بيروت- يتأجج السجال السياسي بشأن قضية اللجوء السوري في لبنان بمشهد عهده اللبنانيون سنويا قبل انعقاد "مؤتمر بروكسل"، ولكن المؤتمر في نسخته الـ18 لدعم مستقبل سوريا ودول المنطقة والمقرر عقده في 27 مايو/أيار المقبل يأتي مع بلوغ الصراع حول الوجود السوري ذروة غير مسبوقة.

فقد شهد لبنان سلسلة أحداث هددت الاستقرار الداخلي، لجهة تصاعد خطاب التحريض السياسي ضد السوريين بعد جريمة مقتل المسؤول في القوات اللبنانية باسكال سليمان على يد عصابة سورية، ولجهة الاعتداءات التي يتعرض لها سوريون من ضرب وتنكيل وطرد وحرق لمخيماتهم.

مؤتمر "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الذي احتضنته العاصمة البلجيكية بروكسل في يونيو/حزيران الماضي (الأوروبية) الهبة الأوروبية

بالمقابل، تعزز موقع لبنان كمنصة لهجرة "قوارب الموت" التي تحمل مئات السوريين نحو أوروبا وتحديدا قبرص، وكان آخرها صد نيقوسيا نحو 5 قوارب انطلقت من شمال لبنان منتصف أبريل/نيسان الفائت، مما استدعى من رئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس زيارة بيروت برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في الثاني من مايو/أيار الجاري.

ولم تنته الزيارة بعد، إذ أعلنت فون دير لاين عن مساعدة أوروبية للبنان حتى عام 2027 بقيمة مليار يورو، ووضعتها في إطار دعم استقراره، لكنها عمليا محاولة للحد من هجرة قوارب السوريين، وسط معطيات تتحدث عن أن جزءا كبيرا من المساعدات مخصصة لدعم الجيش اللبناني بمهماته الحدودية، بحرا وبرا.

ولا يمر يوم دون إعلان مواقف سياسية تصعيدية وصفت بعضها قبول حكومة نجيب ميقاتي بتلقي "رشوة" أوروبية لإبقاء السوريين، وهو ما قاله رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

وتوازيا مع الهجوم السياسي على حكومة ميقاتي طلب الأخير من رئيس البرلمان نبيه بري الدعوة إلى جلسة عامة لمناقشة ملف اللاجئين والهبة الأوروبية، وسرعان ما دعا بري الكتل البرلمانية إلى جلسة ستعقد الأربعاء المقبل وستشارك معظم الكتل فيها، وسط ترجيحات -في حال نقلها مباشرة- أن يتخذ ممثلو الكتل مواقف تصعيدية وشعبوية.

وفي السياق، يقول رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب ميشال موسى للجزيرة نت إن الكتل تتشاور لوضع إطار للجلسة، ولإعلان مواقف أكثر وضوحا بشأن الهبة الأوروبية والوجود السوري.

ويفيد النائب بأن معظم الكتل تتجه إلى الضغط على الحكومة لوضع خطة موحدة وواضحة حتى تطرحها في بروكسل، لكن: هل ثمة توافق داخلي أساسا بمقاربة هذا الملف؟ يجيب موسى "الأزمة ليست هنا فقط، بل بأن الحكومة مستقيلة ولا يوجد رئيس للجمهورية، والبرلمان يحاول فقط أن يمارس دورا رقابيا".

فشل الخطط

سبق أن وضعت الحكومة أكثر من خطة لعودة اللاجئين، وشكلت وفودا عدة لزيارة دمشق وإجراء مباحثات ثنائية، لكن جميعها فشلت رغم حديث الجانب اللبناني عن وجود مراكز إيواء ومناطق آمنة في سوريا.

وكان لبنان من أوائل الدول التي لجأ السوريون إليها بعد اندلاع الحرب سنة 2011، خصوصا أن الحدود البرية بين لبنان وسوريا غير منضبطة، ليضم لبنان أعلى نسبة لجوء سوري عالميا مقارنة بمساحته وعدد سكانه المقدر بنحو 6 ملايين نسمة، حيث يقدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين بمليونين و80 ألف لاجئ.

بالمقابل، تتحدث تقديرات الحكومة الرسمية عن وجود 1.5 مليون لاجئ، بينهم 800 ألف مسجلون رسميا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (يو إن إتش سي آر).

وتقول الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بو منصف إن بعض الحوادث الميدانية شكلت عامل تأزيم، مما دفع بعض القوى إلى رفع سقف خطابها ضد اللاجئين، من مقتل المسؤول سليمان إلى حوادث ارتكبها سوريون في عاليه والأشرفية، مرورا بقوارب اللاجئين نحو قبرص.

وفي كل مرة تجد القوى السياسية الملف جذابا وشعبويا، بحسب حديث بو منصف للجزيرة نت "وسط عجز بالتقدم بأي ملف آخر، سواء الحرب جنوبا أو الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي أو الانهيار الاقتصادي".

وفي سياق مواز، يعتقد الكاتب والباحث في مركز كارنيغي مهند الحاج علي أن القلق الأوروبي من قوارب المهاجرين كان عاملا إضافيا للتأزيم، ويقول للجزيرة نت "لا يدرك الأوربيون أن المشكلة لا تحل بصد القوارب وتمكين لبنان من ذلك طالما أنه كدولة متحللة غير قادر على ضبط اللجوء، وتقف الدولة عاجزة أمام اتساع رقعة الأمن الذاتي وتفاقم الاضطراب بين المجتمعين اللبناني والسوري".

ثمن اللجوء

بدورها، تعتقد بو منصف أن المساعدة الأوروبية أثارت الربية، لأن هدفها تأمين مصلحة قبرص والدول الأوروبية بتقديم حزمة مالية لـ4 سنوات وظيفتها الفعلية تعزيز قدرة لبنان الأمنية عند الحدود.

وتنتقد المتحدثة الأداء الأوروبي، لأنه لا يقارب القضية من زاويتها السياسية التي تبدأ وتنتهي عند النظام السوري.

وتوضح "طالما أن المجتمع الدولي وأوروبا لا يريدان حل الأزمة مع سوريا فلن تأتي الهبات بنتيجة مرضية لهما"، وترى أن النظام لا يريد عودة السوريين دون ثمن يلخصه الحاج علي بالمسائل التالية:

إعادة إعمار مختلف المناطق في سوريا. إعادة الانفتاح السياسي على النظام السوري عربيا ودوليا، دون سقف أو شروط أو قيود. رفع الحصار وتعليق عقوبات قيصر الأميركية. ضخ مليارات الدولارات كمساعدات دولية إلى الداخل السوري.

لذا، يجد الباحث أنه مهما بلغ الاحتقان في لبنان فلن يصنع حلا ولن يعيد السوريين، مذكرا بأن مختلف الدول المضيفة للسوريين في المنطقة لم تجد حلا لعودتهم، سواء تركيا أو الأردن أو مصر، لا بالضغط ولا بالتفاوض مع النظام.

والخشية هنا -وفق الكاتبة بو منصف- من تصاعد الحوادث الأمنية، وأن ينفجر الصدام بين اللبنانيين والسوريين لمرحلة غير متوقعة، لكنها تجد أن الحديث عن معارضين سوريين في لبنان صار أمرا مبالغا فيه "لأننا لا نسمع منهم شيئا، فيما النظام يخشى من عودة الأغلبية السنية إلى سوريا".

وتقول "لا يعلن الجانب السوري أي موقف بهذا الإطار، ولا تقوم السفارة السورية بأي نشاط، كما لا يزور سفيرها المخيمات بلبنان، ولا تؤدي السفارة واجبها لتسجيل الولادات السورية التي تشكل معضلة خطيرة".

حريق في مخيم الياسمين للاجئين السوريين بالبقاع اللبناني (منصات التواصل) عوائق العودة

بدوره، يعدد الباحث الحاج علي بعض الأسباب التي تشير إلى أن أزمة اللجوء ستستمر وتتفاقم في لبنان وأن العودة ما زالت بعيدة، ومنها:

أن الحرب دائرة في الداخل السوري وفي الشرق حيث الضربات الإسرائيلية، وأن مناطق عدة مثل السويداء ودرعا غير مستقرة. عدم وضوح المستقبل السوري سياسيا وأمنيا ودوليا واقتصاديا وديمغرافيا. الناس داخل سوريا يصدرون اللاجئين بسبب الأوضاع الاقتصادية. النظام مرفوض دوليا، والتحول الإيجابي تجاهه من أوروبا أو أميركا بطيء للغاية.

ويقول الحاج علي "بما أن لبنان يستقبل أكبر عدد من السوريين وتحول إلى منصة لقواربهم فثمة حرص دولي على تحويله بلدا حاضنا للاجئين ومنع انتقالهم إلى أوروبا، لأن سوريا -برأي الدول الغربية- غير قادرة على استقبال أبنائها بالشروط الحالية".

ويرى الباحث أن أوروبا تريد تحويل المؤقت في لبنان إلى دائم عبر تغذيته بالمساعدات المالية ليصبحوا كاللاجئين الفلسطينيين، ولتبدأ المطالبة الدولية لاحقا بتوطينهم طالما أن فعل ذلك في بلد ثالث صعب للغاية.

ويشير إلى أن هناك جيلا سوريا جديدا ولد في لبنان لا يعرف شيئا عن سوريا "وقد نسمع لاحقا بمصطلح سوري لبناني على غرار ما حصل مع الفلسطينيين في دول الشتات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الحاج علی فی لبنان

إقرأ أيضاً:

صحيفة إسرائيلية: إيران تُزعزع استقرار سوريا والجولاني يواجه تحديات داخلية وخارجية

قالت صحيفة "معاريف" العبرية، إنّ: "إطلاق النار في مرتفعات الجولان، يكشف عن واقع معقد يواجهه الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، ففي الوقت الذي يسعى فيه إلى ترسيخ حكمه وتحقيق الاستقرار في سوريا، تعمل قوى على الإطاحة به".

