أفريقيا ركيزة أساسية في استراتيجية صعود الصين قوة أولى عالميا

يلجأ الغرب إلى تبخيس العلاقة الصينية الأفريقية باستعمال تعابير ومصطلحات مثل «الاستعمار الصيني لأفريقيا».

هناك أسباب عديدة مرتبطة بزوايا المعالجة الجيوسياسية تدفع الغرب إلى التخوف من الانتشار الصيني في القارة السمراء.

المفارقة الكبرى في الخطاب الغربي: كيف يمكن وصف الانتشار الصيني بالاستعمار في وقت لم يسبق للصين أن كانت قوة استعمارية عبر تاريخها؟

يركز الغرب على استراتيجية روسيا والصين في رفع نفوذهما في أفريقيا، كما أن دولا غربية مثل فرنسا يقلقها كذلك دور دول أخرى مثل تركيا في أفريقيا.

يدرك الغرب أن أفريقيا باتت ركيزة أساسية في استراتيجية الصين لتعزيز نفوذها كقوة رئيسية في العالم ابتداء من العقد المقبل، ولا يمتلك رد فعل ملموس.

مفاهيم غربية محضة تنتجها وسائل الإعلام ومراكز التفكير الاستراتيجي ترتبط أشد الارتباط بخوف الغرب على مصالحه ووصاية الغرب على باقي العالم إذ لا يريد لأي قوة منافسته.

* * *

يستعمل الإعلام الغربي في بعض الأحيان في وصفه انتشار التواجد الصيني في القارة الأفريقية مصطلح أو تعبير «الاستعمار» وهذا يدل على عدم الارتياح للنفوذ الصيني بصفة نهائية، بينما ترى بكين في انتشارها في القارة السمراء وباقي العالم عملية طبيعية لدولة تبحث عن آفاق في الخارج.

وعموما، تعتبر تعابير مثل «التغلغل الصيني» و«التسرب الصيني» و«الاستعمار الصيني الجديد» مفاهيم غربية محضة تنتجها وسائل الإعلام الغربية وكذلك مراكز التفكير الاستراتيجي، وهي مرتبطة أشد الارتباط بخوف الغرب على مصالحه، كما تعكس نوعا من الوصاية الغربية على باقي العالم الذي لا يريد لأي قوة أخرى منافسته.

ولعل المفارقة الكبرى في الخطاب الغربي هي: كيف يمكن وصف الانتشار الصيني بالاستعمار في وقت لم يسبق للصين أن كانت قوة استعمارية عبر تاريخها؟

يركز الغرب على استراتيجية روسيا والصين في رفع نفوذهما في القارة الأفريقية، كما أن هناك دولا غربية مثل فرنسا يقلقها كذلك دور دول أخرى مثل حالة تركيا، لاسيما وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان خلال جولته الأفريقية السنة الماضية قد انتقد كل من روسيا وتركيا واتهمهما بتأليب الأفارقة ضد باريس وبالكاد أشار إلى الدور الصيني.

ووفق معطيات الواقع، يتخوف الغرب من الصين أكثر من روسيا في القارة الأفريقية، لأن الصين قوة عسكرية واقتصادية قادرة على تمويل مشاريع الانتشار عكس موسكو التي تعد قوة عسكرية ولكن ليست تجارية.

ويتخوف من الاستثمارات الصينية رغم أنها في أفريقيا تبقى محدودة حتى الآن مقارنة مع استثمارات في مناطق أخرى من العالم مثل أوروبا نفسها. ومن ضمن الأمثلة، تتلقى دول جنوب شرق آسيا استثمارات صينية تفوق عشرات المرات استثمارات الصين في كل دول أفريقيا.

ورغم أن الصين تحولت إلى الشريك التجاري الأول لمعظم الدول الأفريقية، يبقى وزن القارة الأفريقية في التجارة العالمية محدودا للغاية، وتحاول الصين إعطاء مكانة للقارة في الخريطة التجارية العالمية بآليات منها طريق الحرير.

وعليه، ما هي الأسباب التي تدفع الغرب إلى التخوف من الانتشار الصيني في القارة السمراء؟ عديدة هي الأسباب ومرتبطة بزوايا المعالجة الجيوسياسية، وعموما:

في المقام الأول، يعتقد الغرب أن الدول الأفريقية تجعل من الصين ليس بديلا للمؤسسات المالية والتجارية للغرب بل منافسا قويا في الوقت الراهن. وقد تصبح الصين البديل الحقيقي خلال العقد المقبل بسبب ليونة سياستها المالية وعدم فرض شروط سياسية مقابل القروض مثلما يحدث مع صندوق النقد الدولي والحكومات الغربية.

وإذا كانت المؤسسات الغربية تتردد في إقراض بعض الدول مخافة من عدم القدرة على التسديد، تنهج الصين استراتيجية أخرى وهي الحق في تسيير منشآت مثل المطارات والموانئ، وقد طبقت هذا على سريلانكا من خلال الحق في تسيير الميناء الرئيسي للبلاد لمدة 99 سنة.

في المقام الثاني، يدرك الغرب قوة الصين التجارية ومستوى الابتكار المرتفع، وهي أسباب كافية لجعل الدول الأفريقية تراهن مستقبلا على الصين بدل الغرب بهدف إيجاد حلول جذرية للتنمية.

وكان الأفارقة حتى الأمس القريب ينتقدون الغرب بسبب برامجه الاقتصادية التي لم تنتشل القارة السمراء من النزاعات، وقد يختلف الأمر مع الصين. وتحاول بكين مساعدة الدول للحصول على بنيات تحتية صلبة لتحقيق النهضة، الأمر الذي لم تهتم به الدولة الغربية من قبل في القارة السمراء.

في المقام الثالث، يتخوف الغرب من سياسة الصين في مجال الأسلحة مع القارة السمراء، إذ تبيع الأسلحة لمختلف الدول لكي تضمن استقرارها، وهي مكملة للسياسة الروسية المعتمدة في هذا المجال، ثم التركية الآخذة في هذا المنحى.

وإذا فقد الغرب السيطرة على صفقات الأسلحة، فقد السيطرة على القرار السياسي للدول الأفريقية. ومن ضمن الأمثلة حول ليونة الصين في مجال الأسلحة، لقد اعتادت الولايات المتحدة بيع الأسلحة للمغرب ولا تبيع للجزائر.

بدورها تبيع روسيا العتاد الحربي للجزائر دون المغرب، بينما الصين تبيع للبلدين. ويوجد تخوف للغرب من توفر الصين على قواعد عسكرية في أفريقيا وخاصة الواجهة الأطلسية. ولهذا يعتبر ملف التعاون العسكري الصيني-الأفريقي من الملفات التي تثير قلق الغرب.

في المقام الرابع، ويتعلق الأمر بمستقبل العلاقات الدولية، إذ يبدي الغرب قلقا من وزن القارة الأفريقية المتنامي في المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة، حيث تتزعم الصين وروسيا مطالب القارة السمراء بمنح أفريقيا حق الفيتو. وأصبحت معظم أصوات دول القارة السمراء لصالح روسيا والصين، وذلك من الجائحة ومع اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.

وخلال السنوات الأخيرة، نجحت الصين في رئاسة أربع منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة بفضل أصوات الدول الأفريقية، وهي منظمة الزراعة والأغذية، ومنظمة الاتحاد الدولي للاتصالات، ومنظمة الطيران المدني الدولي والمنظمة الدولية للصناعة.

ويبرز الباحث الفرنسي المتخصص في العلاقات الأفريقية-الصينية تييري بيرولت، أنه لم يسبق لدولة أوروبية أو الولايات المتحدة ترؤس أربع منظمات دولية كما فعلت الصين بفضل أصوات القارة الأفريقية.

ومن ضمن الملاحظات الرئيسية، كيف أصبحت كل قمة أفريقية-صينية التي تجري بالتناوب منعطفا في الرفع من مستوى العلاقات بين الطرفين ومنها التنسيق في القضايا الدولية، في المقابل تتراجع جودة العلاقات بين الغرب والقارة الأفريقية. وتريد الصين إعادة دين سياسي للقارة السمراء لأن أصواتها كانت حاسمة في طرد التايوان من الأمم المتحدة وتعويضها بالصين الشعبية.

في المقام الخامس، يراقب الغرب بقلق كبير كيف تهيمن الصين تدريجيا على المناجم في القارة السمراء من خلال استثمارات قوية وعقد صفقات طويلة المدى لشراء المواد الأولية. ويتم هذا على حساب مصالح الغرب بشكل تدريجي.

وأصبحت الصين منذ 2009 الشريك التجاري الأول للقارة السمراء بدل الولايات المتحدة، وبلغ التبادل التجاري بين الطرفين 282 مليار دولار سنة 2022 لصالح الصين التي صدّرت 147 مليار تقريبا، بينما ترتكز وارداتها على المواد الأولية.

يدرك الغرب أن أفريقيا تحولت إلى ركيزة أساسية في استراتيجية الصين لتعزيز نفوذها كقوة رئيسية في العالم ابتداء من العقد المقبل، ولا يمتلك رد فعل ملموس رغم إعلانه عن بعض المشاريع مثل مشروع البوابة الأوروبية، وفي المقابل، يتم اللجوء إلى تبخيس هذه العلاقة باستعمال تعابير ومصطلحات مثل «الاستعمار الصيني لأفريقيا».

*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب أفريقيا الصين استعمار روسيا فرنسا تركيا استراتيجية الصين فی القارة السمراء القارة الأفریقیة الدول الأفریقیة فی أفریقیا الغرب على الصین فی

إقرأ أيضاً:

جولد بيليون: صعود الذهب في مصر 35 جنيهًا مع تحرك الأونصة

شهد الذهب العالمي تعافي خلال تداولات اليوم وذلك بعد أن وصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من أسبوع خلال جلسة الأمس، الأمر الذي أعاد الطلب على الذهب إلى الارتفاع تدريجياً ولكن تترقب الأسواق بيانات التضخم الأمريكية التي تصدر اليوم وتأثيرها على الدولار وأسعار الذهب.

وسجل سعر أونصة الذهب العالمي ارتفاع اليوم بنسبة 0.6% ليسجل أعلى مستوى عند 3265 دولارًا للأونصة بعد أن افتتح تداولات اليوم عند المستوى 3237 دولار للأونصة ليتداول حالياً عند المستوى 3253 دولارًا للأونصة، وفق جولد بيليون.

يأتي هذا الارتفاع المحدود في أسعار الذهب بعد أن تراجع سعر الذهب يوم أمس بنسبة 2.7% وسجل أدنى مستوى منذ أكثر من أسبوع عند 3207 دولارات للأونصة. دفع هذا بعض المستثمرين إلى استغلال تراجع الذهب للدخول في صفقات شراء من جديد مما ساهم في ارتفاع سعر الذهب اليوم.

استقرار حركة الذهب اليوم تأتي في ظل ترقب الأسواق لبيانات التضخم الأمريكية التي تصدر في وقت لاحق من جلسة اليوم، في محاولة للحصول على إشارات جديدة حول مسار السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي.

من المتوقع أن يظل مؤشر أسعار المستهلك الذي يعتبر مقياس التضخم الرئيسي ثابتًا عن الشهر السابق، خاصة أن ارتفاع الرسوم الجمركية الأمريكية أدى إلى ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء البلاد.

من المرجح أيضًا أن تؤثر بيانات مؤشر أسعار المستهلك في قوة الدولار وفي توقعات إجراءات البنك الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية بشأن أسعار الفائدة، وكلاهما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتوقعات الذهب.

صرح بنك جولدمان ساكس يوم الثلاثاء بأنه يتوقع أن يخفض البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، مقارنةً بتوقعات سابقة بخفضها ثلاث مرات. بينما توقعات الأسواق خفضًا في أسعار الفائدة بمقدار 55 نقطة أساس هذا العام بدءًا من سبتمبر.

بالانتقال إلى الطلب المادي على الذهب من قبل صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب، نجد ان الأسبوع المنتهي في 9 مايو قد شهد خروج لصافي التدفقات النقدية إلى الصناديق بمقدار - 4.4 طن وهو أول خروج أسبوعي للتدفقات خارج الصناديق بعد 14 أسبوع متتالية من التدفقات الداخلة.

يذكر أن خروج التدفقات النقدية من الصناديق كان بقيادة الصناديق في المنطقة الأوروبية بمقدار - 3.9 طن يليها صناديق أمريكا الشمالية بمقدار - 3.1 طن.

الذهب أسعار الذهب في مصر

شهد سعر الذهب في مصر ارتفاع معتدل خلال تداولات اليوم بعد الهبوط الكبير الذي سجله عند افتتاح يوم أمس، حيث يتبع الذهب المحلي التحركات الحالية في سعر الذهب العالمي خاصة مع غياب التأثير من سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.

افتتح الذهب عيار 21 الأكثر شيوعاً تداولات اليوم الثلاثاء عند المستوى 4630 جنيهًا للجرام ليتداول وقت كتابة التقرير عند المستوى 4625 جنيهًا للجرام، وكان قد افتتح جلسة الأمس عند 4570 جنيهًا للجرام وأغلق عند المستوى 4605 جنيهات للجرام ليشهد ارتفاع بمقدار 35 جنيهًا، وفق جولد بيليون.

الجدير بالذكر أن سعر الذهب المحلي يوم أمس قد انخفض بشكل كبير عند الافتتاح ليفتتح عند المستوى 4570 جنيهًا للجرام منخفضاً بمقدار 120 جنيهًا عن اغلاق الجلسة السابقة.

لا يزال التأثير الأساسي في حركة الذهب المحلي يعتمد على سعر أونصة الذهب العالمي، خاصة في ظل استقرار حركة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في البنوك.

واستطاع الذهب أن يغلق تداولات الأمس فوق المستوى 4600 جنيه للجرام مما ساعد على تعافي السعر خلال تداولات اليوم، ولكن زخم الصعود يشهد ضعف خلال الفترة الحالية.

توقعات أسعار الذهب

عاد سعر الذهب العالمي إلى الارتفاع خلال تداولات اليوم ليعوض جزء من الخسائر التي سجلها يوم أمس بعد الإعلان عن اتفاق تجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى تنتظر الأسواق اليوم صدور بيانات التضخم عن الاقتصاد الأمريكي لمعرفة مستقبل تحركات البنك الفيدرالي بخصوص أسعار الفائدة.

تعافى الذهب المحلي خلال جلسة اليوم بعد التراجع الذي سجله يوم أمس، ليتبع التحركات الإيجابية لسعر الذهب العالمي في الوقت الذي تستقر فيه حركة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.

أغلق الذهب العالمي تداولات الأمس فوق المستوى 3230 دولارًا للأونصة والذي يمثل المستوى التصحيحي 50% ليفشل في كسر خط الاتجاه الصاعد الثانوي قصير الأجل، وهو ما ساعد السعر على الارتداد لأعلى خلال جلسة اليوم ولكن بشكل محدود في ظل حيادية مؤشر الزخم.

أغلق سعر الذهب المحلي عيار 21 تداولات الأمس فوق المستوى 4600 جنيه للجرام مما ساعد على التعافي خلال جلسة اليوم ليسجل 4630 جنيهًا للجرام، ولكن زخم الصعود يشهد بعض الضعف بعد الهبوط الكبير الذي شهده مؤخراً.

اقرأ أيضاًارتفاع سعر الذهب اليوم وفقاً لآخر تحديث.. «مفاجأة تصدم المقبلين على الزواج»

سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في منتصف تعاملات اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025

مقالات مشابهة

  • هيئة الاستثمار: الحكومة تعد استراتيجيات تكامل تجاري مع الدول الأفريقية
  • انطلاق البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة بمشاركة 17 دولة
  • ترتيب الأندية الأفريقية في تصنيف أندية العالم
  • انطلاق فعاليات النسخة الـ11 من نادي أفريقيا والتنمية بحضور البنك المركزي والتموين
  • صعود أسعار الذهب اليوم .. ومفاجأة في عيار 21 الآن
  • جولد بيليون: صعود الذهب في مصر 35 جنيها مع تحرك الأونصة
  • جولد بيليون: صعود الذهب في مصر 35 جنيهًا مع تحرك الأونصة
  • صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية
  • تقرير دولي: تغير المناخ يفاقم الجوع وانعدام الأمن والنزوح في أفريقيا
  • برلماني: تطورات قناة السويس ترسخ لمصر مكانة اقتصادية استراتيجية عالميا