أئمة الكذب والبهتان و(مواهيم) العالم الافتراضي…!
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
اخونجية الإنقاذ (قصم الله ظهر تنظيمهم وأقعده بشلل رباعي) نشروا موجات عاتية من الهشاشة الاجتماعية والبجاحة السياسية والاختلال القيمي والاهتراء الوجداني والوطني..وأوجدوا أوضاعاً مريعة من الانهيارات النفسية وسقوط الحصانات الأخلاقية..!
ولهذا نشاهدهم في (هذا السيرك العجيب) بعد أن تسللوا إلى مواقع السلطة والوزارة والإدارة والسياسة وهم بهذا الادقاع الروحي والهزال الفكري وفقر الدم الإنساني.
أهل السودان حيثما كانوا يستيقظون كل صباح - هذا إذا ناموا- وهم لا يعلمون في أي قائمة سيكونون هم وأفراد أسرهم؛ هل في قائمة القتلى بالدانات والقصف أو بين المصابين أو المشردين التائهين أم مع الجوعى والمرضى أو رهن اعتقالات ومطاردات مخابرات البرهان وياسر العطا وكرتي وإبراهيم جابر أم في قبضة المليشيات..!!
ومع هذا يتحدث أمين حسن عمر عن الانتخابات وعودة سلطة المؤتمر الوطني والحركة الكيزانية وهو يفصل بيت عبارة وعبارة بضحكة الاستهزاء الترابية الشهيرة..!
ويعلن ياسر العطا عن استمرار الحرب حتى ولو تم إزهاق 48 مليون من أهل السودان..!! ما جدوى الانتصار وكيف يحتفل به السودانيون بعد فنائهم جميعاً..؟! هذا كلام يثير سخرية (طبيز قليل الميز) كما تصفه الثقافة الشعبية السودانية..!
كثيرون من هذا الشاكلة من أبناء التربية الإنقاذية الفاسدة تركوا تجارتهم في عالم الاغتراب ببيع البيرغر والمشروبات (نصف الروحية) وحسبوا منحة العطالة المتاحة في أمريكا وكندا واستراليا واسكندنافيا مقارنة برشاوى حكومة البرهان ومخصصات كرتي وحكومة الانقلاب المأخوذة من المال العام ففضلوا الثانية..!
وعادوا إلى ارض الوطن ينشئون المواقع الاسفيرية والصحف والقنوات الفضائية ويتاجرون في الإعفاءات ويتحدثون في السياسة والتحول الديمقراطي..ويسجلون عضويتهم باسم الكتل الديمقراطية والمجتمع المدني والإدارة الأهلية..ويتطاولون بالحديث عن تمثيل أقاليم السودان وكتابة مواثيق المرحلة الانتقالية..!!
لقد تمت تغذيتهم (إنقاذياً) بحقد كبير على الوطن؛ وبحسب اشتراطات الاخونجية فإن الوصول للسلطة والمال تقتضي التخلي عن أي مُزعة من الأخلاق أو الخوف من العيب والحرام..وهذه من مرتكزات الوصايا الاخوانية منذ تأسيس حركتهم في أربعينات القرن الماضي..!
كل شيء مباح ومستباح من اجل التمكين ودولة الباطل؛ الأرواح وأعراض الناس..ومال الدولة والموارد والمال والعقار والأراضي...ولا فرق بين الغاية والوسيلة..ولا رأفة بكبير ولا صغير ولا رحمة أمام شهوة السلطة والمال..! كل المحظورات حلال عليهم فهم في حصانة من العقاب ما بقوا داخل التنظيم وفي طاعته على الشر وتنفيذ رغائبه بلا تفكير ولا مراجعة..!
لا تتحرّج من البهتان وداوم التمرين على الكذب ولا تخجل منه وقم بتمرين ملامحك عليه..(راجع أشداق عمر البشير والبرهان) ولا تنزعج من الحنث بالقسم واليمين الغموس..ولا تكترث عندما تتنكر للعهود والمواثيق واعتبرها كأن لم تكن..ولا تقيد نفسك بما قلته بالأمس حتى لا يمنعك ذلك من أن تنقض غداً ما قلته اليوم..! ثم أرم خصمك بما تفعله أنت وجماعتك..ويمكن تطبيق ذلك (ببساطة) على موقف البرهان والاخونجية من مليشيات الدعم السريع وإلقاء تهمة دعمها وتأييدها على قوى الحرية والتغيير..!
أنهب مال البلاد وحقوق العباد وقل إنك من الأطهار..!
افسد نفسك كما شئت واتهم الآخرين بالمثلية..!
اسرق وأطلق على السرقة اسم (التجنيب)..!
سجل بالتزوير 99 قطعة ارض وأبلع مال الدولة وقروضها وقل إنها من مبيعات "مغلق سوق السجانة"..!
خذ عائدات النفط و"الجاز" بما يربو على 60 مليار دولار واختفي عن العيون..وأودع المال الحرام في مصارف جزيرة كيمان (الكتومة)..!
اسرق عائدات الذهب وقدم شهاداتك للعمل محاسباً في دول الخليج..!
اتهم السودانيين (بالشحدة) وأعلن نفسك داعياً لتطبيق الشريعة ثم اهرب للعمل مستشاراً في هيئة الصحة العالمية..! وفي أيام الحرب والموت الزؤام وتفريغ الوطن من أهله واستنفار أبناء المساكين..قم بعقد قران أنجالك المحظوظين في بهو فنادق السبعة نجوم ببذخ ينافس احتفالات مهراجات الهند..!!
خذ 5 مليون دولار من مال الدولة "رشوة على فتوى كاذبة" واهرب إلى تركيا مستغنياً بشالهيات اسطنبول عن المسجد والمنبر في "جبرة" مربع 12..!
قم ببناء مدرسة ماسونية متعددة الطوابق وقل إنها من بيع حواشة جدك في امتداد المناقل..!
خذ سلفية من البنك واشترى بربع قيمتها البنك نفسه بموظفيه ومبانيه..!!
قم ببيع السكة حديد والنقل الميكانيكي وهيئة النقل البحري والنهري وعقارات لندن وخط هيثرو وأطلق على ذلك برنامج الخصخصة وخروج القطاع العام من العمل التجاري..!
اسرق أموال الأوقاف والعمرة وقل انك أمير الحج..!
اقتل من تجد عنده دولارات من حر مال أبيه..واكتنز في بيتك سلة من العملات الأجنبية وما شئت من دولارات وإسترليني ويورو وين وليرة ودراخما..وسيتم تعيينك (سفيراً في إيران)..!
أنت في مرتبة (الزعيم الشيخ) قم بالاستيلاء على أرض حكومية في موقع متميز، ثم قم ببيعها نقداً للدولة..! ثم سيبني جهاز الأمن عليها قصراً على الطراز الأوروبي بتكلفة 6 مليون دولار سكناً لك (بحكم منصبك)..ثم لا تسكن فيه..بل قم بتأجيره لخواجات (بالدولار) وأقبض عائد الإيجار على دائر السنت..!
ادعم المليشيات وقم بتسليحها بما يتفوق على الجيش..وانشرها على ربوع الوطن تقتل وتنهب كما تشاء..واقصف المواطنين بالطائرات وقل إنها "حرب الكرامة"..! وإن الذين يطالبون بإيقافها حماية للوطن والمواطنين إنما يناصرون هذه المليشيات..!!
إنهم يعيشون على الإنكار والكذب والمغالطة والبهتان ويظنون أن الشعب يمكن أن ينسى أو يتناسى ما فعلوه وما يفعلونه الآن ..!
إنها العقيدة الاخوانية الفاسدة: الحق ممنوع والعيب مبلوع واللوم مرفوع..والرزق على "المؤتمر الوطني"..!
الله لا كسّبكم..!!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سوار فريدا كاهلو
تنجح الرأسمالية فـي تحويل أي شيء مهما كان إلى مادة للربح. لا يعني الأمر أن هنالك من يدير هذه العملية، إنها سلطة شبكية جداً، وآليات مُكرسة أصبحت لا تدفع بهذه التعاملات فحسب بل تخلقها، إنها عملية مصطنعة، لا يقف وراءها مديرون بنوايا سيئة وشريرة. الفيلسوف الفرنسي فوكو يقول إن السلطة ليست مؤسسة ما يمكن تعيينها. وبالتالي فإن لكل «شيء» رحلته نحو إخضاعه لضبط ما يعيد إنتاجه بوصفه «مادة» قابلة للاستهلاك. تخيل صديقي القارئ بأن كلامي هذا نفسه قد يكون الآن مادة استهلاكية، حتى وإن كان هدفها المُدعى نقد الاستهلاك، إلا أنها استهلاكية هي الأخرى ومصممة لتحصيل الربح. بمثال أبسط: ستنتج نتفلكس مسلسلاً عن شي غيفارا بكل القيم التي يتبناها، إلا أنها ستبيعك المسلسل وكل ما تطلب إنتاجه من عمليات هي فـي النقيض تماماً من المبادئ التي مات شي غيفارا لأجلها.
يكتب المؤلف والمنظر السياسي اليكس سكوبيك عن هذا فـي مقاله «كيف انتقلت فريدا كاهلو من الشيوعية إلى الكيتش؟» يُعرف رجور سكروتون بدوره وهو فـيلسوف متخصص بعلم الجمال والفلسفة السياسية الكيتش معتمداً فـي إحدى تعريفاته للكيتش على ميلان كونديرا فـي مقولة شهيرة له: «الكيتش يجعلنا نذرف دمعتين متتاليتين، الدمعة الأولى تقول: «كم هو جميل منظر الأطفال وهم يركضون على العشب!» بينما تقول الثانية: «كم هو جميل أن تتأثر مشاعرنا، نحن والبشرية بأسرها، بمنظر الأطفال وهم يركضون على العشب!»» وبالتالي فإن الكيتش يتعلق بالذات الرائية لا بموضوع الرؤية، التأثر بمنظرك وأنت تفعل ما تفعله، فـيتغير موضوع اتجاه العواطف بدلاً من أن تكون الموضوع لتتجه نحو الذات خالقة إيهاماً بالعاطفة دون تكبد مشقة الشعور بها. بالأحرى وأقتبس بشكل مباشر عن سكروتون «انظر إلي وأنا أشعر بهذا - كم أنا جميل وحبوب». يمكنك دوماً استخدام الأساليب والقصص والمواد القديمة لكن دون التورط بها، دون أخذها على محمل الجد، وإن حدث فهي نمطية ورخيصة، غالباً ما يتم إنتاجها دون الحاجة لبذل أي مجهود واستهلاك دون الحاجة لأعمال الفكر.
عودة لكتابة سكوبيك، يشير إلى عام 2017 تحديداً فـي أكتوبر عندما كانت تيريزا ماي فـي منتصف فترة ولايتها كرئيسة وزراء فـي بريطانيا من عام 2010 وحتى 2024 ممثلة لحزب المحافظين. فـي ذلك الحين قوضت سياسات ماي كل الخدمات العامة، فخفضت ميزانيات المدارس وخدمات الصحة العقلية، ووسعت صلاحيات الشرطة، بالإضافة لاستثمارها الكبير فـي خلق بيئة معادية للمهاجرين، ودورها فـي «البريكست»، عندما صعدت ماي إلى المنصة فـي مؤتمر حزب المحافظين عام 2017 كانت ترتدي فـي يدها أسورة كبيرة الحجم غليظة بارزة وهي أسورة لفريدا كاهلو التي توفـيت 1954 لم يثر خطابها فـي المؤتمر الاهتمام الذي أثاره السوار من تهكم واسع فـي الإعلام حتى أنها عادت لارتدائه فـي مناسبات أخرى منها قمة الاتحاد الأوربي فـي العام التالي. والسؤال الجوهري هنا: لماذا ارتدت شخصية مثل ماي سياساتها يمينية متطرفة، صورة شخصية مثل كاهلو التي قضت حياتها ومسيرتها المهنية كشيوعية ؟
لا يعتبر هذا جديداً ولا غريباً أيضاً، حصل هذا مع آخرين وما زال يحدث، إنها إعادة إنتاج كل شيء لصالح الربح كما ذكرت فـي بداية مقالي هذا. سكوبيك يشير لبداية هذه الظاهرة خصوصاً مع كاهلو فمنذ ٧١ عاماً على وفاتها تمتعت بازدهار كبير فـي شعبيتها حتى أن هنالك ظاهرة أطلق عليها مؤرخو الفن «فريدامانيا» والتي أعطتها مكانة فـي ثقافة البوب العالمية التي تتحدى نماذج من مارلين مونورو. لقد ظهرت حول كاهلو صناعة «كوخ كاملة» من متجر الهدايا، الأقراط وأكواب القهوة وحافظات الهواتف الذكية والجوارب ومرطب الشفاه المزين بصورة كاهلو أو حتى الدمى كما حدث مع دمية كاهلو التي حظرت فـي السوق المكسيكية بسبب دعوى قضائية رفعتها ابنة أختها. وأصبحت كاهلو بذلك علامة تجارية، لكنها تحجب سياساتها الراديكالية ويتم ذلك بطريقة ناعمة وغير صريحة، لكن إذا ما استدرك أحد ذلك رغبة منه فـي الإشارة لكاهلو عادة أنها «رمز» الآن فـيمكن أن يقول إنها رمز نسوي للإبداع الجريء والخلاق، تلك الجرأة التي يتم الإشارة إليها هنا «كيتش» أيضا كما هي كاهلو فـي هذه الحالة أصلا، إذ إن تلك الجرأة عامة جداً وغير منحازة، فـيمكن أن تقول إنها كانت عضواً فـي الحزب الشيوعي المكسيكي إلا انك ستستبعد أنها كانت متحالفة مع ليون تروتسكي. لقد تم تطهير فريدا كاهلو وتسليعها للاستهلاك الشعبي وأضر تماماً بإرثها الحقيقي، ويمكن بالتالي أن تسكن بهدوء على معصم تيريزا ماي.
لكن ما لا يتم الحديث عنه هو الرحلة التي يقطعها «الشيء» من قصته الحقيقية وما هو عليه ليصبح ببساطة كوب سيراميك رخيص. ما لا يتم تشخيصه هو السلطة التي دفعت بذلك، لا المؤسسة مرة أخرى، بل تلك المواسير الفاعلة التي سكبت فـي هذا الحوض لا فـي حوض آخر.