دعا أستاذ العلوم السياسية النمساوي والمشرف على تقرير الإسلاموفوبيا السنوي في أوروبا، الدكتور فريد حافظ، إلى "تدشين حوار إستراتيجي بين الدول ذات الأغلبية المسلمة وشركائها في الغرب لمناقشة عدم التمييز ضد المسلمين في سوق العمل، وفي مشاركتهم السياسية، وفي تعبيرهم الثقافي والديني بالساحة العامة، حيث يلزم اتخاذ إجراءات ضرورية خلال الفترة المقبلة".



وأشار حافظ، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "المسلمين في أوروبا ضعفاء سياسيا، وهم المجتمع الأكثر تهميشا، ولا أحد يريد تبني قضيتهم العادلة، ومن الصعب على أي شخص أن يقوم بالدفاع عنهم"، مُشدّدا على أهمية معاملة المسلمين على قدم المساواة مع باقي المواطنين الآخرين.

وأوضح أن "هناك محاولة من بعض الدول الإسلامية لتصدير فكرتها عن الإسلام الذي تسيطر عليه الدولة إلى الدول الأوروبية والغربية، وهذا يتعارض كثيرا مع فكرة العلمانية وفصل قوة الكنيسة عن الدولة".


وذكر الأكاديمي النمساوي أن "هناك نقص بشكل واضح في رغبة أوروبا في معالجة الإسلاموفوبيا؛ فعلى سبيل المثال، لدينا قرار ضد معاداة السامية في البرلمان الأوروبي منذ عام 2017، ولكن ليس لدينا شيء مشابه فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا".

وأكد أن "هناك مبادرات لوضع تعريف للإسلاموفوبيا لتكون لدينا قدرة على إصدار قرار مثل القرار ضد معاداة السامية، لكن لا يزال الطريق طويلا جدا، خاصة أن هناك تضاربا وتنازعا في المواقف الأوروبية بخصوص الموقف من قضية الإسلاموفوبيا".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

لماذا قمتم برفع دعوى قضائية ضد جامعة جورج واشنطن الأمريكية وضد الباحث لورنزو فيدينو؟


يتم التشهير وإلحاق الضرر بسمعة الأفراد مثلي الذين كانوا يدافعون ضد الإسلاموفوبيا، ونتيجة لذلك، شعرت بأنني مُضطر لرفع دعوى قضائية لمحاسبة كل من جامعة جورج واشنطن ولورينزو فيدينيو على أفعالهم. هذه القضية تهدف إلى معالجة الظلم الذي لحق بي وبالآخرين الذين تم استهدافهم بشكل مشابه، والبحث عن تعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعتي المهنية والشخصية جراء إطلاق حملات التشهير ضد الأشخاص مثلي إلى جانب أكثر من ألف آخرين في أوروبا.

لهذا السبب قمت برفع دعوى قضائية فيدرالية جماعية تستند إلى القانون المعروف باسم قانون المنظمات المتأثرة والمفسدة (ريكو)، ودعواي القضائية تكشف أساسا عن فيدينو وخدمات شركة الاستخبارات "ألب سيرفيسز-Alp Services"، التي نفّذت عمليات استخباراتية وتجسّسية في أوروبا، فضلا عن برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، وتوضح القضية أنهم أسّسوا مُخططا للاحتيال على الجمهور واستغلال الأفراد مثلي بتصويري كمتطرف ومُتشدّد من أجل الحصول على تمويل غير مُعلن من دول أجنبية.

والفكرة الموجودة لدى البعض بأن المسلمين يُشكّلون تهديدا للمجتمعات الأوروبية هي فكرة عنصرية مقيتة ومرفوضة، وليس كل المسلمين إسلاميين كما يزعم البعض؛ فمعظم المسلمين الذين يتعرضون للهجوم هم أناس عاديون، بل إن هناك في أوروبا مَن يرى أن الإسلام السياسي أخطر من القاعدة، وأن جماعة الإخوان المسلمين أخطر من "داعش"، وللأسف نجحوا إلى حد كبير في وصم كل شخص مسلم ناشط في السياسة بأنه يجب أن يكون من الإخوان المسلمين.

هل ساهمت حرب غزة في تصاعد "الإسلاموفوبيا" في الدول الغربية؟

أعتقد أن حرب غزة تُفسّر بحد ذاتها إلى جانب عوامل أخرى من خلال الإسلاموفوبيا، لأن تجريد الفلسطينيين من الإنسانية يتم بشكل كبير من خلال تأطير هذا الصراع على أنه حرب بين حركة حماس وإسرائيل بدلا من كونها حربا بين إسرائيل وفلسطين، وهذا يساعد في تجريد المسلمين من الإنسانية، خاصة وبشكل مكثف بسبب الحرب العالمية على الإرهاب، وهذا حقا يساعد أيضا في تجريد الشعب الفلسطيني من الإنسانية؛ لأن كل القضية الفلسطينية تُؤطَر ليس كسؤال حول الهوية الوطنية، وليس كسؤال حول الأرض والسيادة، ولكن تُؤطر كصراع حضارات ديني، ولذلك هناك تغذية كبيرة للإسلاموفوبيا في الطريقة التي نفهم بها الحرب الحالية في غزة.

هل تستغل الجماعات اليمينية المتطرفة حرب غزة لزيادة العداء ضد المسلمين في الغرب؟

أعتقد أنك تعلم، في الصورة الأكبر، أنه لا يوجد فرق كبير بين ما نشهده في العديد من البلدان الغربية للأسف، وما نشهده أيضا في البلدان المسلمة؛ فهناك حملة قمع شديدة على حرية التعبير، وحرية التجمع، والعديد من حقوق الإنسان الأساسية الأخرى.

بعض الناس حقيقة لا يمكنهم السفر من مكان إلى آخر لأنهم يُعتبرون مؤيدين للقضية الفلسطينية، والتي تُعتبر بعد ذلك عملا داعما للإرهاب، وقد قلّص ذلك بشدة من الحريات الأساسية في أوقاتنا المعاصرة.

لذا، نعم، أعتقد أن الجماعات اليمينية المتطرفة تستغل حرب غزة لزيادة العداء ضد المسلمين، وهذه هي المشكلة الأكبر التي نراها هنا حاليا، وهي مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ولكن بطريقة ما قائمة بذاتها.

كيف ترى الجهود الرسمية في الغرب لاحتواء ظاهرة "الإسلاموفوبيا"؟ وهل هذه الإجراءات كافية أم لا؟

على المستوى الأوروبي، هناك بشكل واضح نقص في الرغبة في معالجة الإسلاموفوبيا، ويمكنك رؤية ذلك جليا؛ فعلى سبيل المثال، لدينا قرار ضد معاداة السامية في البرلمان الأوروبي منذ عام 2017، ولكن ليس لدينا شيء مشابه فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا، وهذا يشير إلى وجود نقص على المستوى الأوروبي فوق الوطني.

وفي نفس الوقت، هناك، في دول مختلفة، محاولات من قِبل عدد من البيروقراطيين والأشخاص لمحاولة احتواء الإسلاموفوبيا، وللقيام بشيء حقيقي حيال ذلك توجد مبادرات من مجلس أوروبا، على سبيل المثال، لوضع تعريف للإسلاموفوبيا لتكون لدينا قدرة على إصدار قرار مثل القرار ضد معاداة السامية، لكن لا يزال الطريق طويلا جدا جدا، خاصة أن هناك تضاربا وتنازعا في المواقف الأوروبية بخصوص الموقف من قضية الإسلاموفوبيا.

وهناك أجزاء كبيرة من المعسكر السياسي الأكثر تحفظا اختارت بوضوح أجندة اليمين المتطرف للغاية، والذين يُقدّمون أنفسهم على أساس أنهم المنقذون لأوروبا المسيحية البيضاء، بينما في المقابل نجد المعسكر اليساري العلماني المنقسم على ذاته، يقول أحدهم إنه ينبغي منح المسلمين مساحة أكبر للمشاركة بناءً على أفكارنا وقيمنا الديمقراطية والمساواة، لكن يرد عليه آخر قائلا: لكنهم متدينون، والدين يُمثل مشكلة بالنسبة لنا؛ فنحن نحارب الكنيسة منذ مئات السنين، وعلينا مواصلة هذه المعركة ضد المسلمين الذين يُشكّلون خطرا على دولنا العلمانية الليبرالية.

وماذا عن رؤيتكم للدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في مواجهة جرائم الكراهية ضد المسلمين؟

الأمم المتحدة تلعب دورا مهما بشكل واضح، ولدينا الآن يوما دوليا لمكافحة الإسلاموفوبيا، في الخامس عشر من آذار/ مارس، والذي أُنشئ قبل عامين من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو خطوة رمزية مهمة، ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلا جدا أيضا.

لماذا؟

لأن الإسلاموفوبيا في العديد من الدول الوطنية مشكلة حقيقية، وهي جزء لا يتجزأ من الإطار المؤسسي. لذا، علينا أن نأتي بأكثر من قرار رمزي لمحاربة الإسلاموفوبيا. في الأساس، الأمر يتعلق إلى أي مدى، خصوصا في الغرب، نريد للمسلمين أن تكون لديهم نفس إمكانية المشاركة في البلاد.

ما هو برأيكم الأسلوب الأمثل الذي يمكن أن تتبعه الحكومات العربية والإسلامية لمحاصرة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"؟

هناك محاولة من بعض الدول الإسلامية لتصدير فكرتها عن الإسلام الذي تسيطر عليه الدولة إلى الدول الأوروبية والغربية، وهذا يتعارض كثيرا مع فكرة العلمانية وفصل قوة الكنيسة عن الدولة، والتي أعتقد أنها أكثر فائدة لأي مجتمع مدني وأي نوع من التدين الإسلامي أن لا تكون تحت سيطرة أي مؤسسة حكومية أو ما شابه، ولكن أعتقد أنه من حيث الضغط الثقافي والدبلوماسي الذي يمكن أن تمارسه الدول الإسلامية، فإنها بالطبع قوة عظيمة.

والسؤال الحقيقي هو هل تريد الدول الإسلامية فقط فعل ذلك عندما تكون هناك بعض المضايقات المتعلقة بالرموز الأكثر أهمية في الإسلام، مثل أزمة الرسوم الكاريكاتورية أو حرق القرآن؟، وعندها تكون هناك مظاهرات هائلة في الدول الإسلامية، ويشعر بعض المسؤولين الحكوميين الغربيين بالإجبار على فعل شيء حيال ذلك أم أننا بحاجة فعلا إلى حوار إستراتيجي بين الدول ذات الأغلبية المسلمة وشركائها في الغرب لمناقشة عدم التمييز ضد المسلمين في سوق العمل وفي مشاركتهم السياسية وفي تعبيرهم الثقافي والديني في الساحة العامة، وهذه هي المجالات الأكثر أهمية حيث يلزم اتخاذ إجراءات ضرورية خلال الفترة المقبلة.

هل تلعب المؤسسات الإسلامية في الغرب دورا رئيسيا في معالجة هذه الظاهرة؟

أعتقد أن الطريقة التي تنظم بها الكثير من المؤسسات الإسلامية والطريقة التي تتصرف بها تجاه المؤسسات الحكومية، تتأثر غالبا بسياسة الخوف، وسياسة محاولة تأمين وحماية عنق الشخص، وبدلا من تحسين الأمور حقا للأفضل يمكنك أن تفهم من ناحية أنه بالنسبة لهم المهم هو مسألة البقاء الديني، ولكن من ناحية أخرى أعتقد أنه من أجل إحداث تغيير فيما يتعلق بالإسلاموفوبيا المفهومة على أنها عنصرية ضد المسلمين، وهذا الأمر يحتاج إلى تغيير سياسي بدلا من مجرد تغيير في الخطاب الديني أو ما شابه.

ما هو مطلوب أساسا هو أن يُعامل المسلمون على قدم المساواة، وهذا بالطبع شيء تحاول العديد من المؤسسات الإسلامية النضال من أجله وتحقيقه، ولكن في الوقت نفسه هو شيء لن تحصل عليه إلا إذا قمت أيضا بممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على أحد ما، وهذا ما تضعف المؤسسات الإسلامية لتحقيقه؛ فالمسلمين في أوروبا ضعفاء سياسيا، وهم المجتمع الأكثر تهميشا، ولا أحد يريد تبني قضيتهم العادلة، ومن الصعب على أي شخص أن يقوم بالدفاع عنهم.

هل «الإسلاموفوبيا» شوّهت صورة المسلمين في الغرب؟

نعم تماما هناك صورة من جانب واحد لما يمثله المسلم. هناك صورة مشوّهة من حيث ارتباط المسلمين بالعنف في كثير من الأحيان، رغم أنهم على نطاق عالمي هم على الأرجح الذين يتعرضون للعنف من قِبل الدولة وغير الدولة بشكل أكبر مقارنة بالمجتمعات الغربية، وهذا بالطبع لا يساعد على تحسين الأوضاع.

ما مستقبل "الإسلاموفوبيا" في الغرب؟

أعتقد أن مستقبل المسلمين والإسلاموفوبيا في الغرب يعتمد كثيرا على ما إذا كان أولئك الذين في السلطة يمكنهم أن يسألوا أنفسهم لماذا لا يريدون أن يكون المسلمون جزءا لا يتجزأ من مواطنة متساوية كاملة المشاركة طالما أن لدينا أنظمة مواطنة وأنظمة هجرة وحكومات متحيزة على أساس العرق داخل المجتمعات في أوروبا الغربية التي لا تسمح بالمشاركة المتساوية الكاملة، فسنظل نواجه مشكلة.

وهذه هي المسألة التي ينبغي أن نجد لها حلا، ويجب أن نجيب عن السؤال الأهم: ما هو شكل المستقبل الذي نريده لأوروبا؟، هل نريد مستقبلا تعمّ فيه المساواة الحقيقية أم نريد مستقبلا يتميز بمواطنات متباينة؟، وهل يريدون إعطاء مساحة للمسلمين كمواطنين متساوين أم لا؟، وهذه هي المسألة الرئيسة التي تواجهنا، وأنا لا زلت متفائلا بوجود أشخاص يريدون الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والمساواة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات الإسلاموفوبيا أوروبا فريد حافظ المسلمين غزة غزة أوروبا المسلمين الإسلاموفوبيا فريد حافظ المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المؤسسات الإسلامیة الدول الإسلامیة ضد المسلمین المسلمین فی فی أوروبا أعتقد أن فی الغرب وهذه هی حرب غزة الذین ی

إقرأ أيضاً:

حملة شيطنة الإسلام

حملة #شيطنة_الإسلام: حين يصبح #المسلم #ضحية في وطنه وفي منفى الغرب
بقلم: أ. د. محمد تركي بني سلامة

لم يعد الهجوم على الإسلام والمسلمين في الخطاب الغربي مجرد انحياز أعمى أو سوء فهم ثقافي؛ ما نشهده اليوم منظومة متكاملة من الشيطنة المنظمة، تُعبِّئ الرأي العام وتُشرعن السياسات وتُبرِّر الدم المسفوك. يكفي أن نتأمل موجة المقالات والتقارير التي تربط الإسلام حصراً بالتطرف، وتقدّم المسلمين كتهديد أمني دائم، كي ندرك أننا أمام سردية جديدة–قديمة تريد أن تجعل من الإسلام «مشكلة العالم»، ومن المسلم «المتهم الأبدي» أينما وُجد.

في الولايات المتحدة، يُسوَّق خطاب “التدقيق المشدّد” في الهجرة على أنه ضرورة لحماية الأمن القومي، بينما يتم التركيز على المهاجر المسلم تحديداً بوصفه الخطر الكامن. خلف هذا الخطاب تكمن فكرة أخطر: أن الانتماء إلى الإسلام قرينة اشتباه، وأن المسلم ينبغي أن يثبت براءته قبل أن يُعامَل كمواطن محتمل. وهكذا يتحوّل ملف الهجرة إلى أداة فرز أيديولوجي وثقافي، لا إجراءً إدارياً عادلاً، ويُعاد إنتاج صورة المسلم الغازي المتربص بالحضارة الغربية.

في كندا، تُصوَّر البلاد على أنها «مغناطيس لحماس»، وفي أوروبا تُربَط الجاليات المسلمة بعصابات الاستغلال الجنسي أو غسل الأموال أو الاحتيال على نظم الرعاية الاجتماعية. لا أحد ينكر وجود مجرمين في أي مجتمع، لكن الانتقائية الإعلامية والسياسية في التركيز على حالات بعينها، وتضخيمها لتصبح “دليلاً” على خلل ديني وثقافي شامل، تكشف عن نية مبيّتة لصناعة فزاعة اسمها «الإسلام السياسي» أو «التطرف الإسلامي» تُستخدم لإخافة الجمهور وتبرير التضييق على ملايين الأبرياء.

مقالات ذات صلة خلاص سوريا… ذاكرة وطن يستعيد ذاته 2025/12/06

والأخطر أن هذه الشيطنة لا تقتصر على المسلمين في الغرب، بل تمتد لتطال المسلمين في ديارهم. فحين تُصوَّر حركات المقاومة حصراً بوصفها «إرهاباً إسلامياً»، وحين تُختَزل قضايا التحرر الوطني في معادلات أمنية تُدار من عواصم غربية، يصبح دم المسلم في بلاده مباحاً تحت لافتة «مكافحة الإرهاب». يكفي أن ننظر إلى فلسطين اليوم لندرك مدى هذا الانحياز الفج: احتلال استيطاني يمارس القتل والتهجير والحصار منذ عقود، ومع ذلك يُقدَّم للعالم باعتباره ضحية، بينما يُجرَّم الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن أبسط حقوقه في الحرية والكرامة.

هذه الصورة المقلوبة ليست خطأ عارضاً، بل تعبير عن الوجه الحقيقي للمنظومة الغربية المعاصرة؛ المنظومة التي ترفع شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية حين تخدم مصالحها، وتصمت أو تبرر حين تكون الضحية عربياً أو مسلماً. فالذي يطالب بتجريم منظماتٍ إسلامية داخل الولايات المتحدة أو أوروبا، بحجة صلات مزعومة هنا أو تقارير أمنية هناك، هو ذاته الذي يغضّ الطرف عن جرائم موثقة تُرتكب في غزة والضفة الغربية، ويمنح إسرائيل الغطاء السياسي والعسكري والمالي كي تواصل حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني.

هذه الازدواجية القيمية ليست مجرد انحياز سياسي، بل هي جزء من بناء «عدوّ حضاري» جديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. لقد تمّ تنميط الإسلام في الوعي الغربي بوصفه نقيضاً للحداثة والعقلانية والحرية، ومن ثم جرى تصوير كل ما يصدر عن العالم الإسلامي من مطالب بالعدالة أو الاستقلال أو حفظ الهوية، على أنه تهديد وجودي يجب احتواؤه أو سحقه. وهنا يتقاطع الخطاب الإعلامي مع مراكز الأبحاث والقرار السياسي في إنتاج حزمة واحدة: المسلم إرهابي محتمل، والإسلام عقيدة عنف، والعالم العربي بيئة تفرّخ التطرف.

لكن الحقيقة التي تجاهلها هذا الخطاب أن المسلم اليوم ضحية في كلتا الجبهتين: في بلاده التي تعاني من الاحتلال أو الاستبداد أو الفوضى، وفي بلاد الغرب التي يُعامل فيها كغريب دائم، مهما اندمج أو أبدع أو ساهم في بناء اقتصادها ومجتمعها. المسلم الذي يُقتل في غزة أو السودان أو أفغانستان هو الوجه الآخر للمسلم الذي يُلاحَق في المطارات، أو يُستهدَف بخطاب الكراهية في الشوارع والمدارس ووسائل الإعلام. إنهما ضحية واحدة لمنظومة واحدة، وإن اختلفت الساحات وتعددت الشعارات.

إن مواجهة هذه الحملة لا تكون بالبكاء على الأطلال ولا بردود الفعل الانفعالية، بل ببناء خطاب عربي–إسلامي جديد، واثق من نفسه، يستند إلى قوة الحجة ووضوح القيم، ويُعيد تقديم الإسلام للعالم بوصفه منظومة حضارية إنسانية لا مشروع عنف وتدمير. كما تتطلب هذه المواجهة وحدة في الصف العربي والإسلامي، وإعادة تعريف العلاقة مع الغرب على أساس الندية والاحترام المتبادل، لا على أساس التبعية الفكرية والسياسية.

لقد آن الأوان أن نكشف هذا الوجه الحقيقي الذي يحاول الغرب إخفاءه خلف شعارات براقة. فاحترام الإنسان لا يتجزأ، والعدالة لا تُطبَّق بانتقائية، وحق الشعوب في الحرية والكرامة لا يمكن أن يكون امتيازاً لأمة دون أخرى. ما لم يُدرك الغرب هذه الحقيقة، وما لم يراجع انحيازه الأعمى لإسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، سيظل يتحدث عن السلام والديمقراطية فيما يزرع بذور الكراهية والصراع. أما نحن، فمسؤوليتنا أن نرفض هذه الشيطنة، وأن نتمسّك بحقنا في السردية والكرامة، وأن نُسمع العالم صوت الضحية لا صوت الجلاد.

مقالات مشابهة

  • شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصصه العائلية التي تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي لـ"اللي باقي منك"
  • الداعية هنادي سكيك: رأيت النبي ﷺ قبل قصف منزلي وهذا ما أوصاني به (فيديو)
  • الخارجية الروسية: محاولات الاستيلاء على الأصول المجمدة في الغرب تشكل خطرا على كافة الدول
  • بذكرى سقوط الأسد.. قسد تدعو لحوار وطني وضمان عودة مهجري 3 مناطق
  • "التراث المشترك بين المدارس الإسلامية".. ضمن فعاليات جناح مجلس حكماء المسلمين
  • مصدر لـعربي21: القوات السعودية والسودانية غادرت القصر الرئاسي في عدن
  • حملة شيطنة الإسلام
  • بشارة بحبح لـعربي21: إعلان لجنة إدارة قطاع غزة قبل نهاية العام
  • لأول مرة.. مصر تعلن تصدير قنابل خارقة للتحصينات
  • الهيئة العامة للترفيه شريك إستراتيجي لمنتدى عالم تجربة العميل في نسخته الثالثة