قبل فترة، هاتفني شخص ما يطلب استشارة مالية للتصرف في مبلغ كبير من المال كان بحوزته، تخيلت قبل اللقاء رجلًا ثريًا، على قدر كبير جدًا من النجاح المالي والمهني ليكون لديه هذا المبلغ الكبير، فالفكرة التي نأخذها عن الناس الذين يمتلكون مبالغ كبيرة من المال هي أنهم أثرياء، لكن ما وجدته أمامي مختلف تمامًا عن الصورة التي كانت في ذهني، فالمال الذي بحوزة هذا الشخص كان نتيجة تسوية لقضية ما، ووجدت أن الشخص أبعد ما يكون عن الثراء فهو غارق في الديون، أي أن المبلغ الذي بحوزته ليس له في الواقع، فأمامه جيش من الدائنين ينتظرون نصيبهم من هذا المبلغ الذي بالكاد يستطيع تغطية جزء من هذه الديون.
لهذا دائمًا ما أقول إن ما عندك ليس بالضرورة أن يكون لك، فقد يكون عليك، عندما تتجاوز الالتزامات أصولك، فإنه مهما بدا لك حجم هذه الأصول كبيرًا فلا تغتر به، لذا من الضرورة بمكان أن تكون لدى كل فرد منا قوائم مالية تحدث على الأقل سنويًا لتعطي صورة واضحة عن حقيقة وضعك المالي حتى إذا اتخذت قرارًا ماليًا تكون على بينة.
أغلب الناس عندما تطلب استشارة مالية تقفز إلى الاستثمار، كيف لي أن أستثمر هذا المبلغ الذي حصلت عليه؟ ولكن قبل الاستثمار عليك أن تحدد وضعك المالي بدقة، وتضع موازنة بالدخل والمصروفات حتى تستطيع أن تقرر ما إذا كان الاستثمار مناسبًا في هذه الفترة.
الكثيرون يتصورون بأنهم إذا ما توفر لديهم مبلغ صغير من المال يمكنهم استثماره من أجل تسديد الالتزامات، لكن هذا تصور غير عقلاني وغير قائم على معطيات واقعية، فإذا كان كل ما تملك هو خمسة آلاف ريال عماني، ولديك ما يزيد على مائتي ريال عماني من الديون بأنواعها، العائد هنا لن يغطي هذه الديون، لأن العائد من الاستثمارات ليس كما يتصوره البعض (أضعاف) المبلغ الذي يستثمر، هذه النسبة غير واقعية وغير حقيقية، كما لا ننسى أنه لا يوجد استثمار مضمون على الإطلاق، فخيار الاستثمار بالنسبة لصاحب الحالة التي ذكرناها، قد يجره إلى مزيد من الديون ببساطة.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المبلغ الذی
إقرأ أيضاً:
تقرير أمريكي: عودة النشاط التجاري إلى البحر الأحمر ليست قريبة
في حين يرى كثير من المراقبين أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس قد يمهّد لعودة النشاط البحري عبر مضيق البحر الأحمر وقناة السويس، إلا إن تقرير نشرته شبكة سي إن بي سي الأمريكية أكد أن هذه العودة ليست قريبة، وأن شركات الشحن العالمية لا تزال مترددة في الإبحار عبر هذا الممر الاستراتيجي بسبب تهديدات الحوثيين التي قد لا تتوقف بمجرد توقيع الاتفاق.
وفق التقرير، فإن الاتفاق الأخير لا يكفي لإزالة حالة عدم اليقين التي باتت تهيمن على سوق الشحن البحري، خصوصًا في ظل أن استبدال طرق التجارة العالمية ليس بالأمر البسيط، وإعادة الخطوط لسابق عهدها قد تستغرق شهورًا وربما سنوات من المفاوضات والتأمينات الأمنية.
