إسطنبول- تجذب السوق التركية المزيد من العلامات التجارية للسيارات بعد أن صارت وجهة إستراتيجية للصناعة الواعدة.

وكانت الشركات الصينية من بين الشركات المصنعة للسيارات التي سعت لإيجاد موطئ قدم لها في السوق التركية خلال السنوات الأخيرة، مستفيدة من مزايا تنافسية تشمل التكنولوجيا المتقدمة، والأسعار التنافسية، وتنوع الطرازات التي تلبي احتياجات مختلف شرائح المستهلكين.

ديناميات جديدة

ويعكس الحضور الصيني المتنامي ديناميات اقتصادية وتجارية جديدة بين بكين وأنقرة، ويثير اهتماما متزايدا حول التأثيرات المحتملة على السوق المحلية، سواء من حيث المنافسة أو التعاون المشترك في مجال الإنتاج والتطوير.

جاء ذلك بالتزامن مع مرسوم الرئاسة التركية بخصوص تخفيف الرسوم الجمركية الإضافية على المركبات الصينية المستوردة، مما يوفر لشركات صناعة السيارات التي تستثمر في تركيا إعفاء من الرسوم الجمركية.

ويأتي المرسوم الرئاسي التركي بعد إعلان الولايات المتحدة في 14 مايو/أيار الماضي أنها سترفع معدل التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين من 25% إلى 100%، وقرار الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوة مماثلة لحماية مصنعي السيارات الكهربائية المحليين.

وتشير صحيفة "ديلي صباح" التركية إلى أن تركيا تحاول منذ فترة طويلة جذب شركات صناعة السيارات إلى البلاد، ووضعت الشركات الصينية على وجه الخصوص على رادارها، الأمر الذي أتى بثماره الآن.

وشهدت بكين في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، محادثات بين وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي محمد فاتح كاجير، وعدد من المسؤولين التنفيذيين للعديد من شركات صناعة السيارات الصينية، دعا خلالها الشركات الصينية إلى الاستثمار في تركيا.

دخول شركات جديدة

وفي مؤشر على تنامي الحضور الصيني وقعت شركة "بي واي دي" (BYD) الصينية اتفاقا مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية لبناء مصنع بقيمة مليار دولار، في حين أن شركة صناعة السيارات الصينية "إس دبليو إم" (SWM) لديها، كذلك، خطط استثمارية.

وبحسب صحيفة "حرييت التركية" فإن شركة "بي واي دي" تعتزم تدشين مصنع بطاقة تصنيع 150 ألف مركبة سنويا، بالإضافة إلى مركز للتنقل والبحث والتطوير باستثمارات إجمالية تبلغ مليار دولار، ومن المتوقع أن تبدأ الشركة إنتاجها الفعلي في نهاية عام 2026 وتوفر 5 آلاف فرصة عمل مباشرة.

وجرت مراسم التوقيع على الاتفاق في قصر دولمة بهتشة بإسطنبول، بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزير الصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح كاجير، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "بي واي دي" وانغ تشوانفو.

وقال كاجير في بيان إن "هذا الاستثمار في إنتاج الجيل الجديد من المركبات ذات القيمة المضافة المحلية العالية من شأنه أن يعزز صناعة السيارات لدينا".

وأكد أن تركيا -ثالث أكبر مصنّع للسيارات في أوروبا- ترى أن التحول نحو المركبات الكهربائية الصديقة للبيئة من الجيل التالي هو هدف ذو أولوية في قطاع السيارات، وهو قطاع التصدير التركي الرائد.

ويرى الباحث في الاقتصاد وإدارة الأعمال يحيى السيد عمر أن حضور الصين في السوق التركية ينسجم مع توجهها الاقتصادي، لتعزيز وجودها في عدة مناطق حيوية من العالم، وخاصة أن تركيا تمتلك موقعا إستراتيجيا مميزا يربط بين آسيا وأوروبا.

صناعة السيارات الصينية تشهد توسعا ملحوظا حول العالم من بينها السوق التركية (لصحافة التركية)

وفي حديثه للجزيرة نت حدد السيد عمر عدّة عوامل تجعل تركيا وجهة مقصودة لشركات السيارات الصينية، ومن أبرز هذه العوامل:

الموقع الجغرافي لتركيا والقريب من أوروبا، مما يقلل من تكاليف الشحن، مقارنة بتكاليف الشحن المرتفعة من الصين. الاستفادة من العلاقات التجارية الواسعة لتركيا مع العديد من الدول خاصة أوروبا، فالطرفان موقعان منذ عام 1995 على اتفاقية حرية حركة البضائع لا سيما السيارات. الالتفاف على القيود الأوروبية الخاصة باستيراد السيارات من الصين، فصادرات المصانع الصينية في تركيا ستعامل معاملة المنتجات التركية، وبالتالي تتجاوز العقبات الأوروبية خاصة الرسوم الجمركية.

من جانبه، يقول خبير الاقتصاد والاستثمار التركي جلال بكار إن تركيا تمتلك البنية التحتية للصناعات من المواد الأولية إلى اليد العاملة الماهرة والتي تتقاضى أجورا معقولة بالنسبة للتصنيع في سوق السيارات.

وفي حديثه للجزيرة نت، يؤيد بكار ما ذهب إليه السيد عمر بشأن استفادة الشركات الصينية من اتفاقيات تركيا مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص تصدير السيارات والالتفاف على قوانين الاتحاد الأوروبي فيما يخص الضرائب والقيود على السيارات الكهربائية الصينية.

ويرجح بكار أن تسهم الشركات الصينية في دعم الصناعة التركية بخصوص التكنولوجيا الصينية المتقدمة والمعقدة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية، ونقل بعض الخبرات إلى الأتراك العاملين في مصانع السيارات الكهربائية في تركيا.

السيارات الكهربائية

وشهد السوق التركي على مدى السنوات الأربع الماضية، زيادة ملحوظة في دخول العلامات التجارية الصينية للسيارات الكهربائية، مما جذب اهتماما متزايدا من المستهلكين الأتراك.

ويعزو المراقبون هذا الاهتمام المتزايد إلى جاذبية المركبات الصينية عالية الجودة والأداء والمعروضة بأسعار معقولة، إلى جانب عروض الخدمة الشاملة والميزات الموفرة للطاقة.

وأشارت وكالة شينخوا الصينية، في 11 مارس/آذار الماضي، أنه ومنذ طرح علامة "إم جي" (MG) في تركيا عام 2021، تبعتها مجموعة من العلامات التجارية الصينية الأخرى بسرعة، ليصل العدد الإجمالي إلى 12 علامة بحلول فبراير/شباط 2024، كما كشفت جمعية موزعي السيارات والتنقل "أو دي إم دي" (ODMD) في أحدث تقرير مبيعات لها.

وارتفعت نسبة الوعي بالعلامة التجارية "أم جي" الصينية إلى 79% في العام الماضي، مما أكسبها لقب "العلامة التجارية الأسرع نموا" في تركيا وفق جمعية موزعي السيارات.

واحتلت سيارتا "بي واي دي/أتو 3″ (BYD Atto 3) و"إم جي 4" (MG 4)، وهما طرازان صينيان للسيارات الكهربائية، المركزين الثالث والرابع في قائمة السيارات الكهربائية الأكثر مبيعا في البلاد خلال فبراير/شباط الماضي.

ونقلت وكالة شينخوا عن الخبير في صناعة السيارات، سميح إيريوكسلدي، قوله إن "جاذبية السيارات الصينية والاهتمام المتزايد بها من جانب المستهلكين الأتراك يرجع إلى نسبة السعر إلى الأداء".

وحسب ترجيحات القائمين على صناعة السيارات، فإن حصة العلامات التجارية الصينية في السوق التركية، التي تجاوزت 4.5% في عام 2023، من المرجح أن تصل إلى 10% هذا العام.

ويعتقد إيريوكسلدي أنه "إذا حافظت العلامات التجارية الصينية على إستراتيجيات التسعير الحالية، واستمرت في تقديم منتجات عالية الجودة في تركيا، فإنها على استعداد لتأمين حصة سوقية كبيرة في المستقبل القريب".

علامات تجارية عالمية

ولا تقتصر جاذبية تركيا التصنيعية على السيارات الصينية الكهربائية، بل تشمل العديد من المصانع العالمية العريقة مثل فورد الأميركية وفيات الإيطالية وتويوتا اليابانية وهيونداي الكورية ورينو الفرنسية ومرسيدس الألمانية وغيرها.

ويلفت موقع الاستثمار التركي إلى أن تركيا تضم أكثر من 250 موردا عالميا للسيارات يستخدمون البلاد كقاعدة إنتاج، حيث يحتل 30 منهم مرتبة بين أكبر 100 مورّد عالمي.

وصدّرت تركيا أكثر من مليون مركبة إلى الأسواق الدولية عام 2023، بالإضافة إلى أنها أصبحت ثاني أكبر مصدّر للسيارات إلى الأسواق الأوروبية بعد المملكة المتحدة في العام ذاته.

وفيما يتعلق بتأثير دخول الشركات الصينية إلى تركيا على المنافسة مع الشركات العالمية الأخرى الموجودة، يرى السيد عمر أن المنافسة عامل إيجابي في السوق، وليست عاملا سلبيا.

ويضيف أن المنافسة في سوق السيارات في تركيا تعدّ منخفضة نسبيا بالنسبة لسيارات "بي واي دي" (BYD)، على اعتبار أنها سيارات كهربائية، مما يقلل منافستها مع سيارات الوقود.

وعلى مستوى التأثيرات المستقبلية للحضور الصيني في سوق السيارات في تركيا، يرجّح السيد عمر أن يسهم ذلك في تنشيط الاستثمار الأجنبي في البلاد، ويعزز من اهتمام كبرى الشركات العالمية بالسوق التركية.

ويتوقع أن يعزز ذلك من فكرة أن تركيا ستصبح مركزا إقليميا لسلاسل التوريد، خاصة في ظل الاتجاهات نحو التخلي عن سلاسل التوريد العالمية، والاتجاه نحو السلاسل الإقليمية.

بدوره، يعرب بكار عن اعتقاده أن تنامي المصانع الصينية في تركيا سيحفّز صناعة السيارات الكهربائية للعلامات مثل فورد ومرسيدس وغيرها، مما سيفتح آفاق استثمارات عالمية وليس الاستثمارات الصينية فحسب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

جوائز السوق وعرض جوازة ولا جنازة.. ماذا حدث في مهرجان البحر الأحمر اليوم؟

شهد اليوم من فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي العديد من الأحداث التي تنوعت بين المحاضرات والحوارات المفتوحة والعروض الأولى، وسط حضور كبير من عشاق السينما وصناعها، رغم الأجواء الماطرة التي غطت مدينة جدة.
 

استضاف المهرجان واحدا من أهم عروضه الفكرية لهذا العام، حيث قدم المخرج والكاتب الأمريكي الشهير دارين أرنوفسكي محاضرة موسعة تناولت مسيرته الطويلة في صناعة السينما، وأبرز محطاته الفنية، إضافة إلى رؤيته الإبداعية في صناعة الأفلام.

وشهدت المحاضرة حضورا كبيرا من صناع الأفلام الشباب في السعودية، الذين طرحوا أسئلة متنوعة شملت آليات تطوير السيناريو، والتعامل مع الممثلين، والبحث البصري والدرامي في العمل السينمائي. كما تطرقت الأسئلة إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام، وهو موضوع أثار اهتمام أرنوفسكي الذي أكد أن التقنية يمكن أن تكون جزءا داعما للعمل الإبداعي إذا أحسن استخدامها.
 

أما على الجانب الفني، فقد أقيم العرض العالمي الأول لفيلم جوازة ولا جنازة، وسط حضور لافت لأبطال العمل وصناع الفيلم، الذين تفاعل معهم الجمهور على السجادة الحمراء. وحظي العرض باهتمام إعلامي كبير، لكون الفيلم من الأعمال الكوميدية المنتظرة في الموسم السينمائي الجديد.
 

وفي سياق الفعاليات الحوارية، نظم المهرجان ندوة خاصة للممثل العالمي أنتوني كوبكز، الذي التقى الجمهور للحديث عن أبرز أدواره وتجربته الطويلة في عالم التمثيل. وشارك كوبكز الحضور بعدد من النصائح التي اكتسبها خلال سنوات عمله، إضافة إلى رؤيته للتغيرات المتسارعة في صناعة السينما العالمية. وشكلت الندوة منصة مهمة للمواهب الشابة للتفاعل مع واحد من أبرز الوجوه في هوليوود.
 

وأخيرا أعلن سوق البحر الأحمر عن الفائزين بجوائز سوق المشاريع خلال حفل توزيع جوائز السوق الليلة، حيث تمّ تسليط الضوء على المشاريع المتميّزة من بين مجموعة مختارة تضمّ 40 فيلمًا طويلًا ومسلسلًا. وتحصل مشاريع سوق البحر الأحمر من خلال هذه الجوائز على الدعم المالي الضروري في مختلف مراحل المشاريع، بما في ذلك التطوير والإنتاج وما بعد الإنتاج، بالإضافة إلى دعم خاصّ للمشاريع ضمن "اللودج" و"معمل المسلسلات".

وقد دعم صندوق البحر الأحمر 10 جوائز منحتها لجنة التحكيم، جائزتين للأعمال قيد التنفيذ وست جوائز لمشاريع قيد التطوير وجائزتين لمشاريع المسلسلات، بالإضافة إلى جوائز نقدية وعينية قدّمها شركاء الجوائز الدوليون في مجال صناعة الأفلام.

طباعة شارك نيللي كريم لبلبة مهرجان البحر الأحمر

مقالات مشابهة

  • أخبار السيارات| هوندا تعيد إحياء سيارة شهيرة.. أصحاب المركبات الكهربائية يعودون إلى البنزين
  • تعرّف على الشروط الجديدة لاقتناء وتوريد السيارات في تونس
  • صدمة .. أصحاب السيارات الكهربائية يعودون إلى البنزين مرة أخرى.. ما السبب؟
  • أسباب انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا
  • حملة تنظيمية صارمة على تسعيرة السيارات الصينية
  • هبوط أسعار السيارات.. والشعبة تعلن انطلاقة إنتاج 160 ألف سيارة محليا في 2026
  • تباطؤ النمو العالمي لمبيعات السيارات الكهربائية بسبب استقرارها بالصين وتغيرات بأمريكا
  • أخبار السيارات| أرخص 5 سيارات أوتوماتيك زيرو في مصر.. اركب سيارة موديل 2022 أوتوماتيك من سوق المستعمل
  • أيمن عاشور: إطلاق أول مسابقة مصرية للسيارات الكهربائية العام المقبل
  • جوائز السوق وعرض جوازة ولا جنازة.. ماذا حدث في مهرجان البحر الأحمر اليوم؟