وأضافت الصحيفة في تقرير للكاتبة مايا كوهين، أنّ: "العقيد (احتياط) والباحث في مركز القدس للشؤون العامة والأمنية، جاك نيريا، أوضح أنّ: إطلاق النار من قرية تفتسين، وهي قرية فلسطينية، يعني في الواقع عدم وجود أي تدخل للنظام هنا على الإطلاق، وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إيران تقويض نظام الجولاني".

وتابعت: "الحالة الراهنة ليست استثناءً، بل هي جزء من نمط أوسع من التدخل الإيراني الهادف لزعزعة استقرار سوريا". مبرزة أنّ: "نيريا يستذكر الأحداث التي وقعت في المنطقة العلوية قبل بضعة أشهر، حيث وقعت المجزرة هناك، أي ما تبقى من الفرقة الرابعة بقيادة ابن شقيق بشار الأسد، إلى جانب أحد قادة الفرقة وبمساعدة حزب الله". 

"كان ذلك الحدث، وفقًا لنيريا، ردا من الجماعات الموالية للنظام التي جاءت من إدلب وارتكبت مجازر بحق السكان، وهو في الأصل عملٌ دبرته إيران بعناية لزعزعة الاستقرار وإسقاط نظام الجولاني" استرسل التقرير نفسه.

وأردف: "رغم التحديات، يعتقد نيريا أن الجولاني ينجح تدريجيا في ترسيخ حكمه. وإن مجرد قيامه بمهامه وتوقيعه اتفاقيات، مثل اتفاقيات مع شركة "كل الجسور" لإنتاج الكهرباء في سوريا؛ وإخلاء الأمريكيين لحقول النفط والغاز السورية، يشير إلى مأسسة النظام"، مضيفا: "هناك بوادر سيطرة هنا، وهذه ليست النهاية بعد. لأنه كما ذكرت، لا تزال هناك بقايا من النظام القديم وأنشطة إيران".

وأورد التقرير: "ليس هذا هو الخطر الذي قد يُسقط نظامه، بل الخطر الحقيقي هو من الداخل. قد يثور ضده جهاديون سابقون، دمجهم الجولاني في الجيش السوري، وخاصةً في كل ما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل".


وأبرز: "في السياق الإسرائيلي، يُشدد نيريا على المعضلة التي تواجهها إسرائيل تجاه النظام الجديد. فمن جهة، تُطالب الجولاني بالحفاظ على الهدوء على طول الحدود، ومن جهة أخرى، قد تُضرّ ردود الفعل الإسرائيلية باستقرارها".

واختتم التقرير بالقول إنّ: "الحل، بحسب نيريا، يكمن في التفاهم المتبادل: ما فعلته إسرائيل ردًا على ذلك هو قولها للجولاني: لقد تعهدتَ بالهدوء، فالزم الهدوء، وإلا فسنتعامل مع هذا الأمر".

واستطرد: "الرسالة الإسرائيلية واضحة: سنطبق نفس السياسة التي نطبقها في لبنان. صحيح أن لبنان وقّع اتفاق وقف إطلاق نار، لكننا نرى أن وقف إطلاق النار لا يُطبّق فعليًا، ونهاجم بمجرد أن نرى وجود تهديد لإسرائيل، وقد يحدث الشيء نفسه من الجانب السوري أيضا".

مقالات مشابهة

  • صحيفة إسرائيلية: إيران تُزعزع استقرار سوريا والجولاني يواجه تحديات داخلية وخارجية
  • المفوضة الأوروبية: ألهمتني روح السوريين الصامدين المتمتعين بالقوة والمرونة رغم الظروف ولذلك سنقيم فعالية باسم يوم الحوار ستكون في الخريف المقبل.
  • المفوضة الأوروبية: سوريا التي تشمل جميع أبنائها هي سوريا القوية.
  • المفوضة الأوروبية: أنا هنا لنقل رسالة واضحة بأننا كما دعمنا الشعب السوري في الأعوام الـ14 الماضية نتابع دعمه اليوم في سوريا الجديدة.
  • الوزير الشيباني: نشيد بالدور الحيوي الذي أداه الاتحاد الأوروبي بدعم اللاجئين حيث فتحت أوروبا أبوابها لمن فر من جرائم النظام البائد.
  • وزير الداخلية السوري: ضم ضباط سابقين لم ينشقوا عن النظام البائد في إطار إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية
  • عاجل. مبعوث ترامب إلى سوريا يزور الجولان السوري المحتل برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس
  • سوسن أرشيد تروي تفاصيل هروبها المؤلمة من سوريا.. فيديو
  • تلغراف: داخل وكالة المساعدات التي تزرع الخوف والفوضى في غزة
  • وزير الخارجية السوري: اتفاق سوري قطري على توريد الغاز إلى سوريا عبر الأردن