قرار من المحكمة بشأن سفاح التجمع
تاريخ النشر: 12th, June 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قررت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بالتجمع الخامس، برئاسة المستشار ياسر الأحمداوي تأجيل أولي جلسات محاكمة سفاح التجمع في اتهامه بقتل ثلاث سيدات وممارسة العلاقة المحرمة معهن بعد وفاتهن لجلسة 16 يوليو للاطلاع مع استمرار حبس المتهم.
عقدت الجلسة برئاسة المستشار ياسر الأحمداوي، وعضوية المستشارين عمرو علي كساب، وأحمد رضوان أبا زيد، وأمانة سر ممدوح غريب ومحمود عبد الرشيد.
يذكر أن أمرت النيابة العامة الأحد الماضي بإحالة المتهم بقتل ثلاث سيدات إلى محكمة الجنايات المختصة، لمعاقبته فيما نسب إليه من وقائع القتل المقترن بإحراز الجواهر المخدرة وتقديمها للتعاطي والاتجار بالبشر وذلك في القضية رقم ٣٩٦٢ لسنة ٢٠٢٤ جنايات قسم القطامية والسابق قيدها برقم ٢٩٦ لسنة ٢٠٢٤ إداري الجنوب ثان بور سعيد .
وكان قد ورد للنيابة العامة -يوم الخميس الموافق السادس عشَر من شهرِ مايو الماضي- إخطارٌ بالعثور على جثمان لسيدة مجهولة ملقى بطريق ٣٠ يونيو بدائرة محافظة بور سعيد، فبادرت النيابة العامة بالانتقال لمسرح الجريمة لمعاينته ومناظرة الجثمان، وأصدرت قرارها برفعِ البصمات العشرية والتصوير الجنائي لجثة المجني عليها وصولًا لتحديد هويتها، وندبِ الطب الشرعي لتشريح الجثمان، وطلبِ تحريات الشرطة التي توصلت إلى تحديد شخصيتها وشخص قاتلها الذي تعرف عليها واصطحبها لمسكنه بدائرة قسم شرطة القطامية لتعاطي المواد المخدرة، وحال وقوعها تحت تأثير تلك المواد، قام بقتلها وتخلص من جثمانها بمكان العثور عليه، فأمرت النيابة العامة بضبطه وإحضاره.
ونفاذًا لذلكَ أُلقِيَ القبض عليه من مسكنه والسيارة التي استخدمها في نقل الجثمان وكذا هاتفيْه الخلوييْن. وباستجوابه أقر في التحقيقاتِ بأنه اعتاد التعرف على الفتيات واصطحابهن لمسكنه لممارسة أفعال جنسية غير مألوفة، وتعاطي المواد المخدرة معهن، ومعاشرتهن جنسيًا، وحال وقوعهن تحت تأثير تلك المواد المخدرة، يقوم بإعطائهن عقاقير مذهبة للوعي، ثم يقوم بقتلهن وتصوير تلك المقاطع باستخدام هاتفيه آنفي البيان، وأقر بواقعة قتل المجني عليها التي أيدها فحص وتفريغ النيابة العامة للهاتفيْن؛ حيث أسفر ذلك عن وجود مقاطع فيديو يظهر بها المتهم حال إتيانه أفعالًا جنسية غير مألوفة مع جثمان المجني عليها، كما أسفر عن ارتكاب المتهم لواقعة مماثلة مع سيدة أخرى.
و كان قد عُثر على جثمانها يوم السبت الموافق الثالث عشَر من شهرِ إبريل الماضي على جانب الطريق آنف البيان -في اتجاه محافظة الإسماعيلية-، وقد حرر عنها المحضر الرقيم 909 لسنة 2024 إداري مركز القنطرة غرب، وإذ قامت النيابة العامة بمطابقة ما أسفر عنه ذلك الفحص من صور لتلك السيدة وما بجسدها من علامات مميزة توصلت النيابة العامة لشخص تلك السيدة، وبمواجهة المتهم أقر تفصيليا بواقعة قتلها، فانتقلت النيابة العامة رفقته إلى مسكنه حيث أجرَى محاكاة تمثيلية لكيفية ارتكاب الواقعتيْن، وأرشد عن مكان احتفاظه بالأدوات المعدة لتعاطى المواد المخدرة، وكميات من العقاقير الطبية آنفة البيان، كما عُثر على المتعلقات الشخصية لإحدى المجني عليهما. هذا وقد قامت النيابة العامة بحصر حالات العثور على الجثامين المجهولة، التي جرت في وقت معاصر للواقعتيْن آنفتيْ البيان، وفي محيط مسكن المتهم، فوقفت على واحدة منها -حرر عنها المحضر الرقيم 19053 لسنة 2023 جنح التجمع الأول- تتشابه معهما في ذات ظروفهما.
وثبت بتقرير الطب الشرعي؛ العثور بأحشاء المجني عليها -في تلك الواقعة- على ذات العقار الطبي الذي يستخدمه المتهم حال معاشرته للمجني عليهن والذي ضبطته النيابة العامة بمسكنه، فطلبت التحريات بشأنها فجاءت مؤكدة ارتكاب المتهم لواقعة قتل المجني عليها الثالثة، وبمواجهة النيابة العامة له أقر بارتكابها على غرار سابقتيْها. وهو ما تأكد بنتيجة الاستعلام الصادر من النيابة العامة عن الأرقام الصادرة والواردة من وإلى هاتفيْ المتهم وهواتف المجني عليهن وتحديد نطاقها الجغرافي بالتزامن مع واقعات العثور على جثامينهن، الذي بتحليله أسفر عن وجود المتهم والمجني عليهن بمسكنه وبمحل العثور على الجثامين في زمان ارتكاب الواقعات الثلاث.
كما تأكد أيضًا بفحص النيابة العامة لآلات المراقبة المثبتة بمحطات تحصيل الرسوم بطريق 30 يونيو في اتجاهيه، من عبور المتهم لها تزامنًا مع تخلصه من جثمانيْ المجني عليهما الأولى والثانية. فأمرت النيابة العامة بحبس المتهم وتم تكليف جهات البحث بالتحري عن ذلك.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: محكمة جنايات القاهرة محاكمة سفاح التجمع النیابة العامة المواد المخدرة المجنی علیها العثور على
إقرأ أيضاً:
أفغانستان المجني عليها في الإعلام
ظلت أفغانستان عقودا، مادة ثابتة في نشرات الأخبار الدولية والعربية، لكنها في الغالب كانت تُستحضر عند اشتداد المعارك، أو وقوع التفجيرات، أو انسحاب الجيوش.
بلد حبيس، صورة نمطية لا تكاد تتغير، بندقية في يد طفل، امرأة منتقبة تبكي خلف جدار مهدّم، ومقاتلون على قمم الجبال، لكن، هل هذه هي الصورة الكاملة؟ وهل نَقَل الإعلام فعلا أفغانستان كما هي؟
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بي بي سي تختار مديرة تنفيذية من "ميتا" لإدارة الذكاء الاصطناعيlist 2 of 2سعيا للحاق بـِيوتيوب.. نتفليكس تبحث عن مدير لبرامج الفودكاستend of listبين التضخيم والتعتيمشكّلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 نقطة تحوّل جذري في تناول الإعلام الدولي أفغانستان، حيث تبنّت التغطيات الغربية، وخاصة الأميركية، سردية "الحرب على الإرهاب"، مقدّمة البلاد كمنطقة خطرة تؤوي حركة طالبان وتنظيم القاعدة، مع تجاهل واضح لتعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي والتاريخي الذي مهّد لهذا الوضع.
