نساء غزّة يبتكرن سبلًا للعيش مع استمرار الحرب
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
ثلاث نساء غزيات نازحات تجمعن معاً في مخيم لإيواء النازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ضاقت بهن السبل بسبب الحرب وما خلفته من ويلات وقتل ودمار، فقررن إطلاق مشروع صغير لصنع البيتزا والمعجنات وخبزها على فرن الطابون التقليدي البدائي الذي يعمل من خلال استخدام الحطب وبيعها بسعر قليل مراعاة لأوضاع الناس وأيضًا لسد حاجتهن وحاجة عوائلهن في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومساعدة أبناء المخيم النازحين الذين يعانون الفقر المدقع ولا يستطيعون شراء كل ما يلزمهم في ظل غلاء الأسعار الفاحش.
أم محمد احدى القائمات على المشروع قالت "يفتقد النازحين المتكدسين في مخيم دير البلح للكثير من الحاجيات التي تحول دون إمكانية صنع بعض الأطعمة منها البيتزا والمعجنات والحلويات بسبب ضيق الأماكن وعدم توفر غاز الطهي، من هنا جاءتنا الفكرة لصنع البيتزا وبيعها وقد لاقى تنفيذ المشروع إقبال من قبل الكبار والصغار بالإضافة إلى أنه اصبح الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها توفير الاحتياجات الخاصة بنا في ظل استمرار الحرب".
تتنقل ام العبد بين بسطات البيع الخاصة بالبقوليات في سوق العودة وسط مدينة رفح، تبحث عن حبوب القهوة بأنواعها والتي رددت أنواعها "برازيلي ، كولمبي وروبستا".
ليس سهلًا ان تجد ما تريد بسبب سعر حبيبات القهوة المرتفع، تشتري الكمية المطلوبة ثم تعود للبيت منهكة ومتعبة فالقصف الإسرائيلي على بعد أمتار بينها وبين السوق المركزي بمدينة رفح تقول "بسبب ارتفاع درجة الحرارة أقوم مبكرًا لاشعل نار الحطب بجوار خيمة النزوح وأجلس لتحميص حبيبات القهوة، يستغرق الأمر وقتًا طويلًا ومعاناة كبيرة ما بين اشعال النار وتحميص القهوة والمحافظة على ان تكون النار هادئة بمقدار معين، بعد الإنتهاء من تحميص الكمية الموجودة ، تبدأ معاناة اخري في الحصول على مطحنة تعمل ليتم طحن القهوة ومن تم توزينها وتوزيعها في اكياس للبيع "يذكر ان سعر أوقية القهوة في غزة قد تجاوز 19 دولار للوقية وهو سعر مرتفع جدًا مقارنة بفترة ما قبل الحرب لكن اغلاق المعابر وقصف الاحتلال للكثير من مطاحن ومصانع القهوة أدى الى ارتفاع سعرها كما ارتفعت اسعار العديد من السلع الأساسية بسبب إغلاق المعابر.
أما سلمى التى ما زالت متواجدة بمنزلها بمدينة رفح فقد استعانت بمجموعة من فتيات مخيم النزوح لمساعدتها بمشروع غسل الملابس، بعد ان قامت بشراء غسالتين نصف اوتوماتيك يتم تشغيلهما من خلال الطاقة الشمسية التى تعمل منذ الساعه التاسعة صباحا حتي الخامسة مساءًا يوميًا .
استطردت قائلة "يأتي النازحين لغسل ملابسهم بشكل يومي، يتم تشغيل الغسالة لمدة نصف ساعه ثم يتم تستلم الملابس لنشرها بجوار خيم النزوح، ما دفع النازحات الاستعانة بها هو قلة المياه المتوفرة بأماكن النزوح" وعن وسيلة توفير المياه لديها قالت إنها تمتلك بئر ماء داخل منزلها يتم اخراج المياه منه عن طريق مضخات تعمل بالطاقة الشمسية لهذا كان سهلًا عليها العمل في ذات المجال.
مها ذات - 15 عامًا - وهي نازحة من حي الشجاعية في غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، تسكن مع اسرتها داخل أروقة مستشفى شهداء الأقصى، تعمل مها في غسل الملابس والدروع التى يرتديها الصحفيين الذين لا يبرحون المستشفى منذ بداية الحرب تحدث قائلة "أنا اسعى من خلال عملي هذا الى مساعده عائلتي المكونة من 9 أشخاص بعد أن طالنا الفقر والجوع والعوز في ظل استمرار الحرب وبسبب النزوح المتكرر من مكان الي آخر".
