في محاضرة علمية احتضنتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، ضمن برنامج ماستر الدراسات الدستورية والسياسية والإدارية، قدم محمد مدني قراءة تحليلية معمّقة للدستور المغربي في علاقته بالممارسة السياسية، مؤكدًا أن « الدستور لا يُفهم من خلال النصوص فقط، بل من خلال سياقه الاجتماعي والسياسي ».

وانطلاقًا من استلهامه لمقاربة إميل دوركايم، الذي يدعو الى فهم النصوص من خلال الواقع وتفاعلات الفاعلين شدد مدني على أن القانون يتبلور « داخل أحشاء المجتمع »، داعيًا إلى تجاوز التحليل الشكلاني للنصوص القانونية واعتماد مقاربة واقعية تدمج العلوم الاجتماعية.
وأوضح أن المدرسة الواقعية الأمريكية تقدم نموذجًا متقدمًا في هذا الباب، يُراعي السياق السياسي والاجتماعي في تفسير النصوص القانونية.

وسجّل مدني على أن دستور 2011 كان ثمرة وضعية سياسية مضطربة وغير متوازنة، كان فيها تأثير المؤسسة الملكية أكبر من تأثير باقي الفاعلين، ما أدى إلى إنتاج نص دستوري « توفيقي »، يحمل في طياته تناقضات مرجعية تجمع بين مقولات الحداثة والديمقراطية من جهة، والتقليد والسلطة الروحية من جهة أخرى.

وأوضح أن هذه الصيغة التوفيقية أنتجت دستورًا مركّبًا، يُزاوج بين مفاهيم متعددة مثل « الدولة الرعوية » و »دولة القانون »، و »الفتوى » و »كونية حقوق الإنسان »، مشددًا على أن الهوية الدستورية الجديدة تستحضر مقولات دينية وقومية وأمازيغية وأفريقية، لكنها لا تُجيب عن الأسئلة الجوهرية حول العدالة والانقسام المجتمعي.

كما توقف مدني عند مسألة فصل السلط، معتبرًا أنه مفهوم رُفع كشعار خلال حراك 20 فبراير، لكنه في الواقع ظل محصورًا ضمن « فصل تقني وظيفي » يخدم توازنًا مؤسساتيًا يمنح الملكية صلاحيات تنفيذية واسعة.
وسجل أن « الملكية البرلمانية » لم تدرج ضمن ثوابت الأمة، التي حُصرت في الدين الإسلامي، والملكية الدستورية، والوحدة الترابية والاختيار الديمقراطي.

وانتقد محمد مدني ما وصفه بـ »التحايل المفاهيمي » الذي تم من خلال تبني مصطلحات مثل « ربط المسؤولية بالمحاسبة »، و »الحكامة الجيدة »، دون أن يكون لها مضمون سياسي معتبرا ان هذه المفاهيم جرى استخدامها لتحجيم دور المنتخبين وتعزيز سلطة الأجهزة غير المنتخبة.

وفي جانب آخر، أشار إلى أن المحكمة الدستورية أصبحت لاعبًا محوريًا في الانتخابات خاصة بعد اتساع مجال اختصاصها في مراقبة القوانين والنزاعات الانتخابية، مؤكدًا أن العملية الانتخابية باتت « تُستكمل داخل المحكمة »، وطرح تساؤلات حول استقلالية القضاء الدستوري وحدود صلاحياته.

واختتم مدني محاضرته بالدعوة إلى بناء بيت للدستور داخل الجامعة، يجمع بين البحث الأكاديمي والعمل الميداني، ويسهم في تكوين تصور واقعي للدستور المغربي، باعتباره وثيقة حية تخضع للتأويل والممارسة، لا مجرد نص جامد يُحفظ ويفسر نظريًا.

 

 

كلمات دلالية دستور2011 محمد مدني

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: محمد مدني محمد مدنی من خلال

إقرأ أيضاً:

رفض جائزة مصرية لأسباب سياسية.. رحيل صنع لله إبراهيم ومسؤولون ينعونه

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- فارق الأديب المصري صنع لله إبراهيم الحياة، الأربعاء، عن عمر 88 عامًا، ونعاه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عبر الصفحة الرسمية لرئاسة المجلس عبر فيسبوك.

وأعرب مدبولي عن تقديره "للإرث الأدبي الزاخر الذي قدمه الأديب الراحل على مدار تجربته الروائية المُمتدة لعقود، من النصوص الأدبية التي تُرجم بعضها إلى إنتاج فني مرئي، الأمر الذي سيجعل منه أيقونة خالدة في مسيرة الإبداع العربي وأحد رواد الأدب المصري المعاصر".

وأشار مدبولي إلى أنّ: "الإنتاج الغزير الذي أثرى به الفقيد الراحل المكتبة الأدبية العربية، يُمثل مرآة صادقة للمُجتمع بكل تناقضاته، حيث اتسم قلمُه بالعُمق في منظور تناوله للقضايا المُجتمعية الشائكة، والقدرة الفائقة على السرد، وخلق شُخوصٍ من لحم ودم، مع ربط الوقائع بالسياق المحيط، ليكون بحق أحد مؤرخي العصر الحديث في قوالب أدبية فريدة".

كما نعاه وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، عبر صفحة الوزارة على فيسبوك، قائلاً إنّه: "ترك إرثًا  أدبيًا وإنسانيًا خالدًا، سيظل حاضرًا في وجدان الثقافة المصرية والعربية"، وتوجه الوزير إلى مستشفى "معهد ناصر" لمتابعة إجراءات خروج الجثمان من المستشفى ومراسم التشييع.

وتوفي صنع الله إبراهيم بعد صراعٍ مع المرض في مستشفى "معهد ناصر"، وأوضح الدكتور محمود سعيد، مدير المستشفى أن الراحل "عانى خلال الأيام الأخيرة من التهاب رئوي حاد، وتعرض خلال الساعات الأخيرة لفشل في وظائف الجهاز التنفسي وتوقف مفاجئ في عضلة القلب، وقد تم إجراء إنعاش قلبي رئوي دون استجابة، وتم إعلان الوفاة ظهر اليوم"، وفقًا لما نشره موقع "بوابة الأهرام" الحكومي المصري.

وذكرت تقارير إعلامية مصرية أن الراحل كان دخل إلى مستشفى "معهد ناصر" منتصف العام الحالي، للعلاج من "نزيف داخلي، وكسور في الحوض".

ودرس الأديب الراحل الحقوق، وعمل في الصحافة، وتلقى تعليمًا أكاديميًا في موسكو في مجال التصوير السينمائي وصناعة الأفلام في سبعينيات القرن الماضي.

وكان لميول صنع الله إبراهيم السياسية عميق الأثر على مسيرته المهنية والأدبية، حيث انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية "حدتو"، واعتقل بسبب انتمائه السياسي عام 1959، في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وبقي رهن الاعتقال لـ 5 سنوات حتى عام 1964م.

واتسمت أعمال الأديب الراحل بما يمكن وصفه بالتوثيق للتاريخ الاجتماعي والسياسي المصري والعربي، ورصدت أعماله بأسلوب نقدي وواقعي؛ التحولات التي عاشتها المنطقة خلال مسيرته الأدبية الممتدة على مدى عقود.

ومن تلك الأعمال: "تلك الرائحة" 1966، "نجمة أغسطس" 1974، "اللجنة" 1981، "بيروت.. بيروت " 1984، و"ذات" 1992 التي تم تحويلها لمسلسل تلفزيوني حقق نجاحًا كبيراً في مصر والعالم العربي عرض في موسم دراما مضان 2013؛ من سيناريو مريم نعوم، وإخراج كاملة أبو ذكري وخيري بشارة، وبطولة نيللي كريم، وباسم سمرة.

وصنّفت روايته "شرف" 1997 التي تنتمي لأدب السجون بين أفضل 100 رواية عربية في قائمة لاتحاد الكتاب العرب، بحسب تقارير إعلامية مصرية.

ومن روايات الأديب المصري الراحل صنع الله إبراهيم؛ "وردة"، و"التلصص"، "أمريكانلي: أمري كان لي"، "1970"، و"برلين 69".

ورفض الأديب الراحل في 2003، جائزة "الرواية العربية" في مصر، لأسبابٍ سياسية، تتعلق بـ"الفساد" و"القمع"، و" وتوجهات السياسية المصرية الخارجية" آنذاك، وفاز لاحقًا بجائزة "ابن رشد للفكر الحر عام 2004، كما كرّم خلال مسيرته بالعديد من الجوائز العربية المرموقة.
 

مصرأدبنشر الأربعاء، 13 اغسطس / آب 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: العلاقات الأمريكية الأوروبية تمرّ بأصعب حالاتها
  • الغرف التجارية: مبادرة خفض الأسعار نتاج شراكة قوية بين المنتجين والتجار
  • في إنجاز تاريخي| الأمير سعود بن محمد بن عبدالله بن تركي- أول سعودي- يحصل على سيف الشرف في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست بالمملكة المتحدة
  • إصابة أكثر من 60 مدنيًا و16 شرطيًا خلال اشتباكات صربيا أمس
  • أحمد موسى ينعى علي المصيلحي: كان رجلاً وطنياً
  • تصريحات متناقضة تكشف عن توتر بين الحرس الثوري والرئيس الإيراني
  • رفض جائزة مصرية لأسباب سياسية.. رحيل صنع لله إبراهيم ومسؤولون ينعونه
  • رئيس النيابة الإدارية: محكمة النقض قمة الهرم في إرساء المبادئ القانونية
  • كيف تحافظ على نفسك من الجلطات؟.. أبرزها تجنب وضعية «الرجل على رجل»
  • ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي بمحمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية