في خطاب له يوم الأربعاء الماضي، هدد أمين عام حزب الله في لبنان، حسن نصر الله، جمهورية قبرص مشيرا إلى أنّه في حال فتحت مطاراتها وقواعدها العسكرية لإسرائيل في أي حرب محتملة على لبنان، فإنّه سيتم التعامل مع قبرص كجزء من الحرب. وقد بنى نصر الله تهديده على معلومات تفيد بأن إسرائيل قد تستخدم المطارات والقواعد القبرصية لمهاجمة لبنان، في حال استهداف حزب الله للمطارات الإسرائيلية.
ويمتلك حزب الله، وهو مليشيا مسلّحة في لبنان موالية لإيران، قدرات عسكرية تتفوّق على بعض الدول الإقليمية، علاوة على صواريخ بالستيّة قادرة على ضرب أهداف في دول مثل سوريا، والأردن، والعراق، والسعودية، وتركيا وقبرص. ويأتي تهديد حزب الله لقبرص ضمن أجواء مشحونة بالبروباغندا الإعلامية بين حزب الله وإسرائيل على خلفية التصعيد الجاري بينهما مؤخرا في توقيت غاية في الغرابة، ويتعارض مع الأسباب التي يطرحها كل منهما في تبريره لإمكانية اندلاع حرب محتملة بينهما.
تشير البروباغندا التي يتّبعها الطرفان إلى أنّ التوتر المتصاعد إنما يتعلق بأمور أخرى لها علاقة بإيران بالدرجة الأولى، والبرنامج النووي الإيراني تحديدا. إذ بدأ النقاش حول البرنامج النووي الإيراني بالعودة مجددا الساحة الدولية في نهاية الأسبوع الأوّل من حزيران/ يونيو، وهي الفترة نفسها التي دشّنت التوتّر المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله
إذ كثّف حزب الله مؤخرا من دعايته التي تقول إنّ التصعيد يأتي في إطار الحرب الإسرائيلية على غزّة، في الوقت الذي تتّجه فيه هذه الحرب إلى نهايتها كما يشير واقع الحال. ولو كان حزب الله معنيا بها كما يدّعي، لكان ذلك يفترض أن يقوم بالتصعيد مع إسرائيل في بداية الحرب وليس في نهايتها. ولأنّه لم يقم بذلك، فهذا يعني أنّها مرتبطة بملف آخر غير الملف المذكور.
على المقلب الآخر، فإنّ ادعاءات إسرائيل القائلة بأنّ الهدف من أي عملية عسكرية مرتقبة ضد حزب الله هو إبعاده عن الحدود لمسافة 10 كلم كجزء من اتفاق دبلوماسي من أجل وضع حد للتوتر على الحدود، تبدو سخيفة، نظرا لغياب أي اهمّية استراتيجية لمثل هذا المطلب، ما يعني أنّ هذا الادعاء هو مجرّد ذريعة لتوسيع الحرب أو الحصول على مكاسب مجانيّة على خلفيّة التهديد بالحرب في ظل الدعم الكامل الذي يتلقاه الكيان من الولايات المتّحدة وبعض الدول الأوروبية.
وتشير البروباغندا التي يتّبعها الطرفان إلى أنّ التوتر المتصاعد إنما يتعلق بأمور أخرى لها علاقة بإيران بالدرجة الأولى، والبرنامج النووي الإيراني تحديدا. إذ بدأ النقاش حول البرنامج النووي الإيراني بالعودة مجددا الساحة الدولية في نهاية الأسبوع الأوّل من حزيران/ يونيو، وهي الفترة نفسها التي دشّنت التوتّر المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله. ويعتبر حزب الله بمثابة أداة تفاوض وضغط مهمّة في سياسة إيران النووية، إذ إنّ العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، جاء نتيجة لإرادة إيرانية في استخدام حزب الله للتفاوض في الملف النووي. في المقابل، تريد إسرائيل، ولا سيما رئيس الوزراء نتنياهو، توسيع نطاق الحرب بعد فشله الذريع في غزّة، ويشمل ذلك الانخراط مع إيران وأذرعها الإقليمية.
ففي بداية هذا الشهر، كتبت ثلاث قوى أوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفاصيل انتهاكات إيران للاتفاق النووي المبرم عام 2015، في خطوة قد تمهّد لاحقا لإطلاق آلية العقوبات الشاملة على إيران بموجب الاتفاق النووي. ومع أنّ الرسائل البريطانية والفرنسية والألمانية لم تذكر صراحة النيّة بإعادة العقوبات، لكنها أشارت إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي كرس الاتفاق النووي ومنح تلك السلطة، ينتهي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وهي إشارة واضحة إلى الرغبة في استغلاله قبل فترة انتهائه. مسار الترويكا الأوروبيّة تضمّن أيضا في نفس الأسبوع جهودا أفضت إلى استصدار قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذريّة ينتقد إيران، على الرغم من التحفّظ الأمريكي.
مشكلة قبرص انّها بدأت بالانحياز بشكل فعّال إلى إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمن ضمن محور يضم كل من إسرائيل وقبرص واليونان شرق البحر المتوسط، حيث سعى هذا المحور إلى توثيق علاقاته الأمنية والدفاعية والاقتصادية والطاقوية والسياسية، وقد توسّع في بعض الأحيان ليضم فرنسا ومصر، وكان هدفه بشكل أساسي عزل تركيا والضغط عليها
التصعيد الإسرائيلي مع حزب الله وردود الأخير عليه يجب أن ينظر إليه من هذه الزاوية، فضلا عن أن كل مواقف وتحرّكات حزب الله يجب أن تفسّر دوما انطلاقا من طبيعة علاقته مع الولي الفقيه في إيران ودوره كفرع من الحرس الثوري الإيراني في لبنان، وليس من أي شيء آخر. ففي حين يتّهم حزب الله قبرص بالعمل بالوكالة عن إسرائيل، يقوم هو بنفس الدور فيما يتعلق بعلاقته مع إيران. وبالرغم من انّ قبرص وحزب الله ينفيان ذلك بين الفينة والأخرى، إلا أنّ نفيهما لا معنى له في ظل الوقائع الثابتة على الأرض.
مشكلة قبرص انّها بدأت بالانحياز بشكل فعّال إلى إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمن ضمن محور يضم كل من إسرائيل وقبرص واليونان شرق البحر المتوسط، حيث سعى هذا المحور إلى توثيق علاقاته الأمنية والدفاعية والاقتصادية والطاقوية والسياسية، وقد توسّع في بعض الأحيان ليضم فرنسا ومصر، وكان هدفه بشكل أساسي عزل تركيا والضغط عليها. وليس خافيا على أحد أنّ إسرائيل بدأت تتدرّب بشكل حثيث في أجواء قبرص واليونان بعد التوترات المتصاعدة مع تركيا، ولذلك فإنّ حديث نصر الله عن استخدام إسرائيل لقواعد في قبرص ليس سرّا وإنما معلومات متوافرة ومعروفة منذ زمن.
لكن الأهم من ذلك، هو أنّ قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي وتضم قواعد عسكرية بريطانية، وهي تحظى برعاية شبه دائمة من اليونان المدعومة بدورها بشكل قوي لا سيما اقتصاديا من ألمانيا. وقد تحدّث رئيس جمهورية شمال قبرص التركية أرسين تتار العام الماضي عن جهود فرنسية لإقامة قاعدة عسكرية بحريّة في الشطر الجنوبي من الجزيرة إضافة إلى بعض النشاطات العسكرية الفرنسية. هذا يعني أنّ قبرص، وهنا مربط الفرس، تتّصل بشكل مباشر بالترويكا الأوروبية التي بدأت تمارس ضغطا مباشرا على إيران فيما يتعلق بالتزاماتها النووية، وإمكانية إعادة تفعيل آلية العقوبات الشاملة على طهران.
بقدر ما يريد نتنياهو توسيع نطاق الحرب للفرار من مأزقه الداخلي في غزّة، بقدر ما يرغب حزب الله في تفادي هذه الحرب ليس لأمور تتعلق بالسلم والحرب، وإنما لأنّ حسابات إيران ومصالحها تقتضي عدم التضحية بالحزب في توقيت خاطئ
من هذه الزاوية، فإنّ تهديد نصرالله لقبرص لا يجب أن يُفهم منه أنّ محاولة للضغط على الأوروبيين لكي يقوموا بالضغط بدورهم على إسرائيل فقط، وإنما هو محاولة لتهديد الأوروبيين بتوسيع نطاق الحرب لتطالهم، وذلك كرد على الضغوط التي يمارسونها على إيران بالتوازي مع إمكانية إطلاقهم لآلية العقوبات الشاملة في الوقت الذي يستنزفون فيه كل طاقاتهم وتركيزهم للحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وبقدر ما يريد نتنياهو توسيع نطاق الحرب للفرار من مأزقه الداخلي في غزّة، بقدر ما يرغب حزب الله في تفادي هذه الحرب ليس لأمور تتعلق بالسلم والحرب، وإنما لأنّ حسابات إيران ومصالحها تقتضي عدم التضحية بالحزب في توقيت خاطئ أو في معارك جانبية لا تخدم الغرض من إنشاء الحزب بالدرجة الأولى. ولذلك، فهي تفضّل أن يتم استخدامه في حسابات تتعلق بإمكانية امتلاكها للقنبلة النووية أو في الدفاع عنها ضد أي عدوان أمريكي محتمل عليها في المرحلة المقبلة. وعليه، فإنّ السؤال عن إمكانية اندلاع حرب إسرائيلية على لبنان وإمكانية أن يستهدف حزب الله قبرص؛ لا يرتبط بموقف أو وضع الوكلاء، وإنما بمن يمثّلونهم او يعملون لصالحهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب الله قبرص إسرائيل النووي الإيراني إيران إسرائيل أوروبا حزب الله النووي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة من هنا وهناك سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النووی الإیرانی نطاق الحرب حزب الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
دولة حزب الله في لبنان التي انتهى زمنها
آخر تحديث: 12 غشت 2025 - 10:01 صبقلم: فاروق يوسف انزعجت إيران من قرار سيادي لبناني. هل كان على الرئيس اللبناني جوزيف عون أن يعرض قرار حصر السلاح بيد الدولة على الولي الفقيه قبل أن يصدره؟ المسألة لبنانية وليست إيرانية. كما أن لبنان دولة ذات سيادة ولا تتمتع إيران بحق الوصاية عليه. من حق دولته أن تفرض القوانين التي تؤكد من خلالها سيادتها على أراضيه. أما إذا كان لإيران رأي آخر فتلك مشكلتها التي يجب ألاّ يدفع لبنان ثمنها. وفي حال اعترفت إيران بأن لها جيشا في لبنان لا يحق للحكومة اللبنانية أن تمسّه فإن المسألة تأخذ حجما آخر يدخل في إطار، سيكون على لبنان باعتباره دولة مستقلة أن يكسره بالطرق التي تناسبه. في مقدمة تلك الطرق العمل على إنهاء ذلك الاحتلال بدءا من نزع السلاح الذي يمثله. كان الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصرالله يصف نفسه بأنه واحد من جنود الولي الفقيه. بمعنى أنه كان جنديا إيرانيا. يصح ذلك الوصف على كل أفراد الميليشيا التي كان نصرالله يقودها. وبالعودة إلى تصريحات نصرالله فإن إيران كانت (ولا تزال) تمول تلك الميليشيا بالمال والسلاح. الآن بعد أن تغير كل شيء في لبنان صار بإمكان حكومته أن تعيد الأمور إلى سويّتها وبالطرق القانونية. فليس صحيحا على سبيل المثال أن تلاحق العدالة عملاء إسرائيل فيما يُترك عملاء إيران طلقاء، يتجولون بسلاحهم ويهددون أمن وسلامة الشعب اللبناني الذي دفع باهظا ثمن مغامراتهم حين جروه عبر السنتين الماضيتين إلى حرب هي ليست حربه، ضاربين عرض الحائط مصالح لبنان وشعبه.
لم تصل الدولة اللبنانية إلى مرحلة مطاردة أعضاء ميليشيا حزب الله بتهم الخيانة والعمالة والتخابر مع دولة أجنبية. لا أحد في لبنان يتمنى أن تصل الأمور إلى تلك الدرجة الحرجة التي لا تخون الواقع لأن الواقع اللبناني كان دائما ملغوما ولم يكن السلم الأهلي إلا مناسبة لتمرير الكثير من الأخطاء التي أفقدت القانون هيبته. اليوم تسعى الدولة اللبنانية إلى كسر ذلك الخطاب الطائفي القائم على الاستقواء بالسلاح الذي لا يقع تحت سيطرتها. بالنسبة إلى حملة ذلك السلاح فإن ذلك القرار يعني إنهاء دولتهم. ومن الطبيعي أن يكون ما يحدث صعبا عليهم. ذلك ما يجب التعامل معه بحذر. وكما أتوقع فإن زعيم الحزب الحالي نعيم قاسم الذي رفض الاستجابة الفورية لقرار الدولة هو الأكثر دراية بأن دولة حزبه قد انتهى زمنها ومَن يقرأ خطاباته التي لا تزال خاضعة للرقيب الإيراني لا بد أن يكتشف بين سطورها رغبة في التفاهم عند الحدود الدنيا. ذلك ما يُشير إلى بدء مرحلة جديدة.
وللإنصاف فإن موافقة الدولة اللبنانية على الورقة الأميركية لم تكن خضوعا لمطالب إسرائيلية. كانت هناك قرارات دولية، كلها لمصلحة لبنان تضمنتها تلك الورقة. ليس من المقبول أن تكون هناك دولة داخل الدولة. كان حزب الله دولة همشت الدولة اللبنانية. وليس من المقبول أيضا أن يتم استبعاد الجيش اللبناني عن حدود الدولة ليحل محله جيش إيراني بحجة المقاومة. كما أنه لم يكن من حق أيّ جهة أن تسلب الدولة حقها في إعلان الحرب كما حدث غير مرة مع حزب الله الذي تبين في الحرب الأخيرة أن هلاكه ما كان ليحدث لولا أنه خضع لأوامر إيرانية كانت قد احتكمت إلى أخطاء في التقديرات التي سببت سيلا من الكوارث. أخطاء الحزب في حربه الأخيرة هي أخطاء إيرانية. وعلى العموم فقد آن الأوان أن يتخلص لبنان من العبء الإيراني. لتذهب إيران بأخطائها إلى جحيمها. فلكي يستمر لبنان في حياته صار عليه أن يتحرر من إملاءات المقاومة الإيرانية. ما من شيء في بيان الدولة اللبنانية الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة يشير إلى إيران. من حق الدولة اللبنانية أن تبسط سيطرتها على أراضيها. من حقها أن تطلب ممَّن يملكون سلاحا غير مرخص أن يسلموه لها. كما أن من حقها أن تنشر جيشها على حدودها. وعلى الجانب الآخر فقد صار على حزب الله أن يفهم أن زمنه انتهى. زمن الوصاية الإيرانية انتهى. لقد انتهى زمن دولته التي همشت الدولة اللبنانية المعترف بها دوليا. لبنان اليوم ليس جبهة إيرانية. وإذا ما كانت إيران قد انتحرت بالقيادات التاريخية لحزب الله فإن القيادة الحالية للحزب لن تنتحر كما أتوقع من أجل عيني إيران.