لجريدة عمان:
2025-12-15@06:08:23 GMT

مدى صمود الجدار الأوروبي ضد اليمين المتطرف

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

بعد مرور أكثر من نصف هذا العام الانتخابي الكبير، نجحت الأحزاب الديمقراطية الليبرالية في الغالب في الصمود أمام زحف قوى الشعبية القومية السوداء في أوروبا.

غير أنه لا يزال سابقا كثيرا للأوان أن نعلن انتصار حائط صد اليمين المتطرف هذا. فقد تُزعزِع الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاستقرار في أوروبا وخارجها في حال رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

في المقابل، قد يؤدي فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس ـ التي استعادت آمال الديمقراطيين في الاحتفاظ بالسلطة خلال ثلاثة أسابيع فقط من انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق ـ إلى بث الطاقة في القوى التقدمية في العالم.

في أوروبا، تبدو الهشاشة واضحة في التحالف المفكك للأحزاب الأساسية التي أبعدت عن السلطة في بروكسل وباريس وبرلين ووارسو قوى التعصب والتطرف المناهضة لليبرالية. ولقد ساعدها على ذلك العجز الأصيل في أحزاب اليمين المتطرف التي فازت بقرابة 25% من أصوات الانتخابات في الاتحاد الأوروبي عامة في شهر يونيو لتشكل جبهة متحدة في البرلمان الأوروبي. وبرغم محاولة رئيس وزراء المجر فكتور أوربان أن يشكل أممية قومية واحدة، توجد الآن ثلاثة تجمعات يمينية أوروبية الميل ومتنافسة بدلا من اثنتين في المجلس السابق.

وإضافة إلى التنافسات الشخصية، تختلف هذه التجمعات على دعم أوكرانيا أمام روسيا من عدمه، كما تختلف على تحويل الاتحاد الأوروبي إلى تجمع فضفاض لدول ذات سيادة أو الانفصال عن الاتحاد بالكلية. ويرغب المحافظون الوطنيون البرجماتيون الذين يحظون بقدر أكبر من «القبول» من المحيطين بجورجييا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية في النأي بأنفسهم عن الأحزاب القومية العدوانية التي تناصر طرد المهاجرين ممن حصلوا على الجنسية أو حق الإقامة.

في منتصف يوليو، تكون تحالف مؤقت من المحافظين والاشتراكيين والليبراليين والخضر لإعادة انتخاب أورسولا فون دير لاين رئيسة للمفوضية الأوروبية بعد أن قدمت وعودا متناقضة بالالتزام بأهداف انبعاثات الكربون الصافية الصفرية، وتعزيز القدرة التنافسية الصناعية وتخفيف العبء التنظيمي على المزارعين. ومن المرجح لها أن تحتفظ بالدعم الواسع نفسه عندما تقدم مجموعتها الكاملة من المفوضين، الذين رشحتهم الحكومات الوطنية في سبتمبر برغم أنه قد يتم رفض واحد أو اثنين من المرشحين في مسرح جلسات الموافقة التي تمنح البرلمان المنتخب حديثا فرصة إظهار عضلاته.

سوف يأتي التحدي الحقيقي لفون دير لاين عندما تحاول سن تشريع جديد لفرض جوانب حساسة من الصفقة الخضراء الأوروبية لمكافحة أزمة المناخ وحماية البيئة والتنوع البيولوجي. فقد يتعاون المحافظون في حزبها تكتيكيا مع أقصى اليمين للتصويت ضد تدابير الحفاظ على الطبيعة أو المبيدات الحشرية التي كانت محل نزاع مرير في الهيئة التشريعية الأخيرة. قد لا يرقى هذا النوع من التحول الانتهازي بحسب كل قضية إلى التحول لسلطة يمينية متطرفة، لكنه سيكون أكثر إثارة للقلق إذا امتد إلى سياسة الهجرة فجعلها أشد منافاة للإنسانية.

