نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرا، للصحفيين ملاك طنطش، في خان يونس، وجيسون بيرك، في القدس، قالا فيه "إن دولاب ملاهي الذي يشرف على صفوف الخيام المنصوبة بعمق 10 خيام على الكثبان الرملية الممتدة من البحر تُذكّر بأوقات أفضل في غزة".

والآن، أصبحت المقاهي والممرات والقطار المصغر في مدينة ملاهي أصداء محجوبة بمئات الخيام، التي أقامها حوالي نصف مليون نازح جديد شقوا طريقهم إلى هذا الشريط الساحلي الرملي، بالقرب من مدينة خان يونس هربا من عدوان الاحتلال الإسرائيلي الدائر في شمال وجنوب القطاع.



ماسة العربيد، 10 سنوات، كانت قد وصلت للتو من مدينة غزة مع شقيقها وأمها. وقالت لصحيفة "الغارديان": "لقد اضطررنا إلى ترك الكثير خلفنا لأن هذه ربما تكون المرة السادسة التي ننتقل فيها، لذلك أنا جالسة هنا فقط".

وأضافت: "لا توجد ألعاب أو دمى للعب بها، أو حتى منزل للاحتماء به، ولأننا نتنقل كثيرا، فقدت الاتصال بجميع صديقاتي والآن لا أعرف شيئا عنهن".

معظم سكان مدينة الخيام المبنية على الكثبان الرملية والحقول والذين يتعرضون أحيانا كثيرة للإصابة والمرض إضافة للجوع والعطش لجأوا إليها بحثا عن مكان آمن من هجوم الاحتلال الإسرائيلي المتواصل الذي وصل إلى رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب غزة.

وانتقل مائة ألف آخرين من شمال غزة، حيث بدأت في نهاية الأسبوع سلسلة من عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف جل من عادوا إلى المناطق التي تم تطهيرها في وقت سابق من الحرب. ويلتزم الجميع بالتعليمات التي يتم بثها عبر المنشورات والمكالمات الهاتفية ووسائل التواصل الاجتماعي لإخلاء عشرات الأحياء المرقمة.

ورغم أن مسؤولين الاحتلال الإسرائيليين زعموا أنه "سيتم تقديم المساعدات الإنسانية الدولية حسب الحاجة" للأعداد الهائلة من النازحين، فإن الواقع مختلف تماما.


ويضطر الكثيرون إلى السير مسافات طويلة للحصول على أي ماء على الإطلاق، ولا يستطيعون شراء ما يكفي من الغذاء. ويبلغ سعر كيلو السكر الواحد 12 دولارا أمريكيا (9.50 جنيها إسترلينيا)، وهو ما يعادل ستة أضعاف ما كان عليه قبل أن تبدأ دولة الاحتلال الإسرائيلي هجومها على رفح قبل أسبوع. وقد ارتفع سعر الملح والقهوة بمقدار 10 أضعاف، على الرغم من أن سعر الدقيق ظل مستقرا. ولكن أحد المشاكل هي نقص السيولة، فالبنوك مغلقة، والقليل منها لديه احتياط متبق.

صابرين، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 28 عاما، نزحت أربع مرات بعد أن غادرت منزلها في بلدة بيت لاهيا الشمالية في بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. وصلت إلى الساحل مع خمس عائلات أخرى قامت بتجميع الموارد لاستئجار شاحنة تكلفتها 10 أضعاف السعر المعتاد.

قالت صابرين: "هذه ليست حياة أي إنسان عادي، لا يوجد شيء: لا ماء ولا طعام ولا رعاية صحية ولا حتى مرحاض. يسألني أطفالي عما إذا كان بإمكانهم الحصول على البطاطس فحسب، ولكن ليس لدينا المال الآن. كل ما لدينا هو أغذية معلبة توزعها الأمم المتحدة".

وأضافت: "لقد أصيب أطفالي بالفعل بالأنفلونزا والحمى والتهاب الكبد، إنهم ضعفاء الآن، وليس هناك ما يكفي من المضادات الحيوية، لذلك أنا قلقة للغاية".

على بعد أميال قليلة جنوب مخيم أصداء الترفيهي تقع المواصي، التي كانت في السابق بلدة ساحلية صغيرة. وتستغرق الرحلة إلى هناك الآن ساعتين على طريق مزدحم بالسيارات والشاحنات والعربات الصغيرة وحتى الدراجات التي تنقل النازحين.

ووصف عمال الإغاثة في المواصي، التي كانت ملجأ لعدة أشهر للفارين من القتال، الظروف بأنها "مروعة ومهينة للإنسانية"، مع محدودية الطعام والمياه القذرة والشحيحية، ومرافق الرعاية الصحية المكتظة، وانعدام الصرف الصحي تقريبا.

وقال الدكتور جيمس سميث، وهو طبيب طوارئ بريطاني يعمل في جنوب غزة: "إن رائحة الصرف الصحي في مخيمات النازحين الأكثر ازدحاما لاذعة. هناك نفايات صلبة متراكمة على جانب الطريق بسبب عدم وجود عدد كاف من الموظفين لتشغيل مركبات التخلص من النفايات القليلة، لقد أصبح الناس  أكثر وأكثر إصابة بالأمراض".

وقال آخر إن الساحل "مكتظ بالكامل، مع كتلة تلو الأخرى من الخيام ولا يوجد سوى فجوات ضيقة بينهما"، مضيفا: "لا توجد بنية تحتية داخل المخيمات، والإمدادات الجديدة التي تصل بالطبع محدودة للغاية".

ويغادر العديد من الفارّين من رفح منازلهم للمرة الأولى، ووصف مسؤول في الأمم المتحدة في المدينة هروبا منظما حيث قام "الناس بترتيب المكان خلفهم".

وفرت رأفت فرحات، وهي معلمة متقاعدة تبلغ من العمر 64 عاما، إلى المواصي قبل ثلاثة أيام، حيث نامت في العراء حتى تمكنت أسرتها من بناء مأوى.


وقالت: "لم نتخيل أبدا أننا سننتهي بالعيش بهذه الطريقة، الآن، الحياة مع الكهرباء والماء والغذاء والمأوى تبدو وكأنها حلم".

وقد استشهد أكثر من 35 ألف فلسطيني، جلّهم منهم نساء وأطفال، وذلك منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر، وفقا لمسؤولين فلسطينيين في غزة.

الحياة دون خوف
يقول غالبية أولئك الذين لجأوا إلى الساحل الجنوبي لغزة، صغارا وكبارا على حدٍ سواء، إن رغبتهم الكبرى الآن هي الحياة دون خوف.

وكانت فرحات قد فقدت أكثر من 30 من أقاربها، "لا يزال معظمهم تحت الأنقاض"، قالت: "أنا خائفة من أن نغادر بلدنا نهائيا، وأخاف أيضا من قصف مكان قريب وتساقط الحجارة والشظايا علينا، هنا نحن معرضون للخطر والموت في أي لحظة، ولذلك أخشى أن أفقد أحد أطفالي وعائلتي".

وأضافت صابرين إنها الآن "خائفة من كل شيء"، مردفة لصحيفة الغارديان: "أخشى أن يُقتل المقربون مني، من صوت القصف، وأننا لن نعود أبدا إلى منازلنا".


وقالت ماسة العربيد، وهي البالغة من العمر عشر سنوات، إنها تخشى أن تتعرض عائلتها "للقصف أو أن يحدث لنا شيء ما.. وأخشى فقدان والدي المصاب أو أعمامي المصابين الذين ما زالوا في مدينة غزة".
وتابعت: "أتمنى أن أعود إلى مدينة غزة وأرى والدي وأعمامي وأعود لبناء منزلنا ليكون أجمل من الذي دمر، وأن نكون جميعا هناك معا.. عدا من فقدوا حياتهم".

وأضافت: "أريد أيضا أن أصبح طبيبة لأعالج المرضى والجرحى، مثل والدي، وإذا لم أصبح طبيبة، أريد أن أصبح مدرّسة للرياضيات لأنني أحب الرياضيات كثيرا".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية غزة مخيمات النازحين غزة حقوق الإنسان مخيمات النازحين المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی

إقرأ أيضاً:

35 قتيلاً قرب موقع توزيع مساعدات.. مطالبات بالتحقيق في مجازر الاحتلال بغزة

البلاد – غزة

قُتل ما لا يقل عن 35 فلسطينياً أمس (السبت) في مناطق متفرقة من قطاع غزة، أغلبهم في محيط موقع لتوزيع المساعدات الإنسانية تشرف عليه “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة أمريكياً، بحسب مصادر طبية فلسطينية، في أحدث موجة دامية من التصعيد المتواصل في القطاع منذ نحو عشرين شهراً.
وأكد مسعفون في مستشفيي العودة وشهداء الأقصى بوسط غزة أن 15 شخصاً على الأقل لقوا مصرعهم أثناء محاولتهم الوصول إلى نقطة توزيع مساعدات قرب محور نتساريم، فيما قتل الآخرون جراء غارات وهجمات متفرقة نفذها الجيش الإسرائيلي في أنحاء القطاع. ولم يصدر حتى الآن تعليق رسمي من الجيش الإسرائيلي أو من المؤسسة الإنسانية المعنية بشأن هذه الحوادث.
ويأتي هذا التطور وسط تصاعد الانتقادات لطريقة إدارة توزيع المساعدات في القطاع، حيث قالت الأمم المتحدة إن نموذج “مؤسسة غزة الإنسانية” يفتقر إلى الشفافية والحياد، واصفة أداء المؤسسة في غزة بأنه “فشل إنساني”.
وأعلنت وزارة الصحة في بيان لها، في غزة أن عدد الضحايا قرب مواقع توزيع المساعدات فقط بلغ منذ أواخر مايو الماضي 274 قتيلاً وأكثر من ألفي جريح، منذ بدء عمليات المؤسسة في القطاع المنهك.
وأضافت الوزارة أن 12 فلسطينياً على الأقل قتلوا، أمس، برصاص القوات الإسرائيلية أثناء تجمعهم على الطريق الساحلي شمال القطاع في انتظار وصول شاحنات الإغاثة، ما يرفع حصيلة ضحايا هذا اليوم وحده إلى 35 قتيلاً على الأقل.
من جهتها، اتهمت حركة حماس إسرائيل باستخدام الجوع كسلاح حرب، وتحويل مواقع توزيع المساعدات إلى “مصائد موت جماعي”، معتبرة أن استهداف المدنيين في هذه الظروف “جريمة حرب”. وتنفي الحركة الاتهامات الإسرائيلية المتعلقة بنهب المساعدات.
بالتزامن مع هذه التطورات، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء واسعة النطاق لسكان مدينة خان يونس وبلدتي عبسان وبني سهيلا في جنوب غزة، داعياً المدنيين إلى التوجه غرباً نحو ما يُعرف بـ”المنطقة الإنسانية”. وهدد الجيش بـالعمل “بقوة شديدة جداً لتدمير المنظمات الإرهابية في المنطقة”، في مؤشر على قرب تنفيذ عملية عسكرية جديدة.
وتأتي هذه المجازر في إطار حرب دامية اندلعت في 7 أكتوبر 2023، إثر هجوم مفاجئ شنّته حركة حماس على إسرائيل، أسفر بحسب الإحصاءات الإسرائيلية عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة.
وفي المقابل، خلّفت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ ذلك الحين نحو 55 ألف قتيل فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وفق ما أفادت به وزارة الصحة في غزة. كما تسببت الحرب في تدمير البنية التحتية لغزة على نطاق واسع، ونزوح الغالبية العظمى من السكان، وسط تفشي سوء التغذية وانهيار النظام الصحي.
ورغم الجهود الدبلوماسية المكثفة من الولايات المتحدة ومصر وقطر لاستئناف المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار، لا تزال المحادثات متعثرة، حيث تتمسك كل من إسرائيل وحماس بمطالبهما الأساسية، ويتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن تعثّر الوصول إلى اتفاق.
وفي ظل هذا الجمود السياسي والكارثة الإنسانية المتفاقمة، تتزايد الدعوات الدولية لإجراء تحقيقات مستقلة في ممارسات الجيش الإسرائيلي، خاصة ما يتعلق باستهداف المدنيين ومواقع توزيع المساعدات، التي باتت تتحول تدريجياً إلى ساحات قتل جماعي، وفق تعبير منظمات حقوقية.

مقالات مشابهة

  • 60 شهيدا و200 مصاب إثر قصف منتظري المساعدات بغزة
  • إيران: إذا هوجمت المباني السكنية لن يكون هناك نقطة أمان واحدة في إسرائيل
  • تقرير حقوقي: 325 شهيدًا و3000 جريح ضحايا القصف الإسرائيلي على نقاط توزيع المساعدات بغزة
  • قوات الاحتلال تواصل قصف منتظري المساعدات بغزة
  • سعر الذهب الآن عيار 21 في مصر بدون مصنعية الإثنين 16 يونيو
  • الصين تستنسخ مدينة شفشاون وتتيح زيارة المدينة الزرقاء “بدون فيزا”
  • مسعفون بغزة يروون معاناتهم تحت القصف الإسرائيلي
  • 35 قتيلاً قرب موقع توزيع مساعدات.. مطالبات بالتحقيق في مجازر الاحتلال بغزة
  • 66 شهيدا بغزة بينهم 12 من ضحايا المساعدات وانقطاع كامل للإنترنت
  • شهداء وجرحى في قصف الاحتلال مناطق متفرقة من قطاع غزة