يرجح التقرير أن الحوثيين لن يعلّقوا هجوماتهم على السفن فجأة بمجرد توقّف الحرب في غزة، بل قد يستخدمون الاتفاق كغطاء لتشديد شروطهم أو فرض مطالب إضافية. قال آلان مورفي، مؤسس شركة السياسات البحرية CeIntelligence، إن الحوثيين قد يربطون وقف الهجمات بمطالب مثل إقامة دولة فلسطينية أو رفع الحصار كليًا، مما يجعل الأمر معقدًا أمام خطوط الشحن العالمية.
وأضاف مورفي أن أي شركة تفكر في العودة إلى البحر الأحمر ستطالب بضمانات أمنية صارمة من الحوثيين، وتعزيز الحماية البحرية الغربية، وإلا فإن المخاطر على طواقمها وأسطولها ستكون كبيرة.
ووفق ما أوردته شبكة سي إن بي سي فإن خبراء الملاحة لا يتوقعون عودة صارمة للسفن إلى البحر الأحمر في المدى القريب مهما تغيّرت الأجواء السياسية. فالخطوط الكبرى مثل Maersk وHapag-Lloyd أعربت منذ أشهر عن أن وقف إطلاق النار ليس كافياً لطمأنة العودة، وأنها تراقب الوضع بدقة قبل اتخاذ قرار إعادة استخدام الممر.
يشير التقرير إلى أن شبكات الشحن البحري هي كيانات ضخمة ومعقّدة تحوّلها تغييرات المسارات إلى عملية معقدة ومكلفة. فعلى سبيل المثال، نقل خدمة أسبوعية عبر قناة السويس يتطلب قرابة 14 سفينة في رحلات ذهاب وإياب مدتها 98 يومًا، مع استبعاد أو إعادة جدولة السفن، وهو ما يتطلب شهورًا من التخطيط.
كما أن إعادة الإبحار عبر البحر الأحمر ستؤدي إلى ازدحام مفاجئ في الموانئ، مع تدفق كبير للسفن في وقت متزامن، مما قد يضغط على البنى التحتية ويؤدي إلى تأجيلات وإلغاء رحلات — وهو ما سيدفع بأسعار الشحن إلى الارتفاع مجددًا.
مع بقاء معظم السفن معلقة أو مجبرة على المرور حول رأس الرجاء الصالح، يتوقّع التقرير أن ترتفع أسعار الشحن البحري بشكل حاد، ربما بمعدلات تصل إلى ثلاثة إلى خمسة أضعاف المتوسطات الطويلة الأمد، كما حصل في الفترات السابقة.
ولكن مع الوقت، قد تتراجع الأسعار إذا أضيفت سفن إضافية للتعويض عن المسارات الأطول، ما قد يضغط على هوامش الربح في القطاع.
من الواضح أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يمثل خطوة سياسية مهمة، لكنه ليس بالضرورة خطوة فورية في اتجاه عودة التجارة البحرية عبر البحر الأحمر. ولن تسحب شركات الشحن قضبان الممر الاستراتيجي ما لم تتحقّق ضمانات أمنية فعلية، وثبات سياسي طويل الأمد، وتنسيق دولي موسّع لتعزيز الحماية. إن العودة إلى البحر الأحمر لن تكون قرارًا تقنيًّا بل قرارًا سياسيًا وأمنيًا قبل أن تكون تجاريًا.
ومنذ أواخر عام 2023، شنّت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران مئات الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، بذريعة الردّ على الحرب الإسرائيلية في غزة. إلا أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لم يوقف تلك الهجمات، بل أكد قادة الحوثيين جاهزيتهم لاستهداف السفن تحت غطاء ضمان تنفيذ الاتفاق المبرم برعاية أمريكية.
وتسببت الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر خلال العامين الماضيين في إعادة رسم خريطة التجارة العالمية، حيث اضطرت شركات الشحن الكبرى إلى اتخاذ طريق أطول حول أفريقيا، ما أدى إلى زيادة تكاليف النقل والوقود والتأمين.
وتقدّر وكالة بلومبرغ أن الكلفة الإضافية على الاقتصاد العالمي بلغت أكثر من 80 مليار دولار خلال عام واحد فقط، نتيجة تحويل المسارات وتعطل سلاسل الإمداد.