رغم الكثير من الاختلافات في الموضوع والمعالجة، وحتى لغة الفيلم ودولة الإنتاج، لكن الحالة التي خلقها فيلم In Time لجاستن تيمبرلك، وأماندا سيفريد، عام 2011، تتكرر مع فيلم Paradise الألمانى للمخرج بوريس كونز، والذى بدأ عرضه منذ عدة أيام على شبكة نتفليكس. ينتمى الفيلمان إلى دراما الخيال العلمى القريب، فلا توجد مشاهد مبهرة، أو تعقيدات علمية، أو معامل ومختبرات، لكن صورة تركز بشكل كبير على التفاوت في كل شىء باختلاف الدولة التي تدور فيها الأحداث، مستقبل ينقسم فيه الناس إلى طبقتين إحداهما شديدة الفقر والمعاناة تتشابه ملابسهم ومعاناتهم وحتى وجوههم البائسة، والأخرى طبقة الأثرياء الذين يمتلكون كل شىء، حتى القدرة على شراء الحياة من أعمار الآخرين، وفى المنتصف هؤلاء الذين قرروا بيع أعمارهم أو المتاجرة في الوقت أملًا في حياة أفضل، لكنهم يظلون دومًا في المنتصف يتأرجحون حتى يصطدموا بموقف يغير مواقفهم للأبد.

في الفيلمين كل شىء يُباع ويُشترى، وأهم سلعة هي الوقت أو العمر، تشترى دقائق أو ساعات أو حتى أعوامًا لتضمها إلى رصيد حياتك، وربما تبيع ثوانى من عمرك لتضمن تناول طعام يومك.

أخبار متعلقة

«Ticket to paradise».. رحلة إلى التسعينيات

«نتفليكس» تطلق إعلان فيلم«Oh Belinda» لـ نسليهان أتاغول دوغلو (فيديو)

فيلم Paradise

يبدأ فيلم Paradise ببطل الفيلم «ماكس»- «كوستيجا أولمان»- وهو يقنع مراهقًا بصفقة مبادلة 15 عامًا من حياته بـ700 ألف يورو. الحياة الوردية التي يصفها «ماكس» للفتى بعد حصوله على هذه الثروة تجعله يوافق على الصفقة، ويسير «ماكس» سعيدًا، وسط أزقة شديدة الفقر ليعبر النهر إلى الجانب الآخر من برلين، حيث تقع شركته الضخمة والشهيرة «إيون»، التي تقوم بأبحاث مبادلة الأعمار في العالم، وسط حراسة أمنية شديدة، بسبب وجود العديد من المتظاهرين حولها والرافضين للمتاجرة بأعمار البشر.

تبدو حياة «ماكس» رائعة، فهو الموظف المثالى في شركته، وأحد المؤمنين بأبحاث الشركة، بل إنه هو شخصيًّا أحد الناجين، الذين استطاعوا مبادلة سنوات قليلة من حياتهم بمبلغ ضخم ليتزوج من الطبيبة الشابة «إيلينا»- «مارلين تانزيك»- في مرحلة الشباب و«كورينا كرشوف» في مرحلة الشيخوخة- ويعيشان في شقة فاخرة يدفعان أقساطها. لا يمكن أن تدرك صحة قناعاتك واختياراتك في الحياة، أو تفتح عينيك إلى ما يقوله الآخرون طوال الوقت وكنت تصم آذانك عنه إلا حينما توضع في اختبار حقيقى، ضربة تجعلك تفتح عينيك على حقيقة ما كنت تظنه الخيار الأفضل، وفى فيلم Paradise يبدأ الاختبار الحقيقى لـ«ماكس» وزوجته «إيلينا» حينما يتعرض منزلهما للاحتراق في حادث غريب، ويتضح أن أحد الشروط الجزائية أن الزوجة الشابة تعهدت بمنح 40 عامًا من حياتها في حالة التعثر في السداد. تسير الإجراءات بشكل سريع جدًّا وكذلك المشاهد التي ترصد القبض على الطبيبة، ودخولها غرفة العمليات وعملية سحب العمر منها، في الوقت الذي يمر الوقت على الزوج وهو يحاول في كل الاتجاهات إنقاذ زوجته دون جدوى.

لم يكتفِ الفيلم بطرح وجهة نظر الفقراء ممن يضطرهم الحال إلى بيع أعمارهم فحسب، لكنه قدم وجهة نظر أصحاب الفكرة الذين يبررون للآخرين، وربما لأنفسهم، أبحاثهم بأنها حماية للعقول النابهة، مستشهدين بأن أهم العلماء والمبدعين تُوفوا في سن صغيرة، وأنهم لو كانت لهم فرصة أكبر في حياة أطول لكانوا قد ملأوا الدنيا ابتكارات غيّرت حياة الناس إلى الأفضل، حتى إنهم سيقدمون أعمارًا مجانية لأصحاب جوائز نوبل، وكانت المفارقة في الحديث عن أن أزمة المناخ انتهت حينما نجحت فكرة شراء الأعمار لأن الأغنياء أصبحوا يتبرعون بشكل أكبر حتى تصير أحوال الأرض أفضل لقضاء أعمارهم الممتدة. من أكثر المشاهد المؤلمة في الفيلم تلك التي تراقب فيها «إيلينا» نفسها، وهى تكبر في العمر. أن تستيقظ لتجرى، لتنظر في المرآة، وترى الساعات القليلة التي نمتها، وقد أضافت أعوامًا إلى عمرك، انحناءة الظهر، ولون الشيب، والتجاعيد التي تزحف إلى كل جزء في جسمك، والأهم انكسار الروح، الذي يجعل كل محاولات الزوج للاقتراب من زوجته مرة أخرى تفشل، أن تنظر في المرآة، وتشعر أنك لم تعد الشخص نفسه، وأن الأمر أكبر من مجرد تغير الملامح. لا يستسلم «مارك»، ويحاول إعادة السنوات التي سُرقت من زوجته، وتكشف الأحداث عن تجارة الأعمار في شرق آسيا، ومخيمات للاجئين تُعتبر مركزًا مهمًّا لموارد تلك التجارة، وجماعة مناهضة لها، والأهم أنه لا شىء يحدث بالمصادفة، فكل الأحداث مرتبة، وحتى العلاقات الإنسانية. لا يمكن القول إن فيلم Paradise مثير أو عظيم من الناحية الفنية، وحتى على مستوى الصورة كانت اللقطات حيادية الألوان أو المظلمة هي السائدة لإعطاء التأثير إما بالفقر أو بحالة العتمة التي تسود المستقبل المعتمد على المتاجرة بأعمار الناس، أو حتى الحوار الذي كان باللغة الألمانية، والذى قدم جملًا لا ينساها المشاهد، لكنها الفكرة الأساسية ومراقبة تصرفات البشر والتحولات التي تصيبهم حينما يواجهون مواقف جادة يختبرون فيها قناعاتهم، وكيف تتغير مواقفهم الأخلاقية وتوجهاتهم وعلاقاتهم بالآخرين، وحتى رؤيتهم لأنفسهم حينما يفقدون، رغمًا عن إرادتهم، أعمارهم، أو أحبائهم.

أفضل ما في الفيلم كان أداء أبطال العمل: كوستيجا أولمان، ومارلين تانزيك، وكورينا كرشوف، الذين قدموا أداء ناعمًا أظهر المشاعر الإنسانية بين الزوجين في الموقف الاستثنائى، الذي يواجهونه ما بين «قلة حيلة» الزوج ورغبته في الاستمرار مع زوجته وحبه لها، وعلى الجانب الآخر مراقبة الزوجة لنفسها، وهى تتحول من شابة إلى سيدة عجوز لا تستطيع أن تتخيل نفسها حبيبة لذلك الرجل، والعلاقة بينهما، رغم اختلاف القناعات، فهى ترفض عمله، لكنها أحبته، وبررت ذلك لنفسها بأنه مجرد «ترس صغير في آلة الرأسمالية العملاقة». ربما كانت الحالة العامة لـParadise، كما بدأت تشبه فيلم In Time، لكن الأخير أشد قوة وتأثرًا.

Paradise فيلم Paradise فيلم In Time فيلم ماكس المخرج بوريس كونز كوستيجا أولمان جاستن تيمبرلك مارلين تانزيك شبكة نتفليكس

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين زي النهاردة

إقرأ أيضاً:

المعلومات هي السلاح النووي الفعلي

صحيح أنه منذ سنوات -وأغلب الظن من تاريخ حرب الخليج الأولى التي تمثل المنعرج السياسي الأم في المنطقة والعالم في القرن الحادي والعشرين- وأغلبية المحللين والخبراء وأعلام التفكير الاستراتيجي يضعون الفرضيات من دون أن ينتهوا إلى واحدة قابلة للتبني الواثق. ولكن في مقابل ذلك فإن الأحداث التي وقعت، وإن لم تمنحنا البعض من أسرارها في بداياتها إلا أنها تُمكِّننا من استخلاص الاستنتاجات الصالحة للبناء عليها وأخذ الدروس والعبر.

وللتدقيق يمكن القول إن الأحداث المتتالية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حتى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأسرع في تاريخ الحروب على ما يبدو، يربط بينها خيط ناظم وأصابت أهدافاً عدّة مختلفة ومتشابكة فيما بينها.

الآن نرى ما لم نكن نستطيع الجزم فيه. واضح جداً أن كل شيء كان مدروساً بالنسبة إلى إسرائيل منذ أحداث «7 أكتوبر» إلى غاية هذه اللحظة. وعندما نقول إسرائيل، فإن دعم الولايات المتحدة لها ووضع هذه الأخيرة الخطة أو الموافقة على البعض منها ووضع بقية أجزائها، هي من الأمور التي أضحت مؤكَّدة بالواقع والمنطق والوقائع.

الخطابات التي رافقت أحداث الفترة المعلنة كانت تركز على هدف القضاء على حركة «حماس» وأيضاً وقف مشروع امتلاك السلاح النووي في إيران.

ليس المهم حالياً ما تحقق من هذه الأهداف وتوصيف النتائج لأنها أمور معلومة من الجميع حتى وإن اختلفت القراءات بشكل نسبي في تقييم الخسائر والأرباح بالنسبة إلى أطراف النزاع.

ما يعنينا صراحةً: ما العامل الحاسم في الأحداث الحاصلة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم؟ وأيُّ العوامل كان الأكثر حسماً في كل الأحداث التي زعزعت منطقة الشرق الأوسط وحتى العالم، إذ إن أثر هذه الأحداث على العالم سيظهر في المدى القريب والمتوسط؟

هل من الصواب تقييم النتائج في ضوء القوة العسكرية والسكوت عن القوة الأخرى التي كانت أكثر فتكاً في حرب إسرائيل على غزة و«حزب الله» ونظام بشار الأسد وصولاً إلى إيران، أُمّ المعارك الإسرائيلية والهدف الأكبر بعد إصابة الأذرع في مقتل؟

إن الاستنتاجات كثيرة بلا شك: أولها تأكيد الولايات المتحدة سيطرتها على العالم. كما أن الصين التي أجمع العالم العربي على قرب ندِّيتها للولايات المتحدة، أظهرت الأحداث أنها ليست قادمة بسرعة، وأنها في أفضل الحالات قادمة على مهل ولن تقطع تراكم تأسيسها للقوة بتحالف أو خوض حرب تعطلها عن مشروعها العالمي. بل إن روسيا حتى لم نسمع لها صوتاً، وتركت المجال للولايات المتحدة بعد تفاوض حول صفقة أخذت فيها ثمن إدارة الظهر مرحلياً. ذلك أن الولايات المتحدة تجنبت أن تكون موجودة في الحرب بشكل مباشر وجهَّزت سير الأحداث بشكل يكون فيه المستهدفون من الحرب من دون سند دولي أو حليف فاعل. كل هذه الاستنتاجات وغيرها كثير يمكن الاختلاف في شأنها بالكامل أو نسبياً، ولكن الاستنتاج الذي نزعم أنه محل إجماع حتى وإن لم يمثل مادة أساسية للكتابة والتعليق والنقاش في وسائل الإعلام فهو ما يتعلق بالعامل الحاسم الذي أثَّر عميقاً وجوهرياً في النتائج الحاصلة اليوم في منطقة الشرق الأوسط. ونقصد بذلك سلاح امتلاك المعلومات العالية الدقة والخطورة من خلال الاختراق الاستخباراتي.

يعلم الجميع أن الاستخبارات عنصر أساسي في الحروب من قديم الزمان. ولكن نحن في نوع من الحروب اليوم باتت فيها الاستخبارات أهم عنصر في الحرب. فهي السلاح النووي الحقيقي والفعال وغير المحظور دولياً.

لقد استفادت الاستخبارات من الثورة السيبرانية. وكل أرباح إسرائيل هي نتاج امتلاك المعلومات، وبالتالي فإن الجيش الإسرائيلي الفعليّ هو الموساد الذي لم يحقق نتائج كما فعل منذ أحداث 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم.

لا نريد الخوض في الاختراق الاستخباراتي من ناحية حجم الخيانات، فذلك موضوع يصعب تناوله ولا فائدة من تناوله. أما الاختراق القائم على القوة الاتصالية والسيبرانية فهو الجدير بالنظر واستخلاص الدرس.

لنتذكر أن الاختراق المعلوماتي هو الذي أودى بحياة غالبية من جرى اغتيالهم في حركة «حماس»، وهو السبب كذلك في اغتيال قادة «حزب الله» والعديد من جماعته. بالمعلومات تمكنت إسرائيل من حصد رؤوس كثيرة في ضربات قليلة ودقيقة. بالمعلومات الدقيقة نجحت إسرائيل في ضرب رموز فشلت في ضربها منذ سنوات طويلة. لقد تجمعت معلومات كثيرة خطيرة في يد إسرائيل، الأمر الذي جعلها تخوض الحرب بثقة وبعنجهية من دون أن تأبه بالمظاهرات المندِّدة بمجازرها.

بالمعلومات أيضاً قضت إسرائيل على خوفها من إيران لأن المعلومات مكَّنتها من قياس الخطر والحد منه بالاختراقات. بالمعلومات استطاعت أن تخوض الحرب البرقية السريعة ضد إيران. فامتلاك المعلومات يعني التمكن والقدرة على الرؤية ووضع العدو تحت الضوء الكاشف.

ألسنا مدعوُّون، نحن البلدان العربية، إلى إيلاء الأمن السيبراني قيمته وإدراك سهولة الاختراق عبر تكنولوجيا الاتصال الحديثة؟ الغالبية تحت الضوء والأقوياء فقط في الظلمة المختارة.

الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • تحذيرات من المتاجرة بالبطاقات الانتخابية: المفوضية تتوعد باستبعاد المتلاعبين
  • مستقبل التسويق في العالم العربي.. خدمات السوشيال ميديا للموزعين وأصحاب المشاريع
  • دهوك تكشف عدد النازحين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات
  • شاهد|مراسم كبيرة.. إيران تشيع قادة الجيش والعلماء الذين استشهدوا في غارات إسرائيلية
  • المعلومات هي السلاح النووي الفعلي
  • حينما يجفُّ الحبر.. كتاب يدعو لإعادة تنظيم الحياة وتحقيق التوازن
  • نجحت في الحفاظ على انسيابية حركة الطيران والمسارات الجوية في ظل الأزمة.. أجواء المملكة تُسجل عبور 1330 رحلة طيران كمتوسط يومي خلال الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخرًا بزيادة تقدر بنحو 95%
  • كامل إدريس وإشكالية التركيز على الأفراد بدل القضايا
  • نائب رئيس النواب الإيطالي يدعو لدعم ترشيح الأطفال الفلسطينيين لجائزة نوبل للسلام
  • توقيع تنفيذ مشروع محطة تنقية المياه للغسيل الكلوي بهيئة المستشفى الجمهوري بحجة