صراع البنوك بين عدن وصنعاء يهدد بانهيار الهدنة في اليمن
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
تصاعدت حدة الحرب الاقتصادية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثيين، في خطوة تهدد بانهيار الهدنة العسكرية السارية وغير المعلنة بين الطرفين منذ أبريل/نيسان 2022، التي أعقبت 7 سنوات من القتال المحتدم.
وعلى غرار الانقسام السياسي والعسكري، يشهد اليمن انقساما نقديا، إذ يوجد بنكان مركزيان أحدهما تديره الحكومة في مدينة عدن، جنوبي البلاد، ويتعامل بأوراق مالية حديثة، قيمة الدولار الأميركي فيها 1760 ريالا، والآخر في العاصمة صنعاء يديره الحوثيون، ويتعامل بأوراق مالية أقدم، قيمة الدولار الأميركي فيها 531 ريالا.
وفي أحدث محطات الصراع، أوقف البنك المركزي في عدن، الخميس الماضي، تعامله مع 6 من أكبر البنوك التجارية التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد أن رفضت نقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، ليرد البنك المركزي في صنعاء بوقف التعامل مع 12 بنكا تعمل في مناطق نفوذ الحكومة.
ردة الفعل الحوثية كانت ضد مصارف حكومية هي البنك الأهلي وكاك بنك، و11 بنكا ناشئا.
هذا القرار يكشف حجم الوجع من قرارات #البنك_المركزي_اليمني في عدن. pic.twitter.com/EtrKop8F1M
— zakaria alkamali (@ZakariaAlkamali) May 31, 2024
ويحظى البنك المركزي في عدن باعتراف المؤسسات المالية الدولية مما يمنحه قدرة التحكم في الوصول إلى الشبكة المالية العالمية "سويفت"، كما يُعد الجهة الوحيدة التي تستطيع عبرها البنوك التجارية المحلية تمويل عمليات الاستيراد من الخارج.
في المقابل، يستمد البنك المركزي في صنعاء قوته من وجود مقرات البنوك الرئيسية في مناطق نفوذه، مما يمنحه قدرة التحكم بالأنشطة المالية والمصرفية داخل اليمن، وفي وقت سابق منع البنوك التجارية المحلية مشاركة بياناتها مع البنك المركزي في عدن.
وقال محافظ البنك المركزي للحكومة أحمد المعبقي، في مؤتمر صحفي، أمس الجمعة، إن "البنوك خضعت لضغوطات جماعة مصنفة إرهابية وفشلت في توفيق أوضاعها خلال المهلة التي مُنحت لها (مدتها شهران) لنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن".
وتوعّد المعبقي بإجراءات أقسى ضد الحوثيين، الذين يتهمهم بتدمير وتسييس القطاع المصرفي والمالي، وطبع عملة معدنية جديدة، وتجميد ومصادرة حسابات المواطنين بسبب معارضتهم لسياساتهم القمعية.
احاطة محافظ البنك المركزي اليمني احمد غالب المعبقي ، في مؤتمر صحفي عقده عقب صلاة الجمعة اليوم ، حول قراراته الاخيرة بشأن البنوك المخالفة pic.twitter.com/DAK9VrJMOi
— عبدالرحمن أنيس (@abdulrahmananis) May 31, 2024
متاعب جديدةوفي حين قد يضفي هذا الصراع متاعب معيشية جديدة على اليمنيين، لم يعر المواطن حسين العصيمي اهتماما لهذه القرارات، وقال "ما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها"، في إشارة إلى واقع اليمنيين الذين يعيشون دون رواتب منذ 7 أعوام، وصاروا رهينة الفقر والجوع والمرض.
ويضيف للجزيرة نت أن اليمني لا يجد قوت يومه وليس لديه دخل مادي، لذلك لم يعد تعنيه أي إجراءات اقتصادية.