فقد حدث مثل هذا التحول في البرلمان الفرنسي العام الماضي، عندما سمح الوسطيون التابعون للرئيس إيمانويل ماكرون لحزب الجمهوريين المحافظ بتشديد مشروع قانون الهجرة بتدابير تمييزية ضد الأجانب تم تبنيها بدعم من حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، لولا أن المجلس الدستوري أبطل ذلك التشريع المعتزم. وكانت النتيجة تقوية للأجندة السياسية لحزب التجمع الوطني اليميني المتشدد.

في الانتخابات العامة المبكرة التي جرت في يونيو ويوليو، صوت ملايين الفرنسيين تكتيكيا لصالح خصوم سياسيين لكيلا يسمحوا للجبهة الوطنية بتحويل انتصارها في الجولة الأولى إلى هيمنة برلمانية. ونتيجة لهذا، وصلت الجمعية الوطنية إلى طريق مسدود، إذ لم يحصل أي حزب أو تحالف على الأغلبية. فأضعف هذا من نفوذ ماكرون في الاتحاد الأوروبي، ولكن جدار الصد المتمثل في «الجبهة الجمهورية» نجح على الأقل في إبعاد الشعبويين في الوقت الحالي.

ويبقى أن نرى هل ستنتهي فرنسا بحكومة أقلية من يمين الوسط، أو إدارة أقلية يسارية من الجبهة الشعبية الجديدة (وهو أمر أبعد احتمالا)، أو ربما حكومة تكنوقراطية على الطراز الإيطالي حتى تتسنى الدعوة إلى انتخابات جديدة في غضون عام. وبينما تأخذ السياسة قسطا من الراحة الصيفية خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس، هناك ارتياح واسع النطاق إزاء إيقاف الشعبويين الوطنيين بقيادة مارين لوبان بعيدا عن أبواب السلطة، مع شائبة تخوف من أن هذا قد يعزز فرصها في الفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2027.

وفي حين يصمد الوسط على مستوى الاتحاد الأوروبي، يواصل القوميون الشعبويون إحراز تقدم في السياسة الوطنية في أجزاء عديدة من أوروبا. ففي هولندا، تشكل أول ائتلاف حاكم بقيادة اليمين المتطرف، برغم منع زعيم حزب الحرية المناهض للإسلام، جيرت فيلدرز، من تولي رئاسة الوزراء. كما يوفر روبرت فيكو زعيم القوميين الموالي لروسيا في سلوفاكيا والذي فاز حليفه في الانتخابات الرئاسية في البلد دعما لأوربان في مواجهة جهود الاتحاد الأوروبي لتشديد العقوبات المالية على سلسلة انتهاكات سيادة القانون في المجر.

وفي المملكة المتحدة، أظهر انتصار كير ستارمر الساحق على حزب المحافظين الذي انحرف إلى اليمين القومي بعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي أن بالإمكان الانتصار على القومية الشعبوية عندما يدرك الناخبون أنها فشلت في تلبية توقعاتهم وتركتهم أسوأ حالا. ومع ذلك، فإن اندلاع أعمال شغب اليمين المتطرف العنيفة المعادية للمهاجرين يبرز أنه بوسع مجموعة متطرفة، تم حشدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن تسبب دمارا سياسيا حتى لو أن صوتها هامشي في البرلمان.

سوف يأتي الاختبار الكبير القادم لجدران الصد الأوروبية في ألمانيا، عندما تقيم ثلاث ولايات شرقية انتخابات في سبتمبر يتابعها المراقبون باعتبارها تمرينا على الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل. وبرغم سلسلة فضائح أدت إلى نبذه حتى من أحزاب قومية أخرى في البرلمان الأوروبي، فإن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف يتصدر استطلاعات الرأي في جميع الولايات الثلاث، في حين يحظى تحالف سارا فاجينكنيخت اليساري الشعبوي الموالي لروسيا الذي تم إنشاؤه مؤخرا بما يصل إلى 20٪. وقد لا تفوز الأحزاب الرئيسية بما يكفي من المقاعد معا لتشكيل ائتلافات قابلة للاستمرار في أي من هذه الولايات.

من بين جميع الأحداث القادرة على تغيير الديناميكيات السياسية في أوروبا، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي الأقوى، فمن شأن عودة ترامب النزّاع إلى الانتقام أن تشجع القوميين والشعبويين الأوروبيين وتضفي عليهم الشرعية. وتخيلوا ابتسامة على وجه زعيم الإصلاح، نايجل فاراج، أو ترحيبا على السجادة الحمراء في بودابست بصديق أوربان المقرب.

في حال انتصار هاريس، وقيادتها إدارة تجسد التنوع والنسوية والالتزام القوي بسيادة القانون، فقد يساعد ذلك في تعزيز جدار الصد في جميع أنحاء أوروبا. ومع ذلك، فإن الحواجز التي تمنع اليمين المتطرف من الوصول إلى السلطة لن تنجح في المدى البعيد إلا إذا استطاعت الأحزاب الرئيسية أن تعالج القضايا المتعلقة بتكاليف المعيشة والإسكان والطاقة بأسعار معقولة وكذلك شتى القضايا التي دفعت العديد من الناخبين إلى أحضان الشعبويين على جانبي الأطلسي.

بول تيلورزميل زائر أول في مركز السياسة الأوروبية

الترجمة عن «جارديان»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسیة الاتحاد الأوروبی الیمین المتطرف فی البرلمان فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

لوفيغارو: استخبارات الدانمارك تضع واشنطن ضمن تهديدات الأمن الأوروبي لأول مرة

قالت صحيفة لوفيغارو إن جهاز الاستخبارات العسكرية الدانماركية نشر تقريره السنوي حول الآفاق الواجب مراقبتها من أجل ضمان أمن المملكة والقارة في المستقبل القريب، وللمرة الأولى على الإطلاق، وردت الولايات المتحدة ضمن هذه التهديدات.

وحذر التقرير -حسب مقال تحليلي بقلم ستيف تنري- من تدهور غير مسبوق في البيئة الأمنية الأوروبية، معتبرا أن القارة تواجه طيفا واسعا من التهديدات المتداخلة، من "الإرهاب الإسلامي" إلى التنافس بين القوى الكبرى، وصولا إلى روسيا والصين، وفي سابقة لافتة أدرج الولايات المتحدة نفسها ضمن مصادر الخطر المحتملة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب بريطاني: الانتقال للمرحلة الثانية من سلام غزة مستحيلlist 2 of 2واشنطن بوست: إلغاء مراسم منح الجنسية الأميركية عقاب جماعي يضر بسمعة البلادend of list

ويؤكد التقرير أن الدانمارك وأوروبا عموما تواجهان أخطر تحديات أمنية منذ سنوات طويلة، في ظل تصاعد الصراعات الجيوسياسية وتراجع الثقة في منظومة الأمن الغربي.

الدانمارك تعتبر روسيا التهديد الأول لأمن أوروبا (رويترز)

ويضع التقرير "الإرهاب الإسلامي" في صدارة التهديدات، مشيرا إلى ارتفاع واضح في عدد الهجمات التي نفذت أو أحبطت في أوروبا خلال عامي 2024 و2025، ولا سيما في ألمانيا وفرنسا والنمسا.

تقويض النفوذ الغربي

ويربط التقرير هذا التصاعد ببساطة أساليب الهجوم التي تروج لها "التنظيمات المتطرفة، وبالسياق الإقليمي، خصوصا حرب غزة، التي باتت مصدر تعبئة أيديولوجية للإسلاميين".

كما يحذر التقرير من دور إيران في استخدام "شبكات إجرامية" داخل أوروبا لتنفيذ عمليات بالوكالة، ومن مخاطر إضافية ناجمة عن تفكك الأوضاع في سوريا، حيث قد يؤدي انهيار السيطرة على سجون تنظيم الدولة الإسلامية إلى عودة مقاتلين أوروبيين وارتفاع مستوى التهديد داخل القارة.

ويربط التقرير أيضا بين "التهديد الإسلامي والهجرة غير النظامية"، وهو ربط لا يثير الدهشة في ظل السياسة المتشددة التي تنتهجها الدانمارك مقارنة ببقية أوروبا، حيث تعلن المملكة صراحة سعيها إلى "محاربة المجتمعات الموازية" التي تشكلت على أراضيها خلال السنوات الأخيرة.

إعلان

ويتوقف التقرير مطولا عند الصين، معتبرا أنها تسعى إلى تقويض النفوذ الغربي وإعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها، مستفيدة من قدراتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية، مشيرا إلى أن وتيرة إنتاجها من السفن الحربية والطائرات المقاتلة تفوق بكثير نظيرتها لدى واشنطن، على الرغم من أن إنفاقها العسكري أقل من نظيره الأميركي.

وترى الاستخبارات الدانماركية أن الخطر الرئيسي الذي تمثله بكين يكمن في أنشطة التجسس وسرقة التكنولوجيا المتقدمة، ولا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية، بهدف تعزيز موقعها الإستراتيجي في مواجهة الغرب.

أوروبا تشعر بغموض متزايد في التزام الولايات المتحدة في عهد ترامب بدورها التقليدي كضامن لأمن أوروبا (رويترز)تفوق محتمل

غير أن التهديد الأكثر إلحاحا -حسب التقرير- يظل روسيا التي يرجح أن تستمر في نهجها التصادمي مع الغرب حتى بعد عام 2025، خاصة أنها لا تبدي استعدادا حقيقيا لتسوية سلمية في أوكرانيا، بل تواصل إعادة التسلح "وتكريس عسكرة المجتمع الروسي"، إلى جانب حملة دعائية واسعة تهدف إلى ترسيخ عداء طويل الأمد للغرب في أذهان الأجيال الجديدة.

ويحذر تقرير المخابرات من أن هذه التعبئة الأيديولوجية ستستمر حتى بعد نهاية عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن روسيا باتت قادرة على إنتاج أسلحة وذخائر تفوق حاجاتها الحالية، وهذا يمنحها تفوقا محتملا إذا لم تسرع أوروبا بناء قدراتها الدفاعية.

كما يشير التقرير إلى تصاعد "الحرب الهجينة" الروسية ضد أوروبا، من هجمات سيبرانية وتخريب للبنى التحتية إلى عمليات تجسس واستفزازات عسكرية، مثل اختراق الطائرات المسيرة للأجواء الأوروبية، في مسعى لاختبار تماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) واستعداده للرد.

لكن أكثر ما يلفت في التقرير هو اعتباره الولايات المتحدة للمرة الأولى، تهديدا محتملا للأمن الأوروبي، عازيا ذلك إلى سياسات واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب، وإلى طموحاتها في القطب الشمالي وغرينلاند، واستخدامها المتزايد للأدوات الاقتصادية والضغط السياسي لفرض إرادتها، فضلا عن الغموض المتزايد في التزامها بدورها التقليدي كضامن لأمن أوروبا.

وخلص التقرير إلى أن هذا التحول يعكس عمق الأزمة التي تمر بها العلاقات عبر الأطلسي، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الإستراتيجي، تجبر أوروبا على إعادة التفكير في أمنها واستقلالها الدفاعي في عالم يتسم بتعدد مراكز القوة وتآكل الثوابت القديمة.

مقالات مشابهة

  • فوز كاسح لليمين المتطرف في تشيلي.. خوسيه أنطونيو كاست رئيسا للبلاد
  • لوفيغارو: استخبارات الدانمارك تضع واشنطن ضمن تهديدات الأمن الأوروبي لأول مرة
  • التشيليون ينتخبون رئيسهم وسط توقعات بفوز اليمين المتطرف لأول مرة منذ 35 عاماً
  • الاتحاد الأوروبي يقر تجميد 210 مليارات يورو من الأصول الروسية
  • وثيقة مسرّبة .. ترامب يسعى لخروج أربع دول من الاتحاد الأوروبي
  • لبنان.. الجدار الإسرائيلي يضع «اليونيفيل» أمام اختبار صعب
  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • 2025.. عام مالي معقد في الاتحاد الأوروبي بسبب اتساع العجز
  • زخم متنامٍ: هل تتمكن المبادرات الأمنية من معالجة قضايا الأمن الجماعي الأوروبي؟
  • إيكونوميست: هل يمكن لأحد إيقاف زحف اليمين الشعبوي في أوروبا؟