جيه دي فانس يروج كتابا يزعم أن التقدميين ليسوا بشرا
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
في بيئة سياسية طبيعة، ما كنا لنحتاج إلى الالتفات إلى كتاب جديد يصدره المحرض اليميني المتطرف جاك بوسوبيك الذي يحتمل أن تكون شهرته قائمة في المقام الأكبر على ترويجه لنظرية المؤامرة القائلة بأن الديمقراطيين يديرون حلقة شيطانية لانتهاك الأطفل أسفل مطعم بيتزا شهير في واشنطن. لكن الخطبة العصماء الصادرة بعنوان "غير البشر" من تأليف بوسوبيك بالاشتراك مع كاتب الباطن المحترف جوشوا ليسيك تأتي بتأييد من بعض الشخصيات الأكثر نفوذا من السياسيين الجمهوريين ومنهم، وأبرزهم، المرشح لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس.
كثيرا ما تستعمل كلمة "الفاشي" في السياسة، لكن من الصعب العثور على كلمة أنسب منها لوصف كتاب "غير البشر" الذي صدر الشهر الماضي. إذ يذهب الكتاب إلى أن اليساريين لا يستحقون مكانة البشر، لأنهم مثلما يقول العنوان ليسوا بشرا، ولأنهم يخوضون حربا سرية ضد كل ما هو خير ولائق، وأن هذه الحرب سوف تنتهي بمجزرة قيامية إذا لم يتم إيقافهم، ولأنهم مثلما يقول مؤلفا الكتاب بوسوبيك وليسيك "يعارضون الإنسانية نفسها، فهم يضعون أنفسهم خارج فئة البشر، في فئة فرعية جديدة تماما دافعها هو البؤس، واسمها هو ’غير البشر’".
يرى الكاتبان أن التقدمية الحديثة هي التجسيد الأحدث لشر عتيق يرجع إلى أواخر عصر الجمهورية الرومانية واستمر في الثورة الفرنسية وفي الشيوعية وصولا إلى يومنا هذا. وكثيرا ما يكون "عظماء المقدرة من الرجال" مطالبين ـ حسبما يقول الكاتبان ـ بسحق هذه الآفة. ولا يخفى في كتاب "غير البشر" ازدراء الديمقراطية، إذ يكتب بوسوبيك وليسيك أن "دراستنا للتاريخ قد انتهت بنا إلى هذه النتيجة وهي أن الديمقراطية لم تفلح قط في حماية الأبرياء من غير البشر".
من أبطال كتابهما الدكتاتور الأسباني فرانشيسكو فرانكو الذي أطاح بالجمهورية الأسبانية الثانية الديمقراطية خلال الحرب الأهلية في ثلاثينيات القرن العشرين. إذ يصفه الكاتبان بـ"أحد عظماء الرجال في التاريخ" ويقارنانه بجورج واشنطن. ويستشهدان بأقواله في ما لا يفلح عمله لمواجهة خطر غير البشر: "إننا لا نؤمن بالحكم من خلال صندوق الاقتراع. فلم يحدث قط أن تم التعبير بحرية عن الإرادة الوطنية الأسبانية من خلال صندوق الاقتراع".
مثل هذه الأفكار الاستبدادية ليست نادرة في زوايا الإنترنت الرجعية الرطبة، أو في أوساط نوع من الجماعات التي تزعمت تمرد السادس من يناير. وكتاب "غير البشر" يمتدح أوجست بينوشيه زعيم المجلس العسكري التشيلي الذي قاد انقلابا على سلفاور أليندي وحكومته المنتخبة سنة 1973 فكان ذلك فاتحة عهد من التعذيب والقمع تضمن فضلا عن ذلك إلقاء الخصوم السياسيين من طائرات الهليكوبتر.
كانت الصور المستوحاة من طائرات بينوشيه الهليكوبر شائعة ضمن حركة "استعادة عظمة أمريكا MAGA " على مدى سنين. ومثلما كتب المؤرخ ديفيد أوستن وولش العام الماضي، فإن في اليمين اتجاها قديما يقدس فرانكو. ولكن غير المعتاد هو أن يتحالف مرشح لمنصب نائب الرئيس الأمريكي علنا مع إرهاب استبدادي.
كتب فانس أول تقريظ يتصدر الغلاف الخارجي لكتاب "غير البشر"، جاء فيه أنه "في الماضي، كان الشيوعيون يسيرون في الشوارع رافعين رايات حمراء. وهم اليوم ينظمون مسيراتهم في مكاتب الموارد البشرية والجامعات وقاعات المحاكم رافعين القضايا على الخيِّرين الصادقين" وأضاف أن "جاك بوسوبيك وجوشوا ليسيك يكشفان خططهم ويوضحان لنا ما يجب أن نفعله لمحاربتهم".
ثمة تقريظات أخرى تأتي من تاكر كارلسن ودونالد ترامب الابن وهو شخصية أساسية في حملة أبيه الرئاسية. أما تمهيد الكتاب فبقلم ستيفن بانون كبير المخططين الاستراتيجيين السابق في إدارة دونالد ترامب.
والآن، وارد جدا أن يكون فانس قد قرظ "غير البشر" دون أن يقرأه بالفعل، وهذا نهج غير معدوم المثال في صناعة النشر. ولكنه ما لم يتنكر للكتاب بشكل ذي مصداقية، فعلينا أن نأخذ كلامه مأخذ الجد ونصدق أنه يؤمن بتحليل الكتاب. فلغة كتاب "غير البشر" ـ في نهاية المطاف ـ تتشابه في بعض المظاهر بخطاب فانس نفسه.
يكتب بوسوبيك وليسيك أن "الثورة المضادة الأمريكية العظمى للإطاحة بالمثقفين الماركسيين لا بد أن تحدث في جميع مناحي المجتمع التي يشغلونها حاليا والتي يسعون إلى الاستيلاء عليها" ويضيفان أن "ذلك أمر يمكن تحقيقه لكن فقط من خلال عزيمة فرانكو ومن خلال مكارثي" (ويعنيان هنا جوزيف مكارثي أحد أيقونات الكتاب هو الآخر). فقارنوا هذا بما قاله فانس في بودكاست (جاك ميرفي لايف) اليميني المتطرف سنة 2021 حينما ذهب إلى أن الجمهوريين عند توليهم السلطة ينبغي أن يقوموا بتطهير وإقصاء لخصومهم مثلما فعلت حكومة العراق يوما في المنتمين إلى الحزب البعثي التابع لصدام حسين.
قال فانس "إنني أميل إلى الاعتقاد بأننا ينبغي أن نستولي على مؤسسات اليسار وتحويلها ضده، ونحن بحاجة إلى ما يماثل برنامج القضاء على البعثية، ولكنه يستهدف القضاء على اليسار [de-wokification] في الولايات المتحدة". وذهب إلى "أننا لم نعد بحاجة بعد إلى جمهورية دستورية حقيقية" قائلا إنه لا ينبغي تقييد دونالد ترامب بأعراف الحكم الجمهوري. وقال فانس إن ترامب ينبغي "أن يقيل كل موظف حتى من المستوى المتوسط، وكل مسؤول في الخدمة المدنية في الدولة الإدارية، ويستبدل بهم رجالا من رجالنا". وفي حالة محاولة المحاكم اعتراض طريقه، ينبغي على ترامب "أن يقف أمام البلد وقفة أندرو جاكسن ويقول: ’ها هو رئيس المحكمة العليا قد أصدر حكمه، فليرنا الآن كيف سينفذه’".
بوسعكم، بل يجدر بكم، أن تضحكوا من ميلودرامية فانس وإحساسه بأهميته، وانشغاله بالثانويات (ففي بودكاست جاك ميرفي يشير فانس باحترام إلى المدون اليميني كيرتس يارفين صاحب الشعبية في دوائر وادي السيليكون الرجعية الذي ينادي بإحلال توع من الملكية التكنولوجية محل الديمقراطية). وإنه لأمر طيب أن يكون الديمقراطيون قد عثروا على كلمة "الغريب" ليصفوا بها هذا الجانب من الحزب الجمهوري، ولكن الرسم البياني يبدي تداخلا كبيرا بين "الغريب" و"الخطير".
يكتب بوسوبيك وليسيك أن "فرانكو، الشبيه كثيرا بالآباء المؤسسين في الولايات المتحدة، وأتباعه كانوا يرون أنفسهم ثوارا ساعين إلى الإطاحة بحكم فاسد استبدادي يساعد على القتل والاغتصاب ويشجعهما مثلما يساعد ويشجع على الكثير من الآثام البغيضة الأخرى". وينبغي أن نتعامل بجدية مع احتمال أن فانس وأتباعه يرون أنفسهم بمثل هذه الطريقة.
• ميشيل جولدبرج من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2017، ولها العديد من الكتب في السياسة والدين وحقوق المرأة وكانت ضمن فريق صحفي حصل على جائزة بوليتزر سنة 2018 عن تقرير حول التحرشات الجنسية في بيئة العمل.
** خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: غیر البشر من خلال
إقرأ أيضاً:
تغير المناخ وزيادة الاحترار ينشران طفيليات قاتلة
حذرت دراسة جديدة من أن تغير المناخ وزيادة الحرارة يؤديان إلى توسع انتشار كائنات دقيقة مُسببة للأمراض خاصة فطريات "‘أسبرغيلوس" إلى مناطق جديدة، مما يزيد من تهديداتها الصحية وسط ضعف الاستعداد ونقص الأدوية الفعالة.
وأشارت الدراسة التي أجراها فريق من العلماء في جامعة مانشستر إلى أن الفطريات المُسببة للعدوى، "‘أسبرغيلوس" (Aspergillus) التي تؤدي إلى وفاة ملايين الأشخاص سنويا، ستنتشر بشكل كبير إلى مناطق جديدة مع زيادة حرارة الكوكب، والعالم غير مستعد لمواجهة ذلك.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حرارة قياسية في أبريل والخبراء يحذرون من الأسوأlist 2 of 2الحرارة تتجاوز 51 درجة بالإمارات وتلامس مستويات تاريخيةend of listوالفطريات موجودة في كل مكان بشكل طبيعي، وتراوح من العفن إلى الفطر، وتنمو في بيئات كالتربة والسماد والمياه، وتلعب دورا مهما في النظم البيئية، لكنها قد تكون أيضا مدمرة لصحة الإنسان.
وتنمو فطريات "‘أسبرغيلوس" مثل خيوط صغيرة في التربة في كل أنحاء العالم، وكمعظم الفطريات، تُطلق كميات هائلة من الأبواغ الصغيرة التي تنتقل عبر الهواء.
يستنشق البشر هذه الأبواغ يوميا من دون أن يعانوا من أعراض في الغالب، لأن الجهاز المناعي يطردها.
وتُسبب العدوى الفطرية وفاة نحو 2.5 مليون شخص سنويا، وقد يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير بسبب نقص البيانات، إذ لا يزال العلماء يدرسون كيفية تكيفها المذهل مع المناخ المتغير.
إعلانوفي الدراسة، استخدمت نماذج حاسوبية وتوقعات مناخية لرسم خريطة الانتشار المستقبلي المحتمل لفطر "‘أسبرغيلوس"، وهو نوع شائع من الفطريات موجود في أنحاء العالم ويمكن أن يُسبب داء الرشاشيات (تكاثر الفطريات على شكل ورم أو كرة تنتشر في بقية الجسم)، وهو مرض خطير يُصيب الرئتين بشكل أساسي.
وخلص الباحثون إلى أن بعض الأنواع منها ستوسع نطاق انتشارها مع تفاقم أزمة المناخ، لتصل إلى أجزاء جديدة من أميركا الشمالية وأوروبا والصين وروسيا ومناطق أخرى.
وقال نورمان فان راين أحد مؤلفي الدراسة والباحث في التغير المناخي والأمراض المعدية بجامعة مانشستر إن "الفطريات لا تزال غير مدروسة بما يكفي مقارنة بالفيروسات والطفيليات، لكن هذه الخرائط تُظهر أن العوامل الفطرية المسببة للأمراض ستؤثر على معظم مناطق العالم في المستقبل".
وتشكل هذه الفطريات خطرا أكبر على من يعانون من أمراض الرئة مثل الربو والتليف الكيسي ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وأيضا لدى من لديهم ضعف في المناعة كمرضى السرطان وزارعي الأعضاء، ومن تعرضوا لإنفلونزا حادة أو فيروس كوفيد-19.
ويقول فان راين إن الجهاز المناعي "إذا فشل في التخلص من الأبواغ (خلال الانتقال من حالة السبات أو الركود إلى حالة النشاط)، يبدأ الفطر بالنمو حرفيا داخل الجسم ويأكلك من الداخل".
وتبلغ معدلات الوفاة بداء الرشاشيات حوالي 20% إلى 40%، وهو مرض يصعب تشخيصه، إذ لا يكون في حسبان الأطباء، وتظهر أعراضه على شكل حمى وسعال، وهي أعراض شائعة في العديد من الأمراض.
وأشار فان راين إلى أن مقاومة الفطريات للعلاج تتزايد كذلك، إذ لا يوجد سوى 4 فئات من الأدوية المضادة للفطريات، وكل هذه العوامل تُنذر بالخطر في ظل توفر مناطق جديدة مناسبة لاستيطان "أسبرغيلوس" بسبب التغير المناخي.
ووجدت الدراسة أن "أسبرغيلوس فلافوس" (Aspergillus flavus)، وهو نوع يُفضل المناخات الاستوائية الحارة، قد تزيد مساحة انتشاره بنسبة 16% إذا استمر البشر في حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري. ومن المتوقع أن ينتشر إلى أجزاء من شمال أميركا وشمال الصين وروسيا.
ويسبب هذا النوع التهابات شديدة لدى البشر، ويُظهر مقاومة للعديد من مضادات الفطريات، كما يُصيب العديد من المحاصيل الزراعية، فيشكل تهديدا محتملا للأمن الغذائي. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أدرجته في مجموعتها الحرجة من الفطريات المُمرِضة في عام 2022، بسبب تأثيره على الصحة العامة وخطر مقاومته للعلاج.
إعلانأما فطريات "أسبرغيلوس فلافوس" (Aspergillus fumigatus) الذي يُفضل المناخات المعتدلة، فمن المتوقع أن ينتشر شمالا نحو القطب الشمالي مع ارتفاع درجات الحرارة عالميا. وقد تزيد مساحة انتشاره بنسبة 77.5% بحلول عام 2100، وذلك قد يعرض 9 ملايين شخص في أوروبا للخطر.
في المقابل، قد تصبح درجات الحرارة في بعض المناطق، مثل أفريقيا جنوب الصحراء، شديدة الارتفاع إلى درجة تمنع نمو فطر "أسبرغيلوس"، وهو ما قد يسبب مشاكل أخرى، إذ تلعب الفطريات دورا مهما في صحة التربة والنظم البيئية.
وإلى جانب توسع نطاق انتشارها، قد يؤدي ارتفاع الحرارة إلى زيادة قدرة الفطريات على تحمل درجات الحرارة، مما يسمح لها بالبقاء داخل أجسام البشر مدة أطول.
كذلك فإن الظواهر المناخية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر تؤثر على الفطريات أيضا، وقد تُساعد على نشر الأبواغ لمسافات طويلة. وقد لوحظت زيادة في أمراض الفطريات بعد كوارث طبيعية، مثل التفشي الذي حدث بعد إعصار جوبلين في ميزوري الأميركية عام 2011.
وقال جاستن ريمايس أستاذ علوم الصحة البيئية في جامعة كاليفورنيا-بيركلي إن "العوامل الفطرية المُسببة للأمراض باتت أكثر شيوعا وأكثر مقاومة للعلاج، ولا نزال في بداية فهم تأثير التغير المناخي في ذلك".