الحرب التي يخوضها "حزب الله" منذ 9 أشهر وحتى الآن، أظهرت الكثير من الأمور التي كانت مجهولة عنه. المسألةُ هذه أمنية وعسكرية بالدرجة الأولى، باعتبار أنَّ الحزب كان سرياً إلى حدّ كبير، فتشكيلاته وفصائله ووحداته لم تكن معروفة بالنسبة للكثيرين، ما يجعل أي معلومةٍ بشأنه مثيرة جداً.   فما الذي كشفتهُ حرب جنوب لبنان عن "حزب الله" وقدراته؟ وما هي الأمور التي لم يتمكن الحزب من إظهارها أو إنجازها؟   عملياً، فإن أول أمرٍ كُشف عن "حزب الله" هو قدراته العسكرية التي تبدلت كثيراً منذ حرب تموز عام 2006 ولغاية اليوم.

عملياً، بات الميدان شاهداً على ما يمتلكه الحزبُ من طائرات وصواريخ متطورة، وهو الأمر الذي لم يكُن ظاهراً كثيراً خلال العام 2006 باعتبار أن الحرب آنذاك كانت واسعة ولم تحتمل إبراز قدرات عسكرية كبيرة مقارنة بسعي الحزب لتنفيذ تكتيكات قتالية عالية المستوى على صعيد المواجهة الميدانية المباشرة.   اليوم، لا يخوض "حزب الله" قتالا عبر وحدات قتالية أو ألوية، بل ما يجري هو أنه يعمل وفق "تكتيكات" أمنية، وعمليات متفرقة تعيد بالذاكرة إلى جملة الهجمات التي نفذها الحزب قبل تحرير الجنوب عام 2000. حينها، كانت جملة هجمات "حزب الله" ترتكزُ باتجاه المواقع العسكرية الإسرائيلية، إذ كانت هناك إقتحامات وقصفٌ، وهذا الأمر هو سيناريو معهود وليس جديداً بالنسبة لتنظيم عمره 40 عاماً.   الأمر الثاني الذي كُشف عن الحزب هو بعض المعلومات عن وحداته وأولويته العسكرية. في حرب تموز لم تكُن ما يُسمى بـ"وحدة الدفاع الجوي" حاضرة بشكل واضح علماً أنه كانت لها مساهمات بارزة. أما الآن، وخلال هذه المعركة، فقد دخل سلاح المُسيرات بشدّة على خط المعركة، الأمر الذي أظهر قوّة معينة يمتلكها الحزب وتفرض معادلة عسكرية واضحة ضدّ الجانب الإسرائيلي.   هنا، تقولُ مصادر معنية بالشأن العسكريّ لـ"لبنان24" إنَّ المعركة الآنية كشفت عن شقين أساسيين يرتبطان بقوة حزب الله الجوية: الأول وهو أن لدى الأخير عددٌ هائل من المسيرات ما يؤكد مسألة أن التصنيع يجري داخل لبنان. أما الأمر الثاني فيرتبطُ بمسألة بأن هناك تقنيات جديدة تعتمدُ ضمن هذه الطائرات، ما يُصعب على الردارات الإسرائيلية كشفها بسهولة خصوصاً إن كانت كهربائية كطائرة شاهد 110.   وبحسب المصادر، فإنّ "إسرائيل أقرت بنفسها بجدوى التفوق الجوي للحزب، وهو ما أثبتته فيديوهات الهدهد التي رصدت مواقع إسرائيلية إستراتيجية سواء في حيفا أو الجولان".   وتقول المصادر إنّ "وحدة الدفاع الجوي" هي الوحدة الأساسية التي ستكون الأساس في عملية تقييم "قوة الحزب" لاحقاً بعد الحرب، وتضيف: "مسألة إطلاق الصواريخ والهجمات البرية هو أمرٌ كان سائداً وليس جديداً، لكن المسألة المرتبطة بما يمكن أن تقدمه وحدة الدفاع الجوي هو ما سيشكل انعطافة على صعيد تقييم القوة العسكرية لحزب الله، علماً أن هناك الكثير من الأسلحة ضمن هذه الوحدة لم تُكشف بعد".   على نطاقٍ آخر، تبقى هناك أمورٌ عالقة لم تظهر قدرات الحزب الفعلية بشأنها.. فما هي؟ هنا، تقول المصادر إن الحزب لم يكشف حتى الآن عن قدراته على صعيد الحرب السيبرانية، مشيرة إلى أنَّه لم يجرِ الإعلان بتاتاً عن عمليات في هذا الإطار، علماً أن تقارير إسرائيلية عديدة تحدثت مؤخراً عن وقوف الحزب وراء هجمات سيبرانية طالت مؤسسات إسرائيلية بمواكبة وإشراف من إيران، وتضيف: "قد لا تكون هناك حاجة لدى الحزب في الوقت الراهن للاعلان عن مهاجمة إسرائيل الكترونياً، لكنّ هذا الأمر ليس مستبعداً ويمكن أن يحصلَ في أيّ وقتٍ خصوصاً إن اندلعت حربٌ شاملة".   بحسب المصادر، فإنَّ الحزب ومن خلال هذه الحرب، يُمكن أن يسدد ضربات مزدوجة باتجاه الداخل الإسرائيلي، خصوصاً إن قرّر إسناد ضرباته الصاروخية بهجمات إلكترونية يمكن أن تؤدي إلى تعطيلِ مفاصل حيوية داخل إسرائيل، مثل شبكات الكهرباء والإتصالات.   لهذا السبب، فإن إسرائيل تعملُ حالياً واعتباراً من اليوم على تنفيذ مناوراتٍ بشأن سيناريوهات انقطاع الكهرباء في إسرائيل عند حصول أي حربٍ شاملة، ما يُفسر المخاوف من استهداف هذا القطاع الحيوي عبر أكثر من نطاق. الأمر الثاني والذي لم يُظهره "حزب الله" بعد هو التعاطي مع سيناريوهات الحرب البحرية، علماً أن هذا الأمر وارد حصوله بشدّة. وفعلياً، ما يتبين هو أن الحزب في هذه الحرب، بحسب المصادر، قد يستخدم 3 وحدات في شن هجمات بحرية: الأولى وهي الوحدة البحرية التي تتألف من مقاتلين مُتخصصين ومهمتها تنفيذ ضربات صاروخية بحرية أو هجمات مباشرة عبر طوربيدات. أما الوحدة الثانية فهي وحدة الدفاع الجوي التي قد يستخدمها الحزب لتنفيذ هجمات جوية ضد موانئ أو بوارج إسرائيلية تزامناً مع ضربات الوحدة البحرية.   أما الوحدة الثالثة، فهي ستكون وحدة الأمن السيبراني والتي قد تدخل على خط الهجمات البحرية وتقوم بتعطيل أجهزة رصدٍ في السفن أو رادارات الإستشعار، ما سيسهل كثيراً أمر تنفيذ الهجمات.
 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

أسئلة مصيرية أمام حزب الله

لم تكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت العمق الإيراني حدثًا عابرًا في الصراع الإقليمي، بل شكّلت محطة مفصلية في إعادة صياغة التوازنات، من طهران إلى بيروت. إذ امتد تأثيرها المباشر إلى أحد أبرز حلفاء إيران الخارجيين، وهو حزب الله، الذي وجد نفسه فجأة في موقع الدفاع، لا الهجوم، أمام أسئلة مصيرية تتصل بوظيفته، وقدرته على الرد، وحدود تحركه.

الواقعية السياسية تفرض اليوم قراءة معمقة لموقع الحزب بعد الضربة: هل يملك قرار التدخل؟ أم إن الواقع اللبناني والإقليمي والدولي يدفعه إلى ما يشبه الشلل الإستراتيجي؟ وهل الدخول في حرب جديدة بات خيارًا ممكنًا، أم عبئًا لا قدرة له على تحمله؟

والأكيد اليوم وبعد الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان الصيف الفائت، بدا أن الواقع اللبناني الداخلي لا يشكّل أرضية خصبة لأي مغامرة عسكرية جديدة. فمنذ انطلاق المواجهة المحدودة على الجبهة الجنوبية عقب 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعرّضت بيئة حزب الله لخسائر ضخمة، أبرزها اغتيالات طالت قادة سياسيين وميدانيين على رأسهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، إضافة لدمار شامل في البنية التحتية الجنوبية، وتهجير مئات الآلاف من السكان، وسط غياب شبه كامل للدولة، وتباطؤ واضح في تدفق المساعدات.

إعلان

يُضاف إلى ذلك أزمة إعادة الإعمار، التي باتت مشروطة سياسيًا، وربطت الدول المانحة أي تمويل فعلي بإحداث تغيّر في تموضع الحزب وسلاحه. هذا الواقع خلق أزمات متنقلة داخل البيئة الحاضنة للحزب، التي بدأت، بصوت خافت، تُراجع كلفة الصراع وجدوى استمرار معادلة المواجهة بالشكل الحالي.

ولا يمكن القفز فوق الاحتقان الداخلي والذي لم يقف عند حدود البيئة الشيعية فقط. فالانقسام السياسي الحاد، وعجز الحكومة على البدء بورشة إعمار وإصلاح إداري، باتت كلها عناصر تضغط باتجاه التهدئة لا التصعيد. فلا غطاءَ داخليًا جامعًا للحرب، ولا موقفَ لبنانيًا موحدًا يمكن أن يمنح الحزب شرعية الرد الواسع، وهو ما يزيد من حرج قيادته أمام جمهور بدأ يشعر أن الحرب صارت عبثًا، وأنه لا أحدَ يشاركه في الكلفة أو القرار.

إذا كان حزب الله قد نجح لعقود في تثبيت حضوره الإقليمي عبر شبكة إمداد تمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، فإن هذا المسار بات اليوم شبه معطّل. فسوريا التي شكّلت عمقًا إستراتيجيًا للحزب، تغيّرت قواعدها. فصعود الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، والانفتاح الخليجي والغربي على دمشق، أعادا تشكيل توجهات النظام السوري.

فالنظام الجديد، الذي يسعى لإعادة تأهيل نفسه على الساحة الدولية، ليس بوارد الدخول مجددًا في لعبة المحاور، خصوصًا إذا كان ثمن ذلك هو نسف أي مسار تفاوضي مع الغرب، وخاصة أن سوريا اليوم باتت في مرحلة تجريبية.

وهذا التحوّل يضع الحزب أمام مأزق عملياتي، إذ لم تعد الحدود السورية مفتوحة كما كانت، كما لم تعد دمشق التي خبرها الحزب وتحالف معها لثلاثة عقود مستعدة لدعم دور الحزب الإقليمي، في ظل الحديث عن فتح مسار تفاوضي إسرائيلي- سوري، ما يجعل من حزب الله عبئًا حتى على من كان يعدّه حليفًا.

وثمة تأكيد واضح لدى الأطراف الدولية والإقليمية أن انجرار المنطقة ولبنان للحرب بات أمرًا غير مسموح، فمنذ الساعات الأولى للضربة، فتحت عواصم إقليمية وغربية قنوات اتصال مع حزب الله، في محاولة لاحتواء الموقف. وسمع الحزب خلالها من هذه الأطراف مطالبهم بعدم الانجرار إلى الرد، أو على الأقل ضبطه ضمن الحدود اللبنانية، ومنع أي اتساع في رقعة الحرب.

إعلان

اللافت أن هذه الوساطات لم تأتِ نتيجة الخوف من ردّ إيراني مباشر، بل من إمكان استخدام حزب الله كمنصة لإشعال حرب إقليمية موسّعة، وهو ما تسعى واشنطن وحلفاؤها لتفاديه، خلافًا لما يطمح إليه بنيامين نتنياهو، الذي يُراهن على انفجار شامل يعيد خلط الأوراق.

حتى الآن، يتعامل الحزب بحذر شديد. يلوّح بالرد، لكنه لا يتعهد به. يصدر إشارات تهدئة، لكنه لا يتخذ القرار بالذهاب نحو تفعيل الرد. لذا فالتريث هو العنوان، لا لأن الحزب لا يريد الحرب دفاعًا عن الحليف الأبرز، بل لأن شروطها لم تعد متاحة كما في السابق.

والمؤكد أن حزب الله كغيره من الأطراف ينتظر تطورات الواقع الإقليمي الجديد للبناء عليها، وخاصة مع الزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي لسوريا ولبنان، توم باراك، والذي سيحمل عرضًا شبيهًا بما حمله سابقًا سلفه آموس هوكشتاين قبل أشهر، والذي يقضي بانسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا، مقابل انسحاب حزب الله من معادلة الصراع. لكن هذه المرة، العرض ليس مغلفًا بالليونة الدبلوماسية. فباراك يأتي برسالة حاسمة: "إما القبول الكامل بالشروط الأميركية، أو ترك لبنان لمصيره في وجه إسرائيل".

المبادرة تتجاوز مجرد ملف الحدود. هي جزء من ترتيبات إقليمية أوسع تشمل سوريا، التي تُدفع دفعًا نحو تطبيع مع تل أبيب مقابل ضمانات أمنية، وصفقات إعادة إعمار. ولبنان، إن رفض، سيُترك لمصيره، مع تهديد أميركي صريح بعدم الاستمرار في الوساطة أو تقديم الحماية السياسية.

هذا المسار يحمل تداعيات جذرية على لبنان. فإذا ما حصلت تسوية سورية – إسرائيلية، فإن لبنان سيكون معزولًا، يراوح في أزمته، فيما تسير دمشق نحو إعادة دمجها إقليميًا. عندها، لن يعود سلاح حزب الله ورقة قوة، بل عبئًا إستراتيجيًا بالنسبة لأطراف الصراع في البلاد.

حزب الله يدرك حجم الثقل والحدث، وهو الخارج من حرب طاحنة وصل صداها لكل المشرق والمغرب، وعليه فإنه سيسعى لتجنب الانخراط في ملحمة عسكرية شائكة، مرتكزًا على الواقع الشيعي اللبناني والتحديات الجغرافية ووقائع داخلية لا يمكنه تجاوزها بأي شكل من الأشكال.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • إدارة سجون الاحتلال تلغي جميع زيارات الأسرى التي كانت مقررة اليوم
  • أسئلة مصيرية أمام حزب الله
  • ما وراء الضربة.. خبراء: إسرائيل لا تستهدف فقط سلاح إيران النووي بل هذا الأمر
  • اجتماع عاجل للحكومة.. «حقائق وأسرار» يكشف خطة تأمين الغاز والكهرباء بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية «فيديو»
  • سيناريوهات الرد الإيراني بعد استهداف منشآت عسكرية ونووية.. فوضى أم خمول؟
  • البرلمان يبحث إنشاء وحدة مركزية لإدارة الأصول وآليات واضحة للتخارج .. تفاصيل
  • خبير لـ «حقائق وأسرار»: تأثيرات اقتصادية عالمية نتيجة الحرب الإسرائيلية الإيرانية
  • مصطفى بكري: الرئيس السيسي أكد أن استمرار الحرب في غزة سيؤدي لتغيير المعادلة
  • تفاصيل زيارة السفير السويدي لحزب العدل
  • استمرار الافتراء كذبا على الحزب الشيوعي بعد الحرب «2/ 2»