وأشارت "أن يومية عملها لا تزيد عن 2 دولار وأحيانا لا تحصل علي أي مردود مادي" وأكدت الطفلة مها أنها ستكمل عملها إذا انتهت الحرب من أجل أختها مريضة القلب وأختها الاخرى مريضة العيون إلى أن تعود المدارس للعمل لتتمكن من استكمال دراستها.
في بيتها المدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة وبين الركام تجلس الحاجة مريم التى كانت تمتلك مشغل للخياطه تحاول تعديل ملابس إحدى النازحات تقول "بصعوبة استطعت استخراج احدى الماكينات، استعنت بأحد الأقارب لتشغيلها وإصلاح الضرر الذي اصابها بسبب الردم، ثم قمت بشراء لوح طاقة شمسية وبدأت العمل من أجل توفير لقمة العيش لي ولابناء أخي المعتقل لدى جيش الإحتلال الإسرائيلي منذ شهر ديسمبر الماضي".
اكملت حديثها قائلة "إن مهنة الخياطة تعتبر من بين المهن الأكثر عملًا في غزة الان فالناس يضيّقون ملابسهم بسبب نحول أجسادهم من شدة الجوع الذي اصاب سكان شمال غزة، كلهم في غزة يضيّقون ملابسهم ،كلهم نحلوا وفقدوا وزنهم ".
سقطت دموعها ربما استذكرت مكان عملها السابق وكيف كانت حياتها وأهلها سعيدة في نفس المنزل الذي تجلس على بقايا ركامه ثم انهت حديثها قائلة "نحن نعيش أيام صعبة جدًا ، الماء نحصل عليه بصعوبة ، الطعام غالٍ جدّا وغير متوفر ، لم نشاهد الكثير من أصناف الطعام منذ بداية الحرب حتي الان ، البيوت هُدمت، ونعيش بالعرائش او مراكز الإيواء داخل المدارس ، حتى الخيم أصبحت غالية جدًا وغير قادرين على توفيرها ،أجواء حارة جدًا ،المواصلات متعبة والتنقل صعب من مكان الي آخر، سيولة الأموال معدومة ، الكهرباء منقطعة منذ بداية الحرب ، أساسيات الحياة معدومة ، المستشفيات تم تدميرها ولكن والله عزيمتنا قوية ولن نستسلم".
إن ما يحدث في غزة يعبر عن مستوى جديد من اليأس، يتكشف تحت مراقبة وصمت العالم أجمع، جعل الحياة تنقلب رأسًا علي عقب حتى باتت النساء تشتهي العودة للحياة الطبيعة التى كانت قبل السابع من أكتوبر الماضي.
مع إستمرار الحرب لشهرها الثامن وسكان غزة يعيشون اهوال حرب الإبادة الجماعية التي تسببت في تدمير 80% من منازل ومنشأت القطاع ، واستشهاد قرابة 50 الف شهيد ومفقود وجرح اكثر من 80 الف مواطن 70% من الضحايا اطفال ونساء، وتهجير كل سكان القطاع بشكل قسري ، معظمهم معرض لخطر الموت و الهلاك جراء استمرار المجازر والمجاعة الحادة وانعدام المواد الغذائية وحالة الفقر المدقع التي يعيشها السكان ، وانتشار الأمراض والأوبئة ، وشح المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها سكان غزة، فيما تواصل قوات الاحتلال اغلاق معظم المعابر الحدودية في شمال جنوب القطاع ، وخاصة معبر رفح البري اثر احتلاله بتاريخ 5 مايو 2024، ما يؤكد تحكم وتعمد استخدام التجويع كسلاح حربي بهدف اهلاك سكان غزة ودفع من تبقي منهم للهجرة القسرية خارج الأراضي الفلسطينية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.
وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of listأما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.
ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".
الحرب أنهكت المجتمعوذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.
إعلانولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.
ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.
واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".
وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.
وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.
وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.
قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطيةولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.
إعلان
غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.
وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".
وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".
وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".
وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.