بعد أيام على "بيان عوكر" الذي صدر عقب اجتماع سفراء "الخماسية" في مقرّ السفارة الأميركية، يبدو أنّ الأجواء التفاؤلية التي سادت الأجواء بقرب "الفرج" وانتخاب رئيس للجمهورية بحلول نهاية شهر أيار قد "تبدّدت"، ولا سيما أنّ أيّ "خرق" جدّي يمكن البناء عليه قد سُجّل، بل على العكس من ذلك، فإنّ المواقف راوحت مكانها، مع تمسّك كلّ فريق بمضبطة الاتهام إياها، وممارسة الجميع لعبة "تقاذف كرة المسؤولية".


 
صحيح أنّ التطورات في المنطقة "خطفت" مرّة أخرى الاهتمام من حراك "الخماسية"، بدءًا من الحادث المأساوي الذي شهدته إيران، وأودى بحياة رئيسها إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وآخرين، وصولاً إلى تحرّك "الجنائية الدولية" الأول من نوعه على خط حرب غزة، مع طلب المدّعي العام كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، وهو ما وُصِف بالمنعطف التاريخيّ.
 
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ كلّ هذه التطورات، مع ما يمكن أن تنطوي عليه من تأثيرات على الاستحقاقات الكبرى، بما فيها استحقاق الرئاسة، لم تحجب الأنظار عن حقيقة أن مبادرة "الخماسية" المتجدّدة التحقت بسابقاتها لجهة تفسير كلّ طرف لها "على قياسه"، فهل أجهِضت هذه المبادرة فعلاً؟ ومن الذي يتحمّل مسؤولية ذلك، إن ثَبُت؟ وهل تستسلم "الخماسية" هذه المرّة، وقد فُسّر بيانها في مكان ما على أنّه "الفرصة الأخيرة" إن جاز التعبير؟
 
"تقاذف للمسؤولية"
 
تمامًا كما حصل مع سائر المبادرات، وآخرها مبادرة كتلة "الاعتدال"، التي انبثق حراك "الخماسية" الأخير من وحيها، والتي تفاءل الجميع بها قبل أن يضعوا العصيّ في طريقها، بدا أنّ مبادرة "الخماسية" المتجدّدة لم تشذ عن القاعدة، إذ اختفت المؤشرات الإيجابية التي حملتها سريعًا، على وقع "تقاذف" الفرقاء لكرة المسؤولية عن إجهاضها، وهي لا تزال في مهدها، وقبل أن تباشر بجولة أخرى على القوى السياسية كانت تُعِدّ لها.
 
في هذا السياق، سعت المعارضة إلى رمي الكرة في ملعب "الثنائي الشيعي" للقول إنّه من يعطّل حراك "الخماسية" كما عطّل كلّ المبادرات السابقة، بإصراره على المضيّ بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، من دون إبداء أيّ "مرونة" على خط "الخيار الثالث"، وبرفضه أيضًا لمبدأ "الجلسة المفتوحة" الذي ورد صراحة في بيان "الخماسية"، فما كان من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلا أنّ نسفه، حين استبدله بمبدأ "الجلسات المتتالية".
 
في المقابل، كان لافتًا أنّ الفريق المحسوب على "الثنائي" لم يتردّد في رمي الكرة في ملعب المعارضة، التي لا تزال على موقفها الرافض للحوار أو التشاور من دون شروط مسبقة تفرغه من مضمونه، علمًا أنّ "تبنّي" رئيس مجلس النواب لمبادرة "الخماسية" بوصفه تتلاقى مع الطروحات التي يقدّمها منذ أشهر طويلة، فُهِم بهذا المعنى على أنه رسالة ضمنيّة بأنّ المعارضة هي التي لا تعطّل إنجاز الاستحقاق الرئاسي بشروطها ومواقفها.
 
