في الركن الشرقي البعيد من خارطة الوطن، حيث تحتضن الأرض زرقة البحر وامتداد الرمال، تقف شمال سيناء كقصيدة قديمة لم تُقرأ بعد بكامل عمقها، مدينةٌ يولد فيها الضوء من بين حبات الرمل، وتتعانق فيها الذاكرة مع الحكايات البدوية، وتسكن في بيوتها رائحة التاريخ وأغاني الصحراء، وعندما أعلنت وزارة الثقافة اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026، بدا الأمر أشبه بإزاحة ستارٍ عن لوحة فنية ظلّت طويلاً تنتظر من يقدّر جمالها، لقد جاء هذا اللقب ليعيد إلى الواجهة ما تزخر به سيناء من ثراء ثقافي وفني وإنساني، ولينفض الغبار عن كنوز تراثية طالما حفظتها القبائل السيناوية في صدورها قبل متاحفها.

هذه المحافظة ليست مجرد أرضٍ حدودية؛ إنها منصّة مفتوحة للثقافة، معمل حي للتراث، ومتحف ممتد تحت السماء، تمتزج فيها أصوات الشعراء البدو، ونقوش التطريز السيناوي، وذاكرة المدن الساحلية التي شهدت أحداثًا صنعت تاريخًا لا يُمحى، وفيما يلي جولة في أشهر المواقع الثقافية، وأبرز الحرف التراثية، ومظاهر التميز الثقافي التي تجعل شمال سيناء جديرة بهذا اللقب.

المواقع الثقافية محطات مضيئة.. والحرف التراثية إبداع منسوج

يقف قصر ثقافة العريش كمنارة ثقافية وسط المدينة، ليس فقط بمبناه، وإنما بدوره الذي يتجاوز الجدران ليصل إلى كل بيت في المحافظة، القصر مساحة تجمع الأجيال، يحتضن مكتبة ثرية تعج بالكتب والدوريات، ويقدم مسرحه عروضًا فنية تعبّر عن الهوية السيناوية، من رقصات شعبية إلى أمسيات شعرية يتجلى فيها صوت البادية وحكمتها.

مركز ثقافة الطفل.. بذور الغد

من بين أهم المؤسسات الثقافية في المحافظة، يأتي مركز ثقافة الطفل بالعريش نموذجًا يُحتذى به في مدارس الإبداع، فهنا تُروى الحكايات الشعبية، وتُدرّب الأيدي الصغيرة على الحرف التراثية، ويتعلم الأطفال فنون الحكي والرسم والغناء، ليكتشفوا مبكرًا أن الثقافة ليست كتابًا يقرأونه فقط، بل حياة يعيشونها.

متحف التراث السيناوي.. خزانة الذاكرة

في صمت المتحف، تحكي المقتنيات قصصًا لا تنتهي: عباءات مطرزة، أدوات الحياة اليومية، صخورٌ منقوشة، وحُلي تحمل رموزًا موروثة من أجيال، متحف التراث البدوي أو السيناوي بالعريش يعد أحد أهم المعالم التي تصون تراث القبائل، وتوثّق نمط الحياة الذي منح سيناء فرادتها، هنا يتعرف الزائر إلى جوهر البيئة السيناوية التي شكّلت ملامح الشخصية البدوية.

البيوت البدوية التراثية.. معمار يحكي أجداده

تنتشر في العريش وبعض مدن المحافظة بيوت بدوية أُعيد ترميمها لتكون قاعات للحرف التراثية وفضاءات تعليمية لتاريخ سيناء الثقافي، فهذه البيوت ليست مجرد مبانٍ؛ إنها ذاكرة من طين، وشهادة على قدرة الإنسان السيناوي على صنع الجمال من أبسط عناصر البيئة.

التطريز السيناوي.. لغة المرأة على القماش

لا يمكن ذكر سيناء دون استحضار جمال التطريز السيناوي، تلك الزخارف الهندسية التي تحمل رسائل موروثة عبر أجيال، ألوانٌ مبهجة.. رموز لها دلالات.. وحكايات تُروى دون كلمات، تعتمد نساء سيناء في تطريزهن على خيطان حمراء وزرقاء وسوداء، تصوغها الأيدي بحرفية نادرة، لتخرج أثوابًا وحقائب وأغطية بات العالم يعترف بها كفن مستقل.

صناعة السجاد والكليم.. دفء الصحراء

على النول اليدوي، تنسج النساء السيناويات خيوط الصوف بألوان مستمدة من الطبيعة: الأصفر من الشمس، البني من الرمل، والأحمر من غروب البحر، السجاد والكليم البدوي ليسا مجرد منتج منزلي، بل هوية كاملة تتجلى فيها البيئة التي نشأت فيها هذه الحرفة، كل قطعة تحمل بصمة صانعها، فتغدو تحفة فنية تحتفظ بروح صاحبتها.

الحلي البدوية.. فضة تحمل تاريخًا

تشتهر سيناء بصناعة الحلي الفضية المزينة بالخرز، التي ترتديها النساء في المناسبات والأعراس، من أشهرها "الشنبرة" و"القلادة البدوية" و"الزمام". هذه الحلي ليست زينة فحسب، بل ترمز إلى الانتماء القبلي، وتعبر عن مكانة المرأة الاجتماعية.

الصناعات السعفية.. هدايا من النخيل

في القرى السيناوية، يمكن رؤية النساء وهن يشكلن من جريد النخيل سلالًا وأطباقًا وقبعاتٍ تحمل روح البيئة، إنها حرفة ارتبطت برحلة الصحراء، حيث يستغل السيناويون كل ما تمنحه لهم الطبيعة ليخلقوا منه جمالًا نافعًا.

الملامح الثقافية.. هوية لا يشبهها أحد

شمال سيناء ليست مجرد تراث جامد؛ إنها حياة نابضة، تتميز المحافظة بثقافة بدوية ذات جذور عميقة، يظهر أثرها في الشعر والغناء والأمثال الشعبية، ولعل الشعر النبطي من أهم سمات الهوية السيناوية، حيث يعبّر الشعراء عن الحب والوطن والحكمة بلغة صادقة وموسيقى تلامس الوجدان، كما تشتهر سيناء بالرقصات البدوية، مثل الدحية التي تتطلب تناغمًا جماعيًا يعكس روح القبيلة ووحدة أفرادها.

كذلك تُعد سيناء بوتقة تنصهر فيها ثقافات متعددة، بحكم موقعها الذي جعلها معبرًا للتجارة والحضارات، هذه الميزة انعكست على عادات سكانها وتقاليدهم وملابسهم وموسيقاهم، لتشكل لوحة ثقافية فريدة.

حتى المطبخ السيناوي يحمل طابعه الخاص؛ من الخبز المصنوع على الصاج إلى وجبات تعتمد على أعشاب الجبل، وكل طبق يحمل نكهة تاريخٍ لا يتكرر.

سيناء التي تستحق الضوء

بعد تتويجها عاصمة للثقافة المصرية 2026، تقف شمال سيناء على أعتاب مرحلة جديدة تفتح فيها أبوابها للعالم لتروي قصتها، فكل موقع فيها هو فصل من كتاب، وكل حرف تراثي هو سطر من ذاكرة، وكل أغنية بدوية هي صفحة من روحٍ لا تنطفئ، شمال سيناء ليست مجرد جغرافيا؛ إنها هوية متدفقة، وكنز تراثي، ومساحة نقية لحوار بين الماضي والحاضر.

طباعة شارك وزارة الثقافة شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية القبائل السيناوية المواقع الثقافية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وزارة الثقافة شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية القبائل السيناوية المواقع الثقافية عاصمة للثقافة المصریة شمال سیناء لیست مجرد

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تواصل قوافلها الإفتائية إلى شمال سيناء لنشر الفكر المستنير

واصلت دار الإفتاء المصرية، إرسال قوافلها الإفتائية الأسبوعية إلى محافظة شمال سيناء، بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، وذلك في إطار جهودها المستمرة لنشر الفكر الوسطي المستنير، وتصحيح المفاهيم، وتعزيز التواصل المباشر مع المواطنين في مختلف محافظات الجمهورية.

وشهدت القافلة التي انطلقت هذا الأسبوع مشاركة الدكتور وحيد عبد الجواد أمين الفتوى بدار الإفتاء، والشيخ محمود داود أمين الفتوى بدار الإفتاء، وفضيلة الشيخ عبد الله عمر، حيث عقد أعضاء القافلة عددًا من المجالس الإفتائية واللقاءات الدعوية مع الأهالي.

ما أفضل دعاء للميت أوصى به النبي؟.. دار الإفتاء توضحإجبار فتاة على البشعة لإثبات صدقها.. دار الإفتاء: لا أصل لها في الشرع

وعقد في مسجد الحمايدة بعد صلاة المغرب مجلسًا إفتائيًّا ناقش خلاله أمناء الفتوى تساؤلات المواطنين وقدموا الإرشادات الشرعية، فيما استضاف المسجد الكبير بقرية شبانة مجلسًا آخر عقب صلاة العشاء تناول القضايا الدينية والفقهية التي تهم أبناء المنطقة.

كما ألقى أمناء الفتوى خطبة الجمعة في عدد من مساجد شمال سيناء، ودار موضوع الخطبة حول "العقل المحمدي المستنير ومنهج بناء الوعي". وأوضح الخطباء أن العقول المحمدية الرفيعة ليست نتاجًا لذكاء بشري مجرد، بل هي ثمرة منهج رباني فريد في صياغة الوعي وإحكام البصيرة، مؤكدين أن القرآن الكريم أولى العقل مكانة رفيعة من خلال دعوته المتكررة إلى التفكر والتعقل والتدبر، كما في قوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ و﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ و﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾.

وتطرقت الخطبة إلى أهمية تأسيس العقل المستنير القائم على التفكير الإيجابي والنظر العميق إلى مجريات الحياة، مع التمييز بين العقل السطحي المنشغل بالجزئيات والعقل العميق القادر على الربط والتحليل، وصولًا إلى العقل الراسخ الذي يمزج بين وعي الظاهر وعمق الباطن. كما حذّر الخطباء من آفات التشكيك المفرط والحيرة المستمرة والتشاؤم، معتبرين أنها ظواهر تهدد استقرار الفرد والمجتمع، وتجفف منابع الأمل، وتضعف الإرادة.

وأكد أمناء الفتوى أن العلاج يكمن في ترسيخ اليقين بالله تعالى، والتحصن بالسكينة الداخلية، والتمسك بالتفاؤل وحسن الظن، والالتزام بالأذكار النبوية التي تحمي النفس من القلق والاضطراب، مستشهدين بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ».

تأتي هذه القوافل الإفتائية إلى محافظة شمال سيناء في إطار دور دار الإفتاء الوطني في تعزيز الوعي الديني الرشيد، ودعم جهود الدولة في نشر الاستقرار الفكري والمجتمعي، والوصول بالخدمات الإفتائية إلى مختلف أبناء الوطن، وبخاصة في المحافظات الحدودية التي توليها الدولة ومؤسساتها اهتمامًا خاصًا.

طباعة شارك دار الإفتاء شمال سيناء تعزيز الوعي الديني نشر الفكر المستنير الأزهر الأوقاف

مقالات مشابهة

  • اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026
  • شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026 والعريش تستضيف مؤتمر أدباء مصر
  • اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026.. والعريش تستضيف مؤتمر أدباء مصر
  • الحفرة التي سقطت فيها الفتاة: أهمية منع الإهمال لمنع الكارثة قبل أن تقع
  • طبيب يكشف الحالات التي يمكن فيها خفض ضغط الدم دون الحاجة إلى أدوية
  • هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء
  • دار الإفتاء تواصل قوافلها الإفتائية إلى شمال سيناء لنشر الفكر المستنير
  • من أقدم المدن في العالم.. هذه أهمية اختيار صيدا عاصمة للثقافة والحوار لعام 2027
  • فوز منتخب البحيرة لكرة اليد علي منتخب شمال سيناء