عربي21:
2025-06-24@11:21:09 GMT

إسرائيل المستفزة للرأي العام

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

حرصت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ إنشائها على المحافظة على صورتها الإيجابية في العالم، ولا يخفى حجم الاهتمام ونوعيته بالدعاية التي أولتها ماكينات الديبلوماسية والإعلام تحقيقا لهذا الهدف.

جاءت الحرب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة إثر طوفان الأقصى 2023 بوضع جديد في الديبلوماسية الإسرائيلية وتعاطيها مع الدعاية وتحسين صورتها، حيث وصلت صورة الكيان المحتل لأسوأ حالاتها على الإطلاق، مع ملاحظة عدم أولوية ذلك بالنسبة لصنّاع القرار فيه خلال هذه المرحلة، في ظل تصاعد الإجرام في صورة لم تُعهد في الزمن المعاصر، لا سيما من دولة كانت إحدى ركائز دعايتها أنها الديمقراطية الوحيدة وسط أنظمة ديكتاتورية عربية، الأمر الذي بات يؤلب القوى والحراكات في الغرب على غير الوجه الذي أرادته إسرائيل وحلفاؤها عبر عقود خلت.

فما نتائج السلوك الإسرائيلي الجديد وانعكاساته على توجهات الرأي العام نحوه؟

شكلت الحركات الطلابية في الجامعات الغربية سابقة في تاريخ الدول الداعمة لإسرائيل، والتي تحولت نخبها المستقبلية التي يفترض بها إكمال مشوار السياسيين المناصرين للاحتلال؛ إلى مناهضين لمشروعه الاحتلالي ورافضين لجرائم الإبادة التي يرتكبها على مرأى العالم أجمع.

شكلت قرارات محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية هي الأخرى ثورة في وجه الاصطفاف الأعمى مع دولة الاحتلال، فسابقة إدانة إسرائيل واتهامها بارتكاب الجرائم بات واقعا من البوابة القانونية الدولية، ما أضاف خرقا لجدار حاولت إسرائيل ومن ورائها القوى الداعمة لها الحيلولة دون المسّ بصورتها ومكانتها
كما شكلت قرارات محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية هي الأخرى ثورة في وجه الاصطفاف الأعمى مع دولة الاحتلال، فسابقة إدانة إسرائيل واتهامها بارتكاب الجرائم بات واقعا من البوابة القانونية الدولية، ما أضاف خرقا لجدار حاولت إسرائيل ومن ورائها القوى الداعمة لها الحيلولة دون المسّ بصورتها ومكانتها، وعدم السماح بوصول لما يسيء إليها في الأروقة الدولية، في جو سيطرت عليه القوى الكبرى على هذه المنظمات، وأثرت سياسيا في قراراتها.

على الرغم من تأخر قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالحرب على غزة وعدم تنفيذه، إلا أن ذلك وجه آخر يدلل على نفض الغبار عن روتين دولي بات مسلّما في التعاطي مع إسرائيل؛ فالتحولات الدولية في التعاطي مع إسرائيل هزت الوعي الدولي وحركت الضمير الإنساني الذي تجرأ للوقوف في وجه تهديدات القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا، فضلا عن الحرج الذي بات يوضع فيه مسؤولو المنظمات الدولية أمام مشاهد الإبادة في غزة.

إن تصرفات الاحتلال بصورة غوغائية في حربه وعدم مبالاته في الأصوات الدولية سواء المؤسسات أو الأفراد، والداعية إلى العقلانية في التعامل مع المشهد، باتت تكلفه ثمنا باهظا، بل وتزيد من استفزاز الرأي العام العالمي تجاهه شيئا فشيئا، ما يدفع بالمزيد من مناهضة المشروع الصهيوني وبصورة أكثر قسوة من ذي قبل. ويدلل على ذلك ما خلصت إليه فتوى محكمة العدل الدولية الأخيرة فيما يخص طلب الأمم المتحدة بإنهاء احتلال مناطق 67، ووحدة هذه الأراضي ورفض الاستيطان ومصادرة الموارد الطبيعية منها، واعتبار ما جرى عليها من إجراءات غير قانونية، وغيرها من القرارات ذات الطابع الصارم في التعاطي مع الرواية الإسرائيلية.

بات مشهد المبالغة في العنف إسرائيليا وزيادة نفوذ المتطرفين في صناعة القرار، وجرائم قتل المدنيين في مدارس الإيواء وغيرها، يقابل بجدية ووقوف مع الحقوق الفلسطينية من أطراف دولية ورأي عام بات يقابل التحدي بتحد، ما بات يضع هذا التحدي أمام صنّاع القرار الداعمين للاحتلال، ويؤثر في إيجابيتهم المعهودة مع الاحتلال على مدى عشرات السنوات، والأهم من ذلك أنه بات يرسخ لدى شرائح واسعة في المجتمعات الغربية أن "الصنم الإسرائيلي" يمكن انتقاده والتجرؤ على ذلك، التجرؤ على الرد على إسرائيل من جبهات محيطة، من اليمن وإيران والعراق ولبنان، شكّل تحولا في الصورة العامة للكيان الذي لم يفكر أحد في مهاجمته، بل وكرست صورة الضعف العربي أمام "الغول" الإسرائيلي، وهذه الجرأة لها ما بعدهابعد أن كان من المحرمات التي تودي بصاحبها وتحاصره، وهو ما لاحظناه في أسلوب بعض الجامعات وخطابها الأيديولوجي الداعم المطلق للصهيونية، فحتى هذا الخطاب شكل تحديا للفئات المثقفة والحرة التي لا تقبل القولبة في أطر تراها تحطّ من حرية التعبير والديمقراطية، وبات ذا مفعول عكسي لشرائح الشباب الذين دخلوا في تحد معه.

على الصعيد العربي والإسلامي وبالرغم من الخذلان الكبير، إلا أن التجرؤ على الرد على إسرائيل من جبهات محيطة، من اليمن وإيران والعراق ولبنان، شكّل تحولا في الصورة العامة للكيان الذي لم يفكر أحد في مهاجمته، بل وكرست صورة الضعف العربي أمام "الغول" الإسرائيلي، وهذه الجرأة لها ما بعدها من إزالة صورة مثالية جعلت المحيط يعيش الخوف والرعب من مجرد التفكير من الاقتراب منه.

إن الديبلوماسية الإسرائيلية تعيش في أسوأ حالاتها بتعاطيها مع مُسلَّم حفظ لها وجودها وهيبتها على مدار عشرات السنوات، وباتت تخسر الكثير على الصعد الدولية، بل باتت تحارب ذاتها من خلال خلق فرص العداء مع شرائح واسعة في المجتمعات، جراء الاستفزازات التي تقوم بها في مجالات وبيئات شتى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي غزة الرأي العام الإبادة إسرائيل غزة الرأي العام الإبادة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران

أصبح الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على إيران أحد أبرز الضربات العابرة للحدود في تاريخ المنطقة الحديث. فالعملية، التي تجاوزت كونها استهدافًا لمنصات صواريخ أو منشآت نووية، شملت اغتيالات بارزة وهجمات إلكترونية معقدة. من أبرز تطوراتها اغتيال عدد من كبار القادة الإيرانيين، بينهم اللواء محمد باقري، وفي الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده.

هذه الاغتيالات تشكل أقسى ضربة تتعرض لها القيادة العسكرية الإيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ومع ذلك، فإن الهجوم يتجاوز كونه عملية عسكرية بحتة؛ فهو تجسيد لعقيدة سياسية بُنِيَت على مدى عقود.

رغم التصريحات الإسرائيلية التي تصف العملية بأنها إجراء استباقي لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن المنطق الإستراتيجي العميق يبدو أكثر وضوحًا: زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وصولًا إلى انهيارها.

فلطالما اعتبر بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين والأميركيين أن الحل الوحيد لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية يكمن في تغيير النظام. وهذه الحملة تندرج في هذا التوجه القديم، لا فقط عبر الوسائل العسكرية، بل من خلال ضغوط نفسية وسياسية واجتماعية داخل إيران.

تُظهر التطورات الأخيرة أن العملية ربما صُمِمَت لإشعال شرارة انتفاضة داخلية. فالخطة مألوفة: اغتيال القادة، حرب نفسية، حملات تضليل، واستهداف رمزي لمؤسسات الدولة.

في طهران، أفادت التقارير بأن الهجمات الإلكترونية المدعومة إسرائيليًا والغارات الدقيقة أصابت مباني حكومية ووزارات، وعطلت مؤقتًا البث التلفزيوني الوطني؛ أحد أركان البنية الإعلامية للجمهورية الإسلامية.

في المقابل، تعكس التصريحات السياسية الإسرائيلية هذا المسار. ففي لقاءات مغلقة وتصريحات صحفية محددة، أقر المسؤولون بأن المنشآت النووية الإيرانية المحصنة عميقًا- بعضها مدفون لأكثر من 500 متر تحت جبال زاغروس والبرز- لا يمكن تدميرها دون تدخل أميركي مباشر باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات، التي لا تستطيع حملها سوى قاذفات B-2 أو B-52 الأميركية. وغياب هذه الإمكانات جعل القادة الإسرائيليين يقتنعون بأن وقف البرنامج النووي الإيراني لن يتحقق إلا بتغيير النظام.

إعلان

هذا السياق يمنح الأفعال العسكرية والسياسية الإسرائيلية بعدًا جديدًا. فبعد الهجمات، كثفت إسرائيل رسائلها الموجهة إلى الشعب الإيراني، ووصفت الحرس الثوري ليس كمدافع عن الوطن، بل كأداة قمع ضد الشعب.

وكانت الرسالة: "هذه ليست حرب إيران، بل حرب النظام." وقد ردد شخصيات من المعارضة الإيرانية في الخارج- كرضا بهلوي نجل شاه إيران السابق، ولاعب كرة القدم السابق علي كريمي- هذا الخطاب، مؤيدين الهجمات، وداعين إلى إسقاط النظام.

لكن يبدو أن الإستراتيجية حققت عكس ما كانت ترجوه. فعوضًا عن إشعال ثورة جماهيرية أو تفكيك الوحدة الوطنية، عززت الهجمات شعورًا عامًا بالتماسك الوطني عبر مختلف التيارات. حتى بعض المنتقدين التقليديين للنظام عبّروا عن غضبهم مما اعتبروه اعتداءً أجنبيًا على السيادة الوطنية. وتجددت في الوعي الجماعي ذكريات التدخلات الخارجية- من انقلاب 1953 بدعم الـCIA، إلى حرب العراق- مفجّرة ردة فعل دفاعية متأصلة.

حتى بين نشطاء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"- التي أشعلت احتجاجات وطنية إثر مقتل مهسا أميني عام 2022 أثناء احتجازها- برز تردد واضح في دعم أي تدخل عسكري أجنبي. ومع انتشار صور المباني المدمرة وجثث الجنود الإيرانيين، تراجعت مطالب التغيير السياسي لصالح خطاب الدفاع عن الوطن.

وبرزت شخصيات عامة ومعارضون سابقون للجمهورية الإسلامية يدافعون عن إيران ويُدينون الهجمات الإسرائيلية. فقد صرح أسطورة كرة القدم علي دائي: "أفضل الموت على أن أكون خائنًا"، رافضًا أي تعاون مع الهجوم الأجنبي. أما القاضي السابق والمعتقل السياسي محسن برهاني فكتب: "أُقبّل أيادي جميع المدافعين عن الوطن"، في إشارة إلى الحرس الثوري وبقية القوات المسلحة.

ما بدأ كضربة عسكرية محسوبة ضد أهداف محددة، قد ينتهي بتعزيز النظام لا بإضعافه؛ عبر حشد وحدة وطنية وتكميم الأصوات المعارضة. فمحاولة صنع ثورة من الخارج قد لا تفشل فقط، بل قد تنقلب ضد من خطط لها.

وإذا كان الهدف النهائي لإسرائيل هو تحفيز انهيار النظام، فقد تكون قد قللت من شأن الصلابة التاريخية للنظام السياسي الإيراني، ومن قوة التماسك الذي يولده الألم الوطني.

وبينما تسقط القنابل ويُقتل القادة، يبدو أن النسيج الاجتماعي الإيراني لا يتفكك، بل يعيد نسج نفسه من جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • عراقجي يؤكد وقف إطلاق النار: شكراً لقواتنا التي استمرت بمعاقبة إسرائيل
  • أشرف سنجر: الحرب بين إسرائيل وإيران وصلت إلى مستوى ينذر بالخطر
  • تعرف على المرأة التي تسلمت المفتاح الذهبي كرئيسة جديدة للجنة الأولمبية الدولية
  • الرئيس عون استقبل بطلات الجمباز القاضي: صورة مشرقة للبنان في المحافل الدولية
  • القوى الوطنية والإسلامية: وقف حرب الإبادة وحماية شعبنا أولوية وطنية
  • نقابة UMT في المالية ترفض اختيارات المؤسسات المالية الدولية التي فاقمت الفوارق الاجتماعية
  • راعب الروس.. قدرات خارقة لصاروخ «توماهوك» الأمريكي الذي قصف إيران
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • تنسيقية القوى الوطنية: خطاب رئيس الوزراء يلبي تطلعات الشعب السوداني
  • قوافل الغضب التي هزّت عروش الصمت