انسحب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن من السباق الرئاسي، رضوخًا لضغوط زملائه الديمقراطيين الذين كانوا يخشون أن يؤدي إخفاقه في المناظرة الرئاسية التي جرت في يونيو/حزيران مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب – من بين أمور أخرى – إلى جعل ابن الثمانين عامًا أقل جاذبية للناخبين الأميركيين.

كان القرار ضخمًا وصعبًا، ويمكن القول إنه لولا "إرادة الله" لما استطاع رفاق الرئيس إقناعه بالانسحاب من السباق.

ولا شك أن زملاء بايدن الديمقراطيين كانوا على حق، وليس هذا لأنّ مرشحًا أفضل من الآخر في دولة يحكمها الأثرياء الملتزمون، حيث تتراوح خيارات التصويت بشكل عام، سواء كان الرئيس جمهوريًا أو ديمقراطيًا، بين شخصيات تتسم بسلوكيات معادية للمجتمع بدرجات متفاوتة من الوضوح.

بينما يتجادل المحللون والمفكرون حول مناقب هاريس في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنّ السؤال الرئيسي الذي يشغل الحزب هو عن مصير وإمكانية انتقال تمويل يقدر بـ 96 مليون دولار جمعته حملة بايدن، إلى هاريس أو مرشح ديمقراطي آخر

غير أنّ زلات لسان بايدن الأخيرة – بما في ذلك تأكيداته على أن "أول امرأة سوداء تعمل مع رئيس أسود" في الولايات المتحدة – تشي بأنه ربما لم يكن في وضع مناسب يمكِّنه من الاستمرار قائدًا للقوة العظمى العالمية، من وجهة نظر لغوية، أو غيرها.

وبموضوعية، أيضًا، نقول إن أقل ما يوصف به أداؤه لمهامه خلال الأشهر التسعة الماضية – باعتباره المحرض الرئيسي على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة – أنه لم يكن مثيرًا للإعجاب.

ولكن في منشوره الذي أعلن فيه انسحابه من السباق الرئاسي في 21 يوليو/تموز على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، فضَّل بايدن النظر إلى الجانب المشرق، مؤكدًا لـ "الرفاق الأميركيين" أن الولايات المتحدة "قامت باستثمارات تاريخية في إعادة بناء أمتنا، وفي خفض تكاليف الأدوية الموصوفة طبيًا لكبار السن، وفي توسيع نطاق الرعاية الصحية بأسعار معقولة لعدد قياسي من الأميركيين".

وللسخرية، فإنّ هذا التصريح يمثل خبرًا جديدًا لأميركيين كُثر ما زالوا يعانون من الفواتير الطبية والأدوية الباهظة الثمن. وكان من الممكن أن يكون والدي أحدهم، وهو مواطن أميركي ولد في تكساس وتوفي بسرطان البروستاتا في العاصمة واشنطن في أغسطس/آب 2023 عن عمر يناهز 72 عامًا، بعد أن أغراه أطباؤه بالعلاج الكيميائي المربح، الذي لم يجدِ نفعًا سوى التعجيل بوفاته.

بالإضافة إلى ذلك، فقد وُصف لوالدي عقَّار "إكستاندي" (Xtandi) علاجًا لسرطان البروستاتا، وهو دواء تم تطويره بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، ولكن ليس بغرض "خفض تكاليف الأدوية الموصوفة لكبار السن"، فقد كان على والدي سداد فاتورة لا تقلّ عن 14,579 دولارًا للشهر الواحد.

على أية حال، هذه هي الرأسمالية الأميركية، وهي للأسف ليست شيئًا يمكن معالجته عبر مسرحية انتخابات ديمقراطية.

البديل المحتمل لبايدن في السباق الرئاسي هي نائبته الحالية، كامالا هاريس. وبينما يتجادل المحللون والمفكرون حول مناقبها في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنّ السؤال الرئيسي الذي يشغل الحزب هو عن مصير وإمكانية انتقال تمويل يقدر بـ 96 مليون دولار جمعته حملة بايدن، إلى هاريس أو مرشح ديمقراطي آخر؛ أو بصياغة أخرى: ما الذي سيحدث لكل تلك الأموال التي جُمعت لصالح أحد الأثرياء دون الآخر؟

وكما نوَّه مقال نشرته قناة الجزيرة في أعقاب انسحاب بايدن إلى أن "عدم وجود سابقة للوضع الحالي، طرح أسئلة حول مصير صندوق حملة بايدن. ففي الولايات المتحدة، على أية حال، يمكن أن يصل الإنفاق على الانتخابات إلى ملايين الدولارات، إن لم يكن المليارات منها".

