الأولى من نوعها.. دراسة دكتوراه تسلط الضوء على "مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية"
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
مسقط- الرؤية
نال الباحث خليفة بن راشد المجرفي درجة الدكتوراه في القانون العام بتقدير مشرف جدا، وذلك عن دراسة بعنوان "مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية (دراسة مقارنة)"، والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى سلطنة عمان.
وتناولت الدراسة الأسس والمبررات التي يستند إليها كل من أنصار مبدأ عدم المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية وأنصار المسؤولية عنها، والتطور الذي أصاب مبدأ عدم المسؤولية، والتطبيق العملي لنظرية مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية في كل من فرنسا ومصر وسلطنة عُمان، وبيان أوجه التشابه والاختلاف في تطبيق المسؤولية في دول المقارنة واستخلاص المبادئ العامة التي تحكم هذه المسؤولية في تشريعات هذه الدول.
وقد أجازت لجنة المناقشة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة سوسة بالجمهورية التونسية الدراسة.
وبين الباحث أهمية أطروحته بأنها تناولت إحدى الموضوعات المهمة والحيوية في المجتمع العُماني، وترتبط بأكثر من فرع من فروع القانون منها: القانون الإداري، وقانون المعاملات المدنية، وقانون الجزاء، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون الإجراءات المدنية والتجارية.
وأشار إلى أن موضوع مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية كان- ولا يزال- من أصعب الموضوعات وأكثرها تعقيدا بوصف أن القضاء يمثل مظهرا من مظاهر سيادة الدولة وسلطتها، موضحا أن السلطة القضائية لها دور أساسي في إقامة العدل وفرض احترام وسيادة القانون في المجتمع، لذلك حرص المشرع في جميع الدول على حماية القضاء وضمان استقلاله عن السلطات الأخرى في الدولة، ونزاهة أعضاء السلطة القضائية وتجردهم وحيادتهم في القيام بوظائفهم هو عماد نجاح هذه السلطة في القيام بوظيفتها في إقامة العدل، والعدل أساس الحكم في الدولة.
ورأى الباحث ضرورة إثارة هذا الموضوع وإقامة توازن بين تأكيد واحترام سلطة الدولة في تطبيق قوانينها من ناحية، وبين ضمانات الأفراد في عدم المساس بحرياتهم وحقوقهم وجبر الضرر الذي قد يلحق بهم من ناحية أخرى، لذلك كان لابد من البحث في مسؤولية الدولة عن تلك الأخطاء التي قد يقع فيها القضاة، وتعويض كل من لحقه ضرر من تلك الأعمال.
وأكد الباحث في دراسته أن العمل القضائي عمل معقد وأنه مهما أحيط به من ضمانات ومهما بلغ رجاله من خبرة وحنكة ودراية، قد يقع بعضهم في الخطأ عند قيامهم بمهامهم، ولذلك فقد حرصت التشريعات الحديثة على ضمان التعويض العادل للمتضررين من أنشطة الدولة.
وأشار إلى أن أعمال السلطة القضائية وما قد ينشأ عنها من ضرر للأفراد يختلف عن سائر أنشطة مرافق الدولة الأخرى وما قد ينجم عنها من أضرار، ففي حين يمكن مساءلة الدولة عن العديد من أنشطة مرافقها، إلا أن مساءلتها عن أخطاء سلطتها القضائية تثير الكثير من التساؤلات.
وقد حاول الباحث الإجابة عليها من خلال هذا الدراسة، ومن أهم هذه الأسئلة، هو هل يجوز للمتضرر أن يقاضي الدولة عن جميع الأضرار التـي قـد تسببها أعمال السلطة القضائية؟ وما هو أساس هذه المسؤولية؟ وما هي الجهة المختصة بالبت فيها؟ وما هي حدود اختصاص القضاء في الخطأ القضائي؟ وكذلك هل يمكن اعتبار جميع ما يصدر عن القضاة وأعضاء الادعاء العام أعمالا قضائية؟ وما هو معيار تمييز العمل القضائي عن غيره من الأعمال؟ وما هو موقف القضاء في دول المقارنة من هذا المعيار؟
وأمام التطور الذي لحق بتنظيم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، ونظرا لما يمثله من نظرة جديدة لنظام المسؤولية، رأى الباحث جعله مجالا لدراسته مستهدفا من ذلك تقييمه لمعرفة مدى ملاءمة الأخذ به في النظام العُماني، ولبيان مجال تأثر القانون العُماني بنظام المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية بالقانونين الفرنسي والمصري، وحاول في هذه الدراسة التوفيق بين اعتبارات الصالح العام التي تقتضي ضمان حياد القاضي واستقلاله في عمله، وبين ضمانات الأفراد في عدم المساس بحرياتهم وحقوقهم وجبر الضرر الذي قد يلحق بهم، وذلك بهدف السعي لتحقيق توازن منطقي وناجع بين المصلحتين.
وهذا البحث في تقدير الباحث، استنهاض للقضاء العُماني، ودعوة له في الوقت نفسه، للتخلي عن موقفه التقليدي من نظرية مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، وأن نظيره الفرنسي قد سبقه بفترة من الزمان في هذا المضمار، وأن الحاجة تبدو - في نظره - ماسة لترتيب مسؤولية الدولة عن أعمال سلطتها القضائية، إذا ما سببت ضررا للغير تطبيقا لمبدأ المساواة، وهو مبدأ دستوري يتعين على المشرع احترامه، وعلى السلطة القضائية النزول بمقتضاه.
واعتمدت هذه الدراسة على المنهج التحليلي في الإجابة على الأسئلة التي يثيرها موضوع مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء باعتباره الأنسب لمعالجة مثل هذه الموضوعات، وذلك من خلال اعتماد القراءة التحليلية لمضمون النصوص القانونية واجتهادات الفقه في هذا المجال.
كما استخدم الباحث المنهج المقارن للوقوف على التطورات القضائية الحديثة كما هو الحال في فرنسا ومصر، لبيان مدى ما وصل إليه المشرع العُماني في هذا الشأن، واختيار المنهج الأخير للبحث في القانون الفرنسي والمصري له أهميته العلمية والعملية، وخاصة إذا كان يقوم ببحثه عضو جهة قضائية اتخذ من القضاء مهنة له، إذ تقع عليه مهمة البحث عن الحلول لما يطرح عليه من قضايا، ويطبق القوانين لتحقيق هدف من أهم أهداف الدولة الحديثة يتمثل في العدل والأنصاف.
وقسم الباحث المجرفي أطروحته إلى جزأين حيث استعرض في الجزء الأول تحديد الأعمال القضائية ففي الفصل الأول منه تناول المعايير الفقهية لتحديد الأعمال القضائية، كما تناول في الفصل الثاني موقف القضاء من معيار تمييز الأعمال القضائية، فيما استعرض في الفصل الثالث تحديد أعمال السلطة القضائية في مجال المسؤولية.
أما الجزء الثاني فقد جاء بعنوان نظام أعمال السلطة القضائية، مقسم إلى ثلاثة فصول، تناول في الفصل الأول مبدأ المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية، وخصص الفصل الثاني لدراسة الاستثناءات من قاعدة عدم المسؤولية، فيما تناول في الفصل الثالث الاتجاه الحديث نحو تقرير المسؤولية عن أعمال القضاء.
وأكدت نتائج الأطروحة نزاهة القضاء العُماني، وسعي العاملين في حقله إلى الوصول للحقيقة في كل ما يعرض عليهم من منازعات، إلا أن أعضاء السلطة القضائية ليسوا إلا آدميين غير معصومين من الخطأ في تفسير القوانين وتطبيقها على الوقائع، وإذا كان المشرع قد وضع ضمانات متعددة تكفل نزاهة القاضي وحسن أدائه لوظيفته، فإن هذا وإن أدى إلى قلة الأخطاء إلا أنه لا ينفي وجودها كلية، وقد تؤدي هذه الأخطاء - في بعض الأحيان - إلى الأضرار بالمتقاضين بدون وجه حق، وفي هذا ما يتطلب ضرورة تعويضهم عن الأضرار التي تصيبهم.
