خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
تاريخ النشر: 14th, June 2024 GMT
مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة المسلمين بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنَّ من اتّقاهُ وقاهُ، وفرَّجَ همّهُ وكفاهُ، ويسّرَ أمرَهُ وأدناهُ، وبلّغَهُ مُناهُ وحققَ لهُ مُبتغاهُ، وصرفَ عنهُ السُّوءَ، وجنّبهُ خُطاهُ.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: ها قد دارَ الزَّمانُ دَوْرتَهُ، وأظلّتكُمْ فيهِ خيرُ أيّامِ الدُّنيا، أيّامُ عشْرِ ذي الحجّةِ، الَّتي عَظَّمَ اللهُ أمرَها، ورفَع قدرَها، وأعلَى شأْنَها، فنَهَلْتُم مِن مَنبعِها العذبِ، واغترفتُم مِن معِينِها الَّذِي لا ينْضَبُ، أفضْلَ الأعمالِ وأزْكاها، وأجلَّ القُرباتِ وأَسْناها، تَسلَّمها المولى منكُم كما سلَّمَكُم إيّاها، مقبولةً بقَبُولٍ حسَنٍ، مشمُولةً منهُ بالرِّضَى الأتمِّ الـمُستحْسَنِ.
وأضاف لقد آذَنَتْ أيّامُكُم هذهِ بالرَّحيلِ، فلم يبْقَ منها إلّا القليلُ، بقيَ منها الثّلُثُ، والثّلُثُ كثيرٌ، كيف لا؟! وفيهِ يومكُم هذا يومُ التّرويةِ، يومُ سقايةِ الحجيجِ، وقد صادفَ يومَ جمعةٍ، الَّذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ »رواهُ مسلمٌ في صحيحِهِ، يليهِ يومُ عرفةَ، اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيهِ الدّينَ، وأتمَّ نعمتَهُ على سيّدِ المرسلينَ عليه الصلاة والسلام ثم اليومُ العاشرُ يومُ النحرِ، وما أدراكُم ما يومُ النحرِ، يومُ الحجِّ الأكبرِ، عنِ ابنِ عمرَ ب أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقفَ بينَ الجمراتِ يومَ النحرِ في الحجّةِ التي حجَّها، وقال: « هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ » أخرجه البخاريُّ في صحيحهِ، وهو أعظمُ الأيامِ عندَ اللهِ جلَّ وعلَا، فعنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: « إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ» أخرجه أبو داودَ في سننِهِ. أقسمَ اللهُ بهِ وبيومِ عرفةَ بعدَ أن أقسمَ بالعشرِ، لـمكانتِهِما وعظِيمِ منزلتِهِما عندَهُ، وإِنَّ العشرَ عَشرُ النَّحرِ، والوَتْرَ يَومُ عَرَفَةَ، وَالشَّفعَ يَومُ النَّحرِ » أخرجهُ الإمامُ أحمدُ في المسندِ والنّسائيُّ في الكبرى.
وأوضح أن حجُّ بيتِ اللهِ الحرامِ، مَنسكٌ عظيمٌ، فيه تتلاشَى النِّزاعاتُ، وتذوبُ الخلافاتُ، وتتهاوَى النَّعراتُ، وتتجهُ النفوسُ إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ، لا مجالَ فيهِ للتّباهِي بالألوانِ والأجناسِ، ولا فضلَ فيه لأحدٍ من النَّاسِ على النَّاسِ إلّا بالتقوى، خيرُ لباسٍ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّـيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ » أخرجهُ الإمامُ أحمدُ في مسندهِ وأبو داودَ في سننِهِ. والعُبِّـيَّةُ: الكِبْرُ والفَخْرُ.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن العبرةُ في هذا الدّينِ العظيمِ بما وَقَرَ في القلبِ وصدَّقهُ العملُ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» أخرجه مسلمٌ، فتزوَّدُوا عبادَ اللهِ، فإنَّ خيرَ الزّادِ التقوى، واستمسِكُوا مِن دينكُم بالعُروةِ الوثقى، وعليكُم بالجماعةِ، فإنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ، ومَن شذَّ شذَّ في النّارِ عياذًا بالله.
