د.سامى عبد العزيز: 4 أسباب مرتبطة بالجهات الرسمية تغذي الأزمة

د.سامي الشريف: نموذج الشركة المتحدة خطوة على الطريق الصحيح

د.إيمان خطاب: 3 خطوات مهمة تقطع الطريق على صناع الأكاذيب

د.إيمان نعمان جمعة: لا بد من رؤية مصرية موحدة وإستراتيجية قومية

تواصل الكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان (ومن يتحالف معهم بطريق مباشر أو غير مباشر) ترويج الشائعات التي تستهدف التشكيك في كل شيء، بهدف زعزعة استقرار المجتمع.

. ينشط هؤلاء في توقيتات خاصة، يستخدمون أساليب «حروب الجيل الرابع والخامس»، وقد تعددت الشائعات خلال السنوات الأخيرة، التي تحقق فيها الدولة قفزات كبيرة في التنمية الشاملة.

ومن نماذج الشائعات: اتجاه لبيع قناة السويس، التخلي عن الموانئ المصرية، إزالة مساجد الصحابة والتابعين لصالح مشاريع استثمارية، الاقتراض من الخارج لاستكمال مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، توقف تنفيذ المشروع القومي لتطوير القرى/حياة كريمة، حذف بعض مستحقي الدعم من بطاقات التموين، الاستغناء عن آلاف الموظفين بسبب التوسع في تطبيق التحول الرقمي، بيع حديقتيْ الحيوان، والأورمان، هدم وتبوير حدائق المنتزه، وغيرها من الشائعات، التي تدفعنا في «الأسبوع» للوقوف على آراء مختصين في هذه الظاهرة الهدامة.

المواجهة السريعة ضرورة

يقول عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة، وزير الإعلام الأسبق، د.سامي الشريف لـ«الأسبوع»: «التصدي للشائعات، يتطلب سرعة إظهار الحقائق فور حدوثها، وتوفير المعلومات المناسبة، باستثناء ما يتعلق بالأمن القومي.. هناك تقاعس من بعض الجهات الحكومية، يدفع البعض للبحث عما هو متاح من تفاصيل، بغض النظر عن مصداقيتها، عبر مصادر مجهولة، فتحدث البلبلة، يغذيها الإعلام المعادي، وشائعات جماعة الإخوان الإرهابية، وجهات أخري».

وأوضح «الشريف» أن التدقيق في توضيح حقيقة ما يشاع وتقديم المعلومات والحقائق بشكل دقيق وشفاف وحقيقي، سيقضي علي انتشار الشائعات، مثمنا ما تقوم به الشركة المتحدة بإطلاقها لخدمة إخبارية لمواجهة الشائعات، وهي خطوة على طريق الصحيح للإسهام في مواجهة الشائعات، يجب أن تتبعها خطوات أخري من كافة الجهات المعنية، وأن يقوم كل فرد بدوره وحسب مكانته في الرد علي الشائعات، بعد رصدها وتوفير المعلومات للرد عليها لمواجهة كم الشائعات والمعلومات المغلوطة، التي تستهدف ضرب الدولة، وعلي الخبراء والمعنيين أن يسهموا في نشر الوعي بخطورة ما يحاك والتعريف بأساليب التوعية في ظل التحولات الرقمية للحفاظ علي الأمن القومي لمواجهة الشائعات».

وشدد «الشريف» على «ضرورة نشر برامج الوعي لدي المواطنين، وتعريفهم بحجم المخاطر التي تستهدف إسقاط الدولة الوطنية، وهو الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات احترازية لحماية المجتمع من الشائعات، نحن في حاجة ماسة لتطوير حقيقي للتعامل الأمثل مع الشائعات، بمزيد من الإمكانيات وحرية الرأي والتعبير، والرد المدعم بالمعلومات والحقائق علي ما ينشر ويذاع، ويجب عدم إخفاء الحقائق وأن نبادر بتداول الأخبار ونفوت الفرصة على المتربصين أن ينقلوا أخبارنا».

وينصح «الشريف» بـ«إستراتيجية متكاملة لبناء الوعي لدي المواطنين لتعريف المواطنين آليات التفرقة بين ما هو صحيح وحقيقي، وفي ذات الوقت يستطيعون التعامل مع الشائعات والأخبار الكاذبة ومواجهتها والقضاء عليها، وقتها سوف نقضي علي الشائعة ويصبح لدينا جيل واعٍ مسلح بالمعرفة يعي حقيقة الكلمة، حتى لا ندفع المواطن أن يستقي معلوماته من مواقع التواصل، وربما من مصادر مجهولة موجهة، ولهذا علينا أن نعي جيدا خطورة ما يحاك ضدنا ويتم بثه في وسائل الإعلام المعادي، ولا بد من نشر الوعي بمزيد من الأساليب والوسائل التي تجعل المواطن يستقي منها المعلومة الصحيحة، وكلها محاولات لتحصين المجتمع من الشائعات».

الصمت لا يناسب المرحلة

وترى أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، د.إيمان نعمان جمعة أن «هناك قصورا من الجهات الرسمية في التعامل الأمثل مع الشائعات، فلغة التجاهل وعدم الرد لا تناسب المرحلة الحالية، هناك مخطط معروف لصناعة الشائعات في مصر والمنابر معروفة ومتعددة، وشريحة كبيرة من المصريين يصدقون الأكاذيب، لأنهم في كثير من الأحيان لا يجدون الرد الكافي، عما يثار من أزمات تتطلب الرد بالحجة والبرهان، لكن لغة الصمت والتجاهل تعطي مصداقية لهذه الشائعات».

وأضافت: «المجالس العليا والهيئات المعنية يجب أن تعمل وفق رؤية موحدة وإستراتيجية قومية لمواجهة الشائعات ومن ينادون بضرورة إنشاء مرصد للرد علي الشائعات سوف لا يكتب لها النجاح بل ستكون عبئا علي ميزانية الدولة والأفضل أن تقوم المجالس والهيئات الموجودة بالعمل علي أرض الواقع لمواجهة الشائعات التي تتخذ من الأزمات والتحديات بيئة خصبة للانتشار، وذلك في إطار المحاولات التي لا تتوقف لتزييف الحقائق وخلق حالة من عدم الاستقرار وزعزعة الثقة في جهود الدولة وخططها للإصلاح والتنمية».

ودعت إلى «تطوير أساليب التعامل مع الشائعات وفق منهجية علمية لتحصين المجتمع ضد من يحاولون النيل من ثوابته بإتاحة المعلومات بكل حيادية ومصداقية وشفافية من مصادرها باعتبارها حقا أصيلا من حقوق المواطن المصري، لتقويض الشائعات المغرضة قبل انتشارها، والإسهام في تشكيل وعي مجتمعي وتعزيز قدرة الرأي العام على التحقق من المعلومات المغلوطة وعدم الانسياق وراء مروجيها ومخططاتهم، وعلي الأجهزة المعنية أن تقوم بعملية تحليل وقياس لهذه الشائعات من أجل وضع التصورات اللازمة لتطوير آليات العمل وطرق المواجهة، خاصة ونحن مقبلون علي الانتخابات الرئاسية، حيث ستزداد الشائعات مما يتطلب نشر الوعي الصحيح».

فقدان المبادرة الإعلامية

يوضح العميد السابق لكلية الإعلام، د.سامى عبد العزيز، أن «الشائعات موجودة، لكن تطور أساليب الإعلام، وتراجع مستوي العلم والتعلم، وفقدان مبدأ المبادرة في الإعلام يجعل الشائعات أسرع انتشارا، مع عدم المبادرة وعدم الدقة واحترافية البيان الصادر عن الجهات الرسمية وغموض الصياغة يترك مساحة للشائعة، وما حدث في تطوير قناة السويس وشائعة بيعها، دليل علي عدم الدقة والاحترافية في الصياغة، ففتح باب للتأويل، وغيرها من البيانات الرسمية التي لا تصاغ باحترافية فتتفتح الباب أمام انتشار الشائعات وتعطيها قوة الانتشار».

وأضاف «عبد العزيز»: «من هنا تأتي أهمية المبادرة والسبق في إطلاق المعلومات الصحيحة الموثقة، لكن النفي والتجهيل والتأخر في الرد يساعد على نشرها.. لو قامت كل مؤسسة في الدولة بالرد باحترافية سوف نقضي علي الشائعات، والأمر لا يحتاج لإنشاء أجهزة رسمية جديدة للرد على الشائعات، فهي موجودة ومتعددة ومتشعبة وما أكثرها! ويجب النظر في أعمالها ودورها لتوحيد الجهود بإستراتيجية حقيقية تتعامل باحترافية مع الشائعات، وكثيرا ما طالب الرئيس السيسى، الذي يعمل بكل قوة لبناء مجتمع واعٍ قادر علي التعاطي مع متطلبات العصر، بنشر الوعي والرد بالحقائق، في ظل انطلاق محاولات التشكيك في كل جهد».

وبيّن «عبد العزيز» أن «هذا الأمر يتطلب من جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات والجهات المعنية التعامل الحرفي مع الشائعات لحظة انطلاقها ولا نترك الأمر بدون توضيح، في الوقت ذاته مطلوب نشر الوعي بين المواطنين وتوضيح الحقائق لهم فيما يشاع من خلال البرامج المتخصصة وإطلاق حملات توعية، التي يجب علي أجهزة الإعلام وضع خطة لتفعيلها في كافة البرامج الحوارية. مؤكدا أن الفترة الحالية تستوجب تجفيف منصات إطلاق الشائعات وتنظيف عقول المواطنين من المعلومات الخاطئة التي تشاع، حتى نستكمل بناء مصر».

تحديث الحسابات الرسمية

وتوضح مدرس الإعلام السياسي بجامعة سيناء، د.إيمان خطاب، أنه «لا أحد ينكر تعرض الدولة المصرية لحرب شائعات وأخبار كاذبة، على الأقل منذ ٢٠١٤، حيث تتكالب عليها القنوات المغرضة ووسائل الإعلام المضاد ضمن مخططات مسيسة لهدم الدولة والنيل من رموزها وبث روح اليأس لدى المواطنين، وتعمد الترسيخ لخيبة الأمل، ونشر السخط المجتمعي، وهذه الحرب ضمن إستراتيجية حروب الجيل الرابع والخامس لزعزعة الثقة وخلق حالة من عدم الاستقرار في الشارع المصري، من خلال افتعال الإعلام المضاد للأزمات وخلق مشكلات والبعد عن مناقشة التطورات والمشاريع وقلب الحقائق لوضع المسئولين في حالة اتهام، من خلال التركيز على الأزمات، ونظرا لكثرة الوسائل يتشتت البعض ويفقد القدرة على الفصل بين صحة المعلومة أو كذبها».

وأشارت «خطاب» إلى أن «هذه الحرب الطاحنة تتطلب من الجميع التصدي والمقاومة حتى تنجح الدولة في دحض تلك الشائعات والحفاظ على أمنها القومي، وضرورة اعتماد التربية الإعلامية والمعلوماتية للمواطنين والتي تكشف حقيقة كل وسيلة إعلامية والقائمين عليها وأهدافهم، حتى يستطيع المواطن تحديد أيديولوجيتها وهل تقوم بعملية الإخبار أم تشكل وعي المواطن لتنفيذ أجندة خاصة بجهة ما».

وتطالب «خطاب» بـ«التحديث السريع للصفحات الرسمية لكل المؤسسات، وملاحقة الأحداث ونشر كافة المعلومات لغلق باب التنبؤ وانتشار الشائعات والأكاذيب، مع متابعة الإدارة المختصة والمتمثلة في دعم واتخاذ القرار التابعة لمجلس الوزراء كافة الشائعات التي تمس الشارع وتهم المواطنين والرد عليها بالوثائق، والعمل علي فضح الجهات التي تقف خلف الشائعات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدها مختتمة تصريحاتها بأن مواصلة مسيرة التنمية تستدعى إيمان المواطنين وثقتهم في قدراتهم أولا والقيادات ثانيًا باجتياز وتذليل كافة العقبات وتخطي الأزمات والقدرة على التقدم والبناء».

المخطط الهدام يتواصل

يتواصل المخطط الهدام الذي يستهدف إرادة وعزيمة ووعي الشعب المصري، مما يفسر انطلاق الشائعات من كل اتجاه، للتشكيك في كل إنجاز، وتيرة الشائعات تتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، الخطر يقترب من الجميع، فيما تغيب الرؤية المؤسسية الجماعية لمواجهة المخطط، فيما تبدو تجربة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (إذاعة نشرات متخصصة على مدار اليوم للرد على الشائعات والأكاذيب التي تستهدف المجتمع المصري) خطوة علي الطريق الصحيح، يجب استنساخها وتكاتف الجهود لتعزيز الوعي المجتمعي.

يجب ألا تقتصر المواجهة على المؤسسات الرسمية بل يمتد للمجتمع المدني والأحزاب والتعليم والشباب والصالونات الثقافية، وكلها مساهمات لبناء الوعي الصحيح، حتى لا نترك الشائعات تهدم الوطن. والسؤال: من وراء صناعة الشائعات في مصر؟ ولماذا التشكيك في كل شيء ومحاولات هدم الوطن؟ وما أساليب مواجهة الشائعات؟ وهل يتم إنشاء جهاز لرصد الشائعات، والرد عليها واتخاذ الإجراءات القانونية، بحيث يكون تحت إشراف مجلس الوزراء؟!

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: التی تستهدف عبد العزیز د إیمان

إقرأ أيضاً:

العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!

تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!

فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!

كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!

يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!

أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!

أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.

واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!

وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!

على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.

فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.

لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!

والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!

أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!

وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • الدكتور المصطفى: كل المنصات الإعلامية التي تلتزم بالعمل الوطني مرحب بها
  • «مصطفى بكري» عن شائعة إغلاق دير سانت كاترين: الدولة تواجه حربا ممنهجة
  • ضبط «عصابة» تزوير المحررات الرسمية للنصب على المواطنين بالقليوبية
  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
  • الوعي: منح الرخصة الذهبية لعدد من المشروعات خطوة لتحفيز مناخ الإستثمار بمصر
  • خوف وعضات قاتلة.. لماذا تتجاهل السلطات المغربية الكلاب الضالة التي تهاجم المواطنين؟
  • نحو دولة رقمية موحدة.. الداخلية تبحث تطوير «البيانات الوطنية»
  • مدبولي: المستقبل للشباب بقطاع تكنولوجيا المعلومات والدولة تشجع التجارب الناجحة
  • البعثة الرسمية للحج تصل إلى السعودية وتستعد لخدمة حجاج الدولة
  • البعثة الرسمية للحج تصل السعودية وتستعد لخدمة حجاج الإمارات