شراكة فاسدة وصفقة فاوستية.. كيف يروج الإعلام الأمريكي أكاذيب الاحتلال؟
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
قال الصحفي شيموس مالك افزلي إن الصحفيين الغربيين يواصلون التماهي مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى في الوقت الذي يُذبح فيه زملاؤهم عمدا في قطاع غزة، وذلك بعدما وصلت صحيفة الشهداء من العاملين في مجال الصحافة والإعلام لأكثر من 170 شخصا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأكد افزلي في مقال نشره عبر مجلة" ذي نيشين" أنه في الحادي والثلاثين من تموز/ يوليو استشهد مراسل قناة الجزيرة إسماعيل الغول، الذي كان يقدم تقاريره من مخيم الشاطئ للاجئين في غزة، ويغطي ردود أفعال السكان إزاء اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية في طهران في وقت سابق من ذلك الصباح.
وبينما كان الغول برفقة مصوره رامي الريفي، استُهدفت سيارتهما بشكل مباشر في غارة شنتها القوات الإسرائيلية، وسرعان ما ظهر مقطع فيديو للصحفيين داخل السيارة.
وكانت قوة الانفجار قد قطعت إسماعيل رأس الغول، وكانت سترة الصحافة التي كان يرتديها لا تزال ظاهرة بوضوح.
وأضاف أن "الغول والريفي اثنين فقط من أكثر من 160 صحفيا قُتلوا أثناء تغطيتهم للحرب في غزة، وهي أعنف صراع على الإطلاق بالنسبة للصحفيين في التاريخ المسجل، ولكن في حين تترك إسرائيل عادة ضرباتها على الصحفيين دون أن تعترف بها، فإن الجيش الإسرائيلي بدلا من ذلك يتفاخر علنا بقتل الغول".
وفي بيان صادر عنه، اتهم جيش الاحتلال الغول بأنه مقاتل في حركة حماس، وتحديدا عضو في قوة النخبة للعمليات الخاصة، (ولم يقدم أي دليل على هذا الادعاء).
وعلاوة على ذلك، فقد تم تعيين تصويره لعمليات حماس ضد قوات جيش الاحتلال ــ أي قيامه بعمله كمراسل لشبكة تلفزيونية كبرى ــ على وجه التحديد باعتباره السبب وراء اغتياله.
ولم يكن الغول حتى أول صحفي فلسطيني يتعرض للتشهير باعتباره عضوا في منظمة مسلحة دون أدلة، فقد اتهم حمزة الدحدوح، نجل رئيس مكتب قناة الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، بأنه عضو في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بعد أن اغتاله الجيش في كانون الثاني/ يناير.
وذكرافزلي أن "الاعتراف الصريح من جانب إسرائيل بأن عمل الغول كصحفي ــ جهوده لتوثيق الحرب من حوله ببساطة ــ كان كافيا لقتله هو ما تسبب في قدر كبير من الصدمة المحيطة بوفاته، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذه القضية تثير تساؤلا كان يتردد صداه بقوة في الدوائر المؤيدة لفلسطين في الأشهر الأخيرة، ولكنه نادرا ما اخترق القاعات المقدسة لمنظمات الإعلام التقليدية: أين أصوات الصحفيين الغربيين وسط كل هذا؟".
وأضاف أنه "طيلة هذه الحرب تجاهل هؤلاء الصحفيون في الغالب حقيقة مقتل الصحفيين الفلسطينيين، أو حتى تجاهلوا حقيقة كونهم صحفيين على الإطلاق. ومع منع الصحفيين الغربيين إلى حد كبير من دخول غزة خلال الأشهر العشرة الماضية، لم يستجب العديد منهم بالنظر إلى التغطية المستمرة من جانب الصحفيين الفلسطينيين داخل غزة، بل بالتظاهر بأن هؤلاء الصحفيين غير موجودين".
وبين أنه "على سبيل المثال، أعربت كريستين أمانبور في شهر نيسان/ إبريل عن أسفها لأن الصحفيين لا يتواجدون على الأرض في غزة كي يستطيعوا أن يصوروا ما يحدث هناك. (وعندما تم تصحيحها بشأن هذا، أوضحت أنها كانت تعني الصحفيين الغربيين المستقلين".
وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر، تم بيع تقرير من رفح أعدته كلاريسا وارد من شبكة سي إن إن للجمهور باعتباره "نظرة حصرية على الحياة في غزة التي مزقتها الحرب"، وكأن الفلسطينيين لم يكشفوا عما يجري في رفح منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
ولكن ما هو أسوأ من هذا الإلغاء هو أن الصحفيين الغربيين القلائل الذين تمكنوا من دخول غزة فعلوا ذلك حصريا تقريبا من خلال مرافقة جيش الاحتلال في رحلات خاضعة لإشراف مشدد إلى القطاع.
ويقرر جيش الاحتلال أين يذهب الصحفيون، وما الذي يُسمح لهم برؤيته، ومن الذي يُسمح لهم باستجوابه.
وأضاف أنه "بدلا من تحدي هذا الوضع الدعائي الواضح، قام صحفيون من منافذ إعلامية مثل صحيفة نيويورك تايمز وشبكة إن بي سي نيوز بالتماهي بإخلاص مع دعاية الجيش الإسرائيلي، والفائدة التي تعود على إسرائيل واضحة. ولنتأمل هنا تقريرا في صحيفة وول ستريت جورنال في شهر شباط/ فبراير، حيث نقل مراسل الصحيفة تقارير مثيرة من داخل أنفاق حماس تحت مدينة خانيونس المدمرة، والتي كان الجيش الإسرائيلي أكثر من سعيد بإتاحتها".
وقالت إن "إسرائيل لم تفعل شيئا لكسب هذا المستوى من الثقة. فخلال هذه الحرب، كذبت حكومتها باستمرار، وبلا نهاية، وبطرق سخيفة دون أن تتوقف لالتقاط أنفاسها قبل الإعلان عن الكذبة التالية. ولا شك أن مصداقيتها لا تقبل الشك لأنها لا تملك أي مصداقية".
يمكن استغراق هذه المقالة بأكملها لسرد الطرق التي مكنت بها الاتهامات، التي يرددها الصحفيون الغربيون كالببغاوات دون تحقيق، من تدمير قطاعات رئيسية من المجتمع في غزة، حيث لم يعد تدمير المستشفيات وقصف المدارس أمورا تستحق الاستجواب.
وأشار إلى أن "الأمر سيكون مختلفا تماما، على مستوى ساخر بحت، لو تلقى الصحفيون الأميركيون الذين تعهدوا بالولاء للروايات الإسرائيلية الولاء والثقة والمساحة للمناورة حول الساسة والقادة العسكريين الإسرائيليين في المقابل. ولكن الأمر يصبح مختلفا بشكل متزايد عندما يبدو أن هذا الولاء لا يزال يُكسبهم ازدراء بالكاد يتم اخفاؤه".
وأضاف أن "وسائل الإعلام الغربية تعرضت طيلة الحرب ضد غزة للهجوم من قبل الساسة الإسرائيليين، حيث أدان زعيم المعارضة يائير لابيد وسائل الإعلام الموضوعية ووصفها بأنها تخدم حماس، واتهم وزير الاتصالات الإسرائيلي شبكة سي إن إن وصحيفة نيويورك تايمز، من بين منظمات رئيسية أخرى، بالتواطؤ في هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من خلال المصورين الصحفيين الذين عملوا معهم سابقا في غزة. كما امتد عداء إسرائيل لوسائل الإعلام الغربية المحترمة إلى ما هو أبعد من حدود هذه الحرب. خلال حرب غزة عام 2021، قامت إسرائيل حتى بتسوية مبنى مليء بمكاتب وسائل الإعلام، بما في ذلك وكالة أسوشيتد برس، على أساس مزاعم بأنها كانت تستخدم من قبل حماس دون أن يتم تقديم أي دليل على الإطلاق".
وذكر أنه "بعد مثل هذا الهجوم الصارخ، وهذه العلامات الواضحة على عدم الاحترام، ناهيك عن عمليات قتل وتشويه زملائهم، ليس فقط في فلسطين ولكن في لبنان أيضا، قد يظن المرء أن الصحفيين الغربيين ومنظماتهم سيكونون على استعداد لتغيير موقفهم بشأن الدولة التي آمنوا بها بسهولة من قبل. ولكن هذا لم يحدث".
ولكن بدلا من ذلك، يواصل المراسلون في نصف الكرة الأرضية الآخر التظاهر بالصمت، ويطالبون بمزيد من التوضيح، ويصرون على أنهم سينتظرون الأدلة، ويلتزمون الصمت بشأن قتل الناس الذين يؤدون عملهم، في حين أنهم لا يفعلون ذلك بالتأكيد عندما يحدث ذلك لأناس في مدارهم المباشر، على أمل أن تزول هذه الغيمة ذات يوم، وتظل حياتهم المهنية سليمة، بل وحتى مرتفعة. والأمر الأكثر غدرا هو أنهم يواصلون السفر إلى غزة مرافقين لنفس الجيش الإسرائيلي الذي يقتل العديد من زملائهم المراسلين. وهذه لعبة خطيرة محكوم عليها بالفشل.
وإذا لم يثبت أي شيء آخر من اندلاع الحرب ضد غزة، فهو أن الأرض تحركت تحت أقدامنا جميعا. وكلما طال أمد تمسك الصحفيين الغربيين بكلمات المتحدثين باسم إسرائيل، كلما زاد ارتباطهم بسفينة متجهة إلى دوامة جارفة. ولم تتعاف منافذ إعلامية مثل صحيفة نيويورك تايمز تماما من تغطيتها الكارثية للأحداث التي سبقت حرب العراق، وأثبتت تغطيتها لأحداث غزة أنها لا تقل ضررا بسمعتها.
لقد كان هذا الترتيب بين الصحفيين الغربيين و"إسرائيل" دائما أشبه بصفقة فاوستية (صفقة مع الشيطان)، حيث يقايضون الوصول إلى المعلومات بالخسارة الحتمية للمصداقية في المستقبل. والآن أصبحت العيوب الحقيقية الخبيثة المترتبة على هذا الترتيب واضحة تماما، حيث تهدد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بالفعل في غزة بالانفجار في صراع قد يحرق الشرق الأوسط. وقد لا تلتئم الحروق التي تتركها على أولئك الذين مكنوا من اندلاع مثل هذه الحرب الرهيبة بسهولة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الاحتلال غزة الصحافة غزة الاحتلال الصحافة اسماعيل الغول المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی جیش الاحتلال هذه الحرب وأضاف أن الذی ی فی غزة
إقرأ أيضاً:
تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.
والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.
لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.
والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.
أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.
أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.
هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.
وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.
الأيام الفلسطينية