وبين الدكتور بندر بليلة أن كُبْرى القضايا التي قام عليها مَنسكُ الحجِّ العظيمِ، بل وقامَت عليهِ جميعُ الطَّاعاتِ والعِباداتِ: هي تحقيقُ التّوحيدِ، وتجريدُهُ لربِّ العبيدِ، وإظهارُ الاستسلامِ للهِ بالطاعةِ، والانقيادُ لهُ بالعبادةِ، والبراءةُ من الشركِ وأهلهِ يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ: ” التوحيدُ هو أصلُ الدِّينِ الذي لا يقبلُ اللهُ من الأوَّلينَ والآخرين ديناً غيرَهُ، وبه أرسلَ اللهُ الرسلَ وأنزلَ الكُتبَ والتوحيدُ هو الحسنةُ التي لا تعدلُـها حسنةٌ، والقربةُ التي لا تُوازيها قربةٌ، فحسنةُ التّوحيدِ تأتي على السيئاتِ فتمحُوها، وعلى الآثامِ فتجلُوها. عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه حينما أُسريَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ » أخرجهُ مسلمٌ قال أهلُ العلمِ رحمهُم اللهُ: الـمُقْحِماتُ: الذنوبُ العظامُ التي تُقحمُ وتُدخلُ صاحبَها النارَ ـ عياذًا باللهِ ـ.
وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على وجوب تحقيقِ التوحيدِ، والحذر ممّا يُعكّرُ نقاءَهُ، ويَخدِشُ صفاءَهُ، والتمسك بالسنةِ، وجانبُوا أهلَ الأهواءِ والبدعِ المُضلَّةِ، فالعبادةُ لا تُصرفُ إلّا للهِ وحدهُ، لا لملَكٍ مُقرَّبٍ، ولا لنبيٍّ مرسلٍ، فضلًا عمّن دونهُم من الأولياءِ والصالحينَ، ممّن لا يملكُ لنفسهِ نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشُوراً.
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي المسلمين بتقوى الله تعالى قال جل من قائل ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) .
وقال فضيلته : في مثل هذه الأيام في موسم الحج؛ تتجدد لدى المسلم بل المسلمين أجمع مواقف تنشرح بها صدورهم، وتهيم بها أرواحهم قبل مشاعرهم، يقلب المرء ناظريه فيرى بأم عينيه مشاهد تثلج الصدر، وتسر الخاطر؛ في ردهات الحرمين وفي صعيد المشاعر المقدسة؛ منظر مهيب حقاً، اجتماع الأمة في ملتقى إيماني روحاني، لباس واحد، نداء واحد، قبلة واحدة، نبي واحد، مقصدهم رضا رب واحد لاشريك له؛ فلا غرو أن أراد الله لهذه الأمة أن تكون عظيمة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكم تُتِمُّونَ سبعينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ» رواه الترمذي.
وبين فضيلته أن سنة الله وحكمته في هذه العبادات الموسمية، يتجلى فيها التئام شمل الأمة متجردين من الشعارات والنداءات والعصبيات، في ظل أمن وارف، وحشد جبار للجهود، وبذل سخي من قيادة وولاة أمر هذه البلاد خدمةً لوفد الله الحجاج والعمار.
ومضى فضيلته قائلاً: ما أعظم هذه الأمة المحمدية وهي ترفل في أبهى حلتها، وتكتسي أجمل كسوتها، متلبسة بعبادة تتساوى فيها مقامات الناس وطبقاتهم، دون اعتبار للون ولا جنس ولا مرتبة ولا منصب، مشيراً إلى أنها تعلو قيمة المخبر على المظهر، والصدق في القول والفعل على الادعاءات، تجلت هذه المعاني في خطبة الوداع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَاكُمۡ).