وقد روج الإعلام الأميركي بشبكاته الكبرى، لصورة ربطت بين الإسلام في أفغانستان والإرهاب، متجاهلا عقودا من الاحتلال الأجنبي، والضعف التنموي، والتدخلات الإقليمية والدولية التي زادت من هشاشة الدولة والمجتمع.
ووفق دراسة لفريق بحثي في جامعة كاردان في كابل، ساهمت هذه التغطية في تكوين تصور ثنائي للعالم، قسّم الشعوب إلى "خَيّرين" يمثلهم الغرب، و"أشرار" يتمثلون في خصومه، وهو منطق تجلّى في خطاب جورج بوش الشهير: "إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين".
وفي خطابه بمدينة كليفلاند عام 2006 استخدم الرئيس بوش كلمة "الإرهاب" 54 مرة، وفقًا للصحفي الأميركي سيدني بلومنثال، في محاولة لإثارة مشاعر الخوف والتعاطف لدى الأميركيين.
وفي خضم التحضير للغزو الأميركي، استخدم الإعلام صور أفغانيات منتقبات في مشاهد "مظلمة" تحت حكم طالبان، لتغذية خطاب إنساني يبرّر التدخل العسكري.
إعلانوقدّمت الحرب على أنها مشروع لتحرير المرأة وبناء دولة حديثة، بينما غُيّبت أصوات النساء الحقيقيات، خاصة من القرى والمناطق النائية، لصالح نماذج تتحدث بلغة الغرب أو تتبنى رؤيته.
وفي هذا، يرى الباحث الأفغاني عبد الشهيد مايار، أن إدارة بوش تبنّت سرديتين متوازيتين:
سياسية ترفع شعار "الديمقراطية وتحرير الشعب". إنسانية تركز على إنقاذ النساء.وكان الهدف من كلتا الروايتين حشد الدعم الشعبي للحرب، مضيفا أن هذه السرديات تم تبنّيها بلا نقد من كبريات وسائل الإعلام الأميركية، مما منح الحرب غطاء أخلاقيا زائفا.
وحتى زوجة الرئيس الأميركي لورا بوش، دخلت على خطّ الحملة برسائل إذاعية تهاجم طالبان وتدافع عن حقوق النساء، لكن كثيرًا من الباحثين يشيرون إلى أن ذلك لم يكن التزاما صادقا بقضايا المرأة، بل استثمارًا سياسيًا لمأساتهن لخدمة أهداف الحرب.
وتختصر الصحفية الأفغانية فاطمة طاهريان من مدينة هرات الموقف: "الغرب لم يهتم بحقوقنا، بل كان يبحث عن شرعية أخلاقية لتدخله، كانوا يسلّطون الضوء فقط على من يتحدث بلغتهم".
هذا التناول الإعلامي -كما أشار المفكر الراحل إدوارد سعيد، يعكس نظرة استشراقية ترى المسلم "الآخر" كائنا قاصرا غير قادر على إدارة شؤونه ويحتاج إلى وصاية خارجية.
وبدلا من أن يكون الإعلام جسرًا لنقل الواقع، تحوّل في كثير من الحالات إلى أداة لإعادة إنتاج سردية جاهزة تخدم السياسات الكبرى، وتُقصي الأصوات الحقيقية من المشهد.
وهكذا، تحوّلت أفغانستان من بلد مثقل بتاريخ طويل من النزاعات والاحتلال، إلى صورة مختزلة في خطاب غربي، اختزل معاناة الملايين في ثنائية الخير والشر، دون اعتبار للتعقيد المحلي أو لحقيقة ما يعيشه شعبها يوميًا تحت وطأة الحرب والفقر والانقسام.
بالرغم من استمرار الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان لما يقارب العقدين، تميّزت غالبية التغطية الإعلامية الغربية في فترة الغزو الأميركي أفغانستان بالانتقائية، واعتمدت خطابا وظيفيًا خاضعًا للأولويات السياسية.
وسُلط الضوء على معاناة بعض الفئات مع تجاهل أوسع لتعقيدات الواقع الأفغاني وتعدد الأصوات داخله.
ويرى بعض المختصين أن وسائل الإعلام الغربية لم تُولِ اهتمامًا جديًا بنقل معاناة الشعب الأفغاني تحت الاحتلال، ولم تُبرز التحديات البنيوية العميقة التي واجهت الدولة الأفغانية الناشئة.
وركزت التغطيات الإعلامية الغربية على القصص التي تخدم الرواية الرسمية، من قبيل بناء المدارس، وتعزيز حقوق المرأة، ومشاريع التنمية، مقابل تجاهل متعمد لقضايا الفساد المستشري، والإقصاء السياسي، والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الأجنبية.
وكثيرًا ما تبنّى الإعلام الغربي سردية تبريرية للحرب، مروّجًا للبيانات الرسمية، متغاضيًا عن التكلفة الإنسانية الفادحة.
ففي تغطية معركة قندوز عام 2009، مثلًا، انصرفت صحف أميركية وغربية كبرى إلى الاحتفاء بـ"نجاح الضربات الجوية في القضاء على طالبان"، في حين لم تحظَ المجازر التي أودت بحياة مدنيين، منهم أطفال إلا بإشارات هامشية في صفحات داخلية وبصيغ مترددة.
إعلانوتشير تقديرات مكتب الصحافة الاستقصائية إلى أن الولايات المتحدة نفذت أكثر من 13 ألف هجوم بطائرات بدون طيار في أفغانستان بين عامي 2015 و2020، أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 10 آلاف شخص، وكان شهر سبتمبر/أيلول 2019 الأعلى من حيث كثافة الغارات، بواقع نحو 1110 ضربات جوية خلاله.
كما أن ملف سجون وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) السرية في أفغانستان، وما ارتُكب فيها من ممارسات تعذيب ممنهجة، ظل غائبًا عن التغطيات الإعلامية الأميركية والبريطانية فترة طويلة، ولم يُفتح إلا تحت ضغط تقارير المنظمات الحقوقية، وبعد سنوات من الصمت.
تغطية الانسحاب الأميركيمع الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية في أغسطس/آب 2021، ركّز الإعلام الدولي على مشاهد الفوضى في مطار كابل، وحالة الذعر التي سادت البلاد.
وغابت التحليلات العميقة التي تبحث في أسباب فشل المشروع الغربي في أفغانستان، وتُحمّل القوى الدولية مسؤولية الانهيار السياسي والعسكري، واكتفى كثير من الإعلام بتصوير الوضع على أنه فشل أفغاني داخلي، دون الإشارة إلى الإخفاق الإستراتيجي للسياسات الغربية.
وفي هذا السياق، يعتقد الأستاذ في علم النفس السياسي ريتشارد ليشمان، أن "التغطية الإعلامية ضيقة للغاية وتركز فقط على مشاهد الأفغان الذين يحاولون المغادرة والفوضى في المطار". ويضيف أن هذا الأمر "لا يعطي الصورة الحقيقية لما جرى في آخر 20 عامًا".
عقب أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من تطورات في أفغانستان، إلى جانب بعض التغطيات الموضوعية التي تعكس الواقع الأفغاني، اتسمت معظم التغطيات الإعلامية العربية بتكرار السرديات الغربية دون تمحيص أو قراءة نقدية.
فقد افتقرت غالبية القنوات العربية -باستثناء بعض القنوات والمنصات الإعلامية- إلى تحقيقات ميدانية مستقلة، وغيّبت التنوع الثقافي واللغوي والديني في البلاد، وكذلك المبادرات المدنية والتعليمية التي تنبض بها المجتمعات المحلية.
واللافت أن الخطاب الإعلامي العربي، في مجمله، تبنّى رواية "الحرب على الإرهاب" كما صاغتها المؤسسات الغربية، دون مراعاة تعقيدات المجتمع الأفغاني أو التحقق من الميدان.
