وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة الروسية موسكو، في أول زيارة رسمية لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقد صرح الكرملين بأن بوتين والشرع سيناقشان مصير القاعدتين الروسيتين الرئيسيتين في سوريا، وهما قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية إلى جانب قاعدة بحرية في طرطوس، إضافة إلى الوجود العسكري الروسي في مطار القامشلي.

وبالطبع لن تغيب المباحثات عن مناقشة المصالح الاقتصادية المتعلقة بالطاقة التي ترغب روسيا في تأمينها.

في هذا المقال المنشور بمجلة "فورين أفيرز"، تقول حنَّا نوت مديرة ملف أوراسيا بمركز "جيمز مارتِن" لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، والزميلة بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، إن روسيا أبعد عن أن تكون قد خرجت من سوريا كما يتصوَّر كثيرون منذ سقوط نظام الأسد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الذراع المتوارية لبوتين.. في أي طريق يمشي مهندس السيطرة الروسية؟list 2 of 2التطهير الروسي.. كيف تغير بوتين بعد تمرد فاغنر؟end of list

وتُسلِّط حنَّا الضوء على دبلوماسية روسيا المُعقَّدة بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث تظهر تحرُّكات إيجابية تجاه السلطة الجديدة أسفرت عن اتفاق لإبقاء القواعد الروسية في الساحل السوري، كما تظهر رغبة روسية في توطيد العلاقات مع قوات سوريا الديمقراطية التي تبحث بدورها عن حليف موثوق أكثر من واشنطن.

نص الترجمة

عندما أطاحت فصائل مسلحة في سوريا بقيادة هيئة تحرير الشام بالدكتاتور بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتقد كثير من المراقبين أن أيام روسيا في سوريا باتت معدودة.

فعلى مدار عقود طويلة، حافظت موسكو على علاقات وثيقة مع عائلة الأسد، ولم يكُن قد مرَّ عام واحد على آخر قصف روسي للمناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام. ومع تولِّي أحمد الشرع، زعيم الهيئة، زمام السلطة في دمشق، حذَّرت مجلة الإيكونوميست من أن الوجود العسكري الروسي في البلاد "يتدلَّى بخيط رفيع".

ساور القلق الروس أنفسهم أيضا. فبعد سقوط الأسد بفترة وجيزة، أعربت الصحف الروسية عن أسفها لفقدان حليف رئيسي في الشرق الأوسط، فيما أُصيب المُدوِّنون العسكريون بحالة من الذعر إزاء مستقبل القواعد ونقاط التمركز العسكرية الروسية في سوريا.

إعلان

غير أن روسيا أثبتت خطأ كل تلك التوقُّعات منذ ذلك الحين، إذ حافظت على قواعدها الرئيسة على الساحل السوري، بما في ذلك المنشأة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية، بل ورسَّخت وجودها في شمال شرقي البلاد.

خارطة قاعدتي روسيا في سوريا . قاعدة حميميم . طرطوس (الجزيرة)

لقد سارع الدبلوماسيون الروس إلى التواصل مع الحكَّام الجُدد في دمشق، مستفيدين من تصوُّر السوريين لروسيا بوصفها قوة عظمى، ومن رغبة الشرع في بناء علاقات إيجابية مع جميع الحكومات الخارجية.

أما قادة سوريا الجُدد فالتزموا بنبرة بنَّاءة تجاه موسكو، على أمل الحصول على الطاقة والقمح والدعم في التصويت داخل الأمم المتحدة، وربما السلاح أيضا.

وعبر الانخراط مع روسيا، تسعى حكومة الشرع كذلك إلى ردع الموالين السابقين للأسد عن محاولة استعادة نفوذهم، وإلى تحذير الدول الغربية من أن سوريا قادرة على إيجاد بدائل للدعم في مجالي الطاقة والدفاع، وربما حتى الحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل أراضيها.