ومع وجود الملايين والمليارات التي تُتداول في الانتخابات، فمن الواضح أنه ليس ثمة احتمال كبير؛ لأن تكون هناك ديمقراطية فعلية. هذا على الرغم من ادعاء بايدن العاطفي في منشوره على منصة "إكس" أنه "لم يكن من الممكن القيام بأي شيء من هذا القبيل بدونكم، أيها الشعب الأميركي. لقد تغلبنا معًا على جائحة تحدث مرة كل قرن، وعلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. لقد قمنا بحماية ديمقراطيتنا والحفاظ عليها".

وبينما يتراجع بايدن عن محاولته لإعادة انتخابه، إلا أنه لا يتنحى عن منصب الرئاسة. لقد أوضح جليًا أنه يعتبر إكمال بقية فترة ولايته "في مصلحة حزبي والبلد"، وأنه سيركز على "واجباته كرئيس".

ومن بين "واجباته" الرئاسية التي يتعين عليه إنجازها في الوقت الحاضر، استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع في البيت الأبيض – لأن الإبادة الجماعية هي بالتأكيد "في مصلحة حزبي والبلد".

وفي حين يمضي الأميركيون قدمًا في عملية تحول انتخابي شامل، فإنهم يحسنون صنعًا لو أنهم تأملوا في المشهد المتعلق بحكم الأثرياء لبلادهم.

في رسالة الوداع، وقّع بايدن بالكلمات التالية: "أنا أؤمن اليوم بما كنت أؤمن به دائمًا: أنه لا يوجد شيء لا تستطيع أميركا فعله، عندما نقوم بذلك معًا. علينا فقط أن نتذكّر أننا الولايات المتحدة الأميركية".

ولعلّ هذا ما يجب على الجميع أن يتذكّروه في النهاية: أنّ الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة، بغض النظر عمّن يتولى القيادة، ولا يوجد "شيء لا تستطيع أميركا فعله" لتضيف المزيد من الفواجع للعالم.

ربما يكون بايدن خارج السباق، لكن حكم الأثرياء، الذي يسمّونه "الديمقراطية" الأميركية، مستمرّ.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة لم یکن

إقرأ أيضاً:

تخوف إسرائيلي من التباعد مع الولايات المتحدة وتأثير ذلك على ثلاث قضايا

يتزايد القلق في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من الضرر الذي قد يلحق بـ"الأمن القومي" جراء التباعد بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، وهذا القلق المشترك يأتي بين مؤسسات الجيش، والشاباك، والموساد، وطُرح مؤخرًا أمام كبار المسؤولين السياسيين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يسرائيل كاتس.

وقال محلل العسكري الإسرائيلي المعروف يوآف ليمور في مقال نشره صحيفة "يسرائيل هيوم" إن هذا القلق يتعلق بثلاثة مواضيع أساسية وهي: "اتفاق نووي مع ايران، صفقات أمنية إقليمية، والوضع في غزة مع التشديد على وضع المخطوفين".


وأوضح أنه "في الموضوع الأول يلوح أن الولايات المتحدة تدفع قدما باتفاق لن يكون بعيدا في جوهره عن الاتفاق النووي السابق الذي وقعت عليه إدارة أوباما قبل نحو عقد، ومطلب إسرائيل للتفكيك الكامل للبرنامج النووي (بالصيغة الليبية كما قال نتنياهو) ردته الإدارة إضافة إلى أنه لا يهتم بموضوعين مركزيين آخرين يشغلان بال إسرائيلي – الإرهاب الإقليمي ومنظومة الصواريخ والمُسيرات الإيرانية، والتخوف هو من أن الاتفاق ليس فقط سيبقي لدى ايران المعرفة والوسائل في الوصول في المستقبل الى قدرة نووية بل سيحرر أيضا أموالا تتيح لها ترميم اقتصادها والعودة للدعم الكبير لمرعييها في المنطقة".

وأضاف أنه "في الموضوع الثاني، الإقليمي، يلوح أنه في زيارة الرئيس ترامب إلى الخليج، التي ستبدأ هذا الأسبوع، ستوقع صفقات كبرى في السعودية، ويحتمل أن في اتحاد الإمارات وفي قطر أيضا، وستتضمن هذه الصفقات أيضا تعاظم عسكري ذا مغزى في بعضه قد يهدد التفوق النوعي لإسرائيل، كما أن إمكانية برنامج نووي في السعودية يعد لدى معظم الخبراء كخط احمر من شأنه أن يتم تجاوزه الآن".

وذكر أنه "في الأصل، كان يفترض بالسعودية أن توقع على هذا الصفقات بالتوازي مع التطبيع مع إسرائيل. لكن إدارة ترامب قررت الآن التقدم في مسار مستقل- بخلاف إدارة بايدن التي اشترطتها بصفقة إقليمية شاملة".

وأكد أنه "في الموضوع الثالث، غزة تكثر المؤشرات على أن ترامب من شأنه أن ينقلب ويدعو إسرائيل إلى وقف الحرب. كما أن الانشغال المتناقص للإدارة ومبعوثها الخاص ستيف ويتكوف في مسألة المخطوفين يبعث على القلق، على خلفية مركزية الولايات المتحدة في ممارسة ضغط على قطر وعبرها على قيادة حماس. صحيح أن المنظمة تعيش ضائقة في غزة نتيجة الضغط العسكري الإسرائيلي، لكن من تصريحات مختلفة لمسؤوليها يفهم انها تقدر بان إسرائيل بالذات توجد هذه الأيام في وضع استراتيجي دون كفيل بان يدفعها الى الليونة".

وقال الكاتب ليمور  "لا تبدي حكومة إسرائيل مؤشرات كهذه، وتصر على أن الحملة في غزة ستوسع كما هو مخطط فور مغادرة ترامب المنطقة. صحيح أن الجيش يسرع الجاهزية لكن من المرتقب له أن يواجه تحديات معقدة، المركزي منها هو مسألة المخطوفين الذين وجودهم في غزة سيصعب القتال. الشريط الذي نشر امس لـ الكنا بوحبوت ويوسف حاييم اوحنا كان تذكيرا لوضع المخطوفين الصعب الذي سيسوء بالتأكيد ما أن يهجم الجيش على غزة بقوى كبيرة".


وأضاف أنه "بعد شهرين هادئين قتل الأسبوع الماضي خمسة مقاتلين في غزة. صحيح أن حماس لم ترمم قدراتها لكنها تنجح في تحدي القوات من خلال استخدام حرب العصابات التي تعتمد على وسائل بقيت في أيديها (أساسا آر.بي.جي وبنادق قنص) ووسائل تنجح في إنتاجها الآن أيضا (أساسا عبوات ناسفة تنتج من مواد متفجرة جمعت من قذائف غير منفجرة للجيش الإسرائيلي). يمكن التقدير أنه ما أن يتسع القتال حتى يزداد عدد المصابين كثيرا: هذا موضوع محظور الاستخفاف به ليس فقط من الجانب الإسرائيلي بل أيضا من الجانب الفلسطيني – كل قتيل يعد في غزة كانجاز لحماس يشجعها على مواصلة القتال".

وأكد أنه "توجد مسائل أخرى، مثل علامة الاستفهام حول عدد جنود الاحتياط الذين سيمتثلون للقتال، على خلفية استمرار انشغال الحكومة بقانون التملص من التجنيد. والاحاديث عن النية لاستبدال رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست يولي ادلشتاين تلمح بان بقاء الحكومة اهم لنتنياهو من أي شيء آخر".

وبيّن ليمور أن "هذه حجة تطرح في جهاز الأمن في سياق تردي العلاقات مع واشنطن أيضا. أساسها: رئيس الوزراء ينجر وراء متطرفي حكومته، ويضحي من اجلهم بالمصالح الأمنية الأكثر حرجا لإسرائيل. يخيل أن في هذا الموضوع على الأقل يبدي نتنياهو ثباتا. فهو يحرص على رص الصفوف حماية للبيت، ولا يهم اذا كان الحديث يدور عن السعودية، المخطوفين، قطر غيت او شهادته في المحكمة التي ستدخل قريبا قسمها الحرج – الاستجواب المضاد الذي يسعى نتنياهو لان يمتنع عنه بكل سبيل".

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة توافق على نقل أكثر من 200 صاروخ من ألمانيا إلى أوكرانيا
  • تخوف إسرائيلي من التباعد مع الولايات المتحدة وتأثير ذلك على ثلاث قضايا
  • مسؤول أمريكي: الإسرائيليون قلقون من أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران
  • استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف
  • ترامب: الولايات المتحدة ستزيد التبادل التجاري مع الهند وباكستان
  • كيف تستخدم الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية لتحقيق مكاسب استراتيجية؟
  • في خضم التصعيد .. الولايات المتحدة تعرض الوساطة بين الهند وباكستان
  • الولايات المتحدة: شركات أمن خاصة ستوزع المساعدات في غزة قريبا
  • لقاء خارج عن المألوف بين ترامب ووزير إسرائيلي متجاوزا نتنياهو
  • الولايات المتحدة تمهد لتفويض مؤسسة جديدة لإدارة المساعدات في غزة