بوابة الوفد:
2025-05-10@07:23:08 GMT

75 عامًا على الرحيل

تاريخ النشر: 8th, June 2024 GMT

لم يكن نجيب الريحانى الذى نحتفل اليوم بالذكرى الـ75 لرحيله مجرد فنان فذ أو ممثل عملاق فحسب، بل هو فى الواقع جامعة فنية تخرج فيها عمالقة التمثيل فى القرن العشرين سواء فى مجال الكوميديا أو التراجيديا، فنان من الصعب للغاية أن يجود الزمان بمثله، لم يشعر أحد أنه يمثل، مدرسة فى التلقائية والموهبة الفطرية المعبرة عن المواطن فى عصره.

75 عاما مرت على رحيله وما زال حاضرا بفنه الذى لا يموت، «كشكش بيه» المسرح و«أستاذ حمام» السينما، الريحانى معجزة فنية بكل المقاييس ولم لا وفنه خالد فى وجدان أجيال متعاقبة حتى مصطلحاته خالدة، نستعرض فى تقرير مفصل مشاهد فى تاريخ الريحانى، تحية لروح عملاق فن التمثيل على مدى العصور.

 

(1) «غزل البنات».. دموع حقيقية

فى فيلم «غزل البنات» وهو آخر أفلام الفنان الراحل عام 1949، كان المشهد الأروع فى تاريخ السينما المصرية حينما ذهب «الأستاذ حمام» ومعه الفاتنة ليلى التى يذوب فى حبها صدفة إلى منزل يوسف بك وهبى، كان الحديث بين الثلاثى حول التضحية من أجل الحبيب واستنكر الريحانى ذلك بشدة، ودعاهم يوسف بك لسماع ومشاهدة أغنية محمد عبدالوهاب «عاشق الروح» وكانت تعبر عن حب «حمام» لـ«ليلى»، دخل الريحانى وليلى إلى حيث يغنى عبدالوهاب، وفى «الكوبليه» الذى غنى فيه عبدالوهاب «وكل ده وانت مش دارى يا ناسينى وأنا جنبك حاولت كتير أبوح وأشكى وأقرب شكوتى منك لاقيتك فى السما عالى وأنا فى الأرض مش طايلك حضنت الشكوى فى قلبى وفطمت الروح.......» انهمرت الدموع الساخنة من عيون الريحانى وكانت دموعا طبيعية وليست تمثيلا.. تذكر معاناته وكفاحه فى الحياة على مدى 60 عاما. وفى نفس الوقت ليلى مراد منبهرة بغناء عبدالوهاب وكانت نهاية هذا المشهد التاريخى كلمة يوسف بك وهبى وما الدنيا إلا مسرح كبير، مشهد وحوار عالمى يدرس على مدى السنين، إنه الفن والسينما الحقيقيان.

 

(2) أحمر شفايف.. الزوج المكلوم

فى فيلم «أحمر شفايف» عام 1945، جسد الريحانى شخصية الزوج المثالى الذى تدخل حياته الخادمة وتعتقد الزوجة «زوزو شكيب» وجود علاقة بينهما، وتظلم زوجها ويضطر لمغادرة المنزل والعمل كمهرج بإحدى الفرق، وكان المشهد الرائع فى هذا الفيلم حينما كانت زوجته فى المسرح شاهدته بالصدفة، أتى إليها والألم والحزن يعتصران قلبه، قائلا لها: ظلمتينى وبعتى عشرة عشرين سنة، الدموع فى عينيه والألم يعتصر قلبه على فقده للحياة الأسرية وحرمانه من أولاده، شعرت الزوجة بمدى الجرم الذى ارتكبته فى حق زوجها ومنزلها، وبالفعل صدقت مشاعر زوجها لتعود السعادة للعائلة الصغيرة مرة أخرى.

(3) لعبة الست.. نصيحة خالدة للزوجات

فى فيلم «لعبة الست» عام 1947، جسد الريحانى شخصية «حسن وابور الجاز»، الذى يعشق زوجته «لعبة» التى تجرفها حياة الفن وتقرر الانفصال عن زوجها المخلص الذى تعرض لثراء مفاجئ بعد أن تنازل صاحب المحل لـ«حسن» عن أملاكه وغادر البلاد.

يجمع اللقاء بين حسن وزوجته للاتفاق على الطلاق وتعطى له مبلغ 2000 جنيه مقابل الطلاق وهو مبلغ خيالى فى ذلك الوقت، ولكن يفاجئها بتقطيع الشيك الخاص بالمبلغ، وقال لها: «أنا موافق على الطلاق بدون فلوس وأعتبر نفسى كسبان.. أنا زمان لما اتجوزتك حبيت فيكى القلب المخلص والنفس القنوعة.. انتى مش ليّة انتي مش على ذمتى روحى وانتى طالق.. جسد المشهد بمنتهى الإتقان والبراعة لتصبح كل امرأة تشاهده تحافظ على الحب فى مقابل المال.

 

(4) سلامة فى خير.. الأمانة فى أعظم صورها

فى فيلم «سلامة فى خير» عام 1942، جسد الريحانى شخصية «سلامة» الفراش بأحد المحلات، كان بحق فراشا أمينا، أعطى له صاحب المحل مبلغ 4118 جنيها وهو مبلغ خيالى فى ذلك الوقت لإيداعه فى البنك، وتلعب الصدفة لعبتها ويفشل «سلامة» فى الوصول للبنك ويتعرض للكثير من المغامرات ويحاول بكل الطرق الحفاظ على المبلغ، ويصبح أميرًا بالصدفة ومع ذلك يبذل مجهودا كبيرا للحفاظ على المبلغ لكن يضيع منه ويعتقد البعض أنه سارق، لكن تتضح براءته ويقرر صاحب المحل ترقيته ويكافئه بمبلغ كبير ويكافأ من الآخرين، ليثبت للجميع أن الأمانة هى الأساس فى أى عمل للإنسان.

 

(5) أبوحلموس.. السرقة تحتاج لفنان

فى فيلم «أبوحلموس» عام 1944، جسد الريحانى شخصية «شحاتة» الموظف فى دايرة «الأزميرلى باشا» ويجمعه اللقاء مع عباس فارس مدير الدايرة وكان الحوار الممتع بينهما حينما قال له عباس فارس 18 جنيه لشراء خروف، وكان بالطبع مبلغا كبيرا فى ذلك الوقت. رد عليه الريحانى: «فى خروف بـ90 جنيه انتوا غلابة اوى» وكان المشهد الكوميدى الشهير. 190 جنيه جردل ومخلة للخروف، طبيب للعناية بصحة الخروف كده تبقى معقولة.

وكرر نفس المعنى حينما قال له 90 جنيه لتبييض الغرفة البحرية بمنزل حارة قواويل. كرر الأمر: وش بياض كذا، ترميم الثقوب، كذا وش أول كذا، وش تانى كذا.. حوار رائع حاز إعجاب الملايين فى أجيال متعاقبة.

(6) المشهد الأخير.. دموع الموت

آخر المشاهد التمثيلية فى حياة نجيب الريحانى فى نهاية فيلم غزل البنات، الذى جمعه فى السيارة مع ليلى مراد  وأنور وجدى بعد أن أيقن أن ليلى وقعت فى حب الطيار الوسيم، وضع يده على خده والحسرة تملأ قلبه ليتذكر جملة محمد عبدالوهاب «ضحيت هنايا فداه.. وهأعيش على ذكراه». وبسبب وفاة الريحانى تم تغيير نهاية الفيلم وكان السيناريو لقاء فى قصر الباشا، ولكنه مات ليكون هذا المشهد هو الأخير فى عالم السينما.

 

(7) سى عمر.. الإنسان المثالى

فى فيلم «سى عمر» عام 1945 جسد الريحانى شخصية الإنسان المقهور الذى يضطر للعمل بالسرقة رغما عنه وتقوده الأقدار لمنزل عائلة ثرية ويعتقدون أنه ابنهم المفقود، وتكون فرصة له للابتعاد عن السرقة ليحيا حياة نظيفة، ويستطيع الحفاظ على ثروة تلك العائلة وتكون مكافأته الزواج من ابنتهم الصغيرة وفى نفس الوقت يعود الابن الحقيقى ليبارك هذا الزواج.

 

(8) القصر الذى لم يسكنه الريحانى

كان الريحانى يعيش فى شقة بعمارة الإيموبيليا الشهيرة وسط القاهرة، لكنه قرر أن يشيد قصرا ليعيش فيه بمنطقة كوبرى القبة وبالفعل أنهى بناء القصر عام 1949، وشاء القدر ألا يدخله حيث توفى يوم 8 يونيو 1949 دون أن يدخل القصر أو ينام فيه ولو ليلة واحدة، ليحرم الريحانى من العيش فى هذا القصر الفخم الذى تحول لأحد قصور الثقافة.

 

(9) الريحانى ينعى نفسه

قبل 15 يوما من رحيله كان قد شعر بأن أجله قد اقترب فقرر أن يكتب نعيه بنفسه، كان نعى الريحانى لنفسه إعجازيا حيث كتب فى نعيه بالنص: «مات نجيب الذى اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب.. مات نجيب الذى لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب.. مات الرجل الذى لا يعرف إلا الصراحة فى زمن النفاق، ولم يعرف إلا البحبوحة فى زمن البخل والشح.. مات الريحانى فى ستين سلامة».

نجيب الريحانى

 

(10) لقاء فى الأسانسير صنع «غزل البنات»

جمع اللقاء صدفة بين ليلى مراد والريحانى فى مصعد عمارة الإيموبيليا وقال الريحانى لليلى: نفسى أمثل معاكى فيلم قبل ما أموت وعرضت ليلى الأمر على زوجها أنور وجدى الذى تهلل فرحا وأعد العدة لإخراج وإنتاج فيلم «غزل البنات» ليكون واحدا من كلاسيكيات السينما المصرية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غزل البنات

إقرأ أيضاً:

هل اعتدنا المشهد؟

تقول الكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور: «إن التعوّد يلتهم الأشياء؛ يتكرر ما نراه، فنستجيب له بشكل تلقائي وكأننا لا نراه، لا تستوقفنا التفاصيل المعتادة كما استوقفتنا في المرة الأولى؛ نمضي وتمضي، فتمضي بنا الحياة كأنها لا شيء».

ما تزال تلك الكلمات تتردد في ذِهني كلما استعدت ذاك الصباح المُتجمّد، في يومي الأول كطالب طِب في مساق الطَّب الشرعي. كان أوَّل ما شهدناه تشريح جُثة شاب عشريني قضى لِتَوّه في حادث دراجة، لم نتعامل معه كجُثة أو موضوع دراسة، بل استوقفتنا تفاصيله الإنسانية: بنطال الجينز، وقميصه ذو المُربَّعات الحمراء والزرقاء، وعلبة سجائر لم يمنحه القدر فرصة لإنهائها. تساءلت حينها عمّا كان يدور في ذِهنه في لحظاته الأخيرة، وعن الأحلام التي وُئِدت، وعن قلبه الفَتي الذي توقَّف عن النَّبض، وعن أمٍّ ثكلى أو حبيبة تنتظر ورود الثامن من آذار.

كان ذلك أول لقاء لنا مع الموت، فقد كانت الجثث التي تعاملنا معها سابقا في مادة التشريح مغرقة في القدم بحيث فقدت ملامحها البشرية، وقد أطبق الصَّمت على الجميع، وهرب الدَّم من بعض الوجوه. لم يحتمل كثيرون الموقف، وخرج آخرون بحثًا عن القليل من الأوكسجين. كان المدرس واقفًا أمام الجثة يملي على الكاتبة بصوت محايد، ويعود بين الفينة والأُخرى إلى سيجارته، يتكلم بلغة خالية من أي عاطفة: «الطول 185 سم، لون الشعر بني، لون العينين...». استهجنّا حياديته، وابتسامته السّاخرة التي كانت تصفع ذهولنا وتأثرنا ولم نكن نعلم حينها أنه  لن يمضي كثير وقت حتى نتغير.

توالت الدُّروس، وتوالت الجُثَث، وتكررت المواجهات مع الموت، ولم ننتبه إلى أنَّ رهبة الموقف الأول قد زالت، وأن التعوّد قد تسلَّل إلى قلوبنا. خبا تعاطفنا مع الضحايا وأهليهم، وتحولت التفاصيل الإنسانية الصغيرة إلى مجرَّد أدلّة؛ وربما موضع تندَّر أحيانًا. 

هذه التجربة الشخصية ليست حِكرًا على الأطباء؛ بلْ هي جُزء من ظاهرة نفسيّة أوسع تظهر في أوقات الحروب والكوارث، حين تتكرر مشاهد العُنف والدَّمار أمام أعيُننا. في البداية، نشعر بالصَّدمة والحزن، لكن مع تكرار المشهد، يبدأ العقل في بناء جدران دفاعية؛ في مُحاولة لحماية الذّات من الانهيار أو الإحساس بالعجز.

هنا تظهر ظاهرة «التبلُّد العاطفي» أو «الاعتياد»؛ حيث يتراجع التأثّر تدريجيًّا حتى يُصبح الألم مجرّد خلفية باهتة في حياتنا اليومية.

وفي عصر الإعلام الرقمي تتدفق صور العُنف والأخبار المأساوية بِلا توقف، مما يُسرِّع من عملية الاعتياد ويزيد من خطر التبلُّد العاطفي، فالتّعرض المستمر لهذه المشاهد يجعلها تبدو مألوفة وعادية، ويُضعِف قُدرتنا على التَّعاطف مع الضحايا. 

فالعقل البشري مُبرمج على حماية نفسه من الألم النفسي الشديد فعندما يتعرض الإنسان بشكل مُتكرر لمشاهد عنف أو مُعاناة، يبدأ في تطوير آليات دفاعية مثل الإنكار أو الهروب أو حتى التقليل من أهمية الحدث، وهذه الآليات ليست دليلًا على القسوة، بل هي استجابة طبيعية للضغط النفسي المستمر؛ لكن هذا الاعتياد قد يحمل في طياته جانبًا مُظلمًا؛ إذ قد يؤدي إلى «نزع الإنسانية» عن الضّحايا، فنراهم مجرد أرقام أو صور عابرة. فقد يتسلل تبلد المشاعر إلى أعماقِنا دون أن نشعر؛ فيجعلنا أقل قُدرة على التّعاطف وأقل رغبة في اتخاذ موقف.

الاعتياد على مشاهد العُنف هو انعكاس لصراع داخلي بين الحاجة إلى الحماية النفسية والواجب الأخلاقي تجاه الضحايا، ومسؤوليتنا أن نبحث عن التوازن، وأن نتمسّك بإنسانيتنا مهما اشتدت قسوة العالم من حولنا، فقد يصبح الصّمت أو اللامبالاة نوعًا من التَّواطُؤ غير المباشر مع الجريمة.
(الغد الأردنية)

مقالات مشابهة

  • عامان على الرحيل.. فراق الشقيق ولوعة الألم
  • مُنصف بعد ظلم سنين للملاك.. نجيب ساويرس يعلق على تعديلات قانون الإيجار القديم
  • منصف بعد ظلم سنين.. نجيب ساويرس يعلق على مشروع قانون الإيجار القديم
  • بعد زفافها.. ليلى زاهر توجه رسالة لـ رنا رئيس «صورة»
  • مكتبة مصر العامة بأسيوط تنظم سلسلة من الفعاليات احتفالا بذكرى نجيب محفوظ
  • د.حماد عبدالله يكتب: فاقد الشىء لا يعطيه !!
  • هل اعتدنا المشهد؟
  • 8 شهور من الجوع.. ليلى سويف تذبل من أجل الإفراج عن علاء عبد الفتاح (شاهد)
  • نجيب العيسى مهنئًا القيادة بإنجازات رؤية المملكة 2030: طموحاتنا لا حدود لها
  • عاجل. مركز استطلاع فلسطيني في رام الله يقول إن 49% من سكان قطاع غزة يريدون الرحيل!