لكن رئيس جمعية البنوك في اليمن محمود ناجي يقول، للجزيرة نت، إن عبء هذا الصراع سيتحمل تكلفته اليمنيون، حيث سينعكس على ارتفاع لأسعار السلع والخدمات بعد تعطّل عمل البنوك التجارية في تحويل الأموال لشراء واستيراد السلع من الخارج لبلد يستورد حوالي 90% من احتياجات سكانه.
فديو اخر لمطالبات بوادئعهم
يوضح انه امام بنك اليمن الدولي في صنعاء
مع هتاف البنك سا.رق
للعلم ان بنك اليمن الدولي ليس لحاله نهب الحوثيين الودائع لديه كل البنوك تحت سيطرة مليشيا الارهاب الحوثية نهبة الودائع
نهبوها الحوثيين من البنك المركزي اليمني في صنعاءلن كل البنوك امولها فيه pic.twitter.com/uh5MeY9GGF
— صلاح المشولي (@salah7346) May 14, 2024
ووفق مصرفيون فإن شركة موني جرام للتحويلات المالية أبلغت، الخميس الماضي، البنوك اليمنية ووكلاءها المصرفيين في اليمن، بضرورة إثبات عدم ممانعة من قِبل البنك المركزي في عدن كشرط للاستفادة من عملياتها المصرفية.
وستعقّد هذه الخطوة، التي من المتوقع أن تحذو حذوها بقية الشبكات المالية الدولية، تحويلات المغتربين التي تمثّل أموالهم شريان حياة للملايين في الداخل اليمني، في الوقت الذي تطوّق الأزمة المعيشية عنق الملايين من السكان إثر تراجع حجم المساعدات الدولية.
وسادت حالة من الهلع في الأوساط المصرفية والتجارية في العاصمة صنعاء، ومؤخرا عجزت بعض البنوك عن إرجاع أموال المودعين الذين نظموا وقفات احتجاجية تطالب بصرف أموالهم.
وبررت الحكومة اليمنية قرارها المتعلق بمطالبة البنوك التجارية نقل مقر مراكزها الرئيسية إلى عدن، بأنه قرار يمني سيادي ذو طابع نقدي مصرفي، وقال مجلس القيادة الرئاسي الذي يعد السلطة الأعلى إن القرار يعد تعزيزا لحضور الدولة ومؤسساتها الشرعية، التي تعبّر عن الإرادة الوطنية الحرة.
ووفق مصدر في الحكومة اليمنية، فإن هذه القرارات كانت معدة سلفا كرد على الحوثيين الذين بدؤوا حربا اقتصادية على الحكومة منذ 2020، حين حظرت الجماعة تداول الأوراق النقدية الجديدة التي طبعها البنك المركزي في عدن، والقصف الذي شنته على موانئ تصدير النفط لتحرم الحكومة من ملايين الدولارات بعد توقف عمليات التصدير.
وقال المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، للجزيرة نت، إن الوقت قد حان للرد.
لكن الحوثيين اتهموا الولايات المتحدة ومن معها، بالوقوف خلف التطورات المصرفية، ووصف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في حديث متلفز، مساء الخميس، ذلك بـ"صب الزيت على النار".
وأضاف أن الضغط على البنوك في صنعاء مسعى أميركي لدعم العدو الإسرائيلي، في إشارة إلى أن هذه القرارات ردة فعل على هجمات جماعته في البحر الأحمر.
ومنذ أواخر 2023، يشن الحوثيون هجمات متكررة على السفن، التي يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل، مؤكدين أن عملياتهم تأتي دعما لأهل غزة الذين يتعرضون لحرب إسرائيلية منذ نحو 8 أشهر أوقعت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.
وهدد عبد الملك الحوثي بعودة الصراع، وقال "ما الذي يدفع البعض إلى أن يجنِّدوا أنفسهم وما بأيديهم لخدمة العدو الإسرائيلي؟ هل يأتي من يريد أن يخسر كل شيء: أمنه، وسلمه؟".