ثمَّة أطراف مَعنية بالشأن السوري ترغب هي الأخرى في أن تحتفظ روسيا بوجود متواضع في سوريا، وبينما تتنافس القوى المختلفة على النفوذ في سوريا الجديدة، تُطِل موسكو بوصفها "رهانا مُفضَّلا" للجميع.

فكلٌّ من إسرائيل وتركيا يَحسب أن النفوذ الروسي يمكن توظيفه لمنع الطرف الآخر من أن يزداد قوة أكثر مما ينبغي. أما قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، فتريد بقاء روسيا إلى جانبها تحسُّبا لاحتمال تخلِّي الولايات المتحدة عنها، أو في حال حاولت دمشق القضاء على آمالها في الحُكم الذاتي.

إن احتمال احتفاظ روسيا بموطئ قدم لها في سوريا أثار بعض القلق بين المسؤولين الأوروبيين. ففي الربيع، على سبيل المثال، دعا أعضاء في البرلمان الأوروبي حكومة سوريا الجديدة إلى حظر الوجود العسكري الروسي.

غير أنه حتى لو نجحت موسكو في الحفاظ على قواعدها، فلن تكون من بين اللاعبين الرئيسيين في رسم مصير سوريا، لأن روسيا وهي تُستنزَف في أوكرانيا، تفتقر ببساطة إلى الموارد المالية والعسكرية اللازمة كي تلعب دورا في سوريا، وسيتفوَّق عليها نفوذ دول الخليج العربي وتركيا، وربما الولايات المتحدة والدول الأوروبية إذا كثَّفت انخراطها.

ولذا، على القادة الأميركيين والأوروبيين أن يتقبلوا واقع بقاء روسيا بوجود متواضع في سوريا، وأن يتجنَّبوا إجبار الحكومة السورية الجديدة على الاختيار بين دعمهم أو دعم موسكو. أما أفضل وسيلة أمام واشنطن وشركائها لمنع عودة روسية طموحة فهي تقديم دعم مُنسَّق وصبور لحوكمة سوريا وتعافيها الاقتصادي.

صديق عدوي.. يُمكن أن يكون صديقي أيضا

تعود علاقات روسيا مع عائلة الأسد إلى الحرب الباردة، حين رسَّخ حافظ الأسد موقع سوريا ضمن دائرة النفوذ السوفياتية. وعندما تولَّى بشار السلطة عام 2000، لم يكن يشعر بارتباط خاص بروسيا، فقد زار لندن وباريس قبل أن يزور موسكو.

ومع ذلك، حافظ بشار على علاقات سوريا الودية مع الكرملين. وبعد عقد من الزمن، عندما واجه انتفاضة سلمية بحملة قمع عنيفة تحوَّلت إلى" حرب أهلية"، تولَّت روسيا حماية نظامه من العقوبات في مجلس الأمن الدولي، ثم شنَّت لاحقا تدخُّلا عسكريا لدعمه وإبقائه في الحكم.

إعلان

اكتسبت روسيا نفوذا هائلا في مسار الحرب السورية عبر تدخُّلها العسكري. ففي عام 2017، نشرت موسكو الشرطة العسكرية الروسية في بعض مما سُمِّي بـ"مناطق خفض التصعيد" ضمن مبادرة حظيت أيضا بدعم من إيران وتركيا.

وبالحفاظ على وجود عسكري دائم في البلاد، ثم التفاوض لاحقا على اتفاقات إجلاء مع الفصائل المتمردة، راكمت موسكو خبرة واسعة في التعامل مع مختلف الجماعات المسلحة، كما تولَّت روسيا تسوية التوترات المحلية، وفرضت ترتيبات أمنية في شتى أنحاء البلاد، وبنَت شبكة علاقات يُمكنها الاستفادة منها اليوم.

أضف إلى ذلك أن موسكو عزَّزت موطئ قدمها العسكري عند الجناح الجنوبي لحلف الناتو بتوسيع وتحديث منشأتيْ طرطوس وحميميم.

وقد اضطرَّت الدول الأخرى المتدخلة في سوريا إلى أخذ الوجود الروسي في الحسبان دائما، سواء دول الخليج العربي التي دعمت لفترة فصائل متمردة مختلفة، أو إيران وحزب الله اللذين تعاونا ميدانيا مع موسكو، أو إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة التي حافظ جميعها على قنوات تنسيق عسكري لتجنُّب الصدام مع القوات الروسية.

لكن عندما غزت روسيا أوكرانيا عام 2022، شُغلت موسكو عن الساحة السورية، بل وأصبحت متهاونة هناك، فقد اعتقد الكرملين أنه يمكنه الحفاظ على الوضع القائم في سوريا بجهد محدود ووجود عسكري أقل.

ومع اتساع نطاق رد إسرائيل على هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صعَّدت إسرائيل ضرباتها ضد الأهداف المرتبطة بإيران داخل سوريا. وردا على ذلك، كثَّفت روسيا دورياتها قرب هضبة الجولان المحتلة من قِبَل إسرائيل، كما شدَّدت قصفها لمحافظة إدلب، الخاضعة لسيطرة فصائل معارضة للأسد، في محاولة لردعها عن التقدُّم.

لكن هذه الإجراءات جاءت متأخرة وضعيفة للغاية، ففي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، شنَّ الثوار هجومهم الخاطف، فيما وقفت القوات الروسية بمعظمها موقف المُتفرِّج، تاركةً الأسد لمصيره المحتوم.

ما من عداوة تدوم

توقَّع كثير من المراقبين أن تؤدي الإطاحة بالأسد إلى إنهاء النفوذ الروسي في سوريا. ففي غضون أيام قليلة، دعا متحدثٌ باسم الحكومة الانتقالية الجديدة روسيا إلى إعادة النظر في وجودها داخل البلاد.

ولكن موسكو لم تنتظر طويلا حتى بدأت في التقرُّب من حكَّام دمشق الجدد. ففي ليلة وضحاها، توقَّفت القنوات التلفزيونية الروسية عن وصف هيئة تحرير الشام بأنها "منظمة إرهابية". وفي الأمم المتحدة، في أوائل يناير/كانون الثاني 2025، أثنى الدبلوماسيون الروس على الحكومة الانتقالية السورية، واصفين أداءها بأنه كفء.

في وقت لاحق من الشهر نفسه، زارت وفود روسية دمشق لإجراء مفاوضات واسعة النطاق تناولت مستقبل القواعد الروسية، والاستثمارات في حقول الغاز والموانئ، ووفقا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، طُرِحَت أيضا مسألة إلزام روسيا بدفع تعويضات عن دعمها لنظام الأسد والمساهمة في إعادة إعمار سوريا.

كما طلب القادة السوريون الجدد من الحكومة الروسية تسليم بشار الأسد، الذي كان قد فرَّ إلى موسكو. (ومن غير المُرجَّح أن يُقْدِم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ذلك أبدا، حتى بعد أن أصدرت السلطات السورية مذكرة اعتقال رسمية بحق بشار، إذ إن بوتين يسعى للحفاظ على سمعته بصفته زعيما لا يتخلى عن حلفائه).

كانت روسيا حريصة بالأخص على إبقاء وصولها إلى قواعدها العسكرية. فمع مرور السنوات، أصبحت قاعدتا طرطوس وحميميم مركزَيْن حيويَّيْن للعمليات اللوجستية الروسية في أفريقيا. وفي أعقاب سقوط الأسد مباشرة، نقلت روسيا أصولها البحرية من طرطوس، وركَّزت طائراتها العسكرية المنتشرة في قواعد أخرى داخل البلاد في قاعدة حميميم.

وفي فبراير/شباط، ألمح وزير الدفاع السوري الجديد إلى أن روسيا سيُسمَح لها بالاحتفاظ بقواعدها ما دام وجودها يخدم مصالح سوريا، قائلا إنه "في السياسة، لا يوجد أعداء دائمون".

إعلان

وفي أثناء التفاوض بشأن قواعدها، ذكَّرت روسيا سوريا بالدعم الذي يمكن أن تُقدِّمه لها. ففي الربيع، أرسلت موسكو شُحنات من النفط والديزل والقمح إلى سوريا.

ووفقا لوكالة "رويترز"، فإن شركة "غوزناك" الروسية، الخاضعة للعقوبات البريطانية والأوروبية والأميركية، التي تطبع العُملة السورية منذ زمن طويل، ستتولى إصدار الأوراق النقدية الجديدة للبلاد.

أعضاء الوفدين الروسي والسوري برئاسة بوتين الشرع، يعقدون اجتماعًا في الكرملين في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2025. (رويترز)

ومع امتلاكها حق النقض في مجلس الأمن، يمكن لروسيا أن تساعد في رفع تصنيفات الإرهاب الأممية التي تفرض حظرَ سفر وتجميدَ أصول على الشرع والمُقرَّبين منه، كما أن الجيش السوري الجديد، الذي تدرَّب على التعامل مع الأنظمة السوفياتية والروسية، قد يأمل بالحصول على أسلحة روسية مستقبلا، خصوصا بعدما دمَّرت الضربات الإسرائيلية العام الماضي جزءا كبيرا من قدراته العسكرية.

يكره كثير من السوريين موسكو بسبب قنابل لا تُحصى قصف بها المدن السورية دعما للأسد. لكنّ السوريين لم ينظروا إلى روسيا مثلما نظروا إلى إيران، فلم يروها قوة طائفية تسعى لتغيير النسيج الاجتماعي للبلاد.

فقد نُظِر إلى موسكو بوصفها قوة عظمى براغماتية وقاسية وانتهازية وصاحبة تاريخ طويل في الشرق الأوسط. هذه التصوُّرات، إلى جانب حقيقة أن ثمة روابط اجتماعية سورية لها امتداد في روسيا، قد تُفسِّر أيضا لماذا لم تُطرَد موسكو من سوريا مباشرة.

لقد أشارت القيادة الجديدة في سوريا منذ وقت مبكر إلى استعدادها لبناء علاقة جديدة مع "ثاني أقوى دولة في العالم" على حد وصفها.

ففي يوليو/تموز الماضي، توجَّهت وفود سورية تضمُّ عشرين مسؤولا إلى روسيا، ومن بينهم وزراء الخارجية والدفاع، ورئيس الاستخبارات، وماهر الشرع الأمين العام لرئاسة الجمهورية. وقد اتفقت الدولتان على إعادة تفعيل اللجنة السورية الروسية المشتركة لإعادة تقييم الاتفاقيات التي أُبرمت في عهد الأسد، وبحث سبل التعاون الاقتصادي، ووصفت وكالة الأنباء السورية (سانا) الزيارة بأنها بداية عهد جديد في العلاقات بين البلدين.

نِيّات لم تتضح بَعْد

تواجه القيادة الجديدة في سوريا تحديات جسيمة في مساعيها لتثبيت استقرار المشهد الداخلي المُتصدِّع في البلاد. ففي مارس/آذار، شن مسلحون سُنَّة هجمات أودت بحياة أكثر من ألف شخص، وكان الكثير من الضحايا من الطائفة العلوية التي تقطن الساحل السوري.

وفي يوليو/تموز، قُتِل المئات في اشتباكات بين مقاتلين من البدو والدروز في جنوب غرب البلاد. أما إسرائيل فقد سيطرت على منطقة عازلة محاذية لمرتفعات الجولان المُحتلَّة، وواصلت ضرب مواقع عميقة داخل الأراضي السورية، رغم بدء مفاوضات أمنية بين الطرفين.

في هذا السياق، تخدم انخراطات دمشق الثنائية مع موسكو عدة أهداف إضافية، فهي تُوجِّه رسالة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية مفادها أن أمام سوريا أبوابا أخرى يمكن طرقها. كما يُمكن أن تُسهِم الدبلوماسية الروسية-السورية في تبديد أوهام الموالين المُتبقِّين للنظام السابق داخل البلاد، ممن يظنون أن بإمكانهم اللعب على التناقض بين الكرملين وأحمد الشرع.