وهو ما أدى إلى نقل صورة مشوهة وغير متوازنة عن الواقع، كما يشير الكاتب الأفغاني عبد الله قاضي زاده، الذي يؤكد أن "الإعلام العربي باستثناءات نادرة منها قناة الجزيرة لم يكن مستقلاً في تغطيته لأفغانستان، بل كان إما تابعًا للخطاب الغربي أو كان أداة لأجندات إقليمية تسعى إلى تصفية حسابات سياسية".
وتجلّى هذا التسييس في طريقة تناول الملف الأفغاني، حيث استخدمته بعض المنصات الإعلامية العربية أداة دعائية، ففي حين سعت بعض القنوات إلى تحميل دول إقليمية مسؤولية تدهور الوضع في أفغانستان، جعلت أخرى من أفغانستان نموذجًا لفشل المشروع الأميركي.
وقدّمت بعض وسائل الإعلام العربية أفراد حركة طالبان والمجاهدين الأفغان في بعض الحالات كتهديد يمثّل "خطر الإسلام السياسي"، بينما ذهبت منصات أخرى إلى تلميع صورة طالبان كحركة "معتدلة تغيرت عما كانت عليه في فترة حكمها الأول 1996-2001".
وبين الشيطنة والتلميع، غابت الرواية المتزنة والتحليل المهني، وتحول الملف الأفغاني إلى مرآة تُعْكس عليها صراعات إقليمية لا علاقة لها بالواقع المحلي.
في كلتا الحالتين، غاب الصحفي الحقيقي، وحضر الخطاب الدعائي، مما جعل من معاناة الشعب الأفغاني مادة للاستثمار السياسي، لا موضوعًا للبحث والإنصاف الإعلامي.
إحدى أبرز إشكاليات التغطية الإعلامية للشأن الأفغاني هي الاختزال المفرط، إذ غالبًا ما قُسّم المجتمع إلى طرفين فقط: الجلاد، المتمثل في طالبان والجماعات المسلحة، والضحية، ممثلة في النساء والأطفال واللاجئين.
إعلانوتجاهل هذا التبسيط التنوع الغني في المجتمع الأفغاني من نخب فكرية ومبادرات مدنية وشبابية ونسائية، وأسهم في تشويه صورة البلاد وتكريس الصور النمطية.
ومن العوامل التي عززت هذه الصورة النمطية، ضعف التمثيل المحلي داخل غرف التحرير الدولية، ففي المؤسسات الإعلامية الكبرى، نادرًا ما يُمنح الصحفيون الأفغان فرصة لصياغة الرواية أو التحرير، بل يُكتفى بدورهم كمترجمين أو مساعدين ميدانيين.
ويقول الصحفي المخضرم نور الله صافي -اسم مستعار- الذي عمل مع بي بي سي في كابل "نحن نعرف الواقع، لكن الكلمة الأخيرة للمحرر في لندن أو واشنطن".
هذا التهميش تواكب مع ظاهرة "الصحفيين المظليين" الذين يُرسلون مؤقتًا لتغطية الأحداث دون معرفة كافية بالبلاد، مما يفضي إلى تقارير سطحية ومختزلة تعكس تصورات مسبقة بدلًا من الواقع المعقّد.
ويصف الباحث سيد سرور هاشمي هذه التغطيات بأنها "منزوعة العمق والدقة، وتسيء إلى فهم السياق الأفغاني".
رغم مرور نحو 4 سنوات على سيطرة طالبان، لا تزال غالبية التغطيات الغربية والعربية تتأرجح بين الشيطنة الكاملة والتبرير المطلق، دون مقاربة مهنية متوازنة.
فبعض المؤسسات الإعلامية الغربية والعربية تتجاهل التحولات الميدانية في أفغانستان تحت حكم طالبان، مثل تحسن الأمن وانخفاض معدلات العنف، والتقليل الكبير من تجارة المخدرات وتماسك الإدارة المركزية وتحسن نسبي في بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل استقرار العملة الأفغانية وانخفاض التضخم.