بيان القوات المسلحة بشأن عملية استهداف حاملة الطائرات الأمريكية "ايزنهاور" رداً على العدوان الأمريكي البريطاني الداعم للعدو الصهيوني#لستم_وحدکم#معركة_الفتح_الموعود_والجهاد_المقدس
pic.twitter.com/c51ndhos3U
— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) May 31, 2024
أزمة اقتصاديةواعتبر العقيد رشاد الوتيري، الضابط بالتوجيه المعنوي في صنعاء، أن إجراءات البنك في عدن تأتي في إطار التصعيد الأميركي البريطاني ضد الحوثيين، للضغط عليهم لوقف هجماتهم البحرية ضد السفن الإسرائيلية، من خلال خلق أزمة اقتصادية تزيد معاناة اليمنيين.
وتوقع العقيد الوتيري، في حديث للجزيرة نت، أن تشعل الحرب الاقتصادية نار الحرب العسكرية مجددا، وقال "قد نشهد حراكا عسكريا في قادم الأيام سيكون هو الأقوى لطرد المحتل الأجنبي وأذنابه المحليين في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن".
وأكد أن "الموقف الحوثي سيزداد قوة وتصعيدا على الولايات المتحدة وبريطانيا ومن يدور في فلكهما باليمن وفي المنطقة العربية".
ورغم حالة الصراع والانقسام النقدي الحاصل، كان الملف الاقتصادي قد شهد تفاهمات قادها المبعوث الأممي إلى اليمن بهدف توحيد السياسة النقدية، وإلزام الأطراف بوقف توظيف البنوك في الصراع الجاري، غير أن التطورات الأخيرة قد تعيد الملف إلى المربع الأول.
ويقول محمود ناجي، رئيس جمعية البنوك في اليمن، إن المصارف تعمل في ظروف سيئة جدا بسبب هذا الانقسام ولم تكن يوما طرفا في هذا الصراع السياسي، بل سعت إلى تخفيف الأزمة بعد أن اضطرت للعمل في ظروف سيئة وغير مواتية للعمل المصرفي خلال السنوات الماضية.
ويضيف أن البنوك تقدم خدمة مالية في إطار مهني، ومهمتها الحفاظ على أموال المودعين، ويُفترض بأن تترك لتعمل بحيادية واستقلالية من أجل الشعب اليمني الذي يعيش واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات البنک المرکزی الیمنی البنک المرکزی فی عدن البنوک التجاریة للجزیرة نت البنوک فی فی الیمن فی صنعاء pic twitter com
إقرأ أيضاً:
الحوثيون وتجارة المخدرات.. اليمن من ساحة صراع إلى منصة تهريب عابر للحدود
تتكشف يومًا بعد آخر الأبعاد الخطيرة لأنشطة ميليشيا الحوثي الإرهابية في تجارة وتهريب المخدرات، حيث حولت الجماعة اليمن إلى ساحة مفتوحة لتجارة الممنوعات وتصديرها إلى دول الجوار والمنطقة، بهدف تمويل حربها الداخلية، وإثراء قادتها، وتنفيذ أجندات إيرانية عابرة للحدود.
وكشفت عمليات الضبط الأمنية في عدد من المنافذ اليمنية، خاصة منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، عن شحنات ضخمة من المخدرات مرتبطة بميليشيا الحوثي، ما يثبت حجم تورط الجماعة في واحدة من أخطر شبكات التهريب في المنطقة.
ومؤخرًا أعلنت كتيبة أمن وحماية منفذ الوديعة بمحافظة حضرموت عن إحباط عدة محاولات تهريب لأكثر من ثمانية أطنان من المواد المخدرة شديدة الخطورة، حاولت ميليشيا الحوثي تمريرها إلى الأراضي السعودية خلال السنوات الماضية، في عمليات وُصفت بـ"الممنهجة والخبيثة".
وأكدت الكتيبة أن المهربين لجأوا إلى أساليب تمويه معقدة، تضمنت إخفاء الحبوب المخدرة ومادة الشبو وكميات كبيرة من الحشيش داخل مركبات مدنية وشحنات تجارية وهمية، مستغلين طبيعة حركة البضائع بين اليمن والسعودية.
لكن اليقظة الأمنية والتنسيق الاستخباراتي مع الجهات المختصة أجهضت تلك المحاولات، وتم ضبط الشحنات المحرمة وفق إجراءات صارمة، تمهيدًا لإتلافها حسب المعايير الدولية.
بحسب مصادر أمنية مطلعة، فإن أكثر من 90% من شحنات المخدرات التي تم ضبطها تعود إلى شبكات تهريب تابعة مباشرة لميليشيا الحوثي، ضمن خطة مدروسة لتأمين تمويل دائم لحربها، من خلال تجارة المخدرات وغسل أموالها، مع العمل على إغراق المنطقة بهذه المواد المدمرة كوسيلة لضرب استقرار دول الجوار.
ولم تتوقف النجاحات الأمنية عند مصادرة المخدرات، بل شملت القبض على عدد من المهربين والمطلوبين أمنيًا، ضمن عمليات نوعية تؤكد فاعلية أجهزة الأمن اليمنية وقدرتها على التصدي للمخططات الحوثية.
في سياق موازٍ، أعلنت قوات خفر السواحل - قطاع البحر الأحمر، التابعة للمقاومة الوطنية، عن تنفيذ عملية نوعية منتصف يوليو الجاري، تم خلالها إفشال محاولة تهريب شحنة كبيرة من المخدرات كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر سواحل الحديدة.
وبحسب الإعلام العسكري للمقاومة، اعترضت دورية بحرية زورقًا مشبوهًا كان يُبحر باتجاه سواحل الحديدة، وعُثر على متنه على 253 كيلوغرامًا من الحشيش و186 كيلوغرامًا من مادة الشبو (الميثامفيتامين)، تم قطره إلى موقع آمن، ومصادرة الحمولة، فيما أُحيل المهربون إلى الجهات المختصة للتحقيق.
منذ سيطرتها على ميناء الحديدة والشريط الساحلي الغربي، استخدمت ميليشيا الحوثي هذه المواقع كمنصات لتسهيل عمليات تهريب واسعة للمخدرات القادمة من إيران، مستغلة ضعف الرقابة وفوضى الحرب.
كما كشفت تقارير أمنية عن استغلال الحوثيين لعناصر موالية لهم من خلايا مرتبطة بجماعة الإخوان في محافظة المهرة، لتأمين طرق تهريب المخدرات على الخط الساحلي والحدودي المحاذي لسلطنة عمان، في محاولة لتوسيع دائرة نفوذهم التهريبي.
تشير الأدلة المتراكمة إلى أن تجارة المخدرات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من منظومة الدعم الإيراني لميليشيا الحوثي، التي تسعى من خلالها إلى تمويل الحرب الداخلية، وتفكيك المجتمعات اليمنية عبر تفشي المخدرات، ومن ثم تصدير الأزمة إلى دول المنطقة.
ففي الداخل، تعمل الجماعة على ترويج المخدرات بين فئات المجتمع بهدف إضعاف النسيج الاجتماعي، بينما توظف الأرباح المتحصلة في شراء الأسلحة وتمويل العمليات العسكرية. أما خارجيًا، فتسعى الميليشيا عبر التهريب إلى ضرب استقرار السعودية وبقية دول الخليج، ضمن أجندة إيرانية واضحة المعالم.
تؤكد السلطات اليمنية أن الجهود الأمنية لم تتوقف، بل تتعزز بالشراكة مع أجهزة الأمن الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، في إطار تنسيق أمني ومعلوماتي لملاحقة المهربين وتجفيف منابع الجريمة المنظمة.
وأشادت قيادات أمنية بالنتائج المحققة في ضبط شحنات ضخمة والقبض على مهربين محترفين، داعية إلى مزيد من الدعم الدولي لتعزيز الرقابة على الموانئ والمنافذ، ودعم قدرات قوات خفر السواحل التي تخوض معركة مفتوحة مع مافيا المخدرات الحوثية.