لجريدة عمان:
2025-12-14@21:14:19 GMT

تداعيات ودروس

تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT

يخبرنا تاريخ المنطقة، أن الأحداث الكبرى مثل السابع من أكتوبر، له تداعياته الكبيرة أيضًا. يمكن أن نلاحظ ذلك على نحو خاص عند النظر لعام 1979 عندما هبت رياح الثورة الإيرانية، وأحداث حصار الحرم في مكة المكرمة في العام نفسه. وتأثير هذه الأحداث مع غيرها على صراع أهلي في باكستان! مع ذلك يتجاهل الكثيرون هذه العلاقات المعقدة، والتأثيرات المباشرة أو غير المباشرة إما على التركيبة السكانية إثر الهجرات أو النزوح، أو إيجاد حاضنة لأنواع من المقاومة لم تختبرها المنطقة، بالإضافة إلى تحولات أيدلوجية تمرُّ بها شعوب المنطقة، وصولًا لحالة من التطرف في بعض الحالات.

إلا أن الحروب والمزيد من العنف هو أكثر ما يطغى على سردية هذه التداعيات، ما يحدث في إيران اليوم في صراعها مع أمريكا وإسرائيل إنما هو امتداد للسابع من أكتوبر، كما أن للسابع من أكتوبر امتدادًا لأحداث أخرى سابقة ومنها الانتفاضات العربية 2010. ولعل ردود الفعل العربية على ما يعيشه قطاع غزة يشكل التمثيل الأبرز على الشخصية التي تتمتع بها هذه الدول خصوصا تلك التي شهدت انتفاضات أنتجت أنظمة ستتعامل بالطريقة التي شهدناها وعشناها لمدة سنتين الآن منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة.

ورغم أن التاريخ لا يتقدم في خط مستقيم، إلا أنه يعيد إنتاج تنويعات على ظواهر بعينها، يتم تجاهلها، بدعوى أنها ستمر دون أن تترك أثرًا واضحًا خصوصًا مع الأدوات السلطوية التي تمتلكها الدول اليوم تلك التي تتعلق بالتكنولوجيا أكثر من أي أداة أخرى، إذ إن الدولة اليوم تستطيع متابعة كل حركة صغيرة عبر الرقابة التي تفرضها على الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها جميعًا.

لكن تاريخ المقاومة أيضًا يقول لنا إن الثغور دائما ما تكون هناك بانتظار من سيتمكن من إيجادها، وربما تكون تحديات الأمن السيبراني وشعور الدول بالأهمية الملحة لاحتوائها وتكوين جيش مجازي آخر هذه المرة يصطف في الغرف المغلقة.

إن تعاملنا مع التغييرات الكبيرة، يأخذ طابعًا يحاول التكيف مع الحالة، فيندر أن نتعامل مع الحادثة من خارجها؛ إذ إننا نعيشها وهذا يستدعي انتباهًا ويقظة داخل التجربة نفسها يصبح من الصعب صرفهما إلى موقع بعيد لقراءة التجربة وموضعتها حسب أهميتها. حصل هذا معنا عندما اجتاح العالم وباء كورونا، والآن يحدث هذا بالضبط عندما لا ندرك أننا نعيش لحظات تاريخية فارقة، ومنعطفًا سيغير الكثير في المنطقة والعالم.

لكن أي مسار سيأخذه هذا التغيير، هذا ما ينبغي أن نفكر فيه، وأن ندعو الدول العربية إلى إشراك شعوبها في التعامل مع هذه المرحلة وتداعياتها المستقبلية.

ربما علينا أن نفكر ببساطة أيضًا في «الدروس» المستفادة من مراحل تاريخية معينة. رغم أنني شخصيًا أرفض اختصار تلك الأحداث الكبيرة في دروس موجزة، خصوصًا فيما يتعلق بالأحداث التي لم تنته بعد، مثل الإبادة التي هي امتداد لنكبة 1948 لكن يمكن أن أضرب مثالًا آخر أكثر تمثيلًا لهذه الفكرة، استخدام الحكومة الأمريكية لمسألة تحرير النساء في أفغانستان لإقناع الرأي العام الشعبي بأهمية الحرب ضد أفغانستان، بالإضافة لاجترار مسوغات أخرى من قبيل أن أفغانستان دولة ثيوقراطية، وحكومتها دكتاتورية، وأن ما سيفعله الأمريكان بهذا التدخل، إنما يحرر المرأة والشعب أيضا.

ورغم أن المفكرين في الغرب أعادوا قراءة هذا الخطاب بعد ذلك في دراسات ما بعد الاستعمار، والتنويه لفظاعة هذه المسوغات، إلا أننا في الأيام الماضية، رأينا من يطلبون من أمريكا تحرير إيران من حكمها الثيوقراطي، واستبدادها، وهو الأمر الذي وصفه المفكر الإيراني الشهير حميد دباشي بالخيانة والتواطؤ مع العدو، حتى وهو ينطلق من موقف أيدلوجي يناهض النظام، إلا أنه يميز بين هذا والموقف من قوة إمبريالية قادمة لتحررنا من واقعنا التي تراه مشؤوما، بينما ينطوي على عملياتها تلك أهداف أخرى تخدم مصالحها فحسب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلا أن

إقرأ أيضاً:

الأمن السيبراني في المنطقة العربية

في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتقاطع فيه المصالح الجيوسياسية مع مستهدفات التفوق التكنولوجي، بات الأمن السيبراني في العالم العربي أحد أعمدة السيادة الوطنية ومفاصلها الحاسمة. فالتكنولوجيا أصبحت ساحة الصراع الجديدة التي تُدار فيها الحروب الخفية وتُصاغ من خلالها موازين النفوذ العالمي. وفي قلب هذا المشهد المعقد، تواجه المنطقة العربية موجة متصاعدة من التهديدات السيبرانية التي تتجاوز مجرد الاختراقات التقنية لتلامس جوهر الاستقلال المعلوماتي والسياسي.

تتمثل طبيعة هذه التهديدات في تعدد أدواتها ومصادرها، بدءًا من برمجيات التجسس التي تستخدمها جهات استخباراتية غربية مثل برنامج "بيغاسوس"، وصولًا إلى الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الحيوية في مجالات الطاقة والاتصالات. كما تتجسد في حروب المعلومات التي تعتمد نشر الأخبار المضللة وتوجيه الرأي العام بما يخدم المصالح الخارجية. هذه الممارسات وإن كان البعض يعتبرها عشوائية، إلا أنها أقرب لأن تكون جزء من استراتيجيات طويلة المدى تهدف إلى اختراق الوعي الجمعي العربي والتحكم في مسارات القرار الوطني والسيطرة على الفضاء الرقمي في المنطقة. ولا بد لنا أن ندرك بأن المعارك اليوم تُخاض بالبيانات والمعلومات، وبالقدرة على الوصول إلى أسرار الدول ومؤسساتها الحيوية.

لكن المشهد العملي يكشف أن الأمن السيبراني العربي يواجه تحديات بنيوية عميقة. فضعف البنية التقنية في العديد من الدول يجعلها أكثر عرضة للاختراق، بينما يفاقم نقص الكفاءات المحلية المتخصصة من هشاشة الدفاعات الرقمية. كما أن غياب التنسيق الإقليمي وازدواجية السياسات الوطنية يعوق بناء جبهة موحدة قادرة على التصدي للتهديدات العابرة للحدود. يضاف إلى ذلك الاعتماد المفرط على البرمجيات والتقنيات الأجنبية التي قد تحتوي على منافذ خفية تسمح بالتجسس أو بالتحكم عن بعد، وهو ما يجعل الأمن الرقمي العربي مرهونًا بإرادة الآخرين لا بإرادته الذاتية.

غير أن هذه التحديات تفتح في الوقت ذاته نافذة نحو إعادة التفكير في مفهوم السيادة في عصر البيانات. فبدلاً من الاتكاء على الحلول المستوردة، يمكن للعالم العربي أن يطور أنظمته الرقمية اعتمادًا على طاقاته البشرية المحلية، عبر الاستثمار في البحث العلمي والابتكار التقني. كما أن بناء أطر قانونية حديثة قادرة على التعامل مع الجرائم السيبرانية ومعالجة الثغرات التشريعية أصبح ضرورة ملحة. وإلى جانب ذلك، فإن رفع الوعي المجتمعي بمخاطر الفضاء الرقمي يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الاختراقات، إذ أن الأمن يبدأ من الوعي قبل أن يتحقق بالتقنية.

الأمن السيبراني أصبح قضية وجود ترتبط بمستقبل الدولة العربية وموقعها في النظام العالمي الجديد. الحفاظ على البيانات يعني الحفاظ على القرار، وحماية الشبكات تعني حماية السيادة. ومن دون رؤية استراتيجية بعيدة المدى تُبنى على الإرادة السياسية والتكامل الإقليمي، سيظل العالم العربي عرضة لهجمات غير مرئية تضعف قدرته على حماية نفسه رقمياً.

على صدى كل ذلك، تبدو الحاجة ماسة إلى فكر عربي جديد يدرك أن الصراعات في القرن الحادي والعشرين لم تعد تدور حول الحدود الجغرافية، بل حول الفضاءات المعلوماتية، حيث تُصنع القوة وتُختبر الإرادات. فالدول التي تملك أمنها السيبراني هي التي تملك مستقبلها، أما التي تظل تابعة في التكنولوجيا فستظل مكشوفة مهما بلغت قوتها العسكرية أو الاقتصادية. بناء منظومة عربية مستقلة للأمن السيبراني يمثل الركيزة الأساسية لإعادة تموضع الدول العربية في المشهد الدولي الرقمي.

مقالات مشابهة

  • صنعاء.. القوة التي تعيد نحت خارطة المنطقة
  • الجامعة العربية تدين الهجوم على قوات الأمم المتحدة في جنوب كردفان
  • الجامعة العربية تشارك في الدورة 45 للجمعية العامة لاتحاد الإذاعات
  • الدولة يشارك في حلقة قوانين الأسرة في الدول العربية بالرباط
  • جولة مفاجئة لمحافظ القاهرة أعلى دائرى وموقف السلام النموذجى لمتابعة انضباط السائقين
  • مؤكدة الالتزام بدعمهم.. الجامعة العربية تحيي اليوم العربي للأشخاص ذوي الإعاقة
  • الأمن السيبراني في المنطقة العربية
  • وزير الخارجية يبحث مع رئيس الوزراء الإماراتي أزمات الدول العربية
  • المرأة العربية تعقد ورشة عمل إقليمية لمناقشة تطوير قوانين الأسرة
  • مصر وعدد من الدول العربية يؤكدون على الدور المحوري لـ"الأونروا"