ويرى الباحث عبد الله عارف، أن "الإنصاف يقتضي الإشارة إلى هذه الحقائق، حتى مع وجود انتقادات جوهرية لأداء طالبان في ملفي السياسة والحقوق".
في المقابل، تتبنى بعض وسائل الإعلام في دول عربية وإسلامية خطابا مبالغا في التعاطف مع حركة طالبان، تتجاهل فيه جملة من الانتهاكات الجوهرية، من أبرزها غياب أي دستور للبلاد، واحتكار السلطة من فئة واحدة، ومنع المشاركة السياسية الفاعلة ورفض مبدأ الانتخابات.
وتصف الناشطة الحقوقية الأفغانية، مریم محمودي، هذا التناول الإعلامي بأنه "تبنٍّ للرواية الرسمية على حساب الوقائع الميدانية".
ما تغفله غالبية التغطيات الإعلامية، سواء في الغرب أو العالم العربي، هو وجود "الصوت الثالث" في أفغانستان ذلك التيار الشعبي الواسع الذي لا ينتمي إلى حركة طالبان ولا إلى النظام السابق بل يطالب بإصلاحات جذرية وبناء منظومة حكم عادلة وشاملة لجميع مكونات الشعب الأفغاني.
يتكوّن هذا التيار من شرائح واسعة من علماء الشريعة والمثقفين، والأكاديميين، والصحفيين، والناشطين المدنيين، الذين يرفضون العنف والحرب الأهلية والإقصاء والفساد والاستبداد، وينادون بانتقال سلمي تدريجي نحو حكم يعكس الإرادة الشعبية ويكفل الحقوق والحريات في إطار الدستور والقانون.
يقول الكاتب والصحفي شمس رحماني "نحن الأغلبية الصامتة، نحمل همّ البلاد ونطمح إلى بناء مستقبل يتجاوز الاستقطاب والتشظي"، وتغييب هذه الأصوات يعمّق من ضبابية المشهد ويمنع المجتمع الدولي من إدراك الواقع الأفغاني في تعدده وتعقيده.
التحديات الأخلاقية والمهنيةلم تكن التغطية الإعلامية الدولية والعربية للشأن الأفغاني بمنأى عن التحيزات الأيديولوجية والسياسية، إذ غلب على كثير منها غياب التوازن، وضعف التمثيل المحلي في غرف الأخبار، واللجوء إلى الصور النمطية السهلة.
هذه العوامل مجتمعة ساهمت في إنتاج رواية سطحية ومبسطة لواقع معقد يعانيه مجتمع بأكمله.
في هذا السياق، يرى المراقبون أن مسؤولية المؤسسات الصحفية لا تقتصر على نقل الخبر، بل تتعداه إلى ضرورة تمثيل وجهات النظر المختلفة، وتوفير مساحة للصحفيين المحليين، ومساءلة السرديات السائدة بتحليل نقدي جاد.
ويقول بصير أحمد دانشيار، أستاذ الإعلام بجامعة هراة سابقا ونائب رئيس منظمة حماية الصحفيين الأفغان للجزيرة نت، "يصطدم بتحديات ميدانية خطِرة؛ إذ يواجه الصحفيون الأفغان اليوم ضغوطًا مضاعفة، سواء من السلطات القائمة أم بسبب ضعف الحماية الدولية. وقد اضطر عدد كبير منهم إلى مغادرة البلاد أو التوقف عن العمل، مما أضعف الحضور المستقل في المشهد الإعلامي المحلي".
إعلانإن قصور الإعلام في تقديم صورة شاملة عن أفغانستان لا يُعد فقط إخفاقًا مهنيًا، بل جزءًا من ظلم معرفي مستمر، وتجاوز هذا الخلل يتطلب إعادة بناء الثقة، وتوسيع هامش الحرية للصحفيين المحليين، والإنصات للأصوات التي طالما همشت.