(1)
عاد أحمد بن ماجد وحيدًا، ومخذولًا، ومنهكًَا بعد رحلاته الطَّويلة والمضنية. لم يقل شيئًا عن البحر، وساعدته القرية شيبةً وشبابًا في دفع سفينته شبه المُهَشَّمة إلى الشاطئ كي تهجع أخيرًا على الرَّمل. حَمَلَ إلى كوخه القَشِّي المتداعي أكوام الخرائط، والقوارير، والقواقع، والإسطرلابات التي عاد بها من رحلته حول العالم.
التقط أنفاسه قليلًا، ثم أشعل النار.
(2)
أنتَ أقلُّ مما ينبغي من الماء في المَذْبَح، وأكثر مما يستحقُّ الطَّير عند الدَّفن، ولستَ في واردات الخرير، أو الحشرجة، أو الزَّقزقة، أو التماسات الغفران.
أنتَ لا يُمكِنُ أن تبدأ.
(3)
تحت قميصكِ الأبيض الَّلدن هذا ثمَّة ثلج، وبعض نار، وضحكةٌ قصيرة، ورمَّانةٌ كبيرة من بقايا الجنائز، ومُقْلَةُ ما بعد الذكرى والنحيب.
تحت قميصكِ الأبيض الّلدن لا أحد يعرف أي شيء عن رحلاتنا.
سيأتي طوفان بعد قليل فلا عليكِ من أي شيء (بما في ذلك قميصك الأبيض الّلدن).
(4)
كم نكَّلوا بالشُّهداء (وذلك من باب الاستجابة للحملة الوطنيَّة الرَّامية إلى الحفاظ على الثروة المائيَّة).
(5)
غَفَت القِربة قُبيل استسقاء القرية.
(6)
تُرَهِّلهم الضَّراعة؛ لا يصل الدُّعاء.
(7)
تعالي كي أودِّعك (ليس في بالي العَرَقُ، أو العطر، أو الخمر، أو الطريق، أو الحرير، ولا حتَّى الذِّكريات).
(8)
شخصٌ واحدٌ فقط أخاف منه كثيرًا في حالة «التَّعبئة العامَّة» (بالمعنى العسكري): أنا.
(9)
أيتها البلاد: غيري يحبُّك أكثر. لماذا، إذًا، لا تسمحي لي أن أمضي إلى هنا في هذه الشّقة الصغيرة؛ إلى وطن؟
(10)
صار لا بد من أجلٍ غير المُسَمَّى.
(11)
يا حفَّار القبور: خُذ هذه الغيمة، وإيَّاك أن تجزع.
(12)
أهذي كمن بالكاد ولدته أُمُّه، ولم يتمكن من فعل أي شيء (بعد ذلك).
(13)
تضحك العائلة أمامكَ/ خلفكَ بالتَّزكية؛ وتقتلك الأمُّ خلفكَ/ أمامكَ بالتَّزكية (أيضًا).
(14)
النَّهار من خطايا الليل (وهكذا دواليك).
(15)
ماتت الفزَّاعة.
(16)
يَخدَعُ النَّوم بالموت (ولا ينام، ولا يموت).
(17)
يُسعفهم الهذر، والآلهة الميِّتة قد لا تغفر لأحد.
(18)
يصيبني الضُّرُّ في الصباح وفي المساء.
(19)
يموت قبل الدخان؛ يُبْعَثُ في المواقد.
(20)
كان الزَّفاف رحيلًا، وخيولًا، ومآدب (ثمَّ عدتُ).
(21)
رجل وامرأة: نظرة إلى الغياب الذي بعد الباب.
(22)
تُرى، ماذا سأفعل بعد كتابة هذا؟
(23)
لا أضمِّده إلى أن يرى جرحي، وسأصير شاعرًا حين أقوم.
(24)
هذه القنبلة مجرَّد لغو.
(25)
ينجون من الخوف بالخوف (مصائرهم ركيكة حتَّى في الخوف).
(26)
الموت أكثر من واجب، وأقلُّ من يقين.
(27)
لا أحد في كل هذا الهشيم، وتلك الصَّاعقة لم تحلَّ بأحد.
(28)
النَّوم لا ينقذ الموت، والموت يحتاج لإسعافٍ آخر.
(29)
لا تدلفي إلى الخيمة، لا تفكِّي النِّطاق، توسَّمي الإزار، وانظري إلى النَّجمة.
(30)
في تلك الحالة، كان الحُبُّ وزن الحقيبة في المطار (فحسب).
(31)
الحبُّ استغناءٌ (عن شيء آخر).
(32)
أعتذر كثيرًا للذين ذكرتُهم بسوء. أعتذر أكثر للذين لم أقل عنهم أي شيء (لغاية الآن).
(33)
هناك ما هو أكثر شقاء من الكتابة: الحياة لأجلها.
(34)
لا يكفي كل هذا الوهم للوهم القادم.
(35)
ما من مكيدةٍ من غير تهذيب.
(36)
لم يعد يُجدي أن تكون ميتًّا (فحسب).
(37)
تُعَلِّمك الحياة كل شيء (عند الوفاة).
(38)
صار اللصوص يروزوننا في كل زيارة.
(39)
كي لا يصبح الاصطفاء عبادة، ولئلا يصير الأعداء عادة.
(40)
التَّخَفُّف بالمجداف.
(41)
ليس بعد القتل، ليس قبل الأحشاء.
(42)
الشُّكوك ضِفاف.
(43)
ستمضي بعيدًا عن الكِتاب (ولا كتاب سيذكركَ، أو يتذكَّرها).
(44)
الحُبُّ جَلَد.
(45)
لا تعود بهم المشانق إلى الحريَّة.
(46)
يتكالبون على الأشلاء، وينبحون.
(47)
يموتون في الطَّريق إلى الضَّريح.
(48)
لكِ: أكادُ (فقط)، وتنأين في السَّنابل.
(49)
الكتابة: لا بدَّ، أيضًا، من التَّبديد، ولو من حين لآخر.
(50)
لا أريد أن أتحمَّل المزيد من المسؤوليَّات: الأموات كثيرون بما فيه الكفاية، والأموات الذين يتظاهرون بالحياة كثيرون بما فيه الكفاية، وأنا لم أعد لوحدي بما فيه الكفاية، وأطمح إلى أن أموت لوحدي بما فيه الكفاية.
(51)
الأمُّ نافلةٌ.
(52)
لا أتيقَّن منكِ إلا في الرَّمل إذ أحرسُ البَّوابة.
(53)
الصَّمغ مرآتي، لا أُحسِنُ الشِّعر. ولا يكتب الهوى إلا ضرير.
(54)
فاتني التَّدرب على الحياة (والباقي في الموت أُمرِّنه في كل ليلة).
(55)
ما من صلاةٍ بين هذا الجسر وذلك القتيل.
(56)
لا أحد يموت خارج الحضن، ولا حضن يأخذ الميّت.
(57)
تسهو الأجراس على رُكْبتَيَكِ، ورُكْبَتاكِ تغفوان.
(58)
يُبَدِّدون لياليهم في أثناء كل تلك الخيوط، ولدى هذه الشَّمس (في مساءٍ جديد).
(59)
الشِّعر يرصف الطُّرق لكنه لا يعبِّد أي مسار. والشَّاعر لا يستأذن ولا يعتذر.
(60)
يتَّضح، في نهاية المطاف وبعد اتِّضاح الأشياء بما فيه الكفاية، ان الإخلاص لقضيَّة نبيلة لم يكن مقصودًا لأجل تلك القضيَّة بحدِّ ذاتها، بل هو وفاء للذَّات في تنبُّلها، وتَجوهُرِها، بسبب تلك القضيَّة التي لم تعد موجودة أصلًا.
كُن نبيلًا، ولا عليك مما يحدث للقضايا النَّبيلة.
(61)
لقد شهدَ بكل شيء (ذلك الذي ليس من أهلها).
(62)
يعيش المُنتَحِرُ أكثر الأيام امتلاءً. لكنه يومٌ واحدٌ فقط، في أقل من ساعةٍ واحدةٍ صغيرة فقط، في نبضة كبيرة أخيرة، فقط.
(63)
طيورٌ غير مرئيَّة تتعثُّر كما في شيء من «مُدن» إيتالو كالفينو أو بعض لوحات، أو ضحكات، زاهي خميس.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بما فیه الکفایة بما فی أی شیء فی الم
إقرأ أيضاً:
“طيور الخير” تحلق مجددا فوق غزة بدعم إماراتي لا يعرف الانقطاع
أكد استئناف عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات الإنسانية والإغاثية فوق قطاع غزة، الذي تنفذه دولة الإمارات في إطار عملية “الفارس الشهم 3” وضمن عمليات “طيور الخير” بالتعاون مع المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، على استدامة الدعم الإماراتي للشعب الفلسطيني الشقيق في القطاع بكل السبل والطرق الممكنة، وتأمين مختلف أشكال المساعدات الغذائية والصحية والمائية وغيرها من متطلبات الحياة اليومية.
