"خريف ظفار".. واجهتنا السياحية
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
كثير من المقالات والتحقيقات والأعمدة والآراء كتبت عن موسم الخريف في محافظة ظفار، هذه الهِبة الربانية التي وهبها المولى عز وجل لبلادنا العزيزة جديرة بالاستغلال والاستفادة منها بأقصى حد ممكن، وجعلها أحد روافد الاقتصاد العُمانية وقاطرة من القاطرات التي تمد الموازنة العامة للدولة برقم كبير يعزز الدخل القومي ويحقق قيمة مضافة للاقتصاد.
لا شك أن هناك جهودا كبيرة تبذل من أجل ذلك وما تحقق على أرض الواقع شيء يبعث على السرور والتفاؤل ولكن لا بأس أن نقفز بطموحنا إلى ما هو أكبر من ذلك، ولما لا والفرصة مواتية لأن نصنع منطقة جذب سياحي في المنطقة الخليجية التي تفتقر معظمها للمقومات السياحية الطبيعية، ويهاجر معظم سكانها إلى بقاع العالم بحثاً عن الأجواء المناسبة وهرباً من حرارة الصيف العالية.
لقد وضعت رؤية "عُمان 2040" قطاع السياحة كأحد القطاعات الواعدة التي سوف ترفد الاقتصاد المحلي بعوائد كبيرة إلى جانب خلق فرص عمل للمواطنين من خلال الاستثمار السياحي الذي يمثل نسبة كبيرة من الاستثمارات التي سوف تحظى بها المحافظة، ومن أجل بلوغ هذه الأهداف لابد من النظر إلى جميع الجوانب التي يمكنها أن تساهم في تحقيق ذلك ولعل أهمها سرعة إنجاز مشاريع البنية التحتية التي أعلن عنها.
تحتاج محافظة ظفار وبالأخص ولاية صلالة إلى إعادة النظر في التوزيع العمراني ومعالجة المناطق التي أصبحت مكتظة بالسكان والمناطق القديمة التي هجرها سكانها وأصبحت مساكن للعمالة الوافدة في قلب الولاية وفي أكثر المناطق حيوية بها، هذه المناطق جديرة بالاستثمار والاستغلال وقد يكون من المناسب التفكير في إنشاء "داون تاون" (وسط المدينة) في منطقة صلالة الشرقية والوسطى والاستفادة من هذا الموقع المميز والذي يقع في قلب الولاية.
إن إعادة توزيع الفعاليات أصبح ضرورة فلماذا لا نترك منطقة سهل إتين فقط مكاناً لمحلات المظابي والشوي واستراحات للاستمتاع بالطبيعة الجميلة والجلسات التي تميز موسم الخريف بعيداً عن أماكن الترفيه والفعاليات والاحتفالات التي يجب أن تذهب لأماكن خارج الولاية أو على أطرافها، هذا التوزيع سوف يعيد تقييم مدى كفاية وكفاءة الطرق الحالية ومدى الحاجة لمزيد منها.
والتفكير في محافظة ظفار كوجهة سياحية لا يجب أن يقتصر على موسم الخريف حيث إنه بالإمكان الاستفادة من المواقع السياحية طوال العام، وهذا حال جميع المناطق السياحية في العالم، يجب أن نفكر في الاستدامة من خلال المشاريع التي يمكنها جذب السياح طوال العام ومن خلال المهرجانات والفعاليات التي تقام للجذب السياحي، فمشروع مثل القاطرة الانزلاقية (التلفريك) يمكنه العمل طوال العام والمواقع مثل إطلالة شعث لا تقتصر على موسم الخريف ناهيك عن قمة جبل سمحان وشواطئ ظفار الجميلة.
لقد بُذلت جهود كبيرة في السنوات الماضية وشاهدنا تطور القطاع السياحي في المحافظة ووفرة المعروض من المساكن، وهذا أمر إيجابي سوف يحقق نقلة نوعية في أعداد القادمين الى المحافظة، ولكن أرى أن هذا الملف يحتاج إلى تنظيم أكبر من خلال وجود منصات تسهل للسائح الحصول على السكن المناسب قبل الوصول، وتمكنه من الحصول على خدمة ممتازة أثناء الإقامة خاصة لتلك الوحدات ذات التصنيف المتدني من النجوم أو غير المصنفة، ففي الأخير هي أحد أهم الأماكن التي تصنع انطباع السائحين.
أمر أخير أختم به هذا المقال، وهو أهمية الاهتمام بالزراعة في المحافظة؛ فالجميع يعلم ما يميز هذه المنطقة من محاصيل ومن المحبط أن يأتي موسم الخريف وتجد المحلات تعاني من شح في هذه الأنواع، وهنا يجب دراسة المشكلة بشكل عميق فقد لا يكون السبب قلة المحصول أو انكماش زراعتها وإنما قد تكون مشكلة أخرى أكبر من ذاك.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أوراق أمريكا المتساقطة في خريف ترامب
محمد بن علي البادي
منذ تأسيسها، سعت الرئاسة الأمريكية إلى ترسيخ صورة الدولة القائدة للعالم "الحر"، المتحدثة باسم الديمقراطية، والحارسة لمصالحها عبر تحالفات محسوبة وخطابات مدروسة.
لكن هذه الصورة لطالما بدت مزدوجة، تمارس الضغط وفرض الهيمنة بقدر ما تروّج للقيم. ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بلغ هذا التناقض ذروته، حين تحوّل التعامل الأمريكي مع الشرق الأوسط إلى صفقات مكشوفة، وتراجع دور المؤسسات لصالح نزوات الرئيس ومصالحه الضيقة.
فقد دعم أنظمة قمعية باسم "الاستقرار"، وتخلى عن قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية، وروّج لما سُمي بـ"صفقة القرن" دون اعتبار لحقوق الشعوب.
وبدا الشرق الأوسط في نظره ليس أكثر من سوق صفقات، يتعامل معه بمنطق التاجر لا رجل الدولة.
سياسة بلا بوصلة
منذ اللحظة الأولى لتسلّمه الحكم، ظهرت ملامح الارتباك في تعاطي ترامب مع القضايا الدولية.. فقد بدا أقرب إلى رجل أعمال يراوغ ويتفاوَض ويهدد، منه إلى رئيسٍ يدير ملفات عالمية بحسٍّ مسؤول.. وتصريحاته المتقلّبة، قراراته المفاجئة، وانفعالاته المتكررة، كلها جعلت الثقة في منصب الرئاس ة تتآكل، داخليًا وخارجيًا.
كثير من تصريحاته كانت متناقضة أو تفتقر للدقة، ما أضعف مصداقيته وأربك شركاءه.. تعامل بفوقية مع الحلفاء، وبمزاجية مع الخصوم، وانسحب من اتفاقيات دولية كبرى دون تبرير واضح.. كل ذلك ساهم في تقويض صورة أمريكا بوصفها دولة مؤسسات، وأظهرها كدولة تُدار بتغريدة.
ازدواجية فاضحة
من أبرز مظاهر تخبطه، تردده في ملف إيران؛ يتفاوض عبر قنوات سرية، ثم يأمر بضرب منشآت نووية فجأة.. يتحدث عن السلام، ثم يشعل التوترات.
أما في ملف حقوق الإنسان، فقد سقطت كل الأقنعة، حين دعم بشكل سافر الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، متجاهلًا دماء المدنيين وآهات الأطفال.
ينادي بالقيم في العلن، ويدعم من ينتهكها في الخفاء.
اليد الأمريكية في تجويع غزة وتدمير قوى المقاومة
وقف ترامب بقوة إلى جانب إسرائيل في سياستها العدوانية ضد أهالي غزة، متجاهلًا معاناة المدنيين المحاصرين الذين يعانون من الحصار والتجويع المستمر.
لم يقتصر دعمه على الكلمات، بل شمل تقديم دعم سياسي وعسكري لتمكين إسرائيل من تنفيذ حملات التدمير ضد قوى المقاومة، بدءًا من غزة مرورًا بجنوب لبنان وسوريا، وصولًا إلى اليمن وإيران.
هذا الدعم ساهم في تفاقم الأزمات الإنسانية، وتدمير البنى التحتية، وإضعاف قدرات المقاومة، ما عزز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وأغرق الشعوب في معاناة مستمرة بلا أفق للحل.
رئيس بلا هيبة
تجلّى الارتباك حتى في حضوره الدولي؛ قادة يتجاهلونه، وآخرون يُظهرون عدم احترامه علنًا... كُشف عن صفقات سرّية معه، وأحرج في مؤتمرات صحفية أكثر من مرة. لقد تراجعت هيبة الرئاسة الأمريكية في عهده، وتحوّل الحضور السياسي إلى عرض مرتجل، خالٍ من الحكمة والاتزان.
انهيار الثقة
كيف يمكن لحلفاء أن يثقوا برئيس ينقض الاتفاقيات، ويبدّل المواقف، ويُعلن السياسات في تغريدة ويلغيها في أخرى؟ كيف تُبنى التحالفات مع قيادة لا تفرّق بين الدولة والمصلحة الشخصية، ولا تثبت على موقف أو شراكة؟
لقد زرع ترامب الشك حتى في أروقة الحلفاء، وأدار أمريكا كما تُدار شركة خاصة، حيث مصير الشعوب مرهون بمزاج المدير.
خاتمة
ترك عهد ترامب ندوبًا عميقة في صورة أمريكا، التي كانت رمزًا للثبات والقوة. تحولت الرئاسة إلى حكم متقلب قائم على الأهواء الشخصية، بعيدًا عن الحكمة والاستراتيجية.
أمريكا صارت دولة ضائعة بين تغريدات متناقضة ودعم متحيز على حساب العدالة وحقوق الإنسان.
السؤال: هل يمكن استعادة الثقة والسياسة الرشيدة التي تحترم الشعوب وتحافظ على السلام، أم أن أوراق أمريكا ستظل تتساقط في خريفٍ لا ينتهي؟
فالاستقرار العالمي لا يبنى على مزاج قائد، بل على مسؤولية وطنية وعالمية حقيقية.