هل تستسلم "الخماسية"؟
 
وإلى جانب "تقاذف" كرة المسؤولية، لم توحِ المواقف التي صدرت في أعقاب "بيان عوكر" بالشروع في تطبيق "خريطة الطريق" التي نصّ عليها، ولو أنّ الطرفين تقاطعا مرّة أخرى على الإشادة بجهود السفراء، والدعوة إلى تكثيفها وتعزيزها، إذ إنه أبعد من ذلك، بقي الافتراق هو "السائد"، وهو ما فُهِم من تصريح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مثلاً، الذي صوّب على بري، متمسّكًا برفض الحوار إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
 
وإذا كانت كلّ هذه المواقف عزّزت القناعة بأنّ لا رئيس سيُنتخَب قبل نهاية شهر أيار، والتي باتت قريبة، بما يخالف الإطار الزمني الذي وضعته "الخماسية" في بيانها، فإنّ المتابعين للحراك يؤكدون أنّ "الخماسية" لم ولن تستسلم، وهي ستقرن البيان الذي أصدرته بجولة جديدة على الأفرقاء في محاولة للشروع بخطوات تنفيذية وملموسة تترجم ما سمعته من إيجابية خلال جولتها الأولى، مع الإشارة إلى أنّ مهلة "نهاية أيار" كانت مهلة "حثّ" في المقام الأول.
 
ويلفت هؤلاء إلى أنّ حراك سفراء "الخماسية" لا يأتي معزولاً، إذ تواكبه تحركات أخرى لدول "الخماسية"، التي يعمل بعضها على إقناع الأطراف بفكرة "المشاورات المحدودة"، في وقت يعود الحراك القطري إلى الواجهة، مع زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط إلى الدوحة، وسط "ترقّب" لزيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الاسبوع المقبل .
 
 في النتيجة، قد يكون من المبكر لأوانه الحديث عن "إجهاض" حراك "الخماسية" من جديد، ولو أنّ هناك من استبق الأمور ليعتبر البيان الأخير الذي أصدره السفراء، بمثابة "فرصة أخيرة" مقترنة بـ"إعلان عجز". لكنّ الأكيد أنّ ما تأخّر كثيرًا عن أوانه، هو توافر النيّة، بتحرير الاستحقاق الرئاسي، ما يتطلب بالحدّ الأدنى، الانفتاح على المبادرات والوساطات، من دون إفراغها من مضمونها، عبر الشروط والشروط المضادة! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

