مختصون: الطاقة المتجددة تقود قاطرة الصناعات الجديدة في سلطنة عمان
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
تخطو سلطنة عُمان خطوات استراتيجية مهمة نحو تحقيق التحول المستدام في الطاقة المتجددة، من خلال تنفيذ مشاريع نوعية تمثّل نقطة تحول في استغلال الموارد الطبيعية النظيفة، مستندة إلى رؤية واضحة ودعم حكومي متواصل، ويبرز دور القطاع الخاص بصفته شريكًا أساسيًا في هذا التحول، من خلال شركات متخصصة تقدم حلولًا متكاملة وتسهم بشكل فعّال في دعم المجتمعات المحلية بمشاريع طاقة نظيفة مستجيبة للظروف المناخية والاقتصادية.
"عُمان" استطلعت آراء مختصين حول ما يحمله هذا التحول من بُعدٍ اقتصادي واستراتيجي، مستعرضين بعض التجارب والمشروعات الريادية التي أثبتت فاعلية ونجاح هذا النوع من الصناعة.
حلول متقدمة
وأوضح المهندس سامي بن عيسى الصالحي، قائد فريق البيئة بشركة "أوكيو مصفاة الدقم إيت" أن الشركة حرصت منذ تأسيسها على اعتماد أحدث التقنيات والممارسات البيئية العالمية، بما يعزز كفاءة الطاقة ويحد من التأثيرات السلبية للعمليات الصناعية على البيئة، مشيرًا إلى أن المصفاة تبنّت حلولًا متقدمة في مجال الطاقة المتجددة، أبرزها استخدام الألواح الشمسية لتوفير جزء من احتياجاتها التشغيلية من الطاقة، مما يسهم في تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.
وأضاف الصالحي: من بين المبادرات البيئية البارزة التي انتهجتها الشركة إعادة استخدام الغازات المصاحبة للعمليات الصناعية بدلاً من حرقها، حيث يتم توظيفها مجددًا في تشغيل وحدات الإنتاج، ما يقلل من الانبعاثات السامة ويمنع تسرب غازات ضارة إلى الغلاف الجوي، مبينًا أن هذا التوجه لا يدعم فقط الاستدامة البيئية، بل يعزز من كفاءة العمليات ويخفض التكاليف التشغيلية على المدى الطويل.
وفي السياق، قامت الشركة بتطوير منظومة متكاملة لإعادة استخدام المياه في العمليات الصناعية، ما قلّل من الاعتماد على عمليات التحلية التي ينتج عنها كميات كبيرة من الغازات الضارة، كما تضع الشركة إعادة التدوير ضمن أولوياتها البيئية، حيث أعادت تدوير أكثر من 71% من المخلفات الصناعية في عام 2024، إلى جانب الاستفادة من أكثر من 38 ألف طن من الغازات المصاحبة، وهو ما يُعد إنجازًا نوعيًا على مستوى الصناعة النفطية في سلطنة عمان.
وأكد الصالحي أن الشركة تسعى باستمرار إلى تعزيز حضورها في الفعاليات والمعارض الإقليمية والدولية المعنية بالطاقة والبيئة؛ لعرض تجربتها الناجحة في تقليل الانبعاثات، والحد من المخلفات، ودعم مسارات التحول الأخضر، من خلال حلول عملية تتماشى مع توجهات سلطنة عُمان في التصدي لتحديات التغير المناخي.
واختتم الصالحي حديثه قائلًا: إن "أوكيو – مصفاة الدقم" تقوم بهذه الجهود برؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري، وتقليل الحرق الروتيني، وتبنّي التقنيات النظيفة بصفتها جزءًا أصيلًا من عملياتها اليومية، في سعي حثيث نحو تحقيق مستقبل صناعي منخفض الكربون ومستدام بيئيًا.
مشروعات نوعية
وأشار مختص في مجال الطاقة المتجددة إلى أن سلطنة عُمان تخطو خطوات استراتيجية مهمة نحو تحقيق التحول المستدام في قطاع الطاقة، من خلال تنفيذ مشاريع نوعية تمثّل نقطة تحول في استغلال الموارد الطبيعية النظيفة. فقد بدأ هذا التحول بمشروعات كبرى تعكس رؤية واضحة واهتمامًا حكوميًا جادًا بتنويع مصادر الطاقة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع التوجهات العالمية في مواجهة التغير المناخي وتحقيق الأمن الطاقي.
وقال المختص: إن من أبرز هذه المشاريع محطة ظفار لطاقة الرياح وهي المشروع الأول من نوعه على مستوى دول الخليج العربي من حيث الحجم والتقنية المستخدمة. حيث لا يُعد هذا المشروع الاستراتيجي مجرد تجربة، بل تحول إلى نموذج عملي أثبت أن طاقة الرياح يمكن استثمارها بنجاح حتى في بيئة كانت تُعد سابقًا غير مناسبة لهذا النوع من الطاقة، حيث إن قدرة المحطة التشغيلية العالية، والمردود الاقتصادي المجدي، جعلا من هذا المشروع علامة فارقة دفعت سلطنة عمان إلى التوسع في مشاريع مشابهة، مما يعكس نجاح الرؤية التي انطلقت منها هذه المبادرة.
وفي جانب آخر من التحول نحو الطاقة النظيفة، برز مشروع "مرآة" التابع لشركة تنمية نفط عمان، والذي يُعد نقلة نوعية في مجال استخدام الطاقة الشمسية، ما يميز هذا المشروع أنه يعتمد على تركيز حرارة الشمس لتوليد البخار، وليس فقط على الضوء كما هو شائع في الخلايا الشمسية التقليدية، هذا التوجه يعكس إدراكًا عميقًا لإمكانات البيئة العمانية، حيث تُعد الحرارة الشمسية موردًا طبيعيًا غنيًا لم يُستغل بالشكل الأمثل في السابق، وقد أثبت المشروع فاعلية هذا النوع من التكنولوجيا، مما يعزز مكانة سلطنة عمان في مجال تطوير حلول طاقة مبتكرة تتناسب مع خصوصيتها المناخية.
كما أن التطور الأحدث هو افتتاح محطتي "منح 1" و"منح 2" لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، حيث جاءت هذه المشاريع نتيجة لتغيرات وعوامل جوهرية في السوق العالمية، أبرزها الانخفاض الكبير في أسعار الألواح الشمسية خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما جعل تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية مساوية – وأحيانًا أقل – من تلك المنتجة باستخدام الغاز الطبيعي، وشكل هذا التغير في الكلفة الاقتصادية نقطة تحول حقيقية، وساهم في تسريع وتيرة تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، التي كانت في الماضي تعاني من ضعف الجدوى المالية مقارنة بالمصادر التقليدية.
وأوضح أنه رغم هذا التقدم، لا تزال هناك تحديات تقنية تواجهنا، لعل أبرزها تكامل هذه المشاريع الجديدة مع شبكة الكهرباء الوطنية، التي صُممت في الأصل لاستقبال الكهرباء المُنتجة من محطات الغاز الطبيعي وإدماج مصادر الطاقة المتجددة، التي تتميز بعدم الاستقرار الزمني مثل الشمس والرياح، ما يتطلب تطويرات كبيرة في البنية الأساسية لضمان استقرار الشبكة وكفاءة توزيع الطاقة.
تنامي دور القطاع الخاص
وقال المهندس إسماعيل بن إبراهيم الشيدي، من شركة نفاذ للطاقة: إن سلطنة عُمان تشهد تحولًا حقيقيًا نحو الطاقة المستدامة، بفضل التوجهات الحكومية الداعمة وتنامي دور القطاع الخاص، مؤكدًا أن الشركة تُعد من بين الشركات الرائدة في تقديم الحلول الهندسية المتكاملة لأنظمة الطاقة الشمسية في سلطنة عُمان.
وأوضح الشيدي في حديثه أن سلطنة عُمان بدأت في تنفيذ سلسلة من المشاريع النوعية التي تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن هذه المشاريع قد أثبتت جدوى الاستثمار في طاقة الرياح في منطقة كانت تُصنف سابقًا بأنها غير ملائمة لهذا النوع من الطاقة، مما فتح الباب لمشاريع مشابهة، مثل مشروع جعلان لطاقة الرياح، الذي يُعد حاليًا من المشاريع الواعدة في القطاع.
وفيما يتعلق بمساهمة شركة نفاذ للطاقة في هذا التحول، أشار إلى أن الشركة تعمل على مشاريع ملموسة تدعم المجتمعات المحلية وتعزز استخدام الطاقة النظيفة، ومن أبرز تجاربنا مع شركة BP بتروليوم في إطار برنامجها للاستثمار المجتمعي، حيث قمنا بتركيب أنظمة شمسية متكاملة مع حلول لتخزين الطاقة لصالح الأسر المتضررة من إعصار شاهين في ولايتي السويق والخابورة، وكانت هذه الخطوة مهمة في تأمين مصادر كهرباء مستقلة ومستدامة في بيئة تضررت بنيتها الأساسية بشدة.
إضافة إلى مبادرة أخرى بالتعاون مع جمعية دار العطاء، تم من خلالها تزويد فلل حي العطاء السكني بأنظمة الألواح الشمسية، بالإضافة إلى مشاريع أخرى شملت تركيب أنظمة طاقة شمسية في عدد من المستشفيات والمدارس والمساجد، بما يخدم مختلف شرائح المجتمع ويُعزز من كفاءة استهلاك الطاقة في المؤسسات الخدمية.
ورغم هذا التقدم، يقول الشيدي: إن هناك تحديات تقنية لا تزال قائمة، أبرزها جاهزية شبكة الكهرباء الوطنية لاستقبال الطاقة المُنتجة من مصادر متجددة، مبينًا أن الشبكة بُنيت في الأساس لاستيعاب طاقة مستقرة من محطات الغاز، أما الطاقة الشمسية والرياح فهي متقطعة بطبيعتها، ما يتطلب تحديثًا للبنية الأساسية وتعزيز أنظمة التخزين والتحكم الذكي.
واختتم الشيدي حديثه مؤكدًا أن سلطنة عُمان تسير بخطى واثقة نحو تحقيق أهدافها الوطنية في الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن الخطة الحكومية تستهدف رفع مساهمة الطاقة النظيفة إلى 20% من إجمالي الاستهلاك في الشبكة الرئيسية بحلول عام 2030.
مصنع توربينات الرياح
وفي خطوة تُعد نقلة نوعية في مشهد الطاقة المتجددة المستمدة من الرياح، دشّنت شركة "موارد توربين" المرحلة الأولى من أول مصنع لتصنيع توربينات الرياح في سلطنة عُمان، وذلك في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1000 ميجاواط سنويًا، وباستثمار تجاوز 70 مليون ريال عماني.
ويمثل هذا المشروع، الذي يُتوقع بدء تشغيله التجاري في عام 2026، أحد أهم اللبنات في مسار توطين تكنولوجيا الطاقة النظيفة؛ إذ لا يقتصر دوره على تصنيع مكونات التوربينات فحسب، بل يسهم كذلك في خلق نحو 1080 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتعزيز المحتوى المحلي، وفتح آفاق التصدير للأسواق الإقليمية والعالمية عبر شراكات تجمع القطاعين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الطاقة المتجددة الطاقة النظیفة الطاقة الشمسیة مصادر الطاقة الاعتماد على هذه المشاریع هذا النوع من هذا المشروع طاقة الریاح سلطنة عمان هذا التحول فی سلطنة ع أن الشرکة من الطاقة نحو تحقیق فی مجال من خلال إلى أن تحول ا
إقرأ أيضاً:
عمان تواصل جهودها الدبلوماسية لاحتواء التصعيد في الشرق الأوسط
العُمانية: تُواصل سلطنة عُمان جهودها الدبلوماسية الحثيثة لاحتواء التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة، ومنع توسّع نطاق التوترات الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، مستندة إلى نهجها الراسخ القائم على تعزيز الحوار البنّاء، والالتزام بالقانون الدولي، والدفاع عن الحلول السلمية باعتبارها أساسًا لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي.
وتُجسّد هذه الجهود رؤية سلطنة عُمان الاستراتيجية في بناء جسور الثقة بين الأطراف الدولية، ودورها المحوري بوصفها وسيطًا موثوقًا به في الأزمات الإقليمية.
وفي هذا السياق، شاركت سلطنة عُمان برئاسة معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي، وزير الخارجية في الاجتماع الاستثنائي الثامن والأربعين للمجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي عُقد عبر الاتصال المرئي برئاسة دولة الكويت رئيسة الدورة الحالية للمجلس، لمناقشة التطورات الإقليمية المتسارعة.
وأصدر الاجتماع بيانًا مشتركًا أدان فيه بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، معتبرًا إياها خرقًا صارخًا للسيادة الوطنية والقوانين الدولية.
كما دعا البيان إلى تهدئة عاجلة، واستئناف المفاوضات الدبلوماسية، مشيدًا بالدور العُماني البارز في تيسير الحوار حول الملف النووي الإيراني، وهو ركيزة أساسية لحل الصراع الدائر وتعزيز الأمن الإقليمي.
وتزامنًا مع هذه الجهود، واصل معالي السّيد وزير الخارجية اتصالاته ومشاوراته الهاتفية المكثفة مع نظرائه في عدد من الدول الشقيقة والصديقة، إلى جانب شركاء دوليين بارزين مثل الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس.
وقد ركّزت هذه الاتصالات على تنسيق المواقف الدولية، وتعزيز الضغط السياسي والقانوني لوقف الاعتداءات الإسرائيلية فورًا، والدفع نحو مسارات تفاوضية شاملة تُعيد الاستقرار وتُجنّب المنطقة مخاطر التصعيد العسكري.