كذلك، يأمل الحُكَّام الجدد في دمشق أن يستغل بوتين علاقته الجيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحمل إسرائيل على كبح أنشطتها العسكرية داخل الأراضي السورية. وبينما يسعى القادة الجدد إلى سياسة تصفير مشكلات مع القوى الخارجية، يبدو أنهم يرون في الحفاظ على علاقات ودِّية مع الكرملين خطوة مفيدة في هذا الاتجاه.

بدورها، لدى إسرائيل أسبابها الخاصة في رغبتها بأن تحافظ روسيا على وجود محدود في سوريا. فإسرائيل تنظر إلى الشرع على أنه إسلامي مُتشدِّد ذو نِيات مشكوك فيها، وتخشى من تنامي دور تركيا، التي تتهمها بمعاداة السامية ونشر الإسلام السياسي في سوريا والمنطقة.

وتسعى تركيا إلى إقامة نظام سوري شديد المركزية للقضاء على تطلُّعات الأكراد السوريين نحو الحكم الذاتي، بينما تُفضِّل إسرائيل سوريا لا مركزية، لا من باب المبدأ، بل لأنها لا تثق بحكام البلاد الحاليين، وترى أن سوريا وهي مُشرذمة ستكون أسهل في التعامل معها. ويبدو أن قادة إسرائيل يعتقدون أن الوجود الروسي قد يساعد في إبقاء البلاد مُقسَّمة إلى مناطق نفوذ.

وترى تركيا فائدة في استمرار الوجود الروسي في سوريا للأسباب نفسها تقريبا. فقد تابعت أنقرة بقلق الهجمات الجريئة التي تشنها إسرائيل والتحرُّكات السعودية داخل سوريا.

إعلان

وتأمل تركيا أن تتمكَّن من الاعتماد على روسيا لكبح جماح إسرائيل، ودعم رفع تصنيف الشرع إرهابيا في مجلس الأمن، وتزويد الجيش السوري الضعيف بالسلاح، ودعم موقف أنقرة المُناهض للأكراد السوريين.

وهذه الآمال ليست بلا أساس، فعندما كان الأسد في الحكم، غضَّت روسيا الطرف عن العمليات العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وقامت بدوريات مشتركة مع تركيا في أجزاء من شمال سوريا.

ومع ذلك، ربما تكون قوات سوريا الديمقراطية، الهشة والقلقة على مصيرها، هي الطرف الذي يُعوِّل على روسيا أكثر من غيره، فهذه القوات مهددة بفقدان ما تبقَّى من استقلاليتها مع سعي الشرع إلى توطيد سلطته.

وفي الأشهر الأخيرة، كثَّفت قوات سوريا الديمقراطية اتصالاتها مع موسكو بهدف تسجيل نقطة تفوُّق في مواجهة تركيا والحكومة في دمشق، وكذلك لضمان وجود حليف إضافي في حال أوفت الولايات المتحدة بوعودها بتقليص أو حتى إنهاء وجودها العسكري في شمال شرق سوريا. وقد بدأت روسيا بالفعل التحرُّك لتعزيز حضورها في شمال شرق سوريا.

على امتداد فصلَيْ الربيع والصيف، نشرت موسكو أنظمة دفاع جوي ووحدات حرب إلكترونية، تُمكَّنها من التشويش على إشارات الراديو، في قاعدتها بمطار القامشلي، الواقع في منطقة ذات غالبية كردية، كما وسَّعت المساكن الخاصة بجنودها وحصَّنت محيط القاعدة. ورغم تعاونها مع تركيا، دعت روسيا في السابق إلى حماية حقوق الأكراد، وعرضت التوسُّط بين قادتهم والحكومة المركزية في دمشق.

وتسعى كلٌّ من إسرائيل وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية إلى استغلال الوجود الروسي لتحقيق أهداف متناقضة في جوهرها، غير أن براعة روسيا في المناورة تمنح كل طرف سببا للاعتقاد بأن موسكو يُمكن أن تدعم طموحه الخاص في نهاية المطاف.

في المستقبل المنظور، ستظل سوريا دولة مُجزَّأة وضعيفة، حيث تتنافس القوى الخارجية على بسط نفوذها في دمشق ومن أجل تشكيل مناطق نفوذ غير رسمية داخل البلاد. وفي هذا المشهد المُتقلِّب، ستكون روسيا مجرد لاعب من بين لاعبين كُثُر، وبعيدة عن كونها الأهم كما كانت في السابق. ومع استعداد الشرع لزيارته الأولى إلى موسكو، المُقرَّرة هذا الشهر، يبدو أن روسيا تجنَّبت الخروج من سوريا.

ومع ذلك، فإن ما تحتاج إليه سوريا اليوم قبل أي شيء آخر هو دعمٌ اقتصادي، واستثمارات مالية، ورفع ما تبقَّى من العقوبات الدولية. ولتحقيق هذه الأهداف، ستكون دول الخليج العربي وتركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية هي الأطراف الحاسمة، وليس روسيا.

فحتى قبل غزوها لأوكرانيا، لم تكن لدى موسكو القدرة الكافية للتركيز على تعافي الاقتصاد السوري وإعادة إعماره، أما الآن، وقد استنزفت مواردها في أوكرانيا، فأصبح لديها ما هو أقل بكثير لتقدِّمه.

إذا استطاعت روسيا الاحتفاظ بقواعدها العسكرية، مع الاستمرار في إثبات فائدتها للقوى المختلفة التي تتنافس على رسم مستقبل سوريا، فإن ذلك يُعَدُّ إنجازا بحدِّ ذاته.

صحيح أن نفوذ روسيا في سوريا، وما كان يرافقه من ثقل إقليمي، لن يعود إلى ما كان عليه قبل سقوط الأسد، لكنها ستظل تمتلك موطئ قدم عسكري يمكن أن تبني عليه في المستقبل، بحيث تواصل منه دعم عملياتها في باقي أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، لا سيَّما بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا.

ويعمل فيلق أفريقيا، وهي مجموعة شبه عسكرية روسية، على ترسيخ وجودها في غرب أفريقيا هذه الفترة، وهي منطقة تراها موسكو ذات أهمية إستراتيجية، ومن شأن احتفاظها بنقاط وجودها اللوجستية في سوريا أن يساعدها في توسيع نفوذها هناك مستقبلا.

ومع ذلك، لا ينبغي للدول الغربية أن تُعاقِب قادة سوريا الجدد بسبب انخراطهم مع روسيا في إطار سياستهم الخارجية البراغماتية مُتعددة الاتجاهات. فبعد سقوط الأسد بوقت قصير، على سبيل المثال، اقترح وزير الخارجية الهولندي كاسبار فِلدكامب أن يُفكِّر الاتحاد الأوروبي في رفع العقوبات عن سوريا فقط إذا قامت دمشق بطرد الروس، وقال حينها: "نريد الروس خارج سوريا".

بيد أن الشرع لا ينوي إعادة البلاد إلى الفلك الروسي، بل يحافظ في الواقع على توازن دقيق بين روسيا وخصومها. ففي سبتمبر/أيلول، استعادت سوريا علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا. ومن غير المُرجَّح أن تُستخدم القواعد الروسية قناة لعودة إيران إلى سوريا، إذ إن الجيش الإسرائيلي على الأرجح سيُفشِل مثل هذا المسعى في مهده.

تواجه السلطات السورية الجديدة تحديات جسيمة، ويبدو من الحكمة أن تتجنَّب دمشق الآن استفزاز روسيا. وبدلا من الهلع إزاء مناورات موسكو أو ربط دعمهم لسوريا بقطيعة كاملة مع روسيا، ينبغي للقادة الأميركيين والأوروبيين أن يُركِّزوا على مساعدة السوريين في التعافي بعد عقد من الحرب الأهلية ونصف قرن من الاستبداد، وأفضل وسيلة لضمان ألا تسمح سوريا لروسيا باستغلال أراضيها مستقبلا هي بناء علاقات طيِّبة مع دمشق اليوم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أبعاد قوات سوریا الدیمقراطیة الولایات المتحدة الوجود الروسی قاعدة حمیمیم داخل البلاد الروسیة فی سقوط الأسد الروسی فی فی سوریا أن روسیا روسیا فی روسیة فی ت روسیا ومع ذلک فی دمشق ما کان فی هذا

إقرأ أيضاً:

بوتين يستقبل الشرع في موسكو.. ضبط للعلاقات واحترام الاتفاقيات القديمة

أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، الأربعاء، أن بلاده تسعى إلى ضبط علاقتها بروسيا، وأعرب عن احترامه لكل الاتفاقيات معها. جاء ذلك خلال تصريحات مشتركة مع نظيره فلاديمير بوتين، في قصر الكرملين بالعاصمة موسكو، ضمن أول زيارة رسمية له إلى روسيا.

وقال الشرع: "نحن في سوريا الجديدة نعيد ربط العلاقات مع كل الدول الإقليمية والعالمية". وأكد أن "استقرار سوريا مرتبط بالاستقرار الإقليمي والعالمي". وتابع أن "سوريا ستحاول إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا، والأهم هو الاستقرار في البلاد والمنطقة".




وأردف الشرع أن "علاقات ثنائية ومصالح مشتركة تربطنا مع روسيا، ونحترم كل الاتفاقيات معها"، في إشارة إلى الاتفاقيات الموقعة على عهد نظام الأسد.

فيما وصف بوتين العلاقات الروسية السورية بأنها "علاقات صداقة". وأضاف أنه "لم تكن لروسيا أي علاقات منوطة بالحالة السياسية أو المصالح الضيقة، وهي مرتبطة بالمصالح المتبادلة ومصلحة الشعب السوري".

واستطرد: "أرحب بالرئيس أحمد الشرع، ولدينا علاقات قوية مع سوريا منذ أكثر من 80 عاما"، وفقا لوكالة الأنباء السورية. ومضى بالقول: "نحتفظ بعلاقات وثيقة مع الشعب السوري ونسعى لتطوير العلاقات مع دمشق، واللجنة الحكومية المشتركة بين روسيا وسوريا ستستأنف عملها".

وتعد هذه الزيارة هي الأولى للشرع إلى روسيا منذ توليه منصبه، عقب سقوط نظام بشار الأسد أواخر  كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي كان يحظى بدعم روسي.

وفي شباط/فبراير الماضي، أجرى بوتين اتصالا هاتفيا بالشرع، أكد خلاله دعم موسكو لوحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقرارها. كما أبدى بوتين استعداد روسيا لإعادة النظر في الاتفاقيات التي أبرمتها مع نظام الأسد، ووجوب رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏

مقالات مشابهة

  • لقاء بوتين والشرع محطة مهمة في مسار العلاقات الروسية السورية.. تفاصيل
  • بوتين يستقبل الشرع ويبحثان إعادة رسم النفوذ الروسي في سوريا.. فيديو
  • بوتين والشرع يبحثان مستقبل العلاقات الروسية السورية
  • في أول لقاء مع الشرع.. بوتين يشيد بالعلاقات السورية الروسية "المميزة"
  • بوتين يستقبل الشرع في موسكو.. ضبط للعلاقات واحترام الاتفاقيات القديمة
  • الخارجية الروسية: بوتين والشرع سيناقشان الوجود الروسي في سوريا
  • الشرع يزور موسكو لبحث الوجود العسكري الروسي بسوريا ومصير الأسد
  • الكرملين: بوتين والشرع سيبحثان اليوم تطوير العلاقات الروسية السورية
  • الشرع في موسكو غدًا للقاء بوتين.. ومصادر تتحدث عن بحث مستقبل القواعد الروسية وتسليم الأسد