إكراهات الحرب الإقليمية وتداعياتها الوجودية على إسرائيل
تاريخ النشر: 9th, August 2024 GMT
أعلن حزب الله اللبناني مرارًا عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله، أن الحزب ولبنان هما جبهة تضامن وإسناد للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وأكد أن الحزب لا ينشد حربًا موسعة، ولكنه مستعد لها إذا فُرضت عليه.
تقاطعت طهران مع الحزب في موقفه، مؤكدةً ضرورة وقف العدوان والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبذلت دبلوماسيتها جهدًا لتحقيق ذلك بالتشاور مع الصين، وروسيا، ودول المنطقة، والوسطاء في مصر، وقطر.
كانت الإدارة الأميركيّة تأمل في بداية معركة "طوفان الأقصى" أن يقضي جيش الاحتلال على حركة حماس ويهجّر الفلسطينيين من قطاع غزة، لكن بعد الفشل الإستراتيجي، فضّلت واشنطن المقاربة السياسية بوقف إطلاق النار، والنظر لاحقًا في كيفية تنحية حماس، أو القضاء عليها بالتعاون مع إسرائيل، تحت ما يُسمى بـ "اليوم التالي في غزة".
فشل مسعى الإدارة الأميركية؛ لأنها لم تستطع إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم تمارس عليه ضغوطًا مؤثرة لتغيير موقفه الرافض لوقف الحرب؛ حتى لا تُغضب جماعات الضغط الصهيونية والشرائح الأميركية المناصرة لإسرائيل، قُبيل الانتخابات الرئاسية.
لماذا اغتال الاحتلال هنية وشُكر؟سياسة الاغتيالات ليست جديدة على الاحتلال فقد انتهجها طوال عمر المقاومة الفلسطينية، وصولًا إلى حركة حماس التي قدّمت شخصيات كبرى كالشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، ويحيى عيّاش، وأحمد الجعبري، وآخرين. بيدَ أن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس الحركة، والمسؤول العسكري في حزب الله الشهيد فؤاد شُكر في طهران وبيروت خلال أقل من 24 ساعة، كان له وقع خاص وأهداف مهمة في سياق المعركة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومنها:
أولًا: محاولة رسم صورة النصر، واستعادة الهيبة المكسورةبعد عشرة أشهر، ما زال الاحتلال يتجرّع مرارة الفشل الإستراتيجي في قطاع غزة؛ فلم يحقق أيًا من أهدافه بالقضاء على حركة حماس أو استعادة الجنود الأسرى بالقوّة. وتحوّل المشهد إلى حرب استنزاف حذّر من كارثيتها العديد من الجنرالات والخبراء. وجاءت عمليات الاغتيال في محاولة لاستعادة كبرياء إسرائيل وهيبتها وردعها المتآكل.
ثانيًا: استعادة ثقة الجمهور الإسرائيلييعاني بنيامين نتنياهو من تراجع التأييد وثقة الجمهور الصهيوني فيه، بعد فشله في تحقيق أهداف الحرب على غزة، مما يسبب له شعورًا بالعجز والنقص، لا يتناسب مع نرجسيته كقائد تاريخي لإسرائيل. فنسبة من أيّدوا اغتيال هنية بلغت نحو 65%، مما يدل على فهم نتنياهو لطبيعة المجتمع الصهيوني وتطرفه، والأشياء التي تسبب له نشوة ولو مؤقتة، عبر محاكاة أيام مجد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ثالثًا: إطالة الحرب حتى الانتخابات الأميركيةسعى نتنياهو طوال الأشهر الماضية إلى استدامة العمليات القتالية في قطاع غزة، عبر وضع المزيد من الشّروط والعراقيل أمام اتفاقية وقف إطلاق النار؛ لأنه يرى في وقف إطلاق النار قبل تحقيق الأهداف وصفة لتغييبه وسقوطه عن سدّة السلطة، وانهيار حكومة الائتلاف الحالية.
وهو، إذن، يحتاج إلى استمرار الحرب لحماية مستقبله السياسيّ، وحكومته من السقوط، عبر البحث عن صورة انتصار تكتيكي، مثل اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، مادام حسم المعركة مستبعدًا.
