لجريدة عمان:
2025-12-14@11:23:03 GMT

مهرجانات المسرح بين الواقع والطموح

تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT

الناظر إلى خارطة المواسم الثقافية في عالمنا العربي بوجه عام يجد توجه قِطاع مؤسساتها العامة أو الخاصة يسير إلى تفعيل الثقافة الفنية والتجارية والاستهلاكية بجميع أشكالها يتصاعد بكثرة في السنوات الأخيرة، لدرجة أنه صار يختلط الحابل فيه بالنابل. فعلى هامش المزاح صار يقال من باب السخرية: إذا أردت أن تدعو شلة من الأصدقاء، فاخترع لهم مهرجانا، وهي مُزحة تذكرني بمقولة قرأتها في فن الإدارة تقول: إذا أردت أن تكون مسؤولا، كوّن للمسؤولية لجنة!

عرفت الحضارات القديمة ظاهرة المهرجانات قبل صيغتها المعاصرة، ففي اليونان القديمة (ق.

م) أقيم فيها أقدم مهرجانين (باناثينايا وديونيسيوس) لتكريم آلهة الإغريق، ويجري في مهرجان ديونيسيوس تقديم عروض المسرحيات بنوعيها التراجيدية والكوميدية، وتفرّع عن هذا المهرجان مهرجانات أخرى صفتها العامة تكريمية، هناك أيضا الكثير من المسابقات والألعاب المتنوعة التي تقام في المهرجانات كالألعاب الأولمبية القديمة، التي كان منشأها ميثولوجيا.

تطور حال المهرجانات من المنشأ ذي البعد الميثولوجي إلى الديني فالثقافي، ويندرج تحت هذه التصنيفات العديد من المهرجانات في عالمنا العربي، وصارت الصفة الجامعة للمهرجان مهما اختلفت صيغته عدّهُ مكانا يتجّمع فيه الناس يقدمون فيه احتفالاتهم ويعرضون بضائعهم، ويسوقون لمنتجاتهم المتنوعة. بهذا المعنى صار تعريف المهرجان «مناسبة تُشكّل حدثا ثقافيا متكررا (كل عام أو عامين) يقام في موعد ثابت وله امتداد زمنيّ محدد ومكان مُخصص يتم اختياره بناء على حجم الفعاليات فيه (صالة واحدة أو عدة صالات أو المدينة بأكملها)».

لا يخلو التفكير في إقامة مهرجان ما في أي دولة من وجود فلسفة تقف وراءه وسياسة ثقافية واضحة، كما لا يقتصر البُعد الترفيهي على فعاليات المهرجان، حيث الفِرق التي تُدعى والميزانية المالية التي تُخصص، فإلى جانب الترفيه هناك الثقافة النوعية التي ترفع من قيمة المهرجانات بوجه عام.

انتشرت في عالمنا العربي مهرجانات ثقافية تنوعت ما بين مهرجانات مخصصة للشعر، ومهرجانات للسينما، ومهرجانات للفنون التشكيلية، ومهرجانات للإذاعة والتلفزيون، وأخرى خُصصت للمسرح، فعلى سبيل المثال هناك مهرجانات انطلقت ثم اندمجت في صيغ حداثية مناسبة لأحوال التطور المديني لتلك الدول، ومن المهرجانات الثقافية المعروفة يمكن التدليل على المهرجانات التالية: جرش للثقافة والفنون في الأردن، وموسم أصيلة الثقافي الدولي في المغرب، والقرين الثقافي في الكويت، ومهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية،...إلخ.

ومن المهرجانات المسرحية المعروفة اليوم (مهرجان المسرح القومي والمسرح التجريبي في القاهرة، وليالي المسرح الحر الدولي في الأردن، وقرطاج في تونس، ومهرجانات الخليج المتعددة الصيغ) ويُمكن الإشارة في هذا السياق إلى الاستعدادات القائمة اليوم لإقامة ثلاثة مهرجانات، الأول هو (ظفار الدولي للمسرح في دورته الأولى للفترة من 20-28 أغسطس)، ويتضمن ستة مسارات دولية للتنافس هي: (مسار مسابقة العروض الكبرى، ومسابقة المسرح الجماهيري، ومسابقة المونودراما، ومسابقة المسرح الثنائي، ومسابقة مسرح الطفل، ومسابقة مسرح الشارع والفضاءات المسرحية غير التقليدية). المهرجان الثاني القادم هو مهرجان (المسرح الخليجي للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدورة الرابعة عشرة التي ستقام في الرياض للفترة من 10-17 سبتمبر)، والمهرجان الثالث مهرجان (المسرح العماني الدورة الثامنة للفترة من 22 سبتمبر إلى 01 أكتوبر في مسقط). وأعلن مؤخرا عن استضافة السلطنة لمهرجان الهيئة العربية للمسرح في العاشر من شهر يناير 2025م

إذا كان الهدف من هذه المهرجانات هو إبراز الثقافات للعروض المشاركة، وتجاذب الحوار مع المهتمين بالثقافة المسرحية حول تطوّر المسرح وعناصره الفنية وجماليات العرض، إلى جانب الاطلاع على الممارسة النقدية المتجددة، فإن هذه الأهداف تتفق حولها سياسات المهرجانات جميعها. والناظر إلى هذا الزخم من إقامتها -أي المهرجانات- يبحث عن المعنى الذي يتجلى في مقولة ويليام شكسبير التالية: «ما الحياة إلا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هُم إلا ممثلون على هذا المسرح». لأن الإنسان يُدرك شيئا من وجوده في مقولة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة أبقاه الله: «نحن كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة»؛ لذلك يبحث المتفرج المسرحي تحديدا عن الكيفية التي يُمكن للمنتسبين إلى المسرح أن تظل جذوة الحياة بالنسبة إليهم في حركة مستمرة. إن موسمية المهرجانات مسألة لا إشكال عليها، لكن التفكير في استدامة العمل للمسرح من جهة، وأحوال العاملين في النشاط الثقافي من جهة ثانية، والمستهلكين للثقافة من جهة ثالثة، مسألة مهمة في ظل الوضع الاقتصادي الذي يتأثر به الجميع.

منذ اختراع فكرة المسرح واستقدامها إلى بلداننا العربية في فترة الاستعمار أو ما بعد الاستعمار، لم نصل إلى اليوم لا في مجتمعات الوطن العربي ولا في مجتمعات الخليج إلى أن يصبح المسرح جزءًا من التكوين الاجتماعي، أو الثقافة المجتمعية أو الضرورة الاقتصادية، فالخطط الوزارية التي تضع البرامج لا يدخل في حسابها مفهوم استدامة الجانب الاقتصادي للعاملين في هذا القطاع، سأقصر حديثي على المسرح في مجتمعات الخليج التي يعمل أغلب المنتسبين إلى الفرق المسرحية في وظائف حكومية، وهناك منهم مَن يزاول نهارًا العمل في القطاع الحكومي، وفي المساء يملك نشاطا استثماريا بحيث لا يجد صعوبة في تأمين وضعه الاجتماعي، كذلك هناك مِن المنتسبين إلى الفرق المسرحية الأهلية والفنية الأخرى الذين لا يعملون في القطاع الحكومي، لكنهم ينتظرون التعيين بفارغ الصبر في وظيفة رسمية تدر عليهم دخلا مضمونا، وإذا نظرنا إلى حال الجمهور المختلف، ويشمل فئات مثل: المتفرجين العاديين، والصنّاع المهرة، والفنيين، والرسامين، والمصورين، وغيرهم، فهم إما يَعملون في شركات خاصة، أو في مؤسسات حكومية أو العمل المستقل الحر Freelancer، أو لا يجدون عملا. إن تفكير هذه الفئات بالمهرجانات المسرحية تفكير محدود يرتبط بموسمية المهرجانات فحسب، ولا يُمكن أن يؤسس هذا الفكر المحدود علاقة ثقافية أو مادية ملموسة بالمسرح إلا في حدود قليلة ونسبية.

عطفا على هذا السياق، تُدبج بعض اجتماعات المسؤولين مستفتحة بمقولات خالدة كتبها أصحابها بعد خوضهم في العديد من التجارب واحتكاكهم بالكثير من الاختبارات كمقولة شكسبير الخالدة: «أعطني مسرحا وخبزا، أعطيك شعبا عظيما»، أو مقولة فولتير: «في المسرح وحده تجتمع الأمة، ويتكون فكر الشباب وذوقه، وإلى المسرح يَفد الأجانب ليتعلموا لغتنا. لا مكان فيه لحكمة ضارة ولا تعبير عن أي أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوبا بالتصفيق. إنه مدرسة دائمة لتعلّم الفضيلة». ثم يأتيك مسؤول الجهة الرسمية يتشدق بالمقولات الخالدة دون التفات جوهري إلى فكرة أن مقولة شكسبير تعني في العمق توفير الحد الجيد من المسرح والحد الجيد من الخبز معا.

في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية، والتاريخ الثقافي يبتكر القائمون على المهرجانات المسرحية الوسائل والصناعات وشق الطرق ورصف المواقع اللازمة، وتحويل صالات الرياضة والمجمعات التجارية إلى أفكار مسرحية، وفي حال وجود أماكن الطرز الاجتماعية القديمة كالبيوت التراثية والميادين التاريخية والقلاع والحصون والأضرحة، يُكلّف المهتمون بجعل الحياة الثقافية مستدامة في تلك الأماكن وتحويلها إلى ما يُشبه الكرنفال، بحيث يستطيع العاطلون عن العمل إيجاد فرصهم لتمكين أنفسهم والاعتماد على طاقاتهم لإظهار إبداعهم. وتتضافر جهود المؤسسات الحكومية والخاصة والإعلانات معا، للعمل على تذليل العقبات أمام اشتراطات العمل. بهذه الأساليب والتسهيلات قدرت مدنا أوروبية كبرى في ربط استدامة العمل في المسرح باستمرارية الثقافة لدى الجميع، وبهذه الوسائل كان يسافر ابن القرية الأوروبية (س) إلى المدينة (ص) ليقدم خبراته، فيستأجر نُزلا صغيرا، ويعمل ليوفر قوت يومه ويبني حياته، بهذه الأفكار الصغيرة وغيرها تشهد بعض المهرجانات العالمية سواء في المسرح، أو في السينما، إقبالا يبدأ منذ الصباح المبكر، وينتهي بعد منتصف الليل، والدليل على ذلك يسهل تتبعه مثلا في حجز تذاكر بطاقات بعض العروض المسرحية ذات النوع الخاص وبيعها قبل انطلاق المهرجان بشهور، وهو ما نشهده اليوم في الحفلات الغنائية لدار الأوبرا السلطانية.

إن بريق المهرجانات المسرحية في مجتمعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية ينطلق مع الإعلان عنه والتحضير له لينتهي بغلق أبواب المسارح بعد توديع الضيوف، فيعود مسؤول الوزارة إلى وزارته، ومدير الشركة إلى إدارته، والمتفرج المسرحي إلى الحلم بانتظار مهرجان مسرحي جديد.

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في شؤون المسرح

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المهرجانات المسرحیة مهرجانات المسرح فی مجتمعات التی ت

إقرأ أيضاً:

محمد فهيم يفوز بجائزة أفضل فيلم أجنبي قصير في «نيجيريا»

أعرب الفنان والمخرج محمد فهيم، عن سعادته بحصول فيلمه «معا» على جائزة أفضل فيلم أجنبي في نيجيريا ضمن فعاليات اتحاد الأفلام القصيرة للتنمية المستدامة خلال الساعات القليلة الماضية، مشيرا إلى أنه شارك في 10 مهرجانات دولية للأفلام القصيرة.

وأعلن محمد فهيم، من خلال بث مباشر عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، عن فوز فيلمه «معا» بجائزة أفضل فيلم أجنبي قصير في نيجريا، قائلًا: أن فيلم معًا شارك في 10 مهرجانات دولية للأفلام القصيرة، معظمها خارج مصر، باستثناء مهرجانات الإسكندرية لدول البحر المتوسط وبورسعيد، كما ترشح لجائزة أفضل مخرج في مهرجان اليونان، ولأفضل فيلم في مهرجان كان في نيجيريا، مردفا: «الحمد لله، تمكن الفيلم أمس من الفوز بجائزة أفضل فيلم أجنبي، في نيجيريا».

عرض هذا المنشور على Instagram

تمت مشاركة منشور بواسطة Mohamed Fahim (@fahimooz)

أخر أعمال محمد فهيم

ومن ناحية أخرى، يقدم محمد فهيم شخصية «أسطورة التلاوة» الشيخ محمد رفعت، خلال فيلم «الوصية»، وهو دراما وثائقية تكشف لأول مرة أسراراً وكنوزاً جديدة في حياة أسطورة التلاوة الشيخ محمد رفعت، بعد 75 عاماً من رحيله.

ومن المقرر عرض الفيلم اليوم الثلاثاء، فى تمام الساعة العاشرة والنصف بتوقيت القاهرة، على قناة «سكاي نيوز عربية».

تفاصيل فيلم «الوصية»

تدور فكرة فيلم «الوصية»، حول سنوات وسنوات، تتوارث القصة الملهمة لشيخ المقرئين محمد رفعت، دون أن نعرف أنها مجرد عنوان، لأنه قدم لنا التاريخ بضع لمحات منها، واحتفظ ببقية القصة في صندوق خشبي، داخل مخزن مهجور، بعد ثلاثة أرباع قرن من الصمت والغموض، وجاء القدر لتحرير هذا الصندوق من ظلام النسيان.

فيلم «الوصية»، بطولة الفنان محمد فهيم، سيناريو وإخراج د.محمد سعيد محفوظ، الممثلون حسب الظهور محمد محب، داوود محمد مجدي، محمد فوزي الريس، د.محمد حسني، أماني محفوظ، يحيى علاء، هبة محمد، زينب أحمد مبارك، يوسف حافظ، و ماكياج عمرو عبد الله، أزياء ريم العدل، مدير التصوير يوسف سماحة، منسق الإنتاج مصطفى محمود، مساعدو الإنتاج محمد سباق، دينا شريف، نديم حسام، مونتاج مصطفى هندي، طارق ممدوح، مؤثرات بصرية: محمد حسين، هندسة الصوت إسلام عبد السلام، موسيقى وألحان د.محمد حسني، الإدارة المالية حماده عبيد.

اقرأ أيضا:

عرض فيلم «الوصية» عن حياة الشيخ محمد رفعت على قناة «ON».. الليلة

«مارس طفولتك المتأخرة».. سيمون توجه نصائح لجمهورها للاستمتاع بالحياة

فيلم الست.. نيللي كريم تفرق بين كريم عبد العزيز ومنى زكي

مقالات مشابهة

  • نجوم المسرح في حفل ختام مهرجان المنيا الدولي.. والمحافظ يُشيد بدور الفن في بناء الوعي |صور
  • محافظ المنيا يشهد ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح
  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • الليلة.. مسرح النهار يشهد حفل افتتاح الدورة السادسة من مهرجان المسرح العربي
  • مهرجان المسرح العربي يكشف عن لجنة تحكيم دورته السادسة
  • ياسمين عبدالعزيز تكشف عن المهنة التي تمنت العمل بها
  • حاكم الشارقة يشهد انطلاق فعاليات الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي
  • مهرجان المسرح العربي يطلق اسم الدكتور هاني مطاوع علي دورته السادسة
  • محمد فهيم يفوز بجائزة أفضل فيلم أجنبي قصير في «نيجيريا»
  • تقرير أميركي: انتعاش النفط الليبي بين الواقع والطموح