وأوضح فضيلته أن المشهد الذي نراه اليوم في مناسك الحج يحكي كثيراً من قيم الإسلام؛ المساواة والعدل والألفة والمحبة والتآخي وتحقيق العبودية والتجرد لله والإخلاص والتواضع، وهذا سبب الانجذاب الفطري لمبادئه السامية؛ أحب الناس الإسلام؛ وانتشر وينتشر لأنه واضح المعالم، وحق أبلج، يسعد النفوس، يشرح الصدور، يشبع فراغ القلوب، يهذب حيرة الأرواح، يملأ خواء الفكر، يلبي حاجات النفس ويروي ظمأها، ويمنح الأمن، مستشهداً بقول الله تعالى:(فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ ).
وأشار إلى أن هذه الجموع الغفيرة والألوف المؤلفة لم تأت إلى الحج بالقوة والقهر؛ بل سبقت أفئدتها أجسادها إلى أروقة الحرمين حبا وشوقا ورغبة، وتكبدت المشاق طلباً لرضا الرحمن، وهذا خير شاهد على أن انتشار الإسلام كان وما زال بالبرهان الساطع والدليل القاطع، والسماحة والقيم والأخلاق؛ حيث قال تعالى: (لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ)، وقال: (أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ).
وأكمل فضيلته بقوله: فلا تعجب أيها المسلم إن اجتمعت هذه الوفود من أقطار الأرض كلها من كل حدب وصوب؛ فإن قيم الإسلام وركائز الإيمان تتجاوز السدود، وتخترق الحدود، وتصل إلى شغاف النفوس في أي بقعة في الأرض؛ فترقيها وتطهرها وتجعلها خلقا آخر؛ قال الله تعالى: (صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ).
وبين فضيلته أن هذه الجموع أقبلت على الإسلام لأنه دين متوازن متجاوب مع متغيرات الحياة والعصور؛ يستوعب كل أحد، كل زمان، وكل مكان، يجيب عن كل مسألة، ويفكك رموز كل نازلة؛ قال الله تعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ)، مشيراً إلى أن هذه الأمة الإسلامية أحبت دينها لأنه منبع الاستقرار ومصدره، الاستقرار النفسي، الاستقرار الأمني، الاستقرار الاجتماعي؛ يزيل أسباب القلق والتوتر، ويسكب في النفس الراحة والسعادة والطمأنينة؛ قال عز وجل: (فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ).
وذكر فضيلته أن الإسلام قوى رابطة الأمة الإسلامية بتعزيز معاني الأخوة، والارتقاء بمشاعر المسلم ليكون محباً للخير لكل الخلائق؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، مضيفاً أن أمة الإسلام تقف شامخة بإسلامها، قوية بإيمانها، عزيزة بمبادئها؛ لأنها أمة القيم والمثل والأخلاق، هذا الذي نشاهده اليوم يجسد الأمة الواحدة المتحدة في الشريعة والشعور؛ نعمة عظيمة تستوجب معرفتها واستشعار قيمتها والحفاظ عليها بشكر المنعم، وقد كفل الله ديمومتها بنعمة أخرى عظيمة وهي نعمة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ الحصن الحصين والحرز المكين، وبقدر تمسك الأمة بها تدوم ألفتها، ويتماسك صفها، ويشتد بنيانها؛ وهذا يقتضي نبذ الفرقة بكل صورها بالقول أو بالفعل أو بحمل السلاح؛ قال تعالى: (وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ ).
ونبه إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن الأمة الإسلامية مطالبة بتحقيق الأمن الشامل الذي يتحقق به أمن الدنيا والآخرة وذلك بتحصين العقيدة من الزيغ والشبهات، وتعزيز الأمن الفكري لشباب الأمة من التطرف والغلو والتحزبات، ومن السقوط في براثن الشبهات ومزالق الشهوات، قال تعالى: (فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ).
وأشار إلى أن الأمة الإسلامية أمة العلم والعمل؛ تواكب التطور النافع، وتشارك في تنمية الحياة، وتحفز على السعي في مناكب الأرض وبناء الأوطان، وتنأى بنفسها عن الجهل والكسل والتواكل، مع المحافظة على ثوابت الدين وركائز الإسلام والقيم، وفي هذا السياق يتحتم على الأمة إبراز سماحة الإسلام ويسره وعدله وسعة أحكامه، والبعد عن كل ما يشوه صورة الإسلام ونصاعة تشريعاته، مضيفا أن المتدبر في الكتاب والسنة، ومن خلال آيات المناسك وغيرها؛ يرى دعامة ثابتة من دعامات هذا الدين من الحث على التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير؛ قال تعالى: (يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ)، وقال: (هُوَ ٱجۡتَبَاكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ ).
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي بأن المسلم يعتز بهذه الأمة؛ فهي أكرم الأمم؛ قال تعالى: (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ)، أمة وسط، لا غلو ولا تنطع ولا تهاون، محفوظة من الهلاك والاستئصال، فلا تهلك بالسنين ولا بالجوع ولا بالغرق، باقية ما بقي الزمان؛ ألا ترون هذه الصفوف التي نصطف بها في الصلاة قد خصت بها هذه الأمة؛ إذ جعل اصطفافها كصفوف الملائكة، والتكريم الأكبر يوم القيامة حين تأتي هذه الأمة غراً محجلين من أثر الوضوء، وهي الصفة التي يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بها أمته، ثم تترقى منزلتهم؛ فتكون هذه الأمة أول من يجتاز الصراط وأول من يدخل الجنة .
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم إمام وخطیب المسجد الأمة الإسلامیة ى الله علیه وسلم المسجد الحرام المسجد النبوی أمة الإسلام الله تعالى فضیلته أن هذه الأمة قال تعالى إلى أن
إقرأ أيضاً:
القراءة والكتابة في مخيمات النزوح
القراءةُ كما كل الطقوسِ الإنسانية، لها من يرغبها، وهو على أتم الاستعداد لممارستها في كل ظروفه، ولو بالحد الأدنى؛ لأنه يعتبرها الأكسجين الذي يتنفسه، أنا من أولئك الذين يفعلوا ذلك، ولله الفضل والمنة.
القراءةُ فعلٌ بشريٌ ليس كأي فعل آخر، إضافة إلى إنه أمر رباني، فهو له لوازم تسبقه، مثل توفر رغبة نفسية وراحة بال وهدوء، لضمان الخروج بنتائج إيجابية، وهذه الأشياء معدومة بغزة في ظل عدوان 2023 الذي غيّر خريطة حياتنا، فتغيرت الأولويات، وتقلصت، وصار المهم الحصول على الغذاء والأمن، وهنا تتجلى غريزة الإنسان في الحفاظ على ما يعتبره "لا بد منه".
توفر الرغبة يختصر على مُحبِ القراءة نصف الطريق، فلا يكترث بالضجيج أو أزيز الطائرات أو قصف الصواريخ أو بؤس الحياة، أو الجوع الذي ينهش الأجساد، وانعدام أبسط الحقوق البشرية، فهو برغم المعيقات يواصل مسيرة القراءة؛ لأنها تغذي روحه وعقله وتنسيه جوع جسده.
وقدر الله عز وجل لي مواصلة مسيرة القراءة، فقرأتُ ما يزيد عن 60 كتابا منذ بداية 2023 في شتى المجالات، وهذا كان ضمن خطة شخصية أُعدها سنويا وأضمن جزءا منها لقراءة الكتب، إضافة الى مواصلة مسيرة الكتابة.
لماذا نقرأ؟
القراءة في مثل هذه الظروف، خاصة إن كانت القراءة في السيرة النبوية والتجارب البشرية في كيفية التعامل مع مثل الظروف التي نمر بها، تقوي عزائمنا، وتعطينا فهما عميقا لما يدور حولنا، وأن ما حدث هو من قدر الله عز وجل، وما علينا إلا الصبر والاحتساب رغبة في كسب الأجر بانتظار النصر.
ماذا قرأت؟
قرأت كتب في السيرة النبوية، وكلها أخبرتني أن الابتلاء سنة الله في المؤمنين والرسل كلهم قد تعرضوا لذلك، والنصر للصابرين.
قرأت عن تجارب أمم انتصرت بالتضحيات لا بالكلمات، وأن فراعنة العصور كان مصيرهم الويل والثبور، والبقاء للشعوب.
قرأت إنتاجات الدكتور أحمد يوسف التي عبر فيها عن هموم وطنه، وتعرفت من خلاله على شخصيات كتب عنها، منها من قضى نحبه ومنها من ينتظر، وإبداعات الأستاذ حسني العطار الذي يلهمني دوما الجد والنشاط رغم تقدمه في العمر، فقد كتب في مجالات عديدة، وقرأت كثيرا من كتبه، وقضيتُ وقتا مع الدكتور عطا الله أبو السبح، فقرأت "ديوان الغربة" ثم حلقت معه في "خارج النص"، وأمسكت "السنبلة والسيف" وهي رواية تتحدث عن مريم فرحات منذ كانت صغيرة وأولادها صغار حتى كبرت وأنشأت أولادها على حب الجهاد، فصاروا ما صاروا أعلاما في ميدان المقاومة، وسهرت مع "المشعوذ" ليلتين، وتفحصت قصة حياته "طفولتي" بعناية، و"إلى الملتقى" أهدي إعجابي وشكري، ومن "رسائل إلى أساطيل السلطة" تعلمت كيف أقول الحق.
لم أنسَ "قضايا تفسيرية تحت الضوء" و"وعد الآخرة زوال لا إبادة" للدكتور نصر فحجان الذي يقدم لنا وجبة أمل بقرب زوال الكيان الغاضب، مستشهدا ببشريات وردت في القرآن الكريم وأحاديث رسولنا عليه الصلاة والسلام، ومن خلال محمد عبد الواحد حجازي تعرفت على "منهج اليهود في تزييف التاريخ".
ومن أجمل زهرات الكتب التي قرأتها هي رواية "صوت من وسط الظلام" للدكتورة الأديبة زهرة خدرج التي تشاطرنا همومنا وتدافع عنا وتدفع معنا ضريبة الانتماء للوطن وقول الحق، روايتها جرعة أمل تشعل النفوس للمضي نحو الهدف رغم قلة الزاد أملا بفرج وفرح من الله. قرأتُ كتاب "الحقيقة الكونية للحضارات" الذي كتبه الدكتور محمود الزهار، وقرأت كتابه "لا مستقبل بين الأمم" للكيان الغاصب، ففي كتابه هذا يفند مزاعم نتنياهو التي أوردها في كتابه "مكان تحت الشمس"، وقرأت كتاب "محاربة الإرهاب" لطاغية العصر نتنياهو الذي حرّض من خلاله الغرب على كل ما هو مسلم وأن ما يحدث الآن قد ذكره في ذاك الكتاب، وقرأت كتاب فلسطين واللعبة الماكرة للدكتور عدنان رضا النحوي.
وجهتُ قبلتي تجاه إنتاج أسرانا في سجون الاحتلال، وأعجبني انهم رغم القيود يكتبون ويُخرجون لنا تجاربهم الحياتية؛ لتكون لنا نبراسا، فدخلتُ "شريعة الغاب والخرافة" التي كشفها الأسير الدكتور "عبد الله البرغوثي" وفضح خلالها الصهيونية، وحينما انتهت الجولة أهداني "الغراقيد" وقال تفحصها، ففعلت وعرفت أن الأذى الذي أصابنا، أكثره من بني جلدتنا الذين يحفظون أمن عدونا، ومسكت "صدى القيد" الذي خطه بروحه وعقله الأسير القائد أحمد سعدات، وتحدث عن ظروف الحياة في السجون الصهيونية، والتي لا تليق بالبشر، ومع الأسير حسن سلامة قضيتُ عدة أيام، وذهلت مما كتبه في "خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ"، وسررت حين رأيت "الحافلات تحترق"، وكتاب "ألفية حماس" الذي رسم فيه الأسير أحمد التلفيتي مسيرة حماس بالشعر.
قرأت كتبا لكتاب غربيين أسلموا وكشفوا عورة الفكر الغربي المشوه القائم على إنكار الآخر، وأنهم هم فقط يحق لهم ما لا يحق لغيرهم، وتعرفت منهم على تفاصيل عن الإسلام لم أكن أعرفها لولاهم، منهم روجيه جارودي، الفيلسوف الفرنسي الذي أسلم وصار مدافعا قويا عن الإسلام والعرب وفلسطين، وكتب "الإرهاب الغربي"، و"وعود الإسلام"، و"محاكمة جارودي"، وقرأت لناعوم تشومسكي وآخرين، وعرفت أن الحضارة الغربية التي نعيش عقدة النقص تجاهها تعيش هي عقدة نقص مع القيم الإنسانية الأصيلة، قرأت "حتى الخليل إبراهيم يريد أن يطمئن" للأمريكي المسلم" للدكتور جيفرى لانج، الذي دافع بقوة عن الإسلام وفند اتهامات الأعداء بالعقل والمنطق الذي يعترفون به.
عرفت من خلال قيس الكلبي "حقيقة محمد في التوراة والإنجيل"، وعشت مع عمر بن العزيز عدة أيام، تعرفت على عبقريته في الحكم والعدل، وأكثر ما أذهلني أن هذا الرجل الذي ملأ العالم عدلا مات ولم يزد عمره عن 40 عاما، قرأت مذكرات مالكوم كس، زعيم المسلمين السود في أمريكا حتى منتصف ستينات القرن العشرين، وعرفت كيف عانى السود من ظلم الرجل الأبيض.
تعرفت على جبل شامخ من أعلام الثورة الفلسطينية "أبو الهول" هايل عبد الحميد الذي كان له دور بارز في العمل النضالي الفلسطيني، واغتاله الموساد.
جلست مع مصطفى الرافعي "تحت راية القرآن" عدة أيام، اكتشفت أنه يفضح المنافقين الذي يتهمون الإسلام بما ليس فيه، ثم دققتُ في الجزء الثاني من نظرات المنفلوطي، فندمتُ أني تأخرت عنه كثيرا، لما فيه من رقّة وإنسانية في التعبير، وجلست يومين تأملت في الحياة مع نوال السعداوي في تأملاتها، أعجبني بعضها.
وفي الأدب، سرحت في مثالية جبران خليل جبران التي تمناها في "والعواصف" والأرواح المتمردة"، وسبحتُ مع حنا مينا في "حكاية بحار" وأعجبتني "المغامرة الأخيرة" رغم ما فيهما من نقائص وجرأة في عرض الفكرة، ومع تمرد سحر خليفة حين "لم نعد جواري لكم" و"عباد الشمس"، و"عقد في زمن الردى". ولى المغرب الحبيب "غواية الشحرور الأبيض"، للكاتب محمد شكري.
وفي التنمية البشرية عرفت "لماذا تتذكر النساء وينسى الرجال" و"الأهداف" و"تنمية الإبداع عند الأطفال"، و"الدليل الكامل للتحكم في الذاكرة"، و"الشخصية الكاريزمية" للكاتب كريم الشاذلي. وتعرفت من ديفيد نينفن على "أبسط 100 سر لإقامة علاقات رائعة"، وتعلمت من طارق سويدان "فن الإلقاء الرائع"، و"التخطيط اليوسفي" للدكتور محمد رمضان الآغا.
لم أنس المرور على التراث العربي القديم، فتعرفت من خلال عدة كتاب عن قصص العرب في عصور خلت في مجالات عدة.
ما سبق هو جزء من الكتب التي قرأتها منذ 2023 حتى الآن، وربما أتطرق لبعض الكتب في مواضع أخرى، إن كتب الله لنا في العمر بقية.
رابط قناتي في يوتيوب وفيها حديثي عن الكتب التي قرأتها:
https://www.youtube.com/shorts/EyCzTnNe3Qc