ونجحت الجهود الدبلوماسية الإماراتية المكثفة حول العالم في استئناف عمليات “طيور الخير” بعد توقف دام لتسعة أشهر تقريبا بسبب تطورات الحرب، حيث جاء الإصرار الإماراتي على استئناف هذه العمليات انطلاقا من دورها الحيوي في التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، إذ أسهمت منذ بدئها في إيصال نحو 3750 طناً من المواد الغذائية والإغاثية، شملت مواد غذائية أساسية وإمدادات حيوية تُلبي الاحتياجات الملحة للأسر المتضررة من جراِء الأوضاع الإنسانية الصعبة والكارثية في القطاع.
وكانت قيادة العمليات المشتركة في وزارة الدفاع، قد أعلنت في 29 فبراير 2024 عن انطلاق عملية “طيور الخير” لإسقاط المساعدات الإنسانية والإغاثية بواسطة طائرات القوات الجوية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وطائرات القوات الجوية لجمهورية مصر العربية، على شمال قطاع غزة، حيث تم تنفيذ الإسقاط الأول بواسطة طواقم مشتركة من كلا البلدين، عبر 3 طائرات حملت على متنها نحو 36 طنا من المساعدات الغذائية والطبية، تمّ إنزالها على مناطق جباليا وبيت لاهيا.
ومنذ إطلاقها أكملت عمليات “طيور الخير” أضلاع مثلث طرق إيصال المساعدات الإماراتية إلى قطاع غزة، برًّا وبحرًا وجوًّا، وقد كان لهذا التنوع أثرا بارزا في أن تشكل المساعدات الإماراتية نسبة 44% من مجمل المساعدات الدولية إلى قطاع غزة حتى الآن، وذلك وفقا للتقارير الأممية.
وأسهمت عملية “طيور الخير” في تسريع وصول المساعدات العاجلة للمحتاجين في قطاع غزة، والتي يتم إنزالها بواسطة صناديق مخصصة مزودة بتقنية للتوجيه بنظام “GPS”، بهدف إيصالها إلى المواقع المحددة وضمن التوقيتات المناسبة.
ويتميز نظام “GPS” المستخدم في العملية بأنه تقنية متطورة تستخدم في مجال إسقاط المساعدات من الجو، عبر تحديد دقيق وسهل للمواقع المستهدفة ومن ثم إسقاطها لتصل إلى المستهدفين، ويعتبر من أحدث الوسائل المستخدمة حاليا في مجال العمل الإنساني والإغاثي أثناء الحالات الطارئة.
وتمثل عمليات “طيور الخير” جانبا مشرقا من لوحة إنسانية عظيمة رسمتها الإمارات في دعم الأشفاء الفلسطينيين داخل قطاع غزة من خلال عملية “الفارس الشهم 3” التي انطلقت في 5 نوفمبر 2023، بأمر من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” .
وفي 31 مارس الماضي ، أكملت عملية “الفارس الشهم 500 يوم من العطاء المتواصل، وقد بلغ إجمالي المساعدات المقدمة خلال هذه الفترة أكثر من 65.000 طن من المواد الغذائية والطبية والإغاثية، بقيمة تتجاوز 1.2 مليار دولار تم إيصالها عبر مختلف الوسائل الجوية والبرية والبحرية لضمان وصول الدعم للمحتاجين بأسرع وقت.
وأقامت دولة الإمارات في إطار عملية “الفارس الشهم 3” العديد من المبادرات تضمنت إنشاء مستشفيين ميدانيين الأول داخل قطاع غزة، والثاني مستشفى عائم قبالة ساحل مدينة العريش.
وفي إطار الجهود لتأمين الاحتياجات الأساسية، تم إنشاء ست محطات تحلية تنتج مليوني غالون مياه يوميا يجري ضخها إلى قطاع غزة، لتوفير مياه الشرب النقية للمتضررين، كما تم تشغيل 21 مخبزا ميدانيا لإنتاج الخبز يوميا، إضافة إلى 50 تكية خيرية تعمل على تقديم الوجبات الساخنة يوميا للعائلات المتضررة.