، بل تظهر أسماء بعضهم ضمن قوائم المطلوبين للنيابة العامة الخاضعة لسيطرة الجيش، وينعق البوم في الدور الصحفية في العاصمة.

ونحن على هذه الحال رزئنا كصحفيين بفقد ابانا الروحي وعميد الصحفيين وشيخهم استاذ محجوب محمد صالح الذي انتقل إلى جوار ربه في بالقاهرة قبل بضعة اسابيع بعيدا عن ارض الوطن ذاك الذي حمله هما مقيما منذ شبابه الباكر فادى دوره في بث الوعي والتنوير وكانت صحيفة الايام التى شارك في تأسيسها مع زميليه الراحلين محجوب عثمان وبشير محمد سعيد مدرسة منفتحة على الوطن تخرج فيها مئات الصحفيين/ات، لقد كان استاذنا محجوب واحدا من المعالم الوطنية الكبري بحكمته وتواضعه الجم ومعرفته الواسعة، ألا رحم الله معلم الاجيال واسكنه فسيح جناته والعزاء موصول لاسرته الكريمة ولكل الصحفيين بل العزاء للشعب السودانى وقد رحل احد الاهرامات الوطنية السامقة في وقت تشتد في البلاد الكرب.

الوسومأجراس الحرية الأيام الإنقاذ التغيير السودان اليوم العالمي لحرية الصحافة خالد فضل رشا عوض محجوب محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأيام الإنقاذ التغيير السودان خالد فضل رشا عوض محجوب محمد صالح الصحافة السودانیة

إقرأ أيضاً:

ليست خطبة جمعة.. نقيب الصحفيين يرد على بيان وزارة الأوقاف

رفض نقيب الصحفيين خالد البلشي، التعامل مع الصحافة كخطبة جمعة موحدة، وذلك ردا على قرار وزارة الأوقاف بشأن منع تصوير الجنازات، مؤكدا أن الصحافة سلاح الأوطان، لا يمكن قبول معاملتها بهذا الشكل.

مرشح الجمعية العمومية لـ "روزاليوسف" عن الصحفيين: إنقاذ الصحافة القومية يبدأ باستغلال الأصول وتوفير الإمكانيات للعاملين بها مهرجان دراما رمضان.. صبا الرافعي وتامر أمين يقدمان الحفل والإعلان عن تفاصيل الدورة الأولي بنقابة الصحفيين تصريحات نقيب الصحفيين

وقال نقيب الصحفيين خلال مداخلة هاتفية عبر برنامج في المساء مع قصواء تقديم الإعلامية قصواء الخلالي المذاع على قناة سي بي سي، أن قرار وزير الأوقاف صدر الأسبوع الماضي، وأصدرت النقابة بيانًا على إثره رفضناه شكلًا وتفصيلا، لأنه ليس من سلطة أحد أن يضع قيود على الآخر.

وتابع أنه يوجد قانون منظم للأمر، وهو نفسه به قيود على الصحفيين نطالب بإلغائها.معقبا: "القانون الحالي نسعى لتعديله لأن به قيود كثيرة، ونفاجيء بقيود جديدة، وهذا أمر غير مقبول".

وأشار إلى أن قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات هو قرار مُقيد لحرية الصحافة، ويتجاوز الحدود ويعتدى على الدستور والقانون، مشيرا إلى أن الأوقاف ليس من حقها الإعلان عن ضوابط وهو حق أصيل للنقابة.

مقالات مشابهة

  • توصيات اجتماع لجنة "اقتصاديات الصحافة" استعدادًا للمؤتمر العام
  • «الصحفيين» تدعو قيادات الصحف للاجتماع التحضيري الرابع للمؤتمر العام السادس
  • السودان بين الفوضى والحرب والجوع: تحديات الأمن الغذائي، أزمة إنسانية، واحتمالات تفكك الدولة
  • نقيب الصحفيين يرفض قرار الأوقاف بمنع التصوير: “الصحافة مش خطبة موحدة” (فيديو)
  • نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون
  • ليست خطبة جمعة.. نقيب الصحفيين يرد على بيان وزارة الأوقاف
  • مرشح الجمعية العمومية لـ "روزاليوسف" عن الصحفيين: إنقاذ الصحافة القومية يبدأ باستغلال الأصول وتوفير الإمكانيات للعاملين بها
  • «الصحفيين» تكشف عن 3 محاور رئيسية للمؤتمر السادس للصحافة المصرية
  • عاجل: المتاحف المصرية تفتح أبوابها مجانًا في يومها العالمي..9 متاحف تفتح أبوابها بالمجان (صور)
  • الحرب أولها الكلام.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشعبي