على الرغم من الأهمية العالمية لمدينة الأقصر التي تمثل دجاجة الذهب لمصر، فإن المدينة خضعت دائمًا لمزاج من يأتي على رأسها محافظًا، فإذا كان يملك فكرًا ورؤية كسمير فرج، فإن أبواب الاهتمام العالمي والسياح ومشروعات التنمية تفتح وينعم بها أبناء الأقصر، وأبناء شعب مصر كلهم، وإذا كان المحافظ رجلا يعشق الجلوس بالمكاتب، وترهبه عظمة الفراعنة، ويخشى اللعب مع كبار العالم، فإن الأقصر تصبح مهملة ومنسية وكأنها ليست هي التي يجب أن تتربع على خريطة مدن هذا الكون.
وفي السنوات الأخيرة اختفت الأقصر، وظلت حبيسة جدران الجبال في مقابر الفراعنة، وشكا أهلها من الحاجة والفقر والبطالة وسوء الخدمات وعدم الاهتمام وكأنها تعاقب على جريمة لم ترتكبها. ومع وصول المهندس عبد المطلب ممدوح محافظًا جديدًا، يأمل أبناؤها أن يكون الرجل من أصحاب الفريق الأول الذي مثله اللواء سمير فرج.
ووفقًا لهذه الطموحات فإن أهم ما يشغلهم الآن ويطلبونه عاجلًا من محافظهم الجديد، الآتي:
1 ـ الأقصر الجديدة:
صدر قرار جمهوري بإنشاء الأقصر الجديدة في العام 2010، وجاء القرار تلبية لتوصيات برنامج إنماء العالمي للأمم المتحدة الذي أوصى بمكان المدينة متوسطًا المحافظة، بحيث يصل إليها أبناء الغرب والشرق والجنوب والشمال من خلال كوبري البغدادي الذي يربطها بغرب الأقصر، وطريق مصر أسوان الذي يربطها بإسنا في الجنوب، إضافة إلى طريقها المفتوح مع شمال الأقصر، وهو اختيار تم بناء على دراسات علمية شملت رؤية الأمم المتحدة، وخبراء التنمية في العالم للأقصر كمدينة عالمية يتم نقل خدماتها وسكانها من حول المقابر والمتاحف الفرعونية إلى الأقصر الجديدة من ناحية، وتشجير وتخفيض درجات الحرارة وإنقاذ المعابد من المياه الجوفية والانهيار من ناحية ثانية.
سيادة المحافظ، الدراسات موجودة كاملة بالخرائط بمكتبكم بالمحافظة.
2 ـ إحياء السياحة:
لا يمكن لأي محافظ أن يعمل بالمدينة دون استشارة الخبراء العالميين والمحليين في كيفية الاستفادة من كل ثروات الأقصر الأثرية، وإعادتها كقاطرة للتنمية لجميع البلاد، ولا يعقل ألا يكون بالمحافظة حتى الآن أي استشاري في مجال السياحة وهو ما يتطلب بصورة عاجلة البدء في ذلك.
3 ـ طريق مصر ـ أسوان:
فشل كل المحافظين السابقين في إتمام ازدواج طريق مصر- أسوان من الأقصر شمالًا وحتى إسنا جنوبا، وتوقف إتمام الطريق بسبب عراقيل هشة جدًا لا يمكن قبولها لتعطيل هذا المشروع الكبير الذي بدأ في عهد اللواء سمير فرج. ومن خلال خبراتكم في هذا المجال، يأمل أبناء المدينة في إتمام الطريق وهذا لا يتطلب أكثر من إرادة وقرار.
سيادة المحافظ، الأقصر المدينة وقراها في حاجة ماسة لزيارات ميدانية لوضع تصور من خلال الواقع والاستماع إلى آراء الناس لكيفية حل مشكلاتهم، خاصة أن غياب المحليات قد أغلق أبواب المعرفة في هذا الأمر، لذا نرجو أن تطوف بأرض الأقصر شمالًا وجنوبا وشرقا وغربا قبل أن تبدأ في تنفيذ أي قرار.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
ما الذي يفعله فينا عجزنا تجاه أطفال غزة؟
ترجمة: أحمد شافعي -
شاهدت على شاشة هاتفي في الشهور الماضية من الصور ما سيظل مستوليا عليّ لما بقي من حياتي. رأيت موتى وجرحى وجياعا من الأطفال والرضَّع، وأطفالا يبكون أمهاتهم في ألم وفي خوف، وآباءهم وأخواتهم وإخوانهم. صبيا صغيرا يرتعش هولا من صدمة غارة جوية. مشاهد عصية على الوصف للرعب والعنف أصابتني بالغثيان. ففي بعض الأحيان أعبر هذه الصور والفيديوهات، خوفا مما قد أراه بعدها. ولكنني في غالب الأحيان، أشعر أني مكرهة على أن أكون من الشاهدين.
وأعرف أنني لست وحدي في ذلك. كثيرون للغاية منا، نحن المنعَّمين بما لدينا من امتيازات وأمان، شاهدوا معاناة أطفال غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في صور تمتزج امتزاجا صادما بإعلانات ونكات وصور لأطفال آخرين يبتسمون آمنين. وما يجعل الرعب أشد وقعا هو أن هؤلاء الأطفال كان يمكن أن يكونوا أبناءك أنت، أو أبنائي أنا، أو أبناء شخص نعرفه، لولا صدفة الميلاد.
جهر آلاف البشر بمناصرة أولئك الأطفال وأسرهم، سواء بالكتابة للسياسيين، أو بالتبرع للجمعيات الخيرية ومنظمات الإغاثة، أو بالتظاهر في الشوارع. وبرغم ذلك تستمر هذه الحرب على الأطفال، وثمة إحساس طاغ بالعجز عن مساعدتهم. ولا يكاد عقل يتصور ما يمكن أن يسوء إليه الحال، لكن الحال يسوء مع أخبار ترددت هذا الأسبوع بأن أربعة عشر ألف رضيع يعانون من سوء تغذية حاد بحسب تقارير للأمم المتحدة. والسبب في ذلك هو التجويع العمدي، أي استعمال المجاعة سلاحا حربيا و«أداة إبادة» بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش.
ينجم عن هذا العجز الطاغي أمام رعب يتجاوز الخيال إحساسٌ جماعيٌّ بالأذى المعنوي، وهو شكل من أشكال الضيق النفسي العميق الذي قد يستشعره الناس حينما يكونون مرغمين على التصرف ـ أو عدم التصرف بالأحرى ـ بما يتعارض تعارضا مباشرا مع قيمهم أو منظوماتهم الأخلاقية. وقد صادفت هذا المصطلح للمرة الأولى عند الحديث مع عاملين في المجال الطبي أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة خلال الجائحة. إذ كان أطباء وممرضون وعمال رعاية صحية يعانون ألما مبرحا لعدم قدرتهم دائما على توفير العلاج للمرضى الذين كانوا في أمسّ الاحتياج إليه، وذلك بسبب نقص المعدات والموارد والقيادة وبسبب عدد المرضى الهائل من المصابين بأمراض خطيرة.
لا مكان على وجه الأرض يبلغ فيه هذا الشعور من القوة مبلغه في غزة نفسها. فبالنسبة للعاملين في المجالين الطبي والإغاثي هناك، قد يكون الحزن والإحساس بالذنب والخيانة وعدم القدرة على مساعدة الجميع واقعا يوميا. وحينما تكون وظيفتك هي أن توفر المساعدة أو التغذية أو العلاج، فقد يتسبب العجز عن القيام بذلك في صدمة عميقة.
ولا بد أن الآباء في غزة يعيشون عذابا عظيم الوطأة إذ يرون أبناءهم يبكون جوعا وهم عاجزون عن إطعامهم. وكثيرا ما أفكر في الرضع الذين كانوا في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة التي تعرضت للقصف، أعني تلك الصورة لحديثي الولادة في مستشفى الشفا وقد وضع السبعة منهم في سرير واحد للحفاظ على حرارتهم وحياتهم. أفكر في أمهاتهم، وكثير منهن اضطررن إلى الولادة دونما مسكنات الألم والمعدات الطبية الملائمة.
أين هم الآن؟ كم من منهم نجا؟ وما أثر ذلك على المسعفين الذين بذلوا الجهد المضني لإنقاذهم؟
لكنني بدأت أيضا أفكر في أثر الأذى المعنوي بالوكالة وعلى نطاق واسع. ولست في معرض مساواته بما يمر به الناس الموجودون على الأرض. لكن ذلك الإحساس بالعجز وما يترتب عليه من إحساس بالتواطؤ: ترى ماذا يفعل هذا الإحساس في الناس من شتى أرجاء العالم ممن يشعرون أن ما يحدث خطأ؟ ما أثر شهود كل هذه المعاناة العميقة، حتى ولو عبر شاشة، والإحساس بالعجز عن العمل أو العجز عن إرغام الآخرين على العمل؟
أفهم الآن لماذا توقفت والدتي عن مشاهدة الأخبار بعد ميلادي. ذلك لأنها لم تقو على احتمالها. أنا أيضا شعرت بإغراء الانكفاء على الذات منذ أن أنجبت ابني، والانغماس في الدفء والأمن اللذين ننعم بهما في حياتنا. لكن الإنترنت يزيد من صعوبة الانفصال، والأخبار تجري في مجرى مواز لحياتنا، والحدود بينهما تنطمس. ففي ليال كثيرة وضعت ابني فيها في مهده، وهو ممتلئ البطن، نظيف الثياب ناعمها، وبكيت في صمت أولئك الأطفال الذين لا ينعمون بالدفء في أسرّة.
وفي الساعات المبكرة حينما يستيقظ طلبا للحليب، يكون أقصى ما يجب عليَّ أن أفعله هو الذهاب إلى الثلاجة والإتيان بالحليب، ونجلس لا منصتين إلى صوت القنابل وإنما منصتان إلى زقزقة عصافير كأنها كانت تملأ السماء.
يبدو لي هذا التناقض بين أمنه وخوفهم تناقضا فاحشا. فهل يكون هذا نوعا من الأذى المعنوي؟ ثمة شيء في مصاحبتك يوميا لكائن صغير ـ
بما له من براءة وبما فيه من ضعف وسخف وطبيعة محبوبة ـ يجعل ألم أي طفل آخر إهانة عميقة. لكنني أعرف أنكم لا ينبغي أن تكونوا آباء لتشعروا بالفزع مما ابتلي به أطفال غزة شعورا تجدونه في أحشائكم. ذلك أنني أومن ـ أو كنت أومن ـ بأنه مغروس في أنفسنا، نحن البشر، أن نشعر بمسؤولية جماعية تجاه الأطفال، وأن هذه المسؤولية الجماعية يمكن أن تمتد لتتجاوز الحدود.
قد يؤدي الإحساس بالعجز في مواجهة هذا الظلم السافر إلى فقدان الثقة أو الإيمان، لا بالحكومات والمؤسسات وإنما بنظام العالم الأخلاقي، وقدرته على حماية الأطفال. وأفكر في أثر هذا، هل ستكون نتيجته ـ مثلما يرجو السياسيون بلا شك ـ هي بلادة في هيئة لا مبالاة؟ فقد تؤدي الأحداث الصادمة إلى فقدان التعاطف حتى ليجب أن يخرج ملايين الناس مرة أخرى رافعين أصواتهم، لكنها أيضا قد توجهنا إلى غضب مفهوم.
لا شك أنني أشعر بفقدان الإيمان. وكنت أشعر بشيء صادق عن الإنسانية، هو أن الناس بطبيعتهم أخيار، وأننا ندين للأطفال بحمايتهم، وقد تغير ذلك بسبب هذا الصراع. فبت أتنقل وداخلي إحساس ثقيل لا يبدو أنني قادرة أن أتخلص منه.
فبرغم أنني على بعد آلاف الأميال من غزة، غيرتني الشهور الثماني عشرة الماضية. تعلمت أن للتعاطف مع الأطفال حدودا سياسية في نظر بعض الناس. فماذا تفعل امرأة مثلي بهذه المعرفة الرهيبة وقد استقرت بداخلها كأنها حجر من رصاص؟ يبدو أنني لا أملك لهذا السؤال جوابا.
ريانون لوسي كوسليت من كتاب أعمدة الرأي في ذي جارديان