توماس فريدمان لترامب: إليك طريقة ذكية لإنهاء حرب إسرائيل وإيران
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان إن إيران وإسرائيل تتحركان في حربهما الدائرة رحاها بينهما الآن وفق عقيدتين إستراتيجيتين كلتاهما معيبتان للغاية.
وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمامه فرصة لتصحيح كلتا العقيدتين، وتهيئة أفضل طريقة لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط على نحوٍ لم تشهده المنطقة منذ عقود، "هذا إذا كان على قدر المسؤولية".
وفي مقاله بصحيفة نيويورك تايمز، أسهب فريدمان في تناول عقيدة إيران الإستراتيجية في صدامها مع إسرائيل، واصفا إياها بأنها محاولة "للتفوق على خصم في الجنون". وقال إن إيران وحزب الله اللبناني كليهما مستعدان للمضي قدما إلى أبعد الحدود مهما كان رد فعل خصومهما، ظناً منهما أنهما ستتفوقان على العدو دائما بإجراء أكثر تطرفا.
وزعم أن بصمات إيران و"وكيلها" حزب الله -مجتمعة أو منفصلة- بدت واضحة في حادثة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وتفجير السفارة الأميركية في بيروت، ومساعدة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على قتل الآلاف من شعبه للبقاء في السلطة.
وزاد "إنهما (إيران وحزب الله) يقولان للعالم: لن يتفوق أحد علينا، لذا احذروا إذا دخلتم معنا في معركة ستخسرون. لأننا سنمضي إلى النهاية. وأنتم أيها المعتدلون اتركونا وشأننا".
ولفت الكاتب الأميركي اليهودي إلى أن هذه العقيدة الإيرانية قد ساعدت بالفعل حزب الله على طرد إسرائيل من جنوب لبنان، لكنه يدّعي أن ما عجز عنه الاثنان عن إدراكه "هو اعتقادهما أن بمقدورهما إخراج الإسرائيليين من وطنهم التوراتي"، على حد زعمه.
وقال إن إيران وحزب الله، ومعهما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "واهمون" في اعتقادهم هذا واستمرارهم في اعتبار "الدولة اليهودية" مشروعا استعماريا أجنبيا لا صلة له بالأرض، وبالتالي فهم يفترضون أن اليهود سيلقون في نهاية المطاف نفس مصير البلجيكيين في الكونغو تلك الدولة الأفريقية التي كانوا يستعمرونها في الماضي.
إعلانوفي رأيه، أن اليهود الإسرائيليين هم من سيتفوقون في الجنون على الإيرانيين والفلسطينيين إذا اقتضى الأمر ذلك، لأنهم سيلعبون وفق القواعد المحلية وهي ليست القواعد التي أرستها اتفاقيات جنيف، بل قواعد الشرق الأوسط التي يطلق عليها الكاتب اليهودي "قواعد حماة"، في إشارة منه إلى المجزرة التي ارتكبتها حكومة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في مدينة حماة في فبراير/شباط 1982.
وأفصح فريدمان عن مكنوناته حيث قال إن الأمين الراحل لحزب الله حسن نصر الله والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ظنّا أن بإمكانهما التفوق على اليهود الإسرائيليين، وأن إسرائيل لن تحاول أبدا قتلهما شخصيا، لكن إسرائيل -بزعمه- ليست "شبكة العنكبوت" التي ستنفك يوما ما تحت الضغط كما كان يحلو لنصر الله -"الذي دفع حياته ثمنا لسوء تقديره"- أن يقول.
وتطرق المقال إلى عقيدة إسرائيل الإستراتيجية، مشيرا إلى أن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو -المطلوب للعدالة لدى المحكمة الجنائية الدولية– و"عصابته من المتطرفين" في الحكومة هم اليوم أسرى تصوراتهم الزائفة، التي يسميها الكاتب العقيدة النهائية القائمة على إمكانية حل المشكلة بالقوة وإلى الأبد.
وليس أمام نتنياهو وحكومته لإنهاء المشكلة نهائيا -من وجهة نظر فريدمان- سوى طريقتين فقط، الأولى أن تحتل إسرائيل الضفة الغربية وغزة وكل إيران بشكل دائم، ومحاولة تغيير الثقافة السياسية.
لكنه لا يرى أي فرصة أمام إسرائيل لاحتلال إيران كلها في وقت تحتل فيه الضفة الغربية من 58 عاما دون أن تتمكن من القضاء على نفوذ حركة حماس هناك، ناهيك عن القومية الفلسطينية العلمانية، ذلك لأن الفلسطينيين هم سكان أصليون في وطنهم "مثلهم مثل اليهود"، على حد قول فريدمان.
أما الطريقة الوحيدة للاقتراب حتى من إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل نهائي، فهي العمل على حل الدولتين، طبقا للمقال.
وفي اعتقاد الكاتب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إذا أراد التوصل إلى اتفاق جيد، فعليه أن يعلن أنه سيقوم بأمرين في آن واحد: أنه سيزود سلاح الجو الإسرائيلي بقاذفات من طراز "بي-2" وقنابل خارقة للتحصينات تزن 30 ألف رطل ومدربين أميركيين، وهو ما من شأنه أن يمنح إسرائيل القدرة على تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، ما لم توافق طهران على الفور على السماح لفرق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفكيك هذه المنشآت والوصول إلى كل موقع نووي في إيران لاستعادة جميع المواد الانشطارية التي أنتجتها.
والأمر الثاني، أن على ترامب أن يعلن أن إدارته تعترف بالفلسطينيين كشعب له الحق في تقرير مصيره الوطني. لكن فريدمان يرى أنه لتحقيق ذلك، فعلى الفلسطينيين أن يبرهنوا أنهم قادرون على استيفاء مسؤوليات الدولة من خلال توليد قيادة جديدة للسلطة الفلسطينية تعتبرها الولايات المتحدة ذات مصداقية وخالية من الفساد وملتزمة بخدمة مواطنيها في الضفة الغربية وغزة والتعايش مع إسرائيل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الكاتب والجندي الإسرائيلي.. قصة خيالية مستوحاة من واقع غزة
محمد أنور البلوشي
كان الدخان يحجب شمس الصباح، والرماد يتساقط كأنه ثلج أسود فوق مدينة لم تعد تتكلم إلا بلغة الحطام. غزة، تلك الرقعة من الأرض، لم تعد تنام ولا تصحو، بل بقيت عالقة بين صراخ طفل ونحيب أم، بين جوع وتيه، بين سماء تراقب بصمت وأرض مثقلة بالشهداء.
يتعثر الكاتب بين الركام، معطفه الذي كان بيجًا أصبح رماديًا من الغبار والرماد. لا يحمل سلاحًا، ولا رغيفًا، فقط دفترًا ممزقًا وقلمًا يحتضر حبره. كان كل ما يملكه: الكلمة.
صوت فجائي شق الصمت:
"توقف!"
استدار. بندقية مصوّبة إلى صدره. جندي شاب، بشرته محروقة بالشمس، وخوذته تلمع ببرود، لا يحمل في وجهه غضبًا… بل برودة مطلقة.
"هل تحمل سلاحًا؟" سأل الجندي.
"فقط الكلمات"، أجاب الكاتب.
ضحك الجندي: "الكلمات أخطر من الرصاص أحيانًا. أنتم الكتّاب، وقود الفتن".
"أنا لا أحمل فتنة، بل شهادة"، قال الكاتب بهدوء.
"شهادة على ماذا؟" تساءل الجندي.
"على جريمة… على زمن يسقط فيه الأطفال كأوراق الخريف، بينما العالم يشرب قهوته بلا مبالاة.
"هل تخاف من الموت؟" قالها الجندي بسخرية.
"لا، لا أخافه. لكنني لا أريده الآن".
"ولماذا تريد أيامًا إضافية للحياة؟".
"لأكتب".
"تكتب ماذا؟" سأل الجندي.
"أكتب كتابًا، عنوانه: الجرائم الإسرائيلية تحت ظلّ السماء".
سادت لحظة صمت، كما لو أن الهواء نفسه توقف ليستمع.
قال الجندي: "وهل تظن أن كتابك سيغيّر شيئًا؟".
"لا أكتب لأغيّر العالم، بل لأحرجه، لأكشف عجزه، لأقول له: كنتَ تعلم… ولم تتحرك".
"كلماتك لن تطعم الجوعى، ولن تعيد الأموات".
"ربما، لكنني سأكتب عنهم حتى لا يُنسَوا. سأكتب عن آمال، سبع سنوات، مبتورة الساقين، تسألني كل صباح: "هل سأمشي في أحلامي؟" قلت لها: نعم… لكني لم أكتب ذلك بعد. إن متّ، مات وعدي معها".
خفض الجندي البندقية قليلاً. غبار الحرب يمرّ بينهما، والأنقاض تتنهد كشيخ عليل.
تابع الكاتب: "أنا لا أعدّ الأرقام. أنا أكتب الأسماء. ياسمين، خمس سنوات، رسمت عصافير على جدران الملجأ. كانت تظن أنها ستطير بها إلى الأمان. ماتت وطبشورتها في يدها".
أشاح الجندي بوجهه.
"رأيت سامر، طفل في التاسعة، يحمل شقيقته الرضيعة من تحت الأنقاض، يسير حافيًا ثلاثة كيلومترات ليصل خيمة الإغاثة. عندما وصل، سقط. كانت الطفلة قد فارقت الحياة".
"هل تظننا وحوشًا؟" سأل الجندي، بصوت خافت.
"الوحوش لا ضمير لها. أنتم، أخشى أن لديكم ضميرًا… لكنكم خنقتموه".
اهتزّ وجه الجندي، كأن شيئًا داخله انكسر.
"هل لديك أطفال؟" سأل الكاتب.
لم يجب الجندي.
"أنا كان لديّ. ابني كان يحبّ النجوم. قبل أن تُقصف مدرسته، سألني: "هل تتألم النجوم عندما تسقط؟" لم أستطع الإجابة، فقد سقطت السماء كلّها فوقنا".
دويّ انفجار قطع الحديث. الغبار ملأ المكان. صرخة بعيدة لامرأة، ثم صمت.
"لست أرجوك أن تعفيني"، قال الكاتب. "بل أرجوك أن تسمح لي بأن أُكمل."".
تردد الجندي. ثم قال بصوت متكسّر: "حتى لو قتلتك، سيكتب غيرك".
"نعم… لكن دعني أكتب قصتي".
مضت لحظات. لم يُطلق الرصاص.
مشى الكاتب مبتعدًا ببطء. لم يكن يعرف: هل كانت رحمة؟ أم ندمًا؟ خلفه، كان الجندي واقفًا وحده، سلاحه منخفض، ويداه ترتجفان… تحت ظلّ السماء.
وفي مكانٍ ما من تحت تلك السماء، كانت طفلة مبتورة القدمين تنتظر وعدًا… وعدًا لم يُكتَب بعد.