وفاء جرار أسيرة بتر الاحتلال قدميها واستشهدت متأثرة بجراحها
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
ناشطة مجتمعية فلسطينية ومؤسسة "رابطة أهالي الشهداء والأسرى" في محافظة جنين ومنسقتها، ومرشحة سابقة للانتخابات التشريعية عام 2021 عن قائمة "القدس موعدنا"، وهي زوجة القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبد الجبار جرار، الذي تعرض للاعتقال عدة مرات.
اعتقلها الاحتلال مرتين، آخرهما في 21 مايو/أيار 2024، وأصيبت خلالها بانفجار عبوة ناسفة خلال نقلها عبر "جيب" عسكري، وتدهورت حالتها الصحية ودخلت في غيبوبة وبترت ساقاها جراء إهمال الاحتلال الإسرائيلي لحالتها.
وأفرج عنها الاحتلال في 30 مايو/أيار وسلمها للجانب الفلسطيني، لكنها توفيت متأثرة بإصابتها يوم 5 أغسطس/آب 2024 عن عمر ناهز الـ50 عاما.
المولد والنشأةولدت وفاء نايف زهدي جرار (أم حذيفة) عام 1974، وتعود أصولها إلى مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
تزوجت من عبد الجبار محمد أحمد جرار، أحد القياديين في حركة حماس في 22 فبراير/شباط 1990، وأنجبا 4 أبناء هم حذيفة وتقوى وأمجد وزيتونة، واعتقل زوجها يوم 7 فبراير/شباط 2024.
وتصفها ابنتها زيتونة جرار بأنها "كانت شعلة من النشاط، ولا تتأخر عن حضور أي فعالية لأهالي الأسرى، وتزورهم رغم أنها واحدة منهم، ولا تسمع منها إلا الكلام الذي يرفع المعنويات، وفي الأحداث الصعبة وارتقاء الشهداء تكون من أوائل المتواجدين قرب ذويهم لتواسيهم وتشد من أزرهم".
أكملت وفاء جرار دراستها الثانوية العامة عام 2002، ودرست البكالوريوس في اللغة العربية في جامعة القدس المفتوحة قبل أن تلتحق بجامعة النجاح الوطنية عام 2023 لدراسة الماجستير في التخصص نفسه.
التجربة النضاليةاعتقل الاحتلال زوج أم حذيفة عدة مرات، فكان بعيدا عنها لأكثر من 16 عاما، إذ اعتقل للمرة الأولى عام 1990، واعتقل بعدها 29 مرة، وبسببها لم يشهد ولادة أبنائه، وتأزمت صحته النفسية.
حرمه الاحتلال من الفرح بزواج ابنهما البكر حذيفة، فقد اعتقله قبلها بأيام معدودة، وأطلق سراحه بعدها بأسبوع، وأعاد الاحتلال الكرة بحرمان الأسرة من الفرحة بأبنائها عقب اعتقال أم حذيفة قبل زواج ابنها الثاني أمجد بأسبوع، وحينها سرق الإسرائيليون كل ما اشترته وفاء من ذهب وأغراض للعرس فور اقتحام منزلها.
صقلتها تجربتها ونضالها في الحياة وحيدة عقب اعتقال زوجها، ولأنها أصبحت زوجة أسير، ولمعرفتها بما تحتاج إليه زوجات وأسر الأسرى، أسست رابطة لنساء الأسرى والشهداء في جنين قبل أن تتسع لتشمل مناطق أخرى بالضفة الغربية، وفيها كانت تجتمع السيدات ليفضفضن لبعضهن ويتقاسمن جراحهن والمصاعب التي يعشنها.
وترشحت أم حذيفة في قائمة "القدس موعدنا" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2021، لكن هذه الانتخابات ألغيت فيما بعد.
الاعتقال الإداريداهم الاحتلال منزلها يوم 21 مايو/أيار 2024 وحطمه وسرق بعض الجنود ذهبها ومالها، وكسروا مقتنياتها وتحفها، قبل أن يقتادوها "للتحقيق وليس للاعتقال" كما أبلغوها.
وبعد اعتقالها بساعات انتشرت أخبار بشأن إصابتها بتفجير المركبة العسكرية التي احتجزت فيها، إثر انفجار عبوة ناسفة حسب ادعاءات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول أخوها زهدي جرار أن الاحتلال كان قد استعملها درعا بشريا قبل أن تنفجر المركبة التي تقلها وتصاب بجروح بالغة.
وأبلغ "الارتباط العسكري الإسرائيلي" أسرة جرار بتعرض أم حذيفة لإصابات بالغة إثر انفجار العبوة الناسفة في الجيب العسكري. ولم يقدم جيش الاحتلال تفاصيل دقيقة حول وضعها الصحي بعد إصابتها، أو حتى حالة الجنود الذين كانوا معها في الجيب.
وأبقيت أم حذيفة داخل الجيب العسكري طوال اعتقالها وحتى لحظة الانفجار، ما اعتبرته الأسرة "تعمّدا" من الاحتلال لإبقائها داخل ساحة حرب شهدها مخيم جنين الذي كان يتعرض حينها لهجوم عسكري واشتباكات واسعة.
وطوال الأيام العشرة التي احتجزت فيها جرار عند الاحتلال، كانت تصل إلى أسرتها معلومات تفيد بدخولها في غيبوبة بأحد المستشفيات الإسرائيلية. وتعمد الاحتلال تضليل العائلة بنقل معلومات ناقصة حول وضعها الصحي تارة، وبعدم وصول أي معلومة إليهم تارة أخرى.
على إثر ذلك حمل نادي الأسير الفلسطيني الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن حياة جرار، متهمة إياه بالمماطلة في إطلاع المحامي والعائلة على التقارير الطبية الخاصة بها خاصة في ظل وضعها الصحي الحرج.
وكانت هيئة شؤون الأسرى (حكومية) ونادي الأسير الفلسطيني (أهلي) قالا إن وفاء خضعت للعملية "جرّاء الإصابة التي تعرضت لها بعد اعتقالها من قوات الاحتلال بتاريخ 21 مايو/أيار".
وأصدر الاحتلال أمرا باعتقال أم حذيفة إداريا وبدون لوائح اتهام لأربعة أشهر رغم وضعها الصحي المتأزم، ثم أرسل تقارير طبية للعائلة أشارت إلى ضرورة بتر ساقيها، وطلب من أبنائها التوقيع على قرار البتر، فيما لم يسمح لأحد بزيارتها سوى محاميها الذي رأى وجهها فقط وأشار إلى تعمد إسرائيل إهمال علاجها.
وقالت ابنتها زيتونة "سُمح للمحامي فقط برؤية وجه والدتي دون الدخول إلى الغرفة، وأخبروه أنها في غيبوبة وأن بتر الساقين سيكون من تحت الركبة، وأنها تعاني من كسر في الأضلاع، لكننا اكتشفنا فور وصولها إلى مستشفى ابن سينا في جنين أنهم أخفوا عنا حقائق كثيرة حول إصابتها".
وبعد يومين فقط من إجراء عملية البتر، قررت إسرائيل رفع الحكم بالسجن الإداري عن جرار والإفراج عنها يوم 30 مايو/أيار 2024 وتسليمها للجانب الفلسطيني يوم الخميس 30 مايو/أيار الماضي. وهو ما اعتبرته عائلتها ونادي الأسير "تنصلا إسرائيليا من مسؤولية علاجها".
نقلت جرار إلى مستشفى ابن سينا بجنين، وهناك تبين عند فحصها إصابتها بكسور في القفص الصدري، إضافة إلى كسر في الفقرة الـ12 من العمود الفقري، وبتر ساقيها من منطقة أعلى الركبة (بدون إذن العائلة)، إضافة لانسداد في الجهة اليسرى من الرئة بسبب تجمع السوائل فيها، وإصابتها بالتهاب في الدم.
وقررت المستشفى والطبيب المشرف عليها إجراء تدخل سريع، ومن ثم نقلت إلى العناية المكثفة وقدم لها العلاج لمحاولة تخفيف السوائل من الرئة لتجنب تعرضها لاتهاب الدم.
ورغم محاولة الأسرة المطالبة بقدمي الوالدة المبتورتين أو حتى معرفة مصيرهما، وهو البرتوكول المتعارف عليه طبيا، لكن الاحتلال ادعى أن إدارة المشفى قد تخلصت منهما.
وقبل اعتقالها الأخير هذا كان الاحتلال قد اعتقل زوجها إداريا في شباط/فبراير 2024.
الوفاةتوفيت أم حذيفة في مستشفى ابن سينا في جنين، متأثرة بإصابتها التي تعرضت لها خلال اعتقالها يوم 5 أغسطس/آب 2024، وعمرها 50 عاما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاحتلال الإسرائیلی وضعها الصحی مایو أیار أم حذیفة قبل أن
إقرأ أيضاً:
فلنغير العيون التي ترى الواقع
كل مرة تخرج أحاديثنا مأزومة وقلقة وموتورة، مشحونة عن سبق إصرار وترصد بالسخط والتذمر، نرفض أن نخلع عنا عباءة التشاؤم، أينما نُولي نتقصّى أثر الحكايات شديدة السُمية، تلك الغارقة في البؤس والسوداوية.
في الأماكن التي ننشُد لقاءت متخففة من صداع الحياة، نُصر على تصفح سجل النكبات من «الجِلدة للجِلدة»، فلا نترك هنّة ولا زلة ولا انتهاكًا لمسؤول إلا استعرضناه، ولا معاناة لمريض نعرفه أو سمعنا عنه إلا تذكرنا تفاصيلها، ولا هالِكِ تحت الأرض اندرس أثره ونُسي اسمه إلا بعثناه من مرقده، ولا مصيبة لم تحلُ بأحد بعد إلا وتنبأنا بكارثيتها.
ولأننا اعتدنا افتتاح صباحاتنا باجترار المآسي، بات حتى من لا يعرف معنىً للمعاناة، يستمتع بالخوض في هذا الاتجاه فيتحدث عما يسميه بـ«الوضع العام» -ماذا يقصد مثله بالوضع العام؟- يتباكى على حال أبناء الفقراء الباحثين عن عمل، وتأثير أوضاعهم المادية على سلوكهم الاجتماعي، وصعوبة امتلاك فئة الشباب للسكن، وأثره على استقرارهم الأُسري، وما يكابده قاطني الجبال والصحراء وأعالي البحار!
نتعمد أن نُسقط عن حواراتنا، ونحن نلوك هذه القصص الرتيبة، جزئية أنه كما يعيش وسط أي مجتمع فقراء ومعوزون، هناك أيضًا أثرياء وميسورون، وكما توجد قضايا حقيقية تستعصي على الحلول الجذرية، نُصِبت جهات وأشخاص، مهمتهم البحث عن مخارج مستدامة لهذه القضايا، والمساعدة على طي سجلاتها للأبد.
يغيب عن أذهاننا أنه لا مُتسع من الوقت للمُضي أكثر في هذا المسار الزلِق، وأن سُنة الحياة هي «التفاوت» ومفهوم السعادة لا يشير قطعًا إلى الغِنى أو السُلطة أو الوجاهة، إنما يمكن أن يُفهم منه أيضًا «العيش بقناعة» و«الرضى بما نملك».
السعادة مساحة نحن من يصنعها «كيفما تأتى ذلك»، عندما نستوعب أننا نعيش لمرة واحدة فقط، والحياة بكل مُنغصاتها جميلة، تستحق أن نحيا تفاصيلها بمحبة وهي لن تتوقف عند تذمر أحد.
أليس من باب الشفقة بأنفسنا وعجزنا عن تغيير الواقع، أن نرى بقلوبنا وبصائرنا وليس بعيوننا فقط؟ أن خارج الصندوق توجد عوالم جميلة ومضيئة؟ ، أنه وبرغم التجارب الفاشلة والأزمات ما زلنا نحتكم على أحبة جميلين يحبوننا ولم يغيرهم الزمن؟ يعيش بين ظهرانينا شرفاء، يعملون بإخلاص ليل نهار، أقوياء إذا ضعُف غيرهم أمام بريق السلطة وقوة النفوذ؟
النقطة الأخيرة
يقول الروائي والفيلسوف اليوناني نيكوس كازنتزاكس: «طالما أننا لا نستطيع أن نغير الواقع، فلنغير العيون التي ترى الواقع».
عُمر العبري كاتب عُماني