حرب السودان: بازار واسع للإساءة الجماعية.. من يصنع بضاعته؟

يوسف حمد

 

لأكثر من سنة تدور في السودان حرب واسعة النطاق، قدر ضحاياه بما يقارب من عشرين ألف قتيل، فضلا عن الملايين بين لاجئ في دول الجوار أو نازح داخل جغرافيا البلاد، وصاحب ذلك تدمير كامل لغالبية البنى التحتية في العاصمة الخرطوم وبعض المدن والبلدات.

في الواقع، بدأت الحرب بعد سنتين من انقلاب عسكري على حكومة فترة انتقالية أعقبت سقوط نظام الإخوان المسلمين بثورة سلمية مشهودة، وبدأت في الأصل من أجل النزاع حول السلطة بين قائد الجيش وقائد مليشيا الدعم السريع، الشريكان في الانقلاب على المسار الديمقراطي المخطط له.

هذا التحليل هو العنوان الأولي المعتمد لمتن الحرب، لكن الدافع السلطوي وحده لم يكن فعالا بما يكفي ليعطي الحرب مشروعيتها وخطابها المقنع لدى الرأي العام المحلي، مثلما فشل سابقا خطاب الانقلاب في طمر أهداف ثورة ديسمبر السلمية وخلق حاضنة اجتماعية تؤيد الانقلاب من بين المواطنين.

هذا الفشل في صناعة الخطاب المتماسك ألجأ أصحاب الحرب ودفعهم إلى صناعة سوق من الإساءات الجماعية والإرباك الاجتماعي ليتداوله المواطنون بالكثير من الفزع الذي يحجب العقل والمنطق، في بلد هو في الأصل يعيش اقتصاديات هشة، ومتعدد الثقافات والديانات والأفكار وسبل كسب العيش.

مَثَلَ هذا السوق التحريضي المحتشد بعبارات العنصرية والكراهية العلامة الأبرز لحقبة سياسية ممتدة من حكم الإخوان المسلمين، أخذت تتكرر في عدة مناسبات. وفي الواقع، لن يجد أكثر الناس سعة في الخيال فرصة لمناقشة ومعالجة خطاب هذا السوق من خلال حقل العلوم السياسة؛ إنه في أصله يوجد هناك، في حقل الدراسات الأخلاقية. وبالطبع هذه نزعة لا يباركها أي ميثاق للشرف الرفيع.

كانت آخر مظاهر هذا الخطاب هو المنشور المتداول بنهاية الأسبوع الماضي من حكومة ولاية الخرطوم، بخصوص حالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، إذ أجاز المنشور ما يمكن وصفه بأنه “تمييز بين الإثنيات”، وذلك بمنح (اللجنة الأمنية) سلطة مراقبة “حواضن العدو المجتمعية”، ما يفتح الباب أمام حالة مقيتة من تصفية الحسابات بين الأجناس والأخذ على الهوية. ومن المثير للاشمئزاز ممارسة السياسة من هذا المكان المحتشد بالمكارثية.

في الواقع فإن سريان هذا الخطاب لا يمكن أن تحده حدود؛ فبطريقة أو بأخرى، مثل الإنترنت ومجاله العمومي فائق السرعة دعامة مهمة للترويج لخطاب الحرب وخطاب الإساءات الجماعية، وانتشرت في ثناياه خطابات غاية في الركاكة والانحطاط الأخلاقي، وأخذت تسري بسهولة لتصل إلى جمهور أوسع في المجتمع المتعدد.

وفي هذا السوق يمكن للمرء أن يكون مواطنا نموذجيا بالمعيار السائد، حتى ربما أنه حاصل على عضوية في جمعية للرفق بالحيوان، وكذلك تحيط به قداسة متوهمة حتى نعليه، لكنه، في نهاية المطاف، سيرتد بدوافع متعددة وغير عقلانية إلى مجرد مخلوق بلا قلب.

 

الوسومالجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان حملة نحن واحد خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش السوداني الدعم السريع حرب السودان خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

غوتيريش: الأمم المتحدة ستلتقي طرفيّ حرب السودان

قال غوتيريش: «سنعقد اجتماعات في جنيف» مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، من دون تحديد موعد لهذا اللقاء المرتقب..

التغيير: وكالات

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أنّ طرفي النزاع في السودان سيجتمعان في جنيف، وذلك في إطار الجهود الهادفة إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ عامين في السودان.

وقال غوتيريش، في مقابلةٍ تلفزيونية الخميس: «سنعقد اجتماعات في جنيف» مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، من دون تحديد موعد لهذا اللقاء المرتقب.

وأشار المسؤول الأممي إلى أنّ الأمم المتحدة تلقت وعوداً بالسماح لها بالوصول إلى مدينة الفاشر «المنكوبة».

وتتركز أنظار العالم على الحرب في السودان، وأثار النزاع تنديداً دولياً  إثر تقارير عن ارتكاب فظائع جماعية بعد أن استولت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، آخر معاقل الجيش في غرب السودان، بعد حصار مرير دام 18 شهراً.

وكان غوتيريش يتحدث من العاصمة السعودية الرياض، حيث التقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الأربعاء.

وفرضت الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، عقوبات على شبكة معظم أعضائها كولومبيون، تجنّد مقاتلين لحساب «الدعم السريع» في السودان، فيما تواصل واشنطن جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى هدنة في الحرب المتواصلة منذ أكثر من عامين.

وأجرى وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الثلاثاء، مع نظيريه المصري، بدر عبد العاطي، والسعودي، فيصل بن فرحان، محادثات هاتفية تناولت «الحاجة الملحة إلى تحقيق تقدّم في جهود السلام في السودان»، وفقاً لبيانين أصدرتهما وزارة الخارجية في واشنطن.

ويشهد السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 تدهورًا واسعًا في الأوضاع الإنسانية والخدمات الأساسية، مع اتساع رقعة النزوح وانهيار البنية الصحية وتعطّل شبكات المياه والكهرباء في عدة ولايات. وتسببت المعارك المستمرة في الحدّ من قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى ملايين المحتاجين، بينما تتفاقم المخاطر الصحية والغذائية وسط غياب أي مسار واضح لإنهاء الصراع. الوسومالأمم المتحدة جنيف حرب الجيش والدعم السريع

مقالات مشابهة

  • انقضاء عام 2025 والحرب تقتل حاضر ومستقبل السودانيين
  • آبي أحمد وأفورقي: صراع الممرات البحرية يعيد شبح الحرب
  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..
  • عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي: الإمارات أكبر ممول لحملة الإبادة الجماعية في السودان
  • إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • غوتيريش: الأمم المتحدة ستلتقي طرفيّ حرب السودان
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان