يمن مونيتور:
2025-05-26@04:54:44 GMT

أين تبدأ الخطوط الحمراء وأين تنتهي؟

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

أين تبدأ الخطوط الحمراء وأين تنتهي؟

يمن مونيتور/القدس العربي

المعاناة الفلسطينية تتسع كل يوم أكثر ومعها يرتفع عدد الضحايا، وترتبك كل الحقائق التي كانت تبدو ثابتة. «لم تتخط إسرائيل الخطوط الحمراء»، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي. الخطوط التي تنزاح عن حدودها الأولى، كلما اتسعت جرائم إسرائيل. كيف يتم تحديد الخط الأحمر؟ ومن يحدده؟ الخط الأحمر بالنسبة لأمريكا في قضية غزة مرتبط بعاملين: الأول، أمن إسرائيل والانتخابات الرئاسية الأمريكية وعدم إغضاب «الآيباك» اللوبي الصهيوني في أمريكا.

والعامل الثاني، قضية الرهائن الذين أصبحوا كل شيء، وكل الحرب تقاس من خلالهم. نتحدث عنهم وكأنهم الوحيدون الذين يجب إنقاذهم: فكرة «الرجل الأبيض».

الخط الأحمر يبدأ من إسرائيل وينتهي عند حياة الرهائن. فقط وفقط. ما عداهما حالة عمى كلي… غير موجودين. قناعة الرجل الأبيض الدائمة [ليست باللون ولكن بمنطق الحق الاستعماري] والشعب الفلسطيني [لأن الجرائم امتدت حتى الضفة الغربية… تقتيل صامت في ظل صمت سلطة فلسطينية عاجزة ورأي عام دولي متواطئ] والغزاوي تحديداً الذي يقتل بمعدل يومي يتجاوز المائة شهيد. وكأنها أرواح ليست لبشر يقتلون يومياً في عملية إبادة جماعية لم تعد في حاجة إلى إثبات؛ فهي تعرّف نفسها بنفسها.

أي خط أحمر إذن؟ أين يبدأ وأين ينتهي؟ الأربعون ألف شهيد نصفهم من النساء والأطفال، والباقي مدنيون سرقت منهم سبل الحياة فاضطروا إلى التهجير والتشرد داخل غزة. حالة تيه غير مسبوقة. يصاحب ذلك تيار عنصري كان مبطناً، يرى أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت. يجب أن يقتل لأنه مجرم بالطبيعة وغير متحضر. طبعاً فكرة الاحتلال لم تعد موضوع نقاش حتى لدى بعض النخب المشبعة بيقينيات الاستعمار والعنصرية. وظهرت أسئلة أخرى: ما معنى أن تكون اليوم إسرائيلياً؟ في مجتمع الإبادات الجماعية، والديمقراطية الكاذبة التي لا تقبل حتى من الإسرائيلي أن يكون له رأي خارج المؤسسة العسكرية. طبعاً، الفلسطيني غير محسوب في كل المعادلات إلا بوصفه إرهابياً. لم تبدع إسرائيل شيئاً جديداً؛ فهي جزء من المنظومة العالمية الرأسمالية التي تعودت العيش بخير الغير، باحتلال أرضه مباشرة كما في القرن التاسع عشر والعشرين، أو باستغلاله عن بعد، ما خلق جيشاً من النخب المحلية المشبعة بثقافة الرجل الأبيض دون أن تكونه على مستوى المزايا أو الاعتراف بها كلياً. فهي في وعي وفي لاوعي «الرجل الأبيض» تظل من الأهالي، ونلحظ ذلك في كل القطاعات الثقافية والقنوات الإعلامية. العربي، أو المسلم عموماً، لا يُستضاف إلا لتأكيد الأطروحات المهمة. وعليه أن ينضوي لقاعدة الرجل الأبيض أو يكون ناعماً وبدون نتوءات. عقلية الأهالي.

هذا هو المتحضر المرغوب. لنا في أحداث غزة أسوة؛ والكثير من العلامات الثقافية سارت في نفس المسلك بحجة أن الحرب ليست ضد الفلسطيني، ولكن ضد إرهاب حماس؟ مع أن الخطابات الإسرائيلية «العفوية» تبين حقداً دفيناً يتساوى فيه الجميع، حماس والمقاومة والأطفال والنساء. ثلثا الضحايا من النساء والأطفال.

الآلة الإجرامية تشتغل بشكل واسع. وإذن، أين هي الخطوط الحمراء التي لم تتجاوزها إسرائيل بعد؟ عندما تبيد الفلسطينيين نهائياً؟ مقاطعة من مليوني ساكن دمرت كلياً. هل حدث هذا في مكان ما منذ الحرب العالمية الثانية؟ لأول مرة يشاهد الناس «مسلسل» غزة وانهيار الأبراج على رؤوس ذويها وكأننا في لعبة «غيم بوي». التعود على المشاهد الأكثر عنفاً يحول الحرب إلى لعبة، مجرد لعبة، نتركها عندما نمل منها وننسى أن من وراء ذلك بشراً يموتون، أطفالاً يحصدون في عز العمر، عبثية الروح البشرية، بل العدمية التي كثيراً ما يصف بها أساطين الصهيونية، من أمثال غلوكسمان وبرنار هنري ليفي وفلكنكراوت، الإسلامويين و»القاعدة» و»داعش» وبن لادن والبغدادي، وغلوكسمان وقنوات بولوري «سي نيوز». عدمية في الإبادة الإسرائيلية لم تعرف البشرية مثيلاً لها قط -إبادة على مرأى الجميع- لولا قناة الجزيرة التي منعها الإسرائيليون لأنهم لا يريدون للحقيقة أن تُعرف إلا من خلال نظرتهم. الجزيرة خلقت توازناً حقيقياً في المجال الإعلامي، لم نعرف قدرات المقاومة إلا من خلالها.

خلاصة القول: لا نعرف ما هي الخطوط الحمراء التي على إسرائيل تجاوزها حتى تتحرك أمريكا؟ ربما في اللاوعي الصهيوني أن الخط الأحمر متحرك باستمرار، وقد يصل حتى إبادة الشعب الفلسطيني كلياً. لم تكتشف إسرائيل البارود ولكنها تنفذ سياسة غرسها الاستعمار هناك، ولا شيء غير ذلك. الباقي ثرثرة لغوية لا قيمة لها. والمهم في الفعل الإبادي الإسرائيلي أنه أزاح النقاب عن «أيديولوجية» معاداة السامية، حق أريد به باطل، التي ظلت الصهيونية تلوح بها ضد كل من ينتقد إسرائيل. فقد تحولت معاداة الماكينة الإجرامية الإسرائيلية ونقدها إلى معاداة للسامية، مع أن المسألة سياسية ولا علاقة لها باليهودية، وإلا، وفق هذا المنطق، سيصبح المحتجون الإسرائيليون في تل أبيب نفسها معادين للسامية، بينما الكثير منهم هم أحفاد لضحايا الهولوكوست، دون الحديث عن الكثير من يهود العالم الذين وقفوا بجانب الفلسطينيين، بل وتضامنوا مع ضحايا غزة. نتنياهو وحلقاته العسكرية وأتباعه في أمريكا وفي غيرها، يستثمرون كل شيء لصالحهم في حرب لا أحد يتوقع تبعاتها على الأمد المتوسط والطويل.

فقد فتحت الصهيونية أبواب جهنم عن آخرها، ليس من السهل غلقها. القوة وحدها لا تصنع التاريخ، وإلا لظلت النازية متسيدة على العالم بمنطقها العنصري والإجـــــرامي.

المصدر: القدس العربي

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الخطوط الحمراء فلسطين الخطوط الحمراء الرجل الأبیض الخط الأحمر

إقرأ أيضاً:

كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار

في كل حرب، تتجه الأنظار نحو الجبهات، نحو الدبابات التي تزمجر، والطائرات التي تمطر، والجنود الذين يسقطون على أطراف الخرائط، لكن قليلون من ينظرون خلف الكواليس، حيث تجلس الأطراف الرابحة في صمت، تتابع المشهد من شاشات تحليل البيانات أو مكاتب صفقات السلاح، تحتسي قهوتها بهدوء بينما تُعد الأرواح على الأرض مجرد أرقام في تقارير الأداء، ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى أحدث صراع في أوكرانيا أو غزة، ظل السؤال نفسه يُطرح بين من يجرؤون على كسر السرديات الرسمية وهو من يربح حقًا من هذه الحروب؟

هناك من يعتقد أن تاجر السلاح هو الرابح الأكبر، وهو رأي له وجاهته، فصناعة السلاح هي من أكثر الصناعات التي لا تخسر أبدًا، الحرب بالنسبة لها ليست دمارًا بل موسم رواج، كل دبابة تُستهلك تُستبدل بأخرى، وكل صاروخ يُطلق يُعوض بعقد توريد جديد، وشركات كبرى مثل لوكهيد مارتن، ريثيون، تُضاعف أرباحها كلما احتدمت الجبهات، والحروب تُستخدم كإعلانات حية لمنتجاتهم، ويكفي أن تنجح طائرة واحدة في تنفيذ مهمة دقيقة حتى تصبح نجمة معارض السلاح التالية، والدول لا تشتري فقط القدرة على القتل، بل تشتري وهم التفوق، هالة الردع، وشعورًا زائفًا بالأمان.

لكن الصورة تغيرت، فخلف الكاميرات، هناك لاعب جديد دخل الساحة، لا يرتدي زيًا عسكريًا ولا يظهر في نشرات الأخبار، إنه من يملك المعلومة، من يستطيع أن يوجه الرأي العام، أن يصنع العدو، أن يعيد تعريف النصر والهزيمة حسب مزاج مصالحه، من يملك المعلومة يملك القوة الناعمة والصلبة في آنٍ واحد، شركات مثل غوغل وميتا وأمازون لم تُصنف حتى الآن ضمن "شركات الدفاع"، لكنها تملك بيانات عن الشعوب أكثر من حكوماتها، وتستطيع حرف المسارات السياسية عبر خوارزمية، أو إخماد ثورة بتقليل ظهورها في "الترند".

لم تعد المعركة فقط على الأرض، بل على الشاشات، في كل ما يُقال ويُعاد ويُضخ، في كل إشعار يصل لهاتفك ويستهدف وعيك قبل أن يستهدف جسدك، باتت المعلومة أقوى من القنبلة، لأنها تهيئ لها الطريق، وتُشيطن طرفًا، وتبرر الحرب، وتمنح الضوء الأخضر النفسي قبل العسكري، ومن يتحكم في الصورة، يتحكم في المعركة، ومن يتحكم في التحليل، يتحكم في المصير.

صانع السلاح يربح عندما تشتعل الحرب، لكن صانع المعلومة يربح حتى في الهدنة، بل أحيانًا يُشعل الحرب لتخدم روايته، والمشكلة أن كثيرًا من الصراعات التي نشهدها الآن لم تُخلق من نزاع حقيقي على الأرض، بل من تضخيم إعلامي أو سردية مصطنعة، أصبح بالإمكان تصنيع "عدو"، ثم بث الخوف منه، ثم تسويقه كمبرر لحرب لاحقة، وكل ذلك دون أن يخرج مطلق المعلومة من مكتبه.

منذ سنوات بدأت شركات السلاح تستثمر في شركات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، والعلاقة بين الاثنين لم تعد منفصلة، وهناك من يصنع السلاح، وهناك من يصنع القصة التي تُبرر استخدامه، وهناك من يجهز الطائرة، وهناك من يجهز عقل المواطن ليتقبل القصف.

المعلومة أصبحت سلاحًا موازيًا، بل سابقًا على القذيفة. فالقصف يبدأ من رأسك، من فكرة يتم زرعها، حتى تصدّق أنها "حرب عادلة" أو "دفاع عن النفس".

السؤال الآن من يربح أكثر؟ من يبيع الموت في شكل معدني أم من يبيعه في شكل رواية؟ من يملك المصنع أم من يملك التأثير؟ من يتحكم في الجيوش أم من يتحكم في العقول؟ الواقع أن كليهما رابح، لكن الفارق أن تاجر السلاح يربح مرئيًا، في حين أن تاجر المعلومة يربح في الخفاء، دون أن يُسأل أو يُحاسب، بل الأسوأ قد تراه بطلًا، أو خبيرًا محايدًا، وهو في الحقيقة من يدير المعركة بطرف إصبع.

الربح في الحروب لم يعد فقط ماليًا، إنه أيضًا في التأثير، في إعادة رسم الخرائط، في التحكم في السرديات الكبرى، والأدهى من ذلك أن الشعوب نفسها باتت هي السلعة، بياناتهم، عواطفهم، مخاوفهم، سلوكهم على الإنترنت، كل ذلك أصبح يُباع ويُشترى ويُستخدم كوقود في حروب غير تقليدية، حروب لا يُطلق فيها رصاص بل تُحقن فيها العقول بما يكفي لتدمير ذاتها.

صانع السلاح يربح حين تسقط الجثث، لكن صانع المعلومة يربح حين تنهار الثقة، حين تصبح الحقيقة مشوشة، والواقع ضبابيًا، والعقل هشًا، قد لا تراه، لكنه موجود في كل إشاعة، في كل فيديو مفبرك، في كل خطاب تعبوي يُبث، في كل "ترند" يُدير الوعي الجمعي دون أن ينتبه أحد.

الحروب القادمة لن تكون فقط على الأرض، بل في الفضاء الإلكتروني، في غرف الاجتماعات المغلقة، في مراكز تحليل السلوك البشري، وساحة المعركة لن تكون فقط الجبهة، بل أيضًا شاشة هاتفك، عقل ابنك، وتصوّرك لما يجري من حولك.

قد لا تشتري سلاحًا، لكنك تستهلك المعلومة، وقد لا تقتل أحدًا، لكنك قد تقتل الحقيقة دون أن تدري.

 

 

مقالات مشابهة

  • عام ثالث من الحرب … كيف يعيش سكان الأبيض آثارها النفسية ؟
  • دليل شامل لـ مناسك الحج 2025.. متى تبدأ ومتى تنتهي؟
  • أسلحة الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها إسرائيل في حرب غزة
  • الخطوط الجوية اليمنية تبدأ نقل أول فوج من الحجاج عبر مطار صنعاء الدولي
  • بعد تأجيلها مؤقتا.. قصة طائرة الحجاج التي انحرفت قبل الإقلاع من مطار الأبرق
  • كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار
  • شركات الطيران الدولية تمدد تعليق رحلاتها إلى إسرائيل / أسماء
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • الخطوط الجوية البريطانية تلغي رحلاتها إلى إسرائيل حتى نهاية يوليو
  • أبرز الهجمات التي نفذتها جماعة الحوثيين على إسرائيل عام 2025