وأوضح الباحث في أطروحته بأن الحجج التي تم الاستناد عليها لتبرير مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء وإن كانت تحمل في ظاهرها شيئا من الحقيقة، إلا أنها لا تعتبر مبررا كافيا لإبعاد أعمال القضاء من نطاق المسؤولية، والدليل أن مبدأ عدم المسؤولية أخذ في الانحسار والتحول التدريجي نحو مساءلة الدولة عن أعمال سلطتها القضائية.
وأوضح المجرفي بأن نظام مخاصمة القضاة كنظام قانوني لمساءلة القضاة مدنيا نظام صعب المنال، لأن المشرع تطلب لمن يسلكه عددا من الإجراءات الصعبة والتي غالبا ما تؤدي إلى رفض الدعوى ومصادرة الكفالة التي يسددها طالب المخاصمة، وحتى كتابة البحث لم تتحقق ولم تقع أحكام تقضي بقبول دعوى المخاصمة ومنح التعويض للمتضرر عن الخطأ القضائي، وهذا ما جعل الباحث يرى أن نظام مخاصمة القضاة غير كاف لمقاضاة القضاة مدنيا عن أخطائهم.
وأكد المجرفي أن العدل الاجتماعي والمواثيق والإعلانــات الدوليـة ومـبـادئ الديمقراطية وأحكام الشريعة الإسلامية وغيرها تطالب وتنادي بإقرار قاعدة عامـة لمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية تحقيقا للعدل الكامل بين المواطنين، وقبل أن تقر هذه المسؤولية يجب تحديد الأساس القانوني لمسؤولية الدولـة عن أعمال السلطة القضائية، ويفضل الأخذ بنظرية الضمان وذلك لخصوصية الأعمال الصادرة عن مرفق القضاء التي تحول دون خضوع المرفق القضائي للقواعد العامـة في المسؤولية الإدارية ولطبيعة القانون الخاص، وذلك بسبب العلاقة التي تربط بيـن السلطة القضائية والمتعاملين معها، ويتطلب إقرار تلك المسؤولية أيضا النص عليـها تشريعيا، ولا يكفي أن يوكل الأمر إلى القضاء في التوسع في نظـام المسؤولية عـن أعمال السلطة القضائية أو قياسها على نظام مسؤولية أخرى واردة في القانون، وأن يحدد القانون كل ما يتعلق بهذه المسؤولية.
كما إن إقرار قاعدة مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية يجعل عضو السلطة القضائية قبل أن يصدر حكما أن يراعي وجـه الصـواب، ويتحـرى الحقيقة قبل أن يتسرع في إصدار الأحكام لأنه يعلم أنه سوف يترتب للمتضـرر مـن خطئه مسؤولية تقع عليه ويدفع التعويض من الخزانة العامة للدولة.
وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات، دعا فيها المجرفي المشرع العُماني إلى ضرورة إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية بنص صريح وواضح في النظام الأساسي للدولة وإصدار التشريعات التي تكفل تطبيق هذا المبدأ ووضعه موضع التطبيق العملي ترسيخا لمبدأ المشروعية وبما يراعي مصلحة الدولة والقضاة والأفراد، واقترح أن يكون النص كالتالي "يترتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة. ويحدد القانون شروط التعويض وكيفياته".
ويأمل الباحث المشرع العُماني إضافة نص في النظام الأساسي للدولة يتضمن: "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكلفها هذا النظام والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجزائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: عدم المسؤولیة هذه المسؤولیة أعمال القضاء الع مانی مبدأ عدم فی الفصل إلا أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
يلعب الإعلام دوراً مفصليا في إعادة بناء المجتمع، وتحقيق السلام، والمساهمة في التنمية. إفماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب :
أولا : تعزيز السلام والمصالحة الوطنية
و لكي يتحقق ذلك يتوجب
أ. التزام وسائل الاعلام بتغطية إخبارية متوازنة وموضوعية لما يجري ، وتجنب الرسائل المتحيزة و خطابات التحريض على الكراهية..
ب. وسائل الإعلام عليها أن تعطي مساحة مقدرة لرسائل السلام والمصالحة، بالتركيز على مبادرات السلام وجهود المصالحة الوطنية النابعة من المجتمع نفسه، ذلك أن وسائل الاعلام كثيرا ما تعد رسائل تبدو و كأنها رغبة سلطوية رسمية مما يضعف التفاعل معها..
ج. على وسائل الإعلام توفير منصة للحوار حول القضايا المهمة، وإشراك جميع الأطراف بلا اقصاء لأحد.. بمشاركة متوازنة تقدم الرأي و الرأي الآخر الموضوعي بما يهدف للوصول للمشتركات في الأفكار و الأطروحات و الحلول
ثانيا . دعم إعادة الإعمار والتنمية. من خلال :
أ. تسليط الضوء على الاحتياجات الإنسانية والمجتمعية في المناطق المتأثرة بالحرب، والاسهام في توجيه جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
ب. متابعة المشاريع التنموية القائمة و المستحدثة في البلاد، وتسليط الضوء على الإيجابيات في هذه المشروعات..
ج. على وسائل الإعلام أن تشجع المشاركة المجتمعية في جهود إعادة الإعمار والتنمية، وإبراز قصص نجاح المواطنين و أدوارهَم في بناء مستقبل أفضل لهم و لوطنهم .
د. إحياء قيم العمل و احترام الوقت.. و تعزيز خطاب التوازن بين الحقوق و الواجبات في علاقة المواطنين و الدولة..
ذلك أنه و لفترة مضت ساد خطاب الحق على الواجب.. و آن الأوان لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة حول موضوعات السلطة و الثروة، و كانت سببا في استمرار الصراع مما أضعف بنية الدولة و تسبب في تأخر جهود البناء و الاعمار و التقدم نحو الأفضل..
ثالثا : اعادة صياغة الخطاب الاعلامي السياسي و ضرورة تعزيز و نشر قيم الديمقراطية و الشورى، و حقوق الآخر و العناية و الدفاع عن حقوق الإنسان، وتسليط الضوء على الانتهاكات، والمطالبة بالعدالة .
ب. أن تضطلع وسائل الاعلام بدورها، في مراقبة الأداء الحكومي: و يجب عليها مراقبة أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، وكشف الفساد وسوء الإدارة، والمساهمة في تعزيز الشفافية والمساءلة.
ج. توعية الجمهور بحقوقهم وواجباتهم، و الدور الذي يجب أن يقوموا به في بناء مجتمع قائم على احترام حقوق الإنسان.
رابعا؛ تعزيز خطاب اعلامي ينبني على الحقائق لا غيرها ومحاربة الشائعات و المعلومات المضللة والأخبار ذات الغرض..
أ. يجب على وسائل الإعلام التحقق من الحقائق قبل نشرها، والتأكد من مصداقية المصادر ، وتجنب نشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة.
ب. على وسائل الإعلام مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتعزيز التسامح والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع.
خامسا : بناء ثقافة السلام والتسامح.
أ. هنالك قصص كثيرة و إيجابية عن التعايش السلمي والتسامح، يمكن لوسائل الإعلام أن تسهم في نشرها وتسليط الضوء على المبادرات الفردية و الرسمية و الجهود المبذولة لتعزيز الوحدة الوطنية.
ب. حسن ادارة قضايا التنوع الثقافي و تشجيع الحوار بين الثقافات وتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام بين جميع أفراد المجتمع.
خاتمة.. خلاصة القول أن ما نحتاجه لادارة اعلام ما بعد الحرب في السودان أننا نريده اعلاما مسؤولاً ومهنياً، تقوم رؤيته على بناء مجتمع متماسك و قوي مؤمن بوحدته و تنوعه الثقافي، يسوده السلام والعدل والمساواة.
أ. يس إبراهيم
خبير اعلامي