على وقع تصاعد التوتر العسكري مؤخراً بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران، استنفرت الأخيرة أذرعها في المنطقة العربية وخاصة ذراعها في اليمن- مليشيا الحوثي.

التوتر تصاعد عقب إرسال واشنطن ثلاثة آلاف جندي من مشاة البحرية إلى البحر الأحمر، في خطوة وصفها مسؤولون أمريكيون بأنها تأتي "لردع النشاط المزعزع للاستقرار وتهدئة التوترات الإقليمية الناجمة عن مضايقات إيران ومصادرة السفن التجارية"، بحسب المتحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي، تيم هوكينز، لوكالة الأنباء الفرنسية.

ووصل أفراد الجيش الأمريكي على متن السفينتين الحربية (يو إس إس باتان) و(يو إس إس كارتر هول)، إلى مقر القاعدة البحرية الأمريكية في دولة البحرين. ويأتي هذا الانتشار الأمريكي المتزايد في أعقاب سلسلة من الحوادث على مدار العامين الماضيين اتهم فيها الغرب إيران بمحاولة السيطرة على ما يقرب من 20 سفينة دولية في المنطقة.

هذا الانتشار للقوات الأمريكية خلال الشهر الماضي يأتي لمنع إيران من الاستيلاء على ناقلات تجارية في المياه الدولية قبالة سلطنة عمان في 5 يوليو. وأدى تصادم بين سفينة ريتشموند فوييجر التي ترفع علم جزر الباهاما وسفينة إيرانية إلى إصابة خمسة من أفراد الطاقم بجروح خطيرة، حسبما أفادت إيران. كما شهدت حالات سابقة استيلاء إيران على ناقلتي نفط في المياه الإقليمية في غضون أسبوع خلال شهري أبريل ومايو الماضيين.

وفيما يتعلق بالتصعيد الأخير، كانت الولايات المتحدة قد أعلنت سابقًا عن خطط لنشر مدمرة، وطائرات حربية من طراز F-35 و F-16، إلى جانب مجموعة الاستعداد البرمائية/ وحدة الاستكشاف البحرية، إلى غرب آسيا.

والأسبوع الماضي، كشف مسؤول أمريكي لوكالة الأنباء الفرنسية، عن خطط "لنشر حراسة أمنية مكونة من عناصر من مشاة البحرية والبحرية على متن ناقلات تجارية تمر من مضيق هرمز وبالقرب منه لتشكل طبقة دفاعية إضافية لهذه السفن المعرضة للخطر".

وشدد على ضرورة تلقي طلب للقيام بذلك لأن السفن خاصة، مضيفا: "نجري الاستعدادات للتنفيذ في حال وجود اتفاقات نهائية للقيام بذلك".

ورداً على تنفيذ أمريكا لهذه الخطوة بإرسال آلاف الجنود إلى منطقة البحر الأحمر والخليج العربي، قال المتحدث باسم القوات البحرية الإيرانية إن طهران كانت تجهز البحرية التابعة للحرس الثوري بطائرات بدون طيار وصواريخ مدى 1000 كيلومتر (621 ميلا). ولاحقاً قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن إيران لا تثق بأمريكا ولن تثق بها، وأن ما يهم الجانب الإيراني مع أمريكا هو "تحييد العقوبات".

الرد الإيراني من صنعاء

لكن الرد الأكثر حدة على الانتشار العسكري الأمريكي في البحر الأحمر والخليج العربي جاء على ألسن قيادات جماعة الحوثي من صنعاء، حيث هددوا بشن هجمات على أي تواجد عسكري أمريكي في المياه الإقليمية اليمنية قبالة سواحل الحديدة وباب المندب.

ونقلت وسائل إعلام مليشيا الحوثي الإمامية عن مسؤولين في سلطتها الانقلابية أن تواجد القوات الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب يعطيهم المبرر لاستهداف هذه القوات. ونقلت عن المعين بمنصب نائب وزير الخارجية حسين العزي قوله إنه يتوجب على القوات البحرية الأمريكية الابتعاد عن المياه الإقليمية اليمنية، وأن اقترابها "فقط مجرد الاقتراب" قد يعني بداية المعركة الأطول والأكثر كلفة في التاريخ البشري- على حد قوله.

وليست المرة الأولى التي تتولى مليشيا الحوثي مهمة الرد باسم داعمها الإقليمي الوحيد- طهران، إذ سبق أن تبنت هجمات ضد منشآت حيوية للمملكة العربية السعودية في 2019 كان المراقبون، حينها، يرجحون أن تكون قوات إيرانية هي التي نفذتها. 

وتربط ذراع إيران في اليمن بين هذه التحركات العسكرية لأمريكا وبين تعثر مفاوضات السلام التي خرجت إلى العلن منذ أبريل الماضي بين الجماعة والسعودية، على إثر التقارب السعودي الإيراني برعاية الصين، بينما يجمع المراقبون لتطورات الشأن اليمني أن تصعيد المليشيا الحوثية عسكرياً ووضع اشتراطات تعجيزية هو ما يعيق تقدم المفاوضات بينها وبين السعودية حتى الآن، ناهيك عن استمرار المليشيا في حربها الاقتصادية ضد الحكومة الشرعية.

مبررات التصعيد الحوثي

طيلة ما يقارب سنة ونصفاً من اتفاق هدنة أبريل بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي، لم تفوت الأخيرة فرصة لاستغلالها من أجل التصعيد العسكري أو التهديد باستئناف الحرب. وبينما كان التقارب الإيراني السعودي قد ألجم المليشيا قليلاً عن انتهاك اتفاق الهدنة، إلا أنها ما زالت تتحين الفرص للتنصل من التزاماتها تجاه عملية السلام، تارة بوضع اشتراطات تعجيزية جديدة على طاولة المفاوضات وتارة أخرى بإلقاء الاتهامات على أمريكا وبريطانيا بأنهما تسعيان لإفشال جهود المفاوضات. 

والآن بعد عودة التوتر العسكري بين واشنطن وطهران لم تفوت المليشيا الحوثية الفرصة للتهديد بتصعيد عسكري، وقد تتخذ من هذه الفرصة سياقاً لتنفيذ تهديدات رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للجماعة في استهداف الجزر اليمنية في البحر الأحمر والبحر العربي.

وكانت مليشيا الحوثي أجرت مناورات عسكرية قبل أيام في صرواح بمأرب، وهي المناورات التي أفاد وزير الإعلام في حكومة الشرعية، معمر الإرياني، أنها أودت بحياة القيادي العسكري البارز في الجماعة أحمد الحمزي الذي كان يحمل صفة قائد القوات الجوية والدفاع الجوي برتبة لواء، والمدرج على لائحة الإرهاب السعودية وقائمة الإرهاب الأمريكية.

وقال الإرياني "إن التجربة الفاشلة التي أجرتها جماعة الحوثي الإرهابية قبل أيام، لاختبار أسلحة جديدة، في مديرية صرواح بمحافظة مأرب، والتي أدت إلى مصرع عدد من قيادات وعناصر الجماعة وخبراء من إيران وحزب الله اللبناني تواجدوا لحظة الانفجار، تؤكد نواياها لنسف جهود التهدئة والعودة لمربع الحرب".

وأشار إلى أن جماعة الحوثي تواصل استغلال حالة اللا سلم واللا حرب القائمة منذ انهيار الهدنة الأممية، لتطوير ترسانتها من الأسلحة المهربة من إيران، وحشد المزيد من المقاتلين وتجنيد الأطفال للقتال في صفوفها، دون اكتراث بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة، والفاتورة الباهظة للحرب التي فجرها الانقلاب.


المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: ملیشیا الحوثی البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

العراق محور ضغوط أمريكية لإعادة ضبط التوازن مع إيران

8 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: تمضي واشنطن في بلورة قناعة آخذة بالاتساع داخل دوائرها السياسية بأن العلاقة مع بغداد لم تعد قابلة للاستمرار بصيغتها الحالية، بعدما أمضت عشرين عاماً في محاولة ترميم بنية سياسية ما زالت تعكس إخفاقات متراكمة.

ومن هذا المنطلق تعود ملفات العراق إلى الواجهة بوصفها إحدى أولويات المرحلة المقبلة، في ظل تحولات إقليمية تجعل واشنطن أكثر حساسية تجاه خسارة فضائها التقليدي لمصلحة قوى أخرى.

ومن جانب آخر تواصل التصريحات الأمريكية رسم ملامح هذا التحول، إذ يؤكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك أن بلاده أنفقت المال والدم لترسيخ النظام السياسي العراقي، وترى اليوم أن من حقها إعادة توجيه هذا النظام بما يخدم الاستقرار الذي تقول إنها سعت إليه منذ عام 2003.

ويشير باراك إلى أن التجربة أثبتت أن واشنطن لم تملك في السابق تصوراً واضحاً لمنع القوى المدعومة من إيران من التغلغل في مؤسسات الدولة.

وتتابع الإدارة الأمريكية إعادة تموضعها من خلال ضغوط سياسية معلنة، تضع العراق أمام خيارين، إما الالتزام بالاشتراطات الأمريكية والانخراط في مشروع الشرق الأوسط الجديد، أو التعامل مع احتمالات العزلة ورفع مظلة الحماية الدولية عنه، وهي خطوة يراها مراقبون إحدى أدوات الضغط الهادفة إلى إعادة ضبط سلوك بغداد السياسي والأمني.

ومن جهتها تتقاطع هذه الرؤية مع الطرح الذي قدمه المبعوث الأمريكي مارك سافايا حول ضرورة إعادة العراق قوياً ومستقلاً، وهو هدف تقول واشنطن إنه يتطلب بناء مؤسسات تتجاوز طابعها الشكلي الحالي، وتستعيد استقلالها أمام مراكز النفوذ الموازية التي صارت في بعض الأحيان أقوى من سلطة الدولة.

وتستمر الإدارة الأمريكية في الإشارة إلى أن خياراتها في المنطقة لم تعد تعتمد على القوة الخشنة أو التدخل العسكري المباشر، بل على مقاربة سياسية واقتصادية وأمنية مركبة، تقوم على موازنة النفوذ الإقليمي وإعادة تفعيل الشراكات التقليدية. وتؤمن واشنطن بأن خسارة العراق بالكامل لصالح النفوذ الإيراني ستعني خسارة موقع استراتيجي محوري في الشرق الأوسط، خصوصاً مع إعادة رسم خرائط النفوذ عقب حرب غزة وتراجع الحضور الأمريكي في مساحات أخرى.

 المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مادورو يلوّح بمواجهة واشنطن ويدعو الفنزويليين لرفع جاهزيتهم وسط تصاعد التوتر
  • البحرية الأمريكية تنتشل طائرتين من قاع بحر الصين الجنوبي
  • البحرية الأمريكية تؤكد انتشال طائرتين تحطمتا في بحر الصين الجنوبي
  • قائد البحرية الروسية: واشنطن والناتو يعززان وجودهما العسكري بالقطب الشمالي
  • تصاعد التوتر التجاري بين واشنطن والمكسيك.. وهذا تأثير الرسوم الجمركية على سوق العمل الأمريكي
  • التوتر الإيراني الخليجي.. تصعيد يهدد أمن المنطقة والقانون الدولي يدخل على الخط
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • لماذا أجّلت إيران زيادة أسعار البنزين؟
  • السفير الأميركي لدى لبنان يكشف عودة الاتصالات لزيارة قائد الجيش واشنطن
  • العراق محور ضغوط أمريكية لإعادة ضبط التوازن مع إيران