سينمائية التراكيب والدراما عند محمد طة القدال (3)
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
محمد طه القدال وجلباب الشاعر عبد الرحمن الابنودي
بقلم د. سامية عباس كرجويل
أكاديمي باحث وناقد
البناء المعماري للقصيدة عند كل من محمد طة القدال وَعَبَد الرحمن الأبنودي
المشهد الشعري عند القدال والابنودي
يبدأ القدال وَعَبَد الرحمن الأبنودي القصيدة بتهيئة المتلقي للمشهد برسم كنتور المشهد الشعري بكل تفاصيله ليشحذ الخيال بوصفه بدقة وبكل تفاصيلة فينقله الى المتلقي وكانما هو تجهيز لخشبة المسرح .
مرق حمدان على الترس / والسماء مشلوخ / والدنيا دوارة / اذا بيناية الترس ينفع/
فدار الحوار بين حمدان وابوه بوصفة لحالة الحوش وهو غارق في بركة من الموية:
:" حصل يأبا جانا غضب وموية ركب/ شقوق الفارة وأم سيسي/.......
والخطوة الثانية في البناء المعماري للقصيدة ينتقل الشاعر الى وحدة الديالوج ويبدا في الحوار المسرحي المبني على الدراما عاكسا التجسيد الصوري للمشهد الشعري على الصورة المجسمة والتصويرية في الوصف بإعداد منصة للانطلاق وتهيئة المتلقي لوصف المشهد وهكذا ينتقل في الوحدة الثانية الى الديالوج .
ثم نقل الحوار ليكون مع زوجتة ام حمدان ليحثها على الإسراع بان تخلي البيت و تترك كل شئ وراءها ، كل شئ معبرا عن ذلك بان لا شئ ذو قيمة سواء الأرواح : " قلتلك امرقي يابنية : هو شن كراب وشن قرقاب/ وشن هباب / هو طينة في التراب نية / ، وهنا استعان القدال بالأصوات لتجسيد الحركة ونقل المشهد الشعري في هذه الوحدة الى مخيلة المتلقي فكان التجسيد باحداث الأصوات الحركية ومنها عند انهيار الحائط "وتسمع اردروب" ، وصوت الرصاص وهو يتكسر وعند سقوط المعزّه بين الشعبتين والباب فكان الصوت " روب " بضم الواو هنا حركت هذة الأصوات مخيلة المتلقي وجسدت الصورة في مخيلة لتظهر امام ناظرية بوضوح مجسمه للمشهد.
وبهكذا طريقة داب القدال على تصوير المشهد محركا له في مخيلة المتلقي فتكون اضاءة في الوحدة السينمائية وبالتالي يحدث تفاعلا اكثر عمقا وأثرا ، كما وان الجناس التام كان حاضرا في القصيدة.
الديالوج والدراما في شعر القدال
حيث اعتمد القدال في وصف اثر ' السيل ' في قصيدتة " خمسين" على رسم الصورة في المخيلة بمجرد سماع النص ملحقا لها بديالوج . ففي تصوير المشهد الشعري عكس الفقر عند اهل الجزيرة وان نقل الإحساس باهمية السرعة لتدارك الأثر السلبي للحدث على ارواح الناس وقد تشابه في استخدام الديالوج في القصيدة وبناء الموقف السينمائي والدرامي في مخيلة المتلقي فجسد المشهد من خلال " مفتاح القصيدة" فكان ذلك منصة انطلاق فنجد في قصيدتة :" الرتينه بت سالم ود عتمان في حنة علي الشاشوق" بداها 'بمفتاح القصيدة واصفا ولادة الرتينه
:" بنية بنية لي سالم ولد عتمان صلاة الزين وسموها الرتينة ، أمها بت علي الخمجان خريف الرازه عزينا/ كبار الحلة اباتها/وبكار الحلة اماتها/ تمرق زينة / تبرق زينة تمشي تهاني وزينة.....
رسم القدال لوحة تشكيلية لقيم اهل الريف ومنها النخوة والشهامة و الخوف على العرض والمحافظة علية وقد تجسد في توضيح العرف السائد وهو توصيل البنات على ضوء الرتاين الى ديارهم. رسم القدال تلك اللوحة التشكيلية وزينها بمنمنمات الحوار الذي دار مع الرتينه بت سالم ود عتمان متمثل في الدراما التي حواها
الديالوج مع الرتينه بعد انتهاء الحفلة وتقديم البنات على ضو الرتاين كعادة اهل الريف :
" أقول ابنيه ليش ماتهمي / ما تهمي ليش / لي زولا مشلهت فوق دريبك لا النفس مجبور ولا لحق الغزالة/ وقفت وانبهطر ماشيها جدعت بي البسم رشاشها/ اا المهجوم اهجمك الله/ كان داير تسى لي الخلعه/قالت والعيون ضاحكا/ في ضوء الرتاين بشاشا/عاد من حيني جاءتني الحالة/ قلتله لا لا/ حات النعمة اابنيه البريد/ في الريده ما بخبر فسأله/ كدرت باسمه / قتلها عايني تسلم عينك مو ساهل كتالا...../ وحلت الفرحة في ها الليل/ بشوف فيك عزابواتي/ ضراعاتك خضر يا الباهي/ ما دايرالي من غيرك كفالة/. وجاتني النهمه/ قلتلا/ إقيفي يا المريوده / عاوز ارمي لي مرباعين(3 / وتبقي حمالتي عند سيد الحمالة/ قالت والفجر في خديدها/ اا الممسوخ حدانا العين....../ يرد ريدك كفاح.اهلي/ بريدك/ وأريد ريدك سماح اهلي/ وأريد مهواك/ وأريد انسانك الجواك/ وأريدك تاني زي اخر الحتاله......../ وادوبيلك /ادوبيلك / واشيلك غنوة للسمحات/ انمك في تراتيلي/ وكل ما العتمة تنزل سابله/ انسى عناى/ واتاوق لىقناديلك/ وأشد حيلي وادوبيلك/ اذا مغناى/ يبرد في الحشا صبرك/ يرجعتها ليلى وادوبيلك/ ولو الشوق عرف بكاك/ أطرى غناى/ عليك العز/ عليك العزه يا المريوده / ادوبيلك(.1)
كما استخدم الأبنودي نفس التقنية وأسلوب الحوار مع الاخر في قصيدتة : " يمنة" ومن أمثلة ذلك الديالوج:
...."شفتك مرة بالتلفزيون/ ومرة وروني صورتك في الجورنال/قلت : كبر عبد الرحمن!/امال انا على كدة مت حول!!
....... قالو لي ...قال : خلفت!! وانت عجوز خلفت ياخويا؟ / وبنات كمان...../وامال كنت بتعمل أية/ طيلة العمر الفات؟ / دلوقت ما فقت؟ / وجايبهم دلوقت تعمل بينهم آيه / على كلا..../ أهي. ريحة من ريحتك على الارض يونسوا بعض/
.... حلوه مَرْضاتِك ... وعويلاتك؟ ؟ ولا شبهنا؟ سميتهم أية؟ ( أية ونور) / ماعرفتش تجيب ليك حتة ولد؟ولا أقولك يعني اللجبنهم نفعتنا في الدنيا بأية؟/......لم يغفل الأبنودي التركيز على مفاهيم المجتمعات الذكورية وقيم البتطرياركية التي تمجيد وتعظم الذكر على الأنثى .شحن الأبنودي هذه القصيدة بالكثير من النقد للسلوك الاجتماعي للاولاد و تجاهل. الوالدين في الكبر وعدم الاهتمام بهم وعدم السؤال عنهم او معاونتهم ، ذكر ذلك في اكثر من نص في القصيدة ومنها. هذا النص: " طيب ده انا مزروعة في ظهر الباب لي ست سنين/ لم يطلو علي أحبة ولا اغراب / خليهم /ينفعو/ أعملهم اكفان/........../اول ما يجيك الموت...افتح/اوعى تحسبها حساب!!!! بلا ود ....بلا بت/دا زمن يوم ما يصدق كداب!!!/ سبها ليهم بالحال والمال وانفد/اوعى تبص وراك/ .....
التفكيكية في شعر القدال والابنودي
والتفكيكية تشير الى ما يخبئه النص الشعري من ايديولوجية تظهر جليا عند الغوص في داخل النص وتجميع الجزئيات وتركيبها لاستخلاص الدلالة والرمزية من باطنها .
ومنها على سبيل المثال وليس الحصر عند القدال نجدها في : "طواقي الخوف" ، "ضريبة طلح ياوالي!!!"، "مسدار ابو السرة لليانكي" .لم يخفي القدال راية في ضياع الجنوب وعبر عن أسفه علية بأنة سيمتنع عن سيرتة ومن شدة الغبن كان اضعف الإيمان لديه ان يترجى المولي ان لا يكون موجود في الحياة عند ضياع هذة البلد قائلا: " شاحدك ياكريم لا احصل خرابا ولا ارجى يوم وديرها / وانا ما بجيب سيرة الجنوب "، فكأنما استجاب المولى لهذا الدعاء. كما تساءل في استنكار عن حلايبب: " وين حلايب.... وين حلايب؟" ، السؤال استنكاري وتقريري !! ملئ بالاتهام الدال على الامبالاة والتفريط وضياع الحق!!.
وشملت القصيدة الكثير من اوجة النقد للسلوك السلبي لمن تولوا امر هذا الشعب والسلطة فكان الاتهام لهم بذمم واسعة ومن يبيع تراب بلدة هين علية ' ان يبيع ابوه' وكانت صرخة بصريح العبارة :
" والبناطلين ليها سيستم / والقوانين ليها سيستم / والبنوك الفيها بستم/ من سويسرا / ولي ماليزيا/ بالسفارات/ والعمارات/ والخبارات/ انا كنت متغطي/ ومتدفي/ العمة ملوية/ والشال على كتفي/ سودان وكان ما كان/ سودان كان على كيفك/ السكة ساعة أيد/ والأرض مروية/ والنَّاس حنان وظراف/ والرائح يجيك للحول/والخًدمة مظبوطة/ مظبوطة مدنية/ ...وفي هذا إشارة واضحة لما تم نهبه وتردي الحال وكيف كان وكيف تبدل و صار!! ، وقد راى القدال ما لم تراه زرقاء اليمامة وهو ما رواه على لسان 'امونة':" امونة شن بتشوفي ....ياعيوني شن بتشوفي/شايفة الدموم واللمة / بين الدقون والعمة/ ولاني فوق معلق/ صقر الحدي مندوفي/ ياعيوني شن بتشوفي/ وَيَا امونة شن بتشوفي"؟
تشابه القدال وَعَبَد الرحمن الأبنودي فى نسج وغزل " الشعر السياسي" ، وكانت واضحة عند الأبنودي وميوله اليساري في قصيدتة :" الأسطى حراج " القط العامل في السد العالي وقد فاح عبق الاشتراكية التي تبناها جمال عبد الناصر في عهدة وفاحت تلك الروح التي اضاءتها مراسلاته مع زوجته " فاطنة عبد الجبار " في جبلاية الفار وتضمنت تفاصيل عن مصير أبناء هذة الطبقة في أعقاب الحروب ومجتمعات التهجير.
وللموضوع بقية في 3/2.
المصادر:
1."كلام الرتينه بت سالم في حنة علي الشاشوق"،
HTTPS://wadikh. Wading.ahlamontada . Net
10Nov 2008
2. الابنودي، عبد الرحمن . قصيدة "يمنة" "http so:www.youm 7.com
3. الطيب ، الطيب محمد: ( 2013). دوباي ،الناشر هيئة الخرطوم للصحافة والنشر
(والمربع نوع من الشعر الشعبي المشهور وقد خرج من صلب الدوباي لانه يشبهه شكلا ومضمونًا)
Sent from my iPad
kargwell65@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المشهد الشعری د الرحمن
إقرأ أيضاً:
خالد عامر يكتب تحديات ما بعد 7 أكتوبر.. قراءة في المشهد الفلسطيني
كشفت قضية فلسطين وأعمال الدمار الحالية والممنهجه الى خبايا خطة أمريكية اسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية والإيقاع بمصر التى تشهد حدودها مع قطاع غزة تحولات حيث تسعي اسرائيل وأمريكا الى اعادة ترسيم الحدود المصرية مع الجانب الفلسطيني المحتل من خلال عملية ممنهجه وهي بدأ التنسيق بين أمريكا وإسرائيل لتوزيع المساعدات الإنسانية لسكان القطاع من خلال شركات أمنية أمريكية الامر الذي يهدد اقامة دولة فلسطين ومن ناحية اخري يهدد حدود مصر وأمنها القومي فأنا لست ضد توزيع المساعدات لكن ضد التوزيع بهذه الطريقة التى تخفي أهدافا سياسية وأمنية لها مخاطر شديدة على القضية الفلسطينية وأمن مصر القومي.
فوجود مثل هذه الشركات الامنية الأمريكية على حدود مصر من ناحية قطاع غزة بحجة توزيع المساعدات ستكون البداية للاعتراف بدولة اسرائيل الكبري وانتهاء دولة فلسطين فعندما رفض الرئيس السيسي دخول المساعدات وتسليمها للجانب الاسرائيلي لتوزيعها على سكان القطاع كان السبب عدم اعطاء اسرائيل شرعية الوجود لان ببساطة موافقة مصر تسليم المساعدات لإسرائيل هو اعتراف بوجودها وبشرعيتها ومستقبلا سنجد تدخل دولي على حدود مصر مما يهدد السيادة الوطنية المصرية.
والقضية الفلسطينية تواجه تحديات حرجة دفعت مصر لتبني مجموعة من السياسات تمنع تصفية القضية بعد تراجع المطالبه بحل الدولتين في معظم المحافل الدولية إلا من خلال مصر فقط واختزال القضية الفلسطينية في الدور الإنساني فسعت مصر لتعزيز وتقوية دور السلطة الفلسطينية في غزة والتصدي لمحولات عزل القطاع وتفتيت الأراضي الفلسطينية وتعزيز عمل عربي مشترك وتوحيد الصف الفلسطيني وإحباط المخططات الإسرائيلية بتهجير سكان القطاع إلى أراضي دول أخرى والتى ستكون عواقبه نكبة جديدة أسوء من نكبة 1948.
وهنا كان التمسك بالموقف المصري الرافض لأي توطين للفلسطينيين خارج اراضيهم الموقف الذي سيزيد من احتمال تعرض مصر لضغوط دولية لفتح الحدود أمام لاجئين فلسطينيين تحت مسمى الوضع الإنساني.
فأمريكا وإسرائيل تتبع الان فرض سياسة الامر الواقع وشرعنه البؤر الغير قانونية تمهيدا ليشرعنوا وجودهم وده اساس الخلاف المصري من البداية الموقف يزداد كل يوم تعقيدا وسط تطورات ستتسبب في تغيير ديموغرافي للمنطقة.
مصر تقف الان ضد هذا وتنتظر رد فعل قوي للدول العربية بعد اعلان اسرائيل الغاء زيارة وزراء خارجية السعودية وتركيا وقطر والأردن والبحرين وسلطنة عمان ومصر ننتظر رد فعد الاشقاء العرب بعد رفض الزيارة وهم يمتلكون ادوات سياسية قوية من خلال العلاقة القوية مع الرئيس الامريكي وملف تطبيع العلاقات والإستثمارات والمؤكد ان التطبيع سيعود عليهم بالنفع وستحسب لهم انهم من احيوا القضية ولم تاخذ عليهم تاريخيا فالتاريخ لا يرحم احد حين يذكر أن التطبيع جاء بهدف إقامة دولة فلسطين على حدود عام 67 فإلغاء زيارة وزراء الخارجية العرب للقدس ولقاء الرئيس الفلسطينى اعقبها إعلان غريب.
لوزارة الدفاع الاسرائيلية وهو الموافقة على بناء ٢٢ مجمع سكني فكرة اقامة مجمعات سكنية وتسكينها قبل أسابيع من إعلان بعض الدول الاوروبية الاعتراف بدولة فلسطين خلال مؤتمر سينعقد في الامم المتحدة برعاية فرنسا بمعنى انهم يبنوا في منطقة عليها نزاع وعندما تعلن الدول الاوروبية الاعتراف بدولة فلسطين سيكون رد الكيان أين هذه الدولة لتجد المعني الحقيقى للمثل المصري يبقي الوضع كما هو علية لتكون بداية إعلان دولة اسرائيل الكبري.
يبقي الامل منشود على الاخوة الاشقاء في تبنى موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية والتصدي لمحاولات تصفيتها وإعادة توزيع المساعدات داخل غزة بإشراف عربي ودولى محايد وليس من خلال أطراف أمنية أمريكية احياء القضية الفلسطينية والضغط للاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 كما يطالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيحسب للجميع وليس لمصر فقط فكما قلت التاريخ لن يرحم أحد سيذكر ما لنا وما علينا حفظ الله مصر حفظ الله الجيش.