مَن يُنزل القوى السياسية عن شجرات مواقفها المتصّلبة؟

على ما هو ظاهر للعيان فإن الحركة السياسية لكل من "اللقاء الديمقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط، و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، لم تؤدِّ حتى الآن سوى إلى المزيد من التشرذم والانقسام العمودي بين ثلاثة محاور: الأول محور "الممانعة" المتمثّل في شكل أساسي بـ "الثنائي الشيعي"، والثاني محور "المعارضة" والمتمثّل بـ "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب اللبنانية" وعدد من النواب "التغييريين" و"المستقلين"، ومحور ثالث يضم جميع الذين يسعون إلى أرضية مشتركة بين المحورين الأولين، وهو أمر متعذّر، ويكاد النائبان باسيل وجنبلاط يقولان نتيجة جولتهما المكوكية الانفرادية إنه أمر مستحيل. وهذا يعني بـ "التقريش" السياسي أن "الطبخة الرئاسية" لم تنضج بعد. ويكاد المريب يقول إن لا أحد في ظل هذه الأوضاع يريد أن يرى الدخان الأبيض يتصاعد من مدخنة "ساحة النجمة".      فالرئيس نبيه بري، كما تقول أوساطه، لن يدعو إلى جلسة انتخابية جديدة ما لم يتأمن نصاب الثلثين زائد واحدًا، أي 86 نائبًا لنصاب الجلسة الأولى، التي سيليها جلسات متتالية حتى انتخاب الرئيس العتيد، الذي يحتاج فقط إلى 65 صوتًا ليصبح الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية. وهذا يعني بلغة الأرقام أن "أستاذ البونتاجات" لن يدعو إلى أي جلسة ما لم يضمن أن مرشح "الثنائي الشيعي"، أي رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية سيفوز في الجلسات المتتالية. وهذا الأمر مضمون في حسابات الرئيس بري. أما ما هو ليس مضمونًا فهو تأمين نصاب الجلسة الأولى، أي حضور 86 نائبًا من أصل 128.
من جهتها، فإن قوى "المعارضة" تبدو وكأنها "تنام على حرير" عدم تأمين نصاب الجلسة الأولى ما لم تضمن أن مرشحها، الذي لا يزال حتى هذه اللحظة الوزير السابق جهاد أزعور، وبالتالي هي لن تقدم لـ "الثنائي الشيعي" الانتخابات الرئاسية على طبق من ذهب.   وهذا يعني في المحصّلة النهائية أن الفراغ الرئاسي سيبقى حتى اشعار آخر "سيد المواقف"، وأن لا مؤشرات تلوح في أفق الأزمة الرئاسية، التي يمكن أن تشي بإمكانية الوصول إلى برّ الأمان في المدى المنظور، مع ما تسجّله أوساط سياسية مراقبة من ملاحظات على أداء مختلف القوى السياسية بالنسبة إلى هذا الاستحقاق، الذي يجمع مختلف الأفرقاء على وصفه بأنه "مصيري".   ومن بين هذه الملاحظات ما هو مستغرب نتيجة حالة التناقض، التي يعيشها الجميع، ويعملون بوحيها. فكيف يمكن أن يقنع هذا الأداء الجماعي لسياسيي لبنان الموفدين الدوليين بصوابية ما يقوم به كل فريق على انفراد وكأن ثمة قاسمًا مشتركًا بينهم جميعًا يتعلق بنوع من التوافق الضمني على إبقاء الكرسي الرئاسي في بعبدا شاغرًا، مع العلم أنهم يلتقون على توصيف حال البلاد بـ "المزرية" في استمرار تعطيل مركزية القرار بهذا الشكل الفاضح والمكشوف.
وإذا استمرّ كل فريق "متعمشقًا" على شجرته فإن فترة الشغور في مقام المسؤولية الأولى ستطول أكثر مما طالت في العام 2014، ولن يقتصر التأجيل على سنتين ونصف السنة، بل قد يمتدّ إلى أكثر من هذه الفترة بكثير، خصوصًا أن ظروف الشغور الذي سبق انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية مختلفة كليًا عن الظروف التي تعيشها البلاد اليوم، في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على القرى الحدودية وما تسبّبه من أضرار بشرية ومادية. وهذا ما فصّله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتحديد في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر مؤتمر الاستجابة الانسانية الطارئة في غزة الذي عقد في منطقة البحر الميت في الأردن، فضلًا عن ربط "حزب الله" الجبهة الجنوبية كساحة من ساحات الجهاد ضد العدو الإسرائيلي بالحرب الضروس ضد فلسطينيي غزة، مع احتمال أن تطول هذه الحرب بما لم يكن بالحسبان.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • لماذا تغض أوروبا الطرف عن تجاوزات رئيس تونس قيس سعيد؟
  • حراك مصر وخطة بايدن.. إنهاء حرب إسرائيل ومنع توسع الصراع
  • «الخماسية» تمنح ألمانيا «قصة خيالية»
  • لماذا تأخّر حسم الجنجويد في الجزيرة؟!
  • شاب يُطلق مبادرة داخل منطقته لتشجيع جيرانه علي القراءة في الإسكندرية
  • المغرب سيغزو إسبانيا.. تصريحات غريبة من زعيم حزب ”انتهت الحفلة”، اليميني المتطرف
  • مَن يُنزل القوى السياسية عن شجرات مواقفها المتصّلبة؟
  • "يورو 2024".. أولمو يحذر من مواجهة كرواتيا
  • حراك المعلمين المتعاقدين: لإقرار بند بدل الإنتاجية
  • حشدنا المقدس شمعة مضيئة في تاريخنا الحديث