وهذا يحقق له إطالة المعركة حتى الانتخابات الأميركية؛ أملًا في أن تشكل له عنوانًا جديدًا لإدارة مشهد العلاقة مع الفلسطينيين، لا سيّما إذا كان المرشّح دونالد ترامب هو القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وهو الذي تماهى في فترته السابقة مع أهداف بنيامين نتنياهو في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقام بإعداد صفقة القرن؛ لحسم الصراع على قاعدة أن تصبح إسرائيل دولة قائدة في المنطقة العربية، مع منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا تحت السيادة الإسرائيلية.
الحرب الإقليمية وتداعياتها الوجوديةإذا كانت غاية نتنياهو هي شطب القضية الفلسطينية بالتعاون مع الإدارة الأميركية القادمة، فما علاقة اغتيال الشهيد فؤاد شُكر في بيروت، والشهيد إسماعيل هنية في طهران؟ ولماذا لم يُبقِ الاحتلال التصعيد في مستواه الحالي حتى الانتخابات الأميركية؟
لدى بنيامين نتنياهو رؤية إستراتيجية قديمة تتكوَّن من شقين:
الأول: إنهاء القضية الفلسطينية عبر السلام الاقتصادي، أو الحكم الذاتي للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية، بالتوازي مع اندماج إسرائيل في المنطقة العربية عبر التطبيع. الثاني: حرمان إيران أو أي دولة عربية أو إسلامية من امتلاك السلاح النووي، لأنه سيعني توازن الردع مع إسرائيل. وهذا مرفوض قطعًا لدى إسرائيل، الساعية لاحتكار الردع الإستراتيجي في الشرق الأوسط.هذا يفسّر الهدف المزدوج الذي أراد تحقيقه عبر اغتيال رئيس حركة حماس في طهران، فعلاوة على استهداف حركة حماس وقياداتها، أراد دفع إيران لتكون طرفًا مباشرًا في حربه ضد الفلسطينيين، تمهيدًا لحرب موسّعة تُجبر فيها الولايات المتحدة على التدخل للدفاع عن إسرائيل في مواجهة إيران، ومحور المقاومة.
نتنياهو حاول سابقًا منع الرئيس باراك أوباما من توقيع الاتفاق النووي مع إيران وفشل، لكنه نجح في دفع الرئيس دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق من طرف واحد، لدفع واشنطن للصدام مع طهران.
في المقابل، نجحت إيران في تدوير الزوايا الحادة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكن اغتيال هنية في طهران، بعد أشهر من قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في أبريل /نيسان الماضي، وضع طهران في زاوية ضيقة لا خيارات فيها سوى الرد بقوة، مع الحرص على عدم الذهاب إلى حرب إقليمية، إلا إذا فرضها الاحتلال.
مع أن واشنطن تتجنّب الحرب الإقليمية، فإنها قد تجد نفسها طرفًا مباشرًا فيها دفاعًا عن إسرائيل، وهذا ما سيرفع تكلفة الحرب، ويعقد المشهد في الشرق الأوسط، مما ستكون له تداعيات على مستقبل إسرائيل ودول المنطقة.
بنيامين نتنياهو يُدخل إسرائيل في مقامرة وصفها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنها حرب وجودية، وإذا كانت كذلك، فهي ستكون حربًا خاسرة له ولإسرائيل، وقد تكون بداية النهاية. لأن الحرب الإقليمية إذا بدأت فستواجه إسرائيل جبهات متعددة أقوى وأشرس من قطاع غزة، مما سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية وأمنية واجتماعية هائلة على الكيان الإسرائيلي، وقد تفضي إلى موجات من الهجرة المعاكسة هربًا من جحيم الحرب.
إذا ذهبت المنطقة لسيناريو الحرب الإقليميّة وطال عمرُها، فإن اللحظة الحاسمة في مستقبل الكيان الإسرائيلي تتعلق بالإجابة عن السؤال: إذا تعارضت مصالح الولايات المتحدة عالميًا (مواجهة الصعود الصيني والروسي) مع مصلحة حماية إسرائيل في شرق أوسط مضطرب، فأيهما أولى للولايات المتحدة، ريادتها للعالم أم حمايتها لإسرائيل؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بنیامین نتنیاهو الحرب الإقلیمیة إسرائیل فی حرکة حماس فی طهران قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تطبق سياسة الحرب الشاملة.. وتحاول تهجير الفلسطينيين
بدأت العملية العسكرية الإسرائيلية فى الضفة الغربية بصواريخ وقنابل موجهة استهدفت البنية التحتية لمدن جنين وطولكرم وطوباس، وفرضت حصاراً كاملاً عليها وأسقطت العديد من الشهداء، بمشاركة العديد من لواءات وكتائب وقوات جيش الاحتلال، بالتنسيق مع جهاز الأمن العام «الشاباك» ودعم من سلاح الجو.
العمليات العسكرية فى الضفة جاءت بعد أشهر من الاشتباكات المتواصلة بين قوات الاحتلال والفصائل الفلسطينية، حيث برر الاحتلال تلك العملية بأنها تستهدفهم فى مخيمات جنين وطولكرم بالضفة الغربية.
ودمر الاحتلال عدداً من المبانى والطرقات والبنية التحتية فى الساعات الأولى من العملية العسكرية فى الضفة، وفرض حصاراً مشدداً على مستشفيات الشمال، كما منع حركة المرضى والمصابين، وأعاق حركة سيارات الإسعاف التى تنقل المرضى، وصولاً لقطع شبكات الإنترنت والاتصالات، وهو أشبه بما حدث فى قطاع غزة خلال الأشهر الماضية.
كما قطع الطرق المؤدية لمستشفى ابن سينا، ووضع سواتر ترابية حوله لإغلاقه بشكل كامل، كما حاصر مستشفى خليل سليمان، وأخلى مستشفى جنين الحكومى، فى ممارسات وفظائع تكرر جرائم الحرب التى ارتكبتها فى غزة منذ عدوان السابع من أكتوبر.
ودمرت جرافات الاحتلال الشوارع الرئيسية والبنية التحتية فى مدينة جنين ومخيمها، وتنتقل من منطقة إلى أخرى، وقدَّرت بلدية جنين أن 80% من البنية التحتية والشوارع لحقت بها أضرار جسيمة جراء العدوان.
وأسفرت العملية العسكرية فى الضفة الغربية عن استشهاد 34 فلسطينياً، بينهم 19 فى جنين، و8 فى طولكرم، و4 فى طوباس، و3 فى الخليل، ما يرفع حصيلة الشهداء فى الضفة منذ السابع من أكتوبر الماضى إلى 685 فلسطينياً.
«صافى»: الاحتلال يتكبد خسائر فادحة.. وفتح جبهة جديدة يكلفه ثمناً غالياًوقال الدكتور ماهر صافى، المحلل السياسى الفلسطينى، إن إسرائيل بدأت فى سياسة الحرب الشاملة على فلسطين، وما يحدث فى الضفة الغربية وجنين هو تطبيق لما يحدث فى غزة، وتضغط على السكان وتحاول دفعهم إلى التهجير وتصفية أكبر عدد من قادة الفصائل الفلسطينية، كما تريد أيضاً تنفيذ مخططات نسمع عنها كثيراً من الوزراء الإسرائيليين والمتطرفين والعديد من قادتهم، وهو ما يكشف عن نيتهم فى توسيع رقعة الاستيطان ودفع الفلسطينيين إلى ترك منازلهم، وهى سياسة فاشلة وستفشل بها إسرئيل فى تمرير مخططها لتوسيع حرب الإبادة الجماعية.
وأضاف «صافى» أن الضفة الغربية تختلف طبيعتها وتركيبتها الديموجرافية عن قطاع غزة، لأن الأخيرة مغلقة بينما الضفة منطقة مفتوحة، وبالتالى تتعرض قوات الاحتلال الإسرائيلى لعمليات عسكرية وكمائن بشكل سهل للغاية، مشيراً إلى أن إسرائيل ترتكب خطأ جسيماً بالعمليات العسكرية والاجتياح الحالى لجنين والضفة وستدفع ثمنه، مؤكداً أنها تريد توسيع رقعة الحرب للقضاء على أكبر قدر ممكن من الفصائل الفلسطينية، ولكن المقاومة أعطت دلائل وإشارات واضحة بأنهم قادرون على تكبيدها خسائر فادحة.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن فتح جبهة جديدة فى الضفة سيؤدى إلى مرحلة استنزاف داخلى فى إسرائيل وسيهدد الأمن الداخلى، وسيحدث كساد فى الاقتصاد الإسرائيلى كما سيكون مواطنوها مهددين بشكل كبير، وستدفع ثمناً غالياً لتوسيع هذه الحملة.
«الرقب»: «نتنياهو» كان يخطط للهجوم على «الضفة» لتفكيك أى وجود عسكرى بهاالدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، قال إن الضفة الغربية كانت الهدف الأول لإسرائيل وليس غزة، ولكن الأخيرة هى التى فرضت الحرب، مضيفاً أنها كانت تصف مخيم جنين بـ«عش الدبابير» بسبب وجود عناصر الفصائل الفلسطينية به، كما خرج منه العديد من أفراد المقاومة، الذين قاموا بعمليات عسكرية فى قلب مدن إسرائيلية، وبالتالى كان الاحتلال يهدف منذ سنوات طويلة إلى الهجوم على الضفة وتفكيك أى وجود عسكرى بها.
وأشار «الرقب» إلى أنه فى كلمة سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، كان يحمل خارطة بها الضفة الغربية جزء من دولة الاحتلال، وهذا يؤكد أنه يخطط بشكل كامل لضمها إلى حدود دولته، مشيراً إلى اقتحام ومحاصرة المستشفيات، وهى محاكاة لما فعلته قوات الاحتلال فى غزة، مضيفاً أنه يحاكى تجربته ويحاصر المستشفيات ليتمكن من اعتقال من يريدون لأنه يعتقد أن بعض من يستهدفهم من الفصائل يذهبون إلى المستشفيات.
«أبوعطيوى»: بات من الواضح أن الكيان يريد القضاء على الإنسان والجغرافيا الفلسطينيةوقال ثائر أبوعطيوى، الكاتب الفلسطينى، إن العملية العسكرية جاءت بتحريض صريح ومعلن من قبَل الساسة والمسئولين الإسرائيليين مثل وزير الخارجية يسرائيل كاتس، ووزير المالية سموتريتش، ووزير الأمن الداخلى بن غفير، إضافة للمسئولين فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كما تأتى ضمن حرب الإبادة الجماعية لكل ما هو فلسطينى، سواء بالضفة أو غزة أو القدس المحتلة، هذا فى ظل استمرار الحرب والعدوان المتواصل على القطاع.
وأضاف «أبوعطيوى» أن العملية لاجتياح مخيمات الضفة، وخصوصاً شمالها، تأتى بشكل مدروس ومتوازٍ فى إطار الحرب على غزة وليس بمعزل عنها، حيث بات من الواضح أن حكومة الاحتلال تريد القضاء على الإنسان والجغرافيا الفلسطينية وتقطيع أواصر المدن والمحافظات ومخيمات الضفة، ضمن مخطط للتهجير والطرد من أجل بناء المستوطنات والتوسع الاستيطانى فى الضفة.
وأبرز «أبوعطيوى» أيضاً تدمير إسرائيل للبنية التحتية فى غزة، قائلاً إنها تهدف إلى القضاء بشكل كامل على الحياة وكافة تفاصيلها، وخصوصاً فى القطاع، فى ظل استمرار نزوح وهجرة وتشريد أكثر من مليون ونصف المليون فلسطينى من مناطق سكنهم وعن منازلهم وتدمير معظمها بشكل كامل، مؤكداً أيضاً تعمُّد الاحتلال تدمير البنية التحتية للقضاء على كافة المعالم السكانية والعمرانية وجعل البنية التحتية كومة من الحجارة، ما يؤدى إلى دمار المنازل والمساكن والبيئة المجتمعية والصحية، والتدمير الاقتصادى، وهو ما سيؤدى إلى العديد من المشكلات والأزمات التى تؤثر على سلامة العيش وصحة الإنسان فى